المناهج العلميّة والأنساق المعرفيّة ، وصارت التعبّديّة البديل المؤلم والحلّ الجاهز لكلّ التساؤلات التي ينهض بها العقل ويرشح بها الفكر ، فاضمحلّت الإبداعيّة والابتكاريّة وحلّت مكانها التبعيّة الارثوذكسيّة المملّة ، وغدت المبادئ والثوابت والاُصول مجرّد أشياء معلّبة لا يمكن محاورتها والوصول إليها ومحاكاتها ، وصار الجديد جديد الغرباء ، أمّا نحن فلا جديد عندنا ; ذلك بفضل فضاءاتنا وثقافتنا التي جمّدت الجوهر الموّاج بالحركة التي لا تهدأ والنتاج الذي لا يتوقّف بلا أدنى شكّ ، فمن قال : إنّ النصّ لا يُحاكى ولا يرشح بالجديد الحديث؟! فهذا يعني أنّ مشروعنا الفكري الرسالي منحصرٌ زمكانياً ، الأمر الذي نقطع بعدمه ; إذ المشروع بنصّه وسائر أركانه جاء ليكون شموليّاً من حيث الزمكانيّة والمبادئ والمفاهيم ، بعبارة أوضح : إنّ المحتوى متجاوز لمشكلة الزمان والمكان ومجيب عن السؤال الكبير إجابةً تتجدّد كلّ يوم طبق الحاجة والظرف وتتناغم مع نموّ الحياة ورفعتها مع حفظ الثوابت والاُصول ، فالحضارة لا تشكّل برادوكساً مع المشروع أبداً ، بل هي حاجة ونتيجة من نتائجه ، ومبدأ القرية الكونيّة مبدؤنا لا مبدؤهم على ضوء ما جاء به الدين من نصّ ومضمون.
إنّنا إن وضعنا هذا الأساس بعين الاعتبار وصارت ثقافتنا تنأى عن الوثوقيّة وتقترب من الفضاءات العقلانيّة والاستدلاليّة العلميّة ، صرنا آنذاك جاهزين أكثر لممارسة عمليّة الانسلاخ المجازي ، الممارسة التي تبني قواعد محكمة على جادّة إرساء المبادئ والقيم والأخلاق السامية.