الذين يفعلون هذه الطاعات ومثله وسئل بعضهم عن الهلوع فلم يزد أن تلا : (إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً وإِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً).
فصل
قال في البقرة : (الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ) ولم يقل هنا : الذين يؤمنون بالغيب ؛ لأن المتّقي هو التارك للكفر ويلزم (١) منه أن يكون مؤمنا ، والمؤمن (٢) هو الآتي بحقيقة الإيمان ، ويلزمه أن لا يكون كافرا ، فلما كان المتقي دالا على المؤمن بالالتزام مدح بالإيمان هناك ، ولما كان المحسن دالا على الإيمان بالتنصيص لم يصرح بالإيمان (٣).
وتقدم الكلام على نظير قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ) إلى قوله : (الْمُفْلِحُونَ)(٤).
قوله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ) لما بين أن القرآن كتاب حكيم يشتمل على آيات حكيمة بين حال الكفار أنهم يتركون ذلك ويشتغلون بغيره (٥). قال مقاتل والكلبي : نزلت في النّضر بن الحارث كان يتّجر (٦) فيأتي الحيرة ويشتري أخبار العجم ويحدث (٧) بها قريشا ويقول : إن محمدا يحدثكم بحديث عاد وثمود وأنا أحدثكم بحديث «رستم ، واسفنديار» ، وأخبار الأكاسرة فيستملحون حديثه ويتركون استماع القرآن ، فأنزل الله هذه الآية ، وقال مجاهد : يعني شراء القيان (٨) والمغنّين ، ووجه الكلام على هذا التأويل من يشتري ذات أو ذا لهو الحديث ، قال عليه (الصلاة و) السلام : «لا يحل (تعليم) المغنيات ولا بيعهن (٩) وأثمانهن حرام» وفي مثل هذا نزلت الآية (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) وما من رجل يرفع صوته بالغناء إلّا بعث الله
__________________
(١) في «ب» ويلزمه.
(٢) في «ب» والفخر الرازي والمحسن.
(٣) انظر : تفسير الفخر الرازي «التفسير الكبير» ج ٢٥ / ١٤٠.
(٤) في البقرة والتوبة والنمل والأنفال والمائدة وقال هناك في البقرة إن إقامة الصلاة تعديل أركانها وحفظها من أن يقع زيغ في فرائضها وسننها وآدابها ، من أقام العود إذا قوّمه ، أو الدوام عليها والمحافظة عليها وإيتاء الزكاة إعطاؤها لمستحقيها. ومعنى «هم يوقنون» الإيقان إتقان العلم بانتفاء الشّكّ والشبهة عنه انظر : اللباب ١ / ٦٧ : ٦٩ ب بتصرف.
(٥) في «ب» ويشتغلون بذلك.
(٦) انظر : زاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٣١٥ وأسباب النزول للواحدي عن الكلبي ومقاتل بدون سنة ١٩٧ وأسباب النزول للسيوطي وقد قال السيوطي : إنها نزلت في رجل من قريش اشترى جارية مغنية.
(٧) في «ب» ويعلم بها قريشا.
(٨) انظر : زاد المسير لابن الجوزي ٦ / ٣١٥ والطبري ١ / ٤١ والدر المنثور للسيوطي ٦ / ٥٠٤.
(٩) الحديث أورده السيوطي في الدر المنثور ٦ / ٥٠٤ عن أبي أمامة أن رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ قال : لا تبيعوا القينات ولا تشتروهنّ ولا تعلموهنّ ولا خير في أثمانهن.