نفسه بهذين الأمرين في قوله : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى)(١) [الأعلى : ٢ ـ ٣].
وقال : (خَلَقَنِي) بلفظ الماضي ، لأن خلق الذات لا يتجدد في الدنيا ، بل لما وقع بقي إلى الأمد المعلوم (٢).
وقال : (فَهُوَ يَهْدِينِ)(٣) بلفظ المستقبل ، لأن الهداية مما تتكرر كل حين وأوان ، سواء كانت تلك الهداية من المنافع الدنياوية بتمييز النافع (٤) عن الضار ، أو من المنافع الدينية بتمييز الحق عن الباطل والخير عن الشر (٥).
قوله : (وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ)(٦). يجوز أن يكون مبتدأ وخبره محذوف (٧) وكذلك ما بعده ، ويجوز أن تكون (٨) أوصافا ل (الَّذِي خَلَقَنِي) ودخول الواو جائز (٩) ، وقد تقدم تحقيقه في أول البقرة (١٠) كقوله :
٣٩١١ ـ إلى الملك القرم وابن الهمام |
|
وليث الكتيبة في المزدحم (١١) |
وأثبت ابن أبي إسحاق ـ وتروى عن عاصم أيضا ـ ياء المتكلم في : «يسقين ، ويشفين ، ويحيين» (١٢).
فصل (١٣)
المعنى : يرزقني ويغذوني بالطعام والشراب ، ونبه بذكر الطعام والشراب على ما عداهما.
قوله : (وَإِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) أضاف (١٤) المرض إلى نفسه ، وإن كان المرض والشفاء كله من الله استعمالا لحسن الأدب كما قال الخضر (١٥) : (فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها)
__________________
(١) [الأعلى : ٢ ، ٣]. انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٣٤.
(٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٤.
(٣) في ب : يهديني.
(٤) في ب : المنافع.
(٥) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٤٤.
(٦) في ب : ويسعين.
(٧) وقدره ابن الأنباري من جنس الأول ، أي : فهو يهدين. البيان ٢ / ٢١٥ ، وانظر التبيان ٢ / ٩٩٧.
(٨) في الأصل : أن تكونوا.
(٩) انظر التبيان ٢ / ٧٧٩.
(١٠) عند قوله تعالى : «وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ» [البقرة : ٤]. انظر اللباب ١ / ٤٥.
(١١) البيت من بحر المتقارب مجهول القائل ، وهو في معاني القرآن ١ / ١٠٥ ، ٢ / ٥٨ ، ٢٤٦ ، الكشاف ١ / ٢٣ ، الإنصاف ٢ / ٤٦٩ ، الخزانة ١ / ٤٥١ ، ٥ / ١٠٧ ، ٦ / ٩١. القرم بفتح القاف : السيد. الهمام : الملك العظيم الهمة ، السيد الشجاع السخي. الكتيبة : الجيش. المزدحم : محل الازدحام ، وأراد به المعركة. والشاهد فيه عطف بعض الصفات على بعض ، فقد عطف قوله (وابن الهمام) على (القرم) ، ثم عطف عليه (وليث الكتيبة) وذلك جائز ، لأن الموصوف بها واحد.
(١٢) القرطبي ١٣ / ١١١ ، الإتحاف (٣٣٢ ـ ٣٣٣.
(١٣) فصل : سقط من الأصل.
(١٤) في ب : وأضاف.
(١٥) في ب : الخضر عليه الصلاة والسلام.