(ما) ، كقوله : (فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ) [النور : ٤٥] ، و (ما) قد تكون صلة في الكلام ، كقوله (١) : «جند ما هنالك» (٢) ، ومعناه : بورك من في النّار وفيمن حولها وهم الملائكة وموسى عليهمالسلام (٣). وقال الزمخشري : (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) : بورك من في مكان النار ومن حولها : مكانها ، ومكانها : هي البقعة التي حصلت فيها ، وهي البقعة المذكورة في قوله تعالى (٤) : (مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ) [القصص : ٣٠] ، وتدل عليه قراءة أبيّ (٥).
قوله : (وَسُبْحانَ اللهِ) فيه أوجه :
أحدها : أنه من تتمّة النداء : أي : نودي بالبركة وتنزيه ربّ العزّة ، أي : نودي بمجموع الأمرين(٦).
الثاني : أنه من كلام الله تعالى مخاطبا لنبينا محمد ـ عليه الصلاة والسلام (٧) ـ ، وهو على هذا اعتراض بين أثناء القصة (٨).
الثالث : أنّ معناه وبورك من (٩) سبّح الله ، يعني أنه حذف (من) وصلتها ، وأبقى معمول الصلة ، إذ التقدير : بورك من في النّار ومن حولها ، ومن قال : سبحان الله (١٠) و «سبحان» في الحقيقة ليس معمولا لقال ، بل لفعل من لفظه ، وذلك الفعل هو المنصوب بالقول.
فصل
روي (١١) عن ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن في قوله : (بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ) يعني : قدّس من في النار ، وهو الله ، عنى به نفسه على معنى : أنه نادى موسى منها ، وأسمعه كلامه من جهتها ، كما روي أنه مكتوب في التوراة : «جاء الله من سيناء وأشرق من ساعير واستعلى من جبال فاران» ، فمجيئه من سيناء بعثته موسى منها ، ومن ساعير
__________________
(١) في ب : لقوله.
(٢) من قوله تعالى : «جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ» [ص : ١١]. والاستدلال بها على أن (ما) زائدة. البيان ٢ / ٣١٣ ، التبيان ٢ / ١٠٩٨.
(٣) انظر البغوي ٦ / ٢٦١.
(٤) تعالى : سقط من ب.
(٥) انظر المحتسب ٢ / ١٣٤.
(٦) قال أبو حيان : (والظاهر أن قوله : «وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» داخل تحت قوله «نودي»). البحر المحيط ٧ / ٥٦.
(٧) في ب : صلىاللهعليهوسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم.
(٨) انظر البحر المحيط ٧ / ٥٦.
(٩) من : سقط من ب.
(١٠) وعليه فهو من كلام الله تعالى. حكاه القرطبي وأبو حيان عن ابن شجرة. انظر القرطبي ١٣ / ١٦٠ ، البحر المحيط ٧ / ٥٦.
(١١) من هنا نقله ابن عادل عن البغوي ٦ / ٢٦١.