فصل
قوله : (فِي أَدْنَى الْأَرْضِ) أي أرض العرب ، لأن الألف واللام للعهد ، والمعهود عندهم أرضهم. فإن قيل : أي فائدة في ذكر قوله : (مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ) لأن قوله : (سَيَغْلِبُونَ) بعد قوله: (غُلِبَتِ الرُّومُ) لا يكون إلا من بعد الغلبة؟
فالجواب : فائدته إظهار القدرة وبيان أن ذلك بأمر الله لأن من غلب بعد غلبه لا يكون إلا ضعيفا فلو كان غلبتهم بشوكتهم لكان الواجب أن يغلبوا قبل غلبهم فإذا غلبوا بعد ما غلبوا دل عليه أن ذلك بأمر الله (فقال) (١) من بعد غلبهم ليتفكروا في ضعفهم ويتذكروا أنه ليس بقوتهم وإنما ذلك بأمر هو من الله ، وقوله : في أدنى الأرض لبيان شدة ضعفهم أي انتهى ضعفهم إلى أن وصل عدوهم إلى طرف الحجاز وكسروهم وهم في بلادهم ثم غلبوا حتى وصلوا إلى المدائن وبنوا هناك «الرومية» لبيان أن هذه الغلبة العظيمة بعد ذلك الضعف العظيم بإذن الله تعالى (٢).
فصل
قال : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) وهو ما بين الثلاثة والعشرة فأبهم الوقت مع أن المعجزة في تعيين الوقت أتم لأن السنة والشهر واليوم والساعة كلها معلومة عند الله وبينها لنبيه ، وما أذن له في إظهاره لأن الكفار كانوا معاندين والأمور التي تقع في البلاد النائية تكون معلومة الوقوع بحيث لا يمكن إنكارها لكن وقتها يمكن الاختلاف فيه فالمعاند كان يتمكن من أن يرجف بوقوع الواقعة قبل الوقوع ليحصل الخلاف في كلامه ، ولمّا نزلت الآية خرج أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ إلى الكفار فقال : فرحتم بظهور (٣) إخوانكم فلا تفرحوا فو الله لتظهرنّ الرّوم على فارس أخبرنا بذلك نبينا محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فقام إليه أبيّ بن خلف الجمحيّ فقال : كذبت فقال : أنت أكذب يا عدوّ الله (فقال اجعل بيننا (٤)) أجلا أناحبك عليه ، والمناحبة المراهنة على عشر قلائص مني وعشر قلائص منك فإن ظهرت الروم على فارس غرمت وإن ظهرت فارس غرمت ، وجعلوا الأجل ثلاث سنين فجاء أبو بكر إلى النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ فأخبره بذلك ، وذلك قبل تحريم القمار ، فقال رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ : ما هكذا ذكرت إنما البضع ما بين الثلاث إلى التسع فزايده (٥) في الخطر ، وماده (في (٦) الأجل) فجعلها مائة قلوص ، إلى تسع سنين ، وقيل : إلى سبع سنين قال : قد فعلت وهذا يدل على علم النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ بوقت الغلبة ثم إنّ أبيّ بن خلف خشي أن يخرج أبو بكر من مكة فأتاه ولزمه (٧) وقال (أبيّ (٨)) : أخاف أن تخرج من مكة فأقم
__________________
(١) ساقط من «ب».
(٢) انظر : تفسير الفخر الرازي ٢٥ / ٩٦.
(٣) في «ب» لتطهور.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) في «ب» فزاده.
(٦) ساقط من «ب».
(٧) في «ب» فلزمه.
(٨) ساقط من «ب» وفيها «وقال إني أخاف أن يخرج أبو بكر من مكة فأقم لي كفيلا».