وقرأ اليمانيّ : «وأتباعك» بالجر (١) عطفا على الكاف في «ذلك» ، وهو ضعيف أو ممنوع عند البصريين (٢) ، وعلى هذا فيرتفع «الأرذلون» على خبر ابتداء مضمر ، أي : هم الأرذلون (٣) وقد تقدم مادّة «الأرذل» (٤) في هود (٥).
فصل
الرذالة : الخسّة والذّلة ، وإنما استرذلوهم لاتّضاع نسبهم وقلة نصيبهم من الدنيا.
وقيل : كانوا من (٦) أهل الصناعات الخسيسة كالحياكة (٧) والحجامة (٨).
وهذه الشبهة في غاية الركاكة ، لأن نوحا ـ عليهالسلام (٩) ـ بعث إلى الخلق كافة ، فلا يختلف الحال بسبب الفقر والغنى وشرف المكاسب وخستها ، فأجابهم نوح عنه بالجواب الحق ، وهو قوله : (وَما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ)(١٠) أي : ما أعلم أعمالهم وصنائعهم ، وليس عليّ من دناءة مكاسبهم وأحوالهم شيء ، إنما كلّفت أن أدعوهم إلى الله ولي منهم ظاهر أمرهم (١١).
قوله : (وَما عِلْمِي) يجوز في «ما» (١٢) وجهان :
أظهرهما : أنها استفهامية في محل رفع بالابتداء ، و «علمي» خبرها (١٣) ، والباء متعلقة به.
والثاني : أنها نافية ، والباء متعلقة ب «علمي» أيضا ، قاله الحوفي (١٤). ويحتاج إلى إضمار خبر ليصير الكلام به (جملة) (١٥)(١٦).
__________________
(١) البحر المحيط ٧ / ٣١.
(٢) ووجه ضعفه عند البصريين أو امتناعه أنه لا بد من إعادة حرف الجر مع المعطوف وحجتهم في ذلك أن الجار مع المجرور بمنزلة شيء واحد ، فإذا عطفت على الضمير المجرور ـ والضمير إذا كان مجرورا اتصل بالجار ، ولم ينفصل منه ، ولهذا لا يكون إلا متصلا ، بخلاف ضمير المرفوع والمنصوب ـ فكأنك قد عطفت الاسم على الحرف الجار ، وعطف الاسم على الحرف لا يجوز. وأجاز ذلك الكوفيون محتجين بقراءة حمزة في أول سورة النساء : «وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحامَ» بجر «الأرحام» عطفا على الهاء في «به». انظر الإنصاف المسألة (٦٥) ٢ / ٤٦٣ ـ ٤٧٤.
(٣) انظر البحر المحيط ٧ / ٣١.
(٤) في ب : الأرذلون.
(٥) عند قوله تعالى : «وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ» [٢٧].
(٦) من : سقط من ب.
(٧) حاك الثوب يحوكه حوكا وحياكا وحياكة : نسجه. اللسان (حوك).
(٨) الحجامة : حرفة الحجام ، والحجّام : محترف الحجامة. المعجم الوسيط (حجم) وانظر الكشاف ٣ / ١٢٠ ، الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٥.
(٩) في ب : عليه الصلاة والسلام.
(١٠) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٥٥.
(١١) انظر البغوي ٦ / ٢٢٧.
(١٢) في ب : فيه.
(١٣) قال الزمخشري :(«وما علمي» أيّ شيء علمي) الكشاف ٣ / ١٢٠.
(١٤) انظر البحر المحيط ٧ / ٣١.
(١٥) المرجع السابق ، وهو اعتراض أبي حيان.
(١٦) ما بين القوسين في ب : جملة اسمية.