فأما قراءة الفاء فإنه جعل فيها ما بعد الفاء كالجزاء لما قبلها مترتبا عليه. وقراءة الواو لمجرد عطف جملة على أخرى. والتوكل : عبارة عن تفويض الرجل أمره إلى من يكل أمره ويقدر على نفعه وضره (١). ثم قال : (عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ) ليكفيك كيد (٢) الأعداء بعزته وينصرك عليهم برحمته.
قوله : (الَّذِي يَراكَ) يجوز أن يكون مرفوع المحل خبرا لمبتدأ محذوف (٣) ، أو منصوبه على المدح (٤) ، أو مجروره على النعت أو البدل أو البيان (٥).
قال أكثر المفسرين : معناه : يراك حين تقوم إلى صلاتك (٦). وقال مجاهد : يراك أينما كنت (٧). وقيل : حين تقوم لدعائهم.
قوله : (وَتَقَلُّبَكَ). عطف على مفعول «يراك» أي : ويرى تقلّبك ، وهذه قراءة (٨) العامة. وقرأ (٩) جناح بن حبيش بالياء من تحت مضمومة ، وكسر اللام ، ورفع الباء (١٠) ، جعله فعلا ، مضارع (قلّب) بالتشديد ، وعطفه على المضارع قبله ، وهو «يراك» أي : الذي يقلّبك.
فصل
معنى (١١) تقلبه أي : تقلبك في صلاتك في حال قيامك وركوعك وسجودك وقعودك ، قال عكرمة وعطية عن ابن عباس : (فِي السَّاجِدِينَ) أي : في المصلين (١٢).
وقال مقاتل والكلبي : أي : مع المصلين في الجماعة ، أي : يراك حين تقوم وحدك للصلاة ، ويراك إذا صليت مع المصلين جماعة (١٣).
وقال مجاهد : يرى تقلب بصرك في المصلين ، فإنّه كان يبصر من خلفه كما يبصر من أمامه (١٤). قال عليهالسلام (١٥) : «والله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم (١٦) ، وإني لأراكم من وراء ظهري» (١٧). وقال الحسن : (تَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ) أي : تصرفك وذهابك ومجيئك في أصحابك المؤمنين (١٨). وقال سعيد بن جبير : يعني : وتصرّفك في
__________________
(١) انظر الكشاف ٣ / ١٢٩ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٣.
(٢) في ب : ليد. وهو تحريف.
(٣) أي : هو الذي.
(٤) فيكون مقطوعا عما قبله.
(٥) من قوله تعالى : «الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ».
(٦) انظر القرطبي ١٣ / ١٤٤.
(٧) المرجع السابق.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ٤٧.
(٩) في ب : فصل وقرأ.
(١٠) المختصر (١٠٨) ، البحر المحيط ٧ / ٤٧.
(١١) في ب : منى. وهو تحريف.
(١٢) انظر البغوي ٦ / ٢٤٩.
(١٣) انظر البغوي ٦ / ٢٥٠.
(١٤) المرجع السابق.
(١٥) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٦) في ب : ركوعكم ولا خشوعكم.
(١٧) أخرجه البخاري (صلاة) ١ / ٨٤ ، (أذان) ١ / ١٣٦ ، مسلم (صلاة) ١ / ٣١٩ ، الموطأ (سفر) ١ / ١٦٧ ، أحمد ٢ / ٣٠٣ ، ٣٦٥ ، ٣٧٥.
(١٨) انظر البغوي ٦ / ٢٥٠.