توجه المدح والذم والأمر والنهي عليه ، (وليس لهذه) (١) الآية في هذا المعنى خاصية أزيد مما ورد من الأمر والنهي والمدح والذم في قصة إبراهيم وموسى ونوح وسائر القصص ، فكيف خصّ هذه القصة بهذه الوجوه دون سائر القصص. وإذا (٢) ثبت أن هذه الوجوه هي ذلك الوجه المشهور فالجواب عنها هما (٣) الجوابان المشهوران :
الأول : أنّ الله تعالى لمّا علم وقوع هذه الأشياء ، فعدمها محال ، لأنّ عدمها يستلزم انقلاب العلم جهلا ، وهو محال ، والمفضي إلى المحال محال ، وإن كان عدمها محالا كان التكليف بالترك تكليفا بالمحال.
الثاني : أنّ القادر لما كان قادرا على الضدين امتنع أن يرجح أحد المقدورين على الآخر لا لمرجح ، والمرجح : هو الداعي والإرادة ، وذلك المرجح مرجح محدث ، فله مؤثر ، وذلك المؤثر إن كان هو العبد لزم التسلسل ، وهو محال ، وإن كان هو الله تعالى فذاك الجبر على قولك ، فثبت بهذين البرهانين القاطعين سقوط ما قاله (٤).
قوله تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ (١٧٦) إِذْ قالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلا تَتَّقُونَ (١٧٧) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (١٧٨) فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ (١٧٩) وَما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلى رَبِّ الْعالَمِينَ (١٨٠) أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ (١٨١) وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ (١٨٢) وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (١٨٣) وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ (١٨٤) قالُوا إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ (١٨٥) وَما أَنْتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا وَإِنْ نَظُنُّكَ لَمِنَ الْكاذِبِينَ (١٨٦) فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (١٨٧) قالَ رَبِّي أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ (١٨٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمْ عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ إِنَّهُ كانَ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٨٩) إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٩٠) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ)(١٩١)
قوله تعالى : (كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ).
قرأ نافع وابن كثير وابن عامر : «ليكة» بلام واحدة وفتح التاء ، جعلوه اسما غير معرّف ب «أل» مضافا إليه «أصحاب» هنا وفي «ص» (٥) خاصة.
والباقون : «الأيكة» معرفا ب «أل» موافقة لما أجمع (٦) عليه في الحجر (٧) وفي «ق» (٨)
__________________
(١) ما بين القوسين في الفخر الرازي : ولهذه.
(٢) في ب : إذا.
(٣) في ب : هو. وهو تحريف.
(٤) انظر الفخر الرازي ٢٤ / ١٦١ ـ ١٦٢.
(٥) وهو قوله تعالى : «وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ» [١٣].
(٦) في ب : اجتمع.
(٧) وهو قوله تعالى : «وَإِنْ كانَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ لَظالِمِينَ» [٧٨].
(٨) وهو قوله تعالى : «وَأَصْحابُ الْأَيْكَةِ وَقَوْمُ تُبَّعٍ كُلٌّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ وَعِيدِ» [١٤]. وانظر السبعة (٣٦٨ ، ٤٧٣) ، الكشف ٢ / ٣٢ ، النشر ٢ / ٣٣٦ ، الإتحاف (٣٣٣).