فصل
قال ابن عباس المراد هنا بالفاحشة النشوز وسوء (١) الخلق ، وقيل : هو كقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) [الزمر : ٦٥]. واعلم أن النبي ـ صلىاللهعليهوسلم (٢) ـ لما خير نساءه واخترن الله ورسوله أدبهن الله وهددهن بالتوقي عما يسوء النبي ويقبح بهن من الفاحشة التي هي أصعب على الزوج من كل ما يأتي به زوجته وأوعدهن بتضعيف العذاب وفيه حكمتان (٣) :
إحداهما (٤) : أن زوجة الغير تعذب على الزنا بسبب ما في الزنا من المفاسد وزوجة النبي تعذب إن أتت به لذلك لإيذاء قلبه والإزراء بمنصبه وعلى هذا بنات النبي عليه (٥) السلام كذلك ولأن امرأة لو كانت تحت النبي عليهالسلام وأتت بفاحشة تكون قد اختارت غير النبي على النبي ويكون ذلك الغير خيرا عندها من النبي وأولى والنبي أولى من النفس التي هي أولى من الغير فقد نزلت منصب النبي مرتبتين فتعذب من العذاب ضعفين.
وثانيهما : أن هذا إشارة إلى شرفهن ؛ لأن الحرة عذابها ضعف عذاب الأمة إظهارا لشرفها ونسبة النبي إلى غيره من الرجال نسبة السادات إلى العبيد لكونه أولى بهم من أنفسهم فكذلك زوجاته اللائي هن أمهات المؤمنين ، وأم الشخص امرأة حاكمة عليه واجبة الطاعة وزوجته مأمورة محكومة له وتحت طاعته فصارت زوجة الغير بالنسبة إلى زوجة النبي عليهالسلام كالأمة (٦) بالنسبة إلى الحرة ، واعلم أن قول القائل من يفعل ذلك في قوة قوله : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) من حيث إن ذلك ممكن الوقوع في أول النظر ولا يقع في بعض الصور جزما وفي بعض (يقع) (٧) جزما ، وفي البعض يتردد السامع في الأمرين ، فقوله تعالى : (مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ) من القبيل الأولى فإن الأنبياء صان الله زوجاتهم عن الفاحشة ثم قال : (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) أي ليس كونكن تحت النبي عليهالسلام وكونكنّ شريفات جليلات مما يدفع العذاب عنكن فليس أمر الله كأمر الخلق حيث يتعذر عليهم تعذيب الأعزة بسبب كثرة أوليائهم وأعوانهم وشفعائهم وإخوانهم.
__________________
ـ هناك أن التضعيف والمضاعفة بمعنى واحد. وقيل : إن المضعف للتكثير وقيل : لما جعل مثلين أما المضاعفة ـ بصيغة المفاعلة ـ لما زيد عليه أكثر من ذلك ، اللباب ١ / ٦١٧.
(١) ذكره ابن الجوزي في زاد المسير ٦ / ٣٧٨.
(٢) هذا كله قول الإمام فخر الدين الرازي في تفسيره الكبير ٢٥ / ٢٠٧.
(٣) في «ب» حكمان.
(٤) في «ب» أحدهما موافقة «لحكمان».
(٥) في «ب» صلىاللهعليهوسلم.
(٦) في «ب» كالابنة بالنسبة إلى الجدة وهو خلاف ما في تفسير الرازي.
(٧) سقط من «ب».