قوله : (وَإِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما).
قال عليه (الصلاة) (١) والسلام : «لا طاعة لمخلوق في معصية الله» (٢) ثم أوعد بالمصير إليه ، فقال : (إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) أخبركم بصالح أعمالكم وسيئها فأجازيكم عليها كأنه تعالى يقول : لا تظنوا أني غائب عنكم وآباؤكم حاضرون فتوافقون الحاضرين في الحال اعتمادا على غيبتي ، وعدم علمي بمخالفتكم فإني حاضر معكم أعلم ما تفعلون ، ولا أنسى فأنبئكم بجميعه (٣).
قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا) يجوز فيه الرفع على الابتداء ، والنصب على الاشتغال.
وقوله : (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) أي نجعلهم منهم ، وندخلهم في أعدادهم ، كما يقال : الفقيه داخل في العلماء. والمعنى : نجعلهم من (٤) جملة الصالحين وهم الأنبياء والأولياء. وقيل : في مدخل الصالحين وهو الجنة.
فإن قيل : ما الفائدة في إعادة (الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ)؟
فالجواب : أنه ذكر الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولا ، لبيان حال المهتدي وثانيا ، لبيان حال الهادي لأنه قال أولا : (لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ).
وقال ثانيا : (لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ) والصالحين هم الهداة ، لأنها مرتبة الأنبياء ، ولهذا قال إبراهيم ـ عليه (الصلاة و) السلام : (وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ)(٥).
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذابِ اللهِ وَلَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِما فِي صُدُورِ الْعالَمِينَ (١٠) وَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنافِقِينَ)(١١)
قوله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ) المكلفون ثلاثة أقسام : مؤمن ظاهر بحسن اعتقاده ، وكافر مجاهر بكفره وعناده ، ومذبذب بينهما ويظهر الإيمان بلسانه ويضمر الكفر ، فالله تعالى لما بين القسمين الأولين بقوله : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) إلى قوله : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) بين القسم الثالث وهو المنافق فقال : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ فَإِذا أُوذِيَ فِي اللهِ) أصابه بلاء من الناس افتتن ، «وجعل فتنة الناس كعذاب الله» أي جعل أذى الناس وعذابهم كعذاب الله في الآخرة أي جزع من أذى الناس ولم يصبر عليه فأطاع الناس كما يطيع الله من يخاف عذابه ، قال
__________________
(١) زيادة من «ب».
(٢) الحديث رواه ابن ماجة في سننه عن ابن مسعود رضي الله عنه في الجهاد بلفظ «لا طاعة لمن عصى الله» وانظر : ابن ماجة ٢ / ٩٥٦.
(٣) قاله الرازي في التفسير الكبير ٢٥ / ٣٦.
(٤) ذكره الشوكاني في فتح القدير ٤ / ١٩٣.
(٥) [الشعراء : ٨٣]. وانظر : الرازي في التفسير الكبير المرجع السابق.