مختلفة ، وليس المراد بالألسنة الجوارح. وقيل : المراد بالألسن اختلاف الأصوات ، وأما اختلاف الألوان فالمراد أبيض وأسود وأحمر وأنتم ولد رجل واحد ، (وامرأة واحدة (١)). وقيل : المراد باختلاف الألوان الذي بين ألوان الإنسان فإن واحدا منهم مع كثرة عددهم ، وصغر حجم قدودهم لا يشتبه بغيره ، والسموات مع غيرها وقلة عددها مشتبهات في الصورة (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ) ، قرأ حفص بكسر اللام ، جعله جمع عالم ضد الجاهل ونحوه : (وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ) والباقون (٢) بفتحها لأنها آيات لجميع الناس وإن كان بعضهم يغفل عنها وقد تقدم أول الفاتحة (٣) الكلام في «العالمين» (قيل (٤)) : هو جمع أو اسم جمع. قوله : (وَمِنْ آياتِهِ مَنامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ) لما ذكر الأعراض اللازمة وهي الاختلاف ذكر الأعراض المفارقة ومن جملتها النوم بالليل والحركة بالنهار طلبا للرزق (و (٥)) قيل : في الآية تقديم وتأخير ليكون كل واحد مع ما يلائمه ، والتقدير ومن آياته منامكم بالليل وابتغاؤكم من فضله بالنهار ، فحذف حرف الجر لاتصاله بالليل ، وعطفه عليه لأن حرف العطف (٦) قد يقوم مقام الجارّ ، والأحسن أن يجعل على حاله.
والنوم بالنهار مما كانت العرب تعدّه نعمة من الله ، ولا سيما في أوقات القيلولة في البلاد الحارة ، وقوله : (وَابْتِغاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ) أي منهما (٧) فإن كثيرا ما (٨) يكتسب الإنسان بالليل ، ويدل على الأول قوله تعالى : (وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) [الإسراء : ١٢] وقوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً وَجَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً) [النبأ : ١٠ ، ١١] ، ثم قال : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) سماع تدبير واعتبار وقال ههنا : (لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ) ومن قبل : (لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) وقال : «للعالمين» لأن المنام بالليل ، والابتغاء (٩) يظّن الجاهل أو الغافل أنهما مما يقتضيه طبع الحيوان فلا يظهر لكل أحد كونهما من نعم الله ، فلم يقل آيات للعالمين ، ولأن الأمرين الأولين وهو اختلاف الألسن (١٠) والألوان من اللوازم
__________________
(١) انظر : القرطبي ١٤ / ١٨ وما بين القوسين كله ساقط من «ب».
(٢) انظر : الإتحاف ٣٤٨ والسبعة ٥٠٦ وإبراز المعاني ٦٤٠ ، و ٦٤١ ومعاني الفراء ٢ / ٣٢٣ الذي قال فيه : يريد العالم من الجن والإنس ، ومن قرأها : «للعالمين» بالكسر فهو وجه جيد لأنه قال : «لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ».
(٣) قيل هناك : إن عالمين اسم جمع لأن واحده من غير لفظه ، ولا يجوز أن يكون جمعا «لعالم» ؛ لأن الصحيح في «عالم» أنه يطلق على كل موجود ، سوى البارىء لاشتقاقه من العلامة «و «عالمون» بصيغة الجميع لا يطلق إلا على العقلاء دون غيرهم فاستحال أن يكون «عالمون» جمع عالم لأن الجمع لا يكون أخصّ من المفرد.
(٤) ساقط من «ب».
(٥) زائد من «ب».
(٦) انظر : الدر المصون ٤ / ٣١٨ : ٣٢٠ ، والقرطبي ١٤ / ١٨ ، والبحر المحيط ٧ / ١٦٧.
(٧) في «ب» فيهما.
(٨) في «ب» مما.
(٩) في «ب» والإيقاظ بالنهار لا يظن.
(١٠) في «ب» الألسنة.