٣٩٩٥ ـ وقد خاب من كانت سريرته الغدر (١)
وتقدم إيضاح هذا في الأنعام (٢). والبرهان تقدم اشتقاقه (٣) ، وهو الحجة ، وقال الزمخشري هنا : فإنت قلت : لم سميت الحجة برهانا؟ قلت : لبياضها وإنارتها من قولهم (للمرأة البيضاء) (٤) برهرهة ، بتكرير العين واللام ، والدليل على زيادة النون قولهم أبره (٥) الرجل إذا جاء بالبرهان ، ونظيره تسميتهم إياها سلطانا من السّليط وهو الزيت لإنارتها (٦).
قوله : (إِلى فِرْعَوْنَ) متعلق بمحذوف ، فقدره أبو البقاء مرسلا إلى فرعون (٧) ، وغيره : اذهب (٨) إلى فرعون ، وهذا المقدر ينبغي أن يكون حالا من «برهانان» أي : مرسلا بهما إلى فرعون ، والعامل في هذه الحال ما في اسم الإشارة.
قوله تعالى : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (٣٣) وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ (٣٤) قالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُما سُلْطاناً فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُما بِآياتِنا أَنْتُما وَمَنِ اتَّبَعَكُمَا الْغالِبُونَ (٣٥) فَلَمَّا جاءَهُمْ مُوسى بِآياتِنا بَيِّناتٍ قالُوا ما هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُفْتَرىً وَما سَمِعْنا بِهذا فِي آبائِنَا الْأَوَّلِينَ (٣٦) وَقالَ مُوسى رَبِّي أَعْلَمُ بِمَنْ جاءَ بِالْهُدى مِنْ عِنْدِهِ وَمَنْ تَكُونُ لَهُ عاقِبَةُ الدَّارِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ)(٣٧)
قوله : (قالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ) اعلم أنه تعالى لمّا قال : (فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ)(٩) تضمن ذلك أن يذهب موسى بهذين البرهانين إلى فرعون وقومه ، فعند ذلك طلب من يقوّي قلبه فقال : (رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْساً فَأَخافُ أَنْ يَقْتُلُونِ وَأَخِي هارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِساناً) ، لأنه كان في لسانه حبسة إما (١٠) في أصل الخلقة وإما لأنه وضع الجمرة في فيه عند ما (نتف لحية) (١١) فرعون (١٢).
__________________
(١) عجز بيت من بحر الطويل قاله أعشى تغلب ، وصدره :
ألم يك غدرا ما فعلتم بشمعل
وقد تقدم.
(٢) عند قوله تعالى : «ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا» من الآية (٢٣).
(٣) عند قوله تعالى :«قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ»[البقرة : ١١١].
(٤) ما بين القوسين سقط من ب.
(٥) في ب : ابن. وهو تحريف.
(٦) في النسختين : لإنارته ، والتصويب من الكشاف. انظر الكشاف ٣ / ١٦٦.
(٧) التبيان ٢ / ١٠٢٠ ، وسبقه إلى هذا التقدير ابن الأنباري. البيان ٢ / ٢٣٣.
(٨) في ب : ذهب. وهو تحريف.
(٩) من الآية السابقة.
(١٠) إما : سقط من ب.
(١١) ما بين القوسين في النسختين : تيقظ. والتصويب من الفخر الرازي.
(١٢) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ٢٤٩.