أشدَّ منه، ثُمَّ إنَّ مروان بن الحكم رمىٰ طلحة بسهمٍ وهو يقاتل معه ضدَّ عليٍّ عليهالسلام! يرميه فيرديه ويقول : لا أطلب بثأري بعد اليوم (١).
واستمرَّ الحال في أشدِّ صراعٍ، لم يرَ سوىٰ الغبرة وتناثر الرؤوس والأيدي، فتتهاوىٰ أجساد المسلمين علىٰ الأرض.
ولمَّا رأىٰ الإمام هذا الموقف الرهيب من كلا الطرفين، وعلم أنَّ المعركة لا تنتهي أبداً مادام الجمل واقفاً علىٰ قوائمه قال : « إرشقوا الجمل بالنبل، واعقروه وإلَّا فنيت العرب، ولايزال السيف قائماً حتىٰ يهوي هذا البعير إلىٰ الأرض ». فقطعوا قوائمه، ثُمَّ ضربوا عجز الجمل بالسيف، فهوىٰ إلىٰ الأرض وعجَّ عجيجاً لم يُسمع بأشدِّ منه. فتفرَّق من كان حوله كالجراد المبثوث، وبقيت قائدة المعركة لوحدها في ميدان الحرب! وانتهت المعركة بهزيمة المتمرِّدين من أصحاب الجمل.
أمَّا الإمام عليهالسلام فقد هاله موقف المسلمين منه، حتىٰ ساقهم هذا العصيان والتمرُّد علىٰ الحقِّ إلىٰ مثل هذا المصير، فوقف بين قتلاه وقتلىٰ المتمرِّدين، تحيط به هالة القلق والتمزُّق فقال : « هذه قريشٌ، جَدَعْتُ أنفي وشفيتُ نفسي، لقد تقدَّمت إليكم أُحذِّركم عضَّ السيوف، وكنتم أحداثاً لا علم لكم بما ترون، ولكنَّه الحَين (٢)، وسوء المصرع، فأعوذ بالله من سوء المصرع » (٣).
ثمَّ أمر عليٌّ عليهالسلام نفراً أن يحملوا هودج عائشة من بين القتلىٰ، وأمر
_______________________
١) سير أعلام النبلاء (ترجمة الإمام عليٍّ) : ٢٥٥، وانظر، الكامل في التاريخ ٣ : ١٢٨.
٢) الحين : الهلاك.
٣) الإرشاد ١ : ٢٥٤.