قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ)(٥)
قوله (١) : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ) الآية.
لما بيّن (٢) ما للمؤمنين من البشرى أتبعه بما للكفار من سوء العذاب ، فقال : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) القبيحة ، حتى رأوها حسنة ، (فَهُمْ يَعْمَهُونَ) يترددون فيها متحيرين. فإن قيل : كيف أسند تزيين أعمالهم إلى ذاته مع أنه أسنده إلى الشيطان في قوله (زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ) [الأنفال : ٤٨]؟.
فالجواب : أما أهل السنة فأجروا الآية على ظاهرها ، لأن الإنسان لا يفعل شيئا ألبتة إلا إذا دعاه الداعي إلى الفعل والمعقول من الداعي هو العلم و (٣) الاعتقاد ، أو الظن بكون الفعل مشتملا على منفعة ، وهذا الداعي لا بد وأن يكون من فعل الله تعالى لوجهين :
الأول : أنه لو كان لافتقر فيه إلى داع آخر ، ولزم (٤) التسلسل ، وهو محال.
الثاني : أن العلم (٥) إما أن يكون ضروريا ، أو كسبيا ، فإن كان ضروريا فلا بد من تصورين والتصور يمتنع أن يكون مكتسبا ، لأن المكتسب إن كان شاعرا به ، فهو متصور له ، وتحصيل الحاصل محال ، وإن لم يكن متصورا ، كان غافلا عنه ، والغافل عن الشيء يمتنع أن يكون طالبا له. فإن قيل : هو مشعور به من وجه (٦) ، قلنا : فالمشعور به غير ما هو (٧) غير (٨) مشعور به ، فيعود التقسيم (٩) المتقدم في كل واحد من هذين الوجهين.
وإذا ثبت أن التصور غير مكتسب ألبتة ، والعلم الضروري هو الذي يكون مكتسبا ، فإن (١٠) كل واحد من تصوّريه كاف (١١) في حصول التصديق ، فالتصورات (١٢) غير مكتسبة فهي مستلزمة التصديقات ، فإذن متى حصلت التصورات البديهية ، كان التصديق بها بديهيا وليس كسبيا. ثم إن التصديقات البديهية إن كانت مستلزمة التصديقات النظرية ، كانت كسبية ، لأن لازم الضروري ضروري ، وإن لم تكن مستلزمة لها لم تكن تلك الأشياء التي فرضناها علوما نظرية كذلك ، بل هي اعتقادات تقليدية ، لأنه لا معنى لاعتقاد المقلد إلا
__________________
(١) في ب : قوله تعالى.
(٢) من هنا نقله ابن عادل عن الفخر الرازي ٢٥ / ١٧٩ ـ ١٨٠.
(٣) في ب : أو.
(٤) في ب : لزم.
(٥) في ب : أن العلم الثاني. وهو تحريف.
(٦) في ب : وجهين. وهو تحريف.
(٧) في ب : فالمشعور غيرها وهو.
(٨) غير : تكملة من الفخر الرازي.
(٩) كذا في الفخر الرازي ، وفي الأصل : التقديم ، وفي ب : التقدير.
(١٠) في ب : على.
(١١) في ب : كافيا.
(١٢) في ب : والتصورات.