قوله تعالى : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ (٢١٠) وَما يَنْبَغِي لَهُمْ وَما يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢) فَلا تَدْعُ مَعَ اللهِ إِلهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ)(٢١٣)
قوله : (وَما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّياطِينُ). العامة على الياء ورفع النون ، وهو جمع تكسير.
وقرأ الحسن البصري وابن السميفع والأعمش بالواو مكان الياء والنون مفتوحة (١) ، إجراء له مجرى جمع السلامة. وهذه القراءة (قد ردّها) (٢) جمع كثير من النحويين.
قال الفراء : غلط الشّيخ ، ظنّ أنّها النون التي على هجائين (٣). فقال النضر بن شميل : إن جاز أن يحتجّ بقول العجاج ورؤبة فهلا (٤) جاز أن يحتجّ بقول الحسن وصاحبه ـ يعني : محمد بن السميفع ـ مع أنا نعلم أنهما لم يقرآ به إلّا وقد سمعا فيه (٥). وقال النحاس : هو غلط عند جميع النحويين (٦).
وقال المهدوي : هو غير جائز في العربية (٧). وقال أبو حاتم : هي غلط منه أو عليه (٨). وقد أثبت هذه القراءة جماعة من أهل العلم ودفعوا عنها الغلط ، فإنّ القارىء بها من العلم بمكان مكين. وأجابوا عنها بأجوبة صالحة.
فقال النضر بن شميل : قال يونس بن حبيب : سمعت أعرابيا يقول : دخلت بساتين من ورائها بساتون. فقلت : ما أشبه هذا بقراءة الحسن (٩).
وخرّجها بعضهم على أنها جمع (شيّاط) بالتشديد ، مثال مبالغة. مثل : (ضرّاب وقتّال) على أن يكن مشتقا من : شاط يشيط ، أي : أحرق ، ثم جمع جمع سلامة مع تخفيف الياء ، فوزنه (١٠) : (فعالون) مخففا من (فعّالين) بتشديد العين.
ويدل على ذلك أنّهما وغيرهما قرءوا بذلك ، أعني : بتشديد الياء (١١) ، وهذا منقول عن مؤرج السّدوسيّ (١٢). ووجّهها آخرون بأنّ (آخره لما) (١٣) كان يشبه يبرين (١٤) ، وفلسطين ، أجري إعرابه تارة على النون ، وتارة بالحرف ، كما قالوا : هذه يبرين وفلسطين ويبرون وفلسطون (١٥) ، وتقدم القول في ذلك في البقرة (١٦). والهاء في «به» تعود على
__________________
(١) المختصر (١٠٨) ، المحتسب ٢ / ١٣٣ ، البحر المحيط ٧ / ٤٦.
(٢) ما بين القوسين في الأصل : قدرها.
(٣) معاني القرآن ٢ / ٢٨٥.
(٤) في ب : فهل.
(٥) انظر الكشاف ٣ / ١٢٩ ، القرطبي ١٣ / ١٤٢ ، البحر المحيط ٧ / ٤٦.
(٦) إعراب القرآن ٣ / ١٩٤.
(٧) انظر القرطبي ١٣ / ١٤٢ ، البحر المحيط ٧ / ٤٦.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٦.
(٩) انظر تفسير ابن عطية ١١ / ١٢٥٥ ، القرطبي ١٣ / ١٤٢ ، البحر المحيط ٧ / ٤٦.
(١٠) في ب : بوزنه. وهو تحريف.
(١١) انظر القرطبي ١٣ / ١٤٢ ، البحر المحيط ٧ / ٤٦.
(١٢) تقدم.
(١٣) ما بين القوسين في ب : آخرها.
(١٤) في ب : ميرين.
(١٥) انظر الكشاف ٣ / ١٢٩ ، البحر المحيط ٧ / ٤٦.
(١٦) عند قوله تعالى : «وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ» من الآية (١٠٢).