نعم (١) ، و «بلى آأدرك» بألف بين همزتين (٢) ، وقرأ أبي ومجاهد «أن» بدل («بل» (٣)) (٤) وهي مخالفة للسواد.
قوله : (فِي الْآخِرَةِ) فيه وجهان :
أحدهما : أن «في» على بابها و «أدرك» وإن كان ماضيا لفظا فهو (٥) مستقبل معنى ، لأنه كائن قطعا ، كقوله : (أَتى أَمْرُ اللهِ) [النحل : ١] ، وعلى هذا ف «في» متعلق ب «أدرك»(٦).
والثاني : أنّ «في» بمعنى الباء ، أي : بالآخرة ، وعلى هذا فيتعلق بنفس علمهم ، كقولك : على يزيد كذا (٧). وأمّا قراءة من قرأ «بلى» ، فقال الزمخشري : لمّا جاء ببلى بعد قوله : (وَما يَشْعُرُونَ) كان معناه : بلى يشعرون ، ثم فسر الشعور بقوله : (ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ) على سبيل التهكم الذي معناه المبالغة في نفي العلم (٨) ، ثم قال : وأمّا قراءة : «بلى أأدرك» (٩) على الاستفهام فمعناه : بلى (١٠) يشعرون متى يبعثون ، ثم أنكر علمهم (١١) بكونها ، وإذا أنكر علمهم بكونها لم يتحصّل لهم شعور بوقت كونها ، لأن العلم بوقت الكائن (١٢) تابع للعلم بكون الكائن (١٣) ، ثم قال : فإن قلت ما معنى هذه الإضرابات الثلاثة؟ قلت : ما هي إلا تنزيل لأحوالهم (١٤) ، وصفهم أولا بأنهم لا يشعرون وقت البعث ، ثم بأنّهم لا يعلمون أن القيامة كائنة ، ثم بأنهم يخبطون في شك ومرية (١٥) انتهى.
فإن قيل : (عمي) يتعدى ب (عن) تقول : عمي فلان عن كذا ، فلم عدي ب (من) (١٦) وقوله (مِنْها عَمُونَ)؟ فالجواب : أنّه جعل الآخرة مبدأ عماهم ومنشأه (١٧).
فصل
المعنى على قراءة ابن كثير : «أدرك» أي بلغ ولحق ، كما تقول : أدركه علمي ، إذا لحقه وبلغه يريد : ما جهلوا في الدنيا وسقط علمه عنهم علموه في الآخرة (١٨). قال (١٩) مجاهد : يدرك علمهم في الآخرة ويعلمونها إذا عاينوها ، حين لا ينفعهم علمهم (٢٠).
__________________
(١) انظر البحر المحيط ٧ / ٩٢.
(٢) المحتسب ٢ / ١٤٢.
(٣) المختصر (١١٠) البحر المحيط ٧ / ٩٢.
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) فهو : سقط من ب.
(٦) انظر البحر المحيط ٧ / ٩٢.
(٧) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ٢٣٥ ، مشكل إعراب القرآن ٢ / ١٥٤.
(٨) الكشاف ٣ / ١٥٠.
(٩) في ب : بل أدرك.
(١٠) في ب : بل.
(١١) في ب : عليهم.
(١٢) في ب : مؤقت كائن.
(١٣) الكشاف ٣ / ١٥٠.
(١٤) في ب : إلا لأحوالهم.
(١٥) الكشاف ٣ / ١٥٠.
(١٦) في ب : من.
(١٧) انظر الكشاف ٣ / ١٥٠.
(١٨) انظر البغوي ٦ / ٣٠١.
(١٩) في ب : وقال.
(٢٠) انظر البغوي ٦ / ٣٠١.