علىٰ تحدِّياتها وتحرُّشاتها التي كانت تقوم بها بين الفينة والأُخرىٰ، وشاءت الأقدار أن يعرف أبو سفيان بأمر رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فغيَّر طريق القافلة ونجا بها، وأرسل إلىٰ قريش يعلمها بالأمر..
فاستبشرت لقتال محمَّد صلىاللهعليهوآلهوسلم وخرجت بجيش قوامه ألف رجل ـ علىٰ أصحِّ التقادير ـ وأخرجوا معهم القيان والدفوف، وبلغت النبيَّ صلىاللهعليهوآلهوسلم أخبارها واستعدادها للقتال، فاستشار أصحابه في الأمر وأحبَّ أن يكونوا علىٰ بصيرة من أمرهم، فوقف عمر بن الخطَّاب يحذِّره من قريش، إذ يقول : والله إنَّها ما ذلَّت منذ عزَّت، ولا آمنت منذ كفرت، والله لا تسلِّم عزَّها أبداً ولتقاتلك، فتأهَّب لذلك أهبته وأعدَّ له عدَّته.
ووقف بعده المقداد فقال : يا رسول الله امضِ لأمر الله فنحن معك، ولا نقول لك، كما قالت بنو اسرائيل لموسىٰ : ( فَاذْهَبْ أنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلأ إنَّا هَا هُنَا قَاعِدُون )، بل نقول لك : اذهب أنت وربُّك فقاتلا إنَّا معكم مقاتلون، والذي بعثك بالحقِّ لو سرت بنا إلىٰ برك الغماد (١) لسرنا معك، فدعا له رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم.
ومضىٰ نبيُّ الله صلىاللهعليهوآلهوسلم في طريقه إلىٰ بدر في ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلاً، وقيل بأقل من ذلك، منهم من المهاجرين واحد وثمانون، ومن الأنصار مائتان واثنان وثلاثون رجلاً (٢)، وكان معهم فرسان وسبعون بعيراً، فبعث عليَّاً عليهالسلام وسعد بن أبي وقَّاص وبسبس بن عمرو يتجسَّسون له الأخبار،
_______________________
١) برك الغماد : مدينة الحبشة، تبعد عن مكَّة مسيرة خمس ليال من وراء الساحل. انظر سيرة الأئمة الاثني عشر / الجزء الأول.
٢) تاريخ اليعقوبي ٢ : ٤٥، الكامل في التاريخ ٢ : ١٦.