الثامن : أن يكونا خبري ابتداء مضمر ، أي : (هي) (١) هدى وبشرى للمؤمنين (٢).
فصل
المراد يهديهم (٣) إلى الجنة وبشرى لهم ، كقوله تعالى : (فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ (٤) مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً)(٥) ، ولهذا (٦) خص به المؤمنين (٧) ، وقيل : المراد بالهدى : الدلالة ، وإنما خصه بالمؤمنين ، لأنه ذكر مع الهدى البشرى ، والبشرى إنما تكون للمؤمنين ، أو لأنهم تمسكوا به ، كقوله : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها) [النازعات : ٤٥] ، أو أنه يزيد (٨) في هداهم ، كقوله تعالى : (وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً)(٩) [مريم : ٧٦].
قوله : (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ) يجوز أن يكون مجرور المحل ، نعتا للمؤمنين ، أو بدلا أو بيانا ، أو منصوبة على المدح ، أو مرفوعة على تقدير مبتدأ ، أي : هم الذين ، والمراد بها : الصلوات الخمس ، وكذا القول في الزكاة ، فإنها هي الواجبة ، لأن التعريف بالألف واللام يقتضي ذلك. وإقامة الصلاة أن يؤديها بشرائطها ، والزكاة بوضعها في مواضعها (١٠).
قوله : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) «هم» الثاني تكرير للأول على سبيل التوكيد اللفظي ، وفهم الزمخشري منه الحصر ، أي : لا يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء المتصفون بهذه الصفات. ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية ، وكرر فيها المبتدأ الذي هو «هم» حتى صار معناها : وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق(١١).
و «بالآخرة» متعلق ب «يوقنون» ، ولا يضر الفصل بينهما بالتوكيد.
وهذه الجملة يحتمل أن تكون معطوفة على الصلة ، داخلة في حيز الموصول ، وحينئذ يكون قد غاير بين الصّلتين لمعنى ، وهو أنه لما كان إقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة مما يتكرّر ويتجدّد أتى بالصلتين جملة فعلية ، فقال : «يقيمون» ، و «يؤتون».
ولما كان الإيقان بالآخرة أمرا ثابتا مطلوبا دوامه ، أتى بالصلة جملة اسمية ، مكررا فيها المسند إليه ، مقدما الموقن به ، الدال على الاختصاص ، ليدل على الثبات
__________________
(١) هي : تكملة ليست في المخطوط.
(٢) انظر الكشاف ٣ / ١٣٢ ، البيان ٢ / ٢١٨ وفيه : هو هدى ، التبيان ٢ / ١٠٠٣.
(٣) في ب : يهد لهم.
(٤) ما بين القوسين في النسختين : يبشرهم ربهم برحمة.
(٥) [النساء : ١٧٥].
(٦) في ب : وهذا.
(٧) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٧.
(٨) في ب : مزيد.
(٩) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٧ ـ ١٧٨.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٧٨.
(١١) انظر الكشاف ٣ / ١٣٢.