فصل
معنى أجرها مرّتين أي مثل أجر غيرها ، قال مقاتل (١) : مكان كل حسنة عشرون حسنة (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) يعني الجنة ، ووصف رزق الآخرة بكونه كريما مع أن الكرم لا يكون وصفا إلا للرزاق (٢) ، وذلك إشارة إلى أن الرزق في الدنيا مقدر على أيدي الناس ، التاجر يسترزق من السوقة ، والعاملين والصناع من المتعلمين والملوك من الرعية منهم ، فالرزق في الدنيا لا يأتي بنفسه وإنما هو مستمر للغير يمسكه ويرسله إلى الأغيار (٣) ، وأما في الآخرة فلا يكون له ممسك ومرسل في الظاهر فهو الذي يأتي بنفسه فلأجل هذا لا يوصف في الدنيا بالكريم إلا الرازق وفي الآخرة يوصف بالكريم نفس الرزق(٤).
قوله : (يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ) قال الزمخشري : «أحد» في الأصل (٥) يعني وحد وهو الواحد ، ثم وضع في النفي العام مستويا فيه المذكر والمؤنث والواحد وما وراءه والمعنى لستن كجماعة واحدة من جماعات النساء (أي) (٦) إذا تقصّيت (٧) جماعات النساء (٨) واحدة واحدة لم يوجد منهن جماعة واحدة تساويكن في الفضل والسابقة. ومنه قوله عزوجل : (وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) [النساء : ١٥٢] يريد بين جماعة واحدة منهم تسوية بين جميعهم في أنهم على الحق البين (٩). قال أبو حيان أما قوله : «أحد» في الأصل بمعنى «وحد» وهو الواحد فصحيح (١٠) ، وأما قوله : وضع إلى قوله وما وراءه. فليس بصحيح ، لأن الذي يستعمل في النفي العام مدلوله غير مدلول واحد لأن «واحد» ينطلق (١١) على شيء اتصف بالوحدة «وأحدا» المستعمل في النفي العام مختص (١٢) بمن يعقل ، وذكر النحويون أن مادّته همزة وحاء ودال ومادة «أحد» بمعنى واحد واو وحاء ودال فقد اختلفا مادة ومدلولا ، وأما قوله : «لستن كجماعة واحدة» فقد قلنا إن معناه ليست كل واحدة منكن فهو حكم على كل واحدة لا على المجموع من حيث هو مجموع ، وأما (وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ) فيحتمل أن يكون الذي يستعمل في النفي العام ولذلك جاء في سياق النفي فعم وصلحت
__________________
(١) وفسّره أبو عبيدة في المجاز بالثواب فقال : «نعطها ثوابها» المجاز ٢ / ١٣٧.
(٢) في «ب» الرازق.
(٣) في كلتا النسختين الأعيان وفي الفخر الرازي الأغيار كأعلى ب.
(٤) تفسير الرازي ٢٥ / ٢٠٨.
(٥) قاله في الكشاف ٣ / ٣٥٩.
(٦) سقطت من «ب».
(٧) هكذا هي في الكشاف وما في «ب» نقصت.
(٨) وهي أمة النساء وجماعة لم توجد منهن جماعة.
(٩) في الكشاف المبين.
(١٠) البحر المحيط ٧ / ٢٢٩.
(١١) في «ب» مطلقة.
(١٢) في «ب» وهو ما في البحر مخصوص.