وأيضا فإنّ الله تعالى أنزل هذه القصص على محمد ـ عليهالسلام (١) ـ تسلية له وإزالة للحزن عن قلبه. فلما أخبر الله تعالى محمدا أنه هو الذي أنزل العذاب عليهم جزاء على كفرهم علم أنّ الأمر كذلك ، وحينئذ حصل له التسلي (٢).
قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (١٩٥) وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ) (١٩٦)
قوله تعالى (٣) : (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ). الهاء تعود على القرآن وإن لم يجر له ذكر للعلم به (٤). و «تنزيل» بمعنى منزّل (٥) ، أو على حذف مضاف أي : ذو تنزيل ، وقوله : «نزل» قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو وحفص : «نزل» مخففا ، و (الرُّوحُ الْأَمِينُ) مرفوعان على إسناد الفعل ل «الروح» و «الأمين» نعته ، والمراد به جبريل.
وباقي السبعة : بالتشديد مبنيا للفاعل ، وهو الله تعالى ، و (٦) (الرُّوحُ الْأَمِينُ) منصوبان (٧) على المفعول به ، و «الأمين» صفته أيضا. وقرىء : «نزّل» مشددا مبنيا للمفعول (٨) ، و (الرُّوحُ الْأَمِينُ) مرفوعان على ما لم يسم فاعله. و «به» إمّا متعلق ب «نزل» أو بمحذوف على أنه حال(٩).
قوله : (عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ). قال أبو حيان : الظاهر تعلّق (عَلى قَلْبِكَ) و «لتكون» ب «نزل» (١٠). ولم يذكر ما يقابل هذا الظاهر. وأكثر ما يتخيّل أنه يجوز أن يتعلقا ب «تنزيل» أي : وإنه لتنزيل ربّ العالمين على قلبك لتكون ، ولكن فيه ضعف من حيث الفصل بين المصدر ومعموله بجملة : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ).
وقد يجاب عنه بوجهين :
أحدهما : أنّ هذه الجملة اعتراضية ، وفيها تأكيد وتشديد ، فليست بأجنبية.
والثاني : الاغتفار في الظرف وعديله. وعلى هذا فلا يبعد أن يجيء في المسألة باب (١١) الإعمال(١٢) ، فإن كلّا من «تنزيل» و «نزل» يطلب هذين الجارين.
__________________
(١) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦٤.
(٣) تعالى : سقط من ب.
(٤) انظر التبيان ٢ / ١٠٠٠.
(٥) المرجع السابق.
(٦) و : تكملة ليست في المخطوط.
(٧) السبعة (٤٧٣) ، الكشف ٢ / ١٥١ ـ ١٥٢ ، النشر ٢ / ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٤).
(٨) قال أبو البقاء : (وعلى ترك التسمية والتشديد) التبيان ٢ / ١٠٠٠ ولم أعثر عليها عند غيره ، ولم يعزها إلى من قرأ بها.
(٩) انظر الكشاف ٣ / ١٢٦ ، تفسير ابن عطية ١١ / ١٤٨.
(١٠) البحر المحيط ٧ / ٤٠.
(١١) في الأصل : من باب.
(١٢) وهو التنازع.