لكلِّ عشرة أربعين ذراعاً (١)، ورسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم معهم يحفر وينقل التراب، وفرغوا من حفره في ستة أيام، وكان سائر المدينة مشبك بالبنيان، فهي كالحصن، وكان المسلمون يومئذٍ ثلاثة آلاف مقاتل.
وخرج رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم لقتال قريش وأحباشها، وهنا كانت الصدمة الكبيرة علىٰ قريش، وهي تحسب أنَّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وصحبه لا يثبتون لها ساعات قلائل بهذا العدد الضخم، وإذا بها تجد بينها وبين المسلمين حاجزاً لا يمكن اجتيازه إلَّا بعد جهود شاقة، لاسيَّما وأنَّ أبطال المسلمين وقفوا بالمرصاد لكل من تحدِّثه نفسه باجتياز ذلك الحاجز، فأُذهلت بعد أن كانت مغرورة بقوتها الجبَّارة!
وأنكروا أمر الخندق، وقالوا : ما كانت العرب تعرف هذا، وأقاموا علىٰ هذه الحال ـ الرشق بالنبل والحجارة ـ مدَّة خمسة أيام (٢) دون قتال..
فلمَّا كان اليوم الخامس خرج عمرو بن عبد ودٍّ العامري ـ وكان يعدّ بألف فارس ـ وأربعة نفر من المشركين : نوفل بن عبدالله بن المغيرة المخزومي، وعكرمة بن أبي جهل، وضرار بن الخطَّاب الفهري، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، واقتحموا الخندق من مكان ضيِّق، وركز عمرو رمحه في الأرض ـ وهو ابن تسعين سنة (٣) ـ وأخذ يجول، ويدعو إلىٰ البراز ويرتجز :
_______________________
١) الكامل في التاريخ ٢ : ٧٠.
٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٥٠.
٣) طبقات ابن سعد ٢ : ٥٢.