أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أقسم أن لا يدخل على أزواجه شهرا قال الزهري : فأخبرني عروة عن عائشة قالت (١) : فلما مضت تسع وعشرون أعدّهن دخل عليّ رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقلت : بدأ بي فقلت : يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل علينا شهرا وإنك دخلت من تسع وعشرين أعدهن فقال : إن الشهر تسع وعشرون.
فصل
اختلف العلماء في هذا الخيار هل كان ذلك تفويض الطلاق إليهن حتى يقع بنفس الاختيار أم لا؟ فذهب الحسن وقتادة (٢) وأكثر أهل العلم إلى أنه لم يكن تفويض للطلاق ، وإنما خيرهن على أنهن إذا اخترن الدنيا فارقهن لقوله تعالى : (فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَ) ويدل عليه أنه لم يكن جوابهن على الفور فإنه قال لعائشة : «لا تعجلي حتى تستشيري أبويك» وفي تفويض الطلاق يكون الجواب على الفور. وذهب آخرون إلى أنه كان تفويض طلاق ولو اخترن أنفسهن كان طلاقا ، واختلف العلماء في حكم التخيير فقال عمر وابن مسعود وابن عباس إذا خير رجل امرأته فاختارت زوجها لا يقع شيء (٣) ، ولو اختارت نفسها وقع طلقة واحدة وهو قول عمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى (٤) وسفيان والشافعي وأصحاب الرأي إلا أن عند أصحاب الرأي تقع طلقة بائنة (٥) إذا اختارت نفسها ، وعند الآخرين رجعية ، وقال زيد بن ثابت : إذا اختارت الزوج يقع طلقة واحدة وإذا اختارت نفسها فثلاث وهو قول الحسن ، ورواية عن مالك (٦). وروي عن علي أيضا أنها إذا اختارت زوجها يقع طلقة (٧) واحدة وإذا اختارت نفسها فطلقة ثانية ، وأكثر العلماء (٨) على أنها إذا اختارت زوجها لا يقع شيء لما روت
__________________
(١) في «ب» قال.
(٢) ذكره الإمام القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن ١٤ / ١٧٠ وقال : ومن الصحابة علي فيما رواه عنه أحمد بن حنبل أنه قال : لم يخير رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ نساءه إلا بين الدنيا والآخرة.
(٣) هذا رأي علماء الصحابة ومن علماء التابعين الذين اختاروا هذا الرأي عطاء ومسروق ، وسليمان بن يسار وربيعة وابن شهاب وانظر : المرجع السابق ١٤ / ١٧١.
(٤) ابن أبي ليلى : عبد الرحمن الأنصاري الأوسي أبو عيسى الكوفي عن عمر ومعاذ وبلال وأبي ذر ، أدرك مائة وعشرين من الصحابة الأنصاريين وعنه ابنه عيسى ومجاهد وعمرو بن ميمون مات سنة ٨٣ ه ، انظر : الخلاصة ٢٣٤.
(٥) وهو قول أبي حنيفة وأصحابه ورواه ابن خويزمنداد عن مالك. القرطبي ١٤ / ١٧١.
(٦) هو الإمام مالك بن أنس أحد أئمة المذاهب الأربعة الذين كان لهم فضل في معرفة الدّين وأحكامه الفقهية وانظر المرجع السابق وحجة مالك ومن معه أن الملك إنما يكون بذلك.
(٧) رجعية كما روي عنه أنها إذا اختارت نفسها فليس بشيء ، انظر : المرجع السابق.
(٨) وهو الصحيح ، لقول عائشة الأعلى الذي أخرجه الصحيحان البخاري ومسلم ، وقد قال ابن المنذر : وحديث عائشة يدل على أن المخيرة إذا اختارت نفسها أنها تطليقة يملك زوجها رجعتها إذ غير جائز أن يطلق رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بخلاف ما أمره الله. الجامع ١٤ / ١٧١.