والثاني : أنه معطوف على «أخذنا» ؛ لأن المعنى أن الله أكد على الأنبياء الدعوة إلى دينه لإثابة المؤمنين وأعد للكافرين ، وقيل : إنه حذف من الثاني ما أثبت مقابله في الأول ، ومن الأول ما أثبت مقابله في الثاني والتقدير : ليسأل الصادقين عن صدقهم فأثابهم ويسأل الكافرين عما أجابوا رسلهم«و (أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً)(١).
فصل
قال المفسرون : المعنى أخذنا ميثاقهم لكي يسأل الصادقين عن صدقهم يعني النبيين عن تبليغهم الرسالة والحكمة في سؤالهم (٢) مع علمه أنهم صادقون بتبكيت من أرسلوا إليهم. وقيل : ليسأل الصادقين عن علمهم بالله عزوجل ، وقيل : ليسأل الصادقين بأفواههم (٣) عن صدقهم بقلوبهم (٤).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَكانَ اللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً (٩) إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا (١٠) هُنالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزالاً شَدِيداً (١١) وَإِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً (١٢) وَإِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ يا أَهْلَ يَثْرِبَ لا مُقامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنا عَوْرَةٌ وَما هِيَ بِعَوْرَةٍ إِنْ يُرِيدُونَ إِلاَّ فِراراً (١٣) وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِنْ أَقْطارِها ثُمَّ سُئِلُوا الْفِتْنَةَ لَآتَوْها وَما تَلَبَّثُوا بِها إِلاَّ يَسِيراً (١٤) وَلَقَدْ كانُوا عاهَدُوا اللهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الْأَدْبارَ وَكانَ عَهْدُ اللهِ مَسْؤُلاً (١٥) قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذاً لا تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (١٦) قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مِنَ اللهِ إِنْ أَرادَ بِكُمْ سُوءاً أَوْ أَرادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيراً)(١٧)
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ ...) الآية وهذا تحقيق لما سبق من الأمر بتقوى الله بحيث لا يبقى معه خوف من أحد وذلك حين حوصر المسلمون مع رسول الله ـ صلىاللهعليهوسلم ـ أيام الخندق ، واجتمع الأحزاب واشتد الأمر على الأصحاب حيث اجتمع المشركون بأسرهم واليهود بأجمعهم ، ونزلوا على المدينة وعمل النبي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ الخندق وكان الأمر في غاية الشدة والخوف بالغا إلى الغاية والله دفع القوم عنهم من غير قتال وآمنهم من الخوف فينبغي أن لا يخاف العبد غير ربه فإنه القادر (٥)
__________________
(١) المرجعان السابقان وانظر : الدر المصون ٤ / ٣٦٧.
(٢) في «ب» والحكمة في سؤاله.
(٣) في «ب» عن أفواههم.
(٤) ذكر هذه الأوجه كلها الإمام القرطبي في تفسيره لأحكام القرآن ١٤ / ١٢٨.
(٥) في «ب» فإنه قادر بدون (ألف ولام).