في «فيه» راجع إلى مضمون الجملة (١) كأنه قيل لا ريب في ذلك أي في كونه من رب العالمين ويشهد لواجهته (٢) : (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ) ؛ لأن قولهم مفترى إنكار لأن يكون من رب العالمين وكذلك قوله: (بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) وما فيه من تقرير أنه من الله وهذا أسلوب صحيح محكم (٣).
قوله : (مِنْ رَبِّكَ) حال من «الحقّ» والعامل فيه محذوف على القاعدة وهو العامل في «لتنذر» ويجوز أن يكون العامل في : «لتنذر» غيره أي أنزله لتنذر.
قوله : (قَوْماً ما أَتاهُمْ) الظاهر أن المفعول الثاني للإنذار محذوف ، و «قوما» هو الأول ، إذ التقدير : لتنذر قوما العقاب و (ما أَتاهُمْ) جملة منفية في محل نصب صفة «لقوما» يريد الذين في الفترة (٤) بين عيسى ومحمد عليهماالسلام. وجعله الزمخشري (٥) كقوله : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) [يس : ٦] فعلى هذا يكون «من نذير» هو فاعل «أتاهم» و «من» مزيدة فيه و (مِنْ قَبْلِكَ) صفة «لنذير» ، ويجوز أن يتعلق (مِنْ قَبْلِكَ) «بأتاهم». وجوز أبو حيان (٦) أن تكون «ما» موصولة في الموضعين والتقدير : لتنذر قوما العقاب الذي أتاهم من نذير من قبلك و «من نذير» متعلق «بأتاهم» أي أتاهم على لسان نذير من قبلك وكذلك (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ) أي العقاب الذي أنذره آباؤهم ، «فما» مفعولة في الموضعين ، و «أنذر» يتعدى إلى اثنين قال الله تعالى : (فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً) [فصلت : ١٣] وهذا القول جار على ظواهر القرآن قال تعالى : (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ) [فاطر : ٢٤] (أَنْ تَقُولُوا ما جاءَنا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ فَقَدْ جاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ) [المائدة : ١٩] وهذا الذي قال ظاهر ، ويظهر أن في الآية الأخرى وجها آخر وهو أن تكون «ما» مصدرية تقديره لتنذر قوما إنذار آبائهم لأن الرسل كلّهم متفقون (٧) على كلمة الحق.
فصل
المعنى بل هو يعني القرآن الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك. قال قتادة : كانوا أمة لهم يأتهم نذير قبل محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ (قال ابن عباس (٨) ومقاتل : ذاك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ) (لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ).
قوله : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ) لما ذكر الرسالة ، وبين ما على الرسول من الدعاء إلى التوحيد وإقامة الدليل فقال : (خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) ، (والله (٩) مبتدأ ، وخبره (الَّذِي خَلَقَ) يعني الله هو الذي خلق
__________________
(١) الكشاف ٣ / ٢٤٠.
(٢) في الكشاف : ويشهد لوجاهته قوله. وهو الأصح.
(٣) المرجع السابق.
(٤) القرطبي ١٤ / ١٥.
(٥) الكشاف ٣ / ٢٤٠.
(٦) البحر المحيط ٧ / ١٩٧.
(٧) في «ب» كلهم متفقة.
(٨) ساقط من «ب» وانظر : القرطبي ١٤ / ٨٥.
(٩) ساقط من «ب».