يدعوه إلىٰ الطاعة والدخول فيما دخل المسلمون من قبله، لكنَّه لم يستجب لطلبه، بل أظهر الشدَّة والصلافة في ردِّه علىٰ رسائل الإمام، واختار القتال علىٰ الصلح والمسالمة.
في هذه الأثناء تجهَّز معاوية بجيشٍ ضخمٍ واتَّجه به صوب العراق، ولمَّا بلغ أمير المؤمنين خبره جهَّز جيشه، واتَّجه نحو الزحف، ليقطع عليهم الدخول إلىٰ أرض العراق، لما في ذلك من قتل ونهب وفساد كبير.. فكان من ذلك حرب صفِّين، وبالشعار السابق نفسه : « دم عُثمان »!
فتمرَّدوا وأعدُّوا العدَّة لمحاربة إمام المتَّقين.. فهم لم يخرجوا في طلب الثأر لعثمان، بل كان خروجهم ضدَّ الإمام، وضدَّ الإسلام كلِّه، والثأر لأنفسهم، ونرىٰ ذلك واضحاً من كلام ابن العاص مع معاوية علىٰ الشعار المزيَّف، حيث قال عمرو بن العاص لمعاوية :
واسوأتاه! إنَّ أحقَّ الناس ألَّا يذكر عُثمان لا أنا ولا أنت!
قال معاوية : ولِمَ ويحك؟!
قال : أمَّا أنت فخذلته ومعك أهل الشام! وأمَّا أنا فتركته عياناً وهربتُ إلىٰ فلسطين!
وقال له : أما والله، إن قاتلنا معك نطلب دم الخليفة، إنَّ في النفس ما فيها، حيث نقاتل مَنْ تعلم سابقته وفضله وقرابته، ولكنَّنا أردنا هذه الدنيا (١)!!
فأيُّ مكرٍ هذا الذي رأيناه من كلامهما؟! علىٰ مثل ذلك أعدُّوا العدَّة
_______________________
١) انظر : الكامل في التاريخ ٣ : ١٦٣ ـ ١٧٢، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١٨٤ ـ ١٨٦، شرح نهج البلاغة ٢ : ٦٢ ـ ٦٦.