الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٥
١٦ ـ ن : الحسين بن أحمد البيهقي ، عن محمد بن يحيى الصولي ، عن سهل بن القاسم النوشجاني قال : قال رجل للرضا عليهالسلام : يابن رسول الله إنه يروى عن عروة بن زبير أنه قال : توفي النبي صلىاللهعليهوآله وهو في تقية ، فقال : أما بعد قول الله عزوجل : « يا أيها الرسول بلغ ما انزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس » فإنه أزال كل تقية بضمان الله عزوجل له وبين أمر الله ، ولكن قريشا فعلت ما اشتهت بعده ، وأما قبل نزول هذه الآية فلعله (٢).
١٧ ـ ما : المفيد ، عن الحسين بن محمد التمار ، عن محمد بن إسكاب (٣) ، عن مصعب بن المقدام بن شريح ، عن أبيه ، عن عائشة أن النبي (ص) كان إذا رأى ناشئا ترك كل شئ ، وإن كان في صلاة ، وقال : « اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه » فإن ذهب حمد الله ، وإن أمطر قال : « اللهم اجعله ناشئا نافعا » والناشئ : السحاب ، والمخيلة أيضا : السحابة (٤).
بيان : قوله : والناشئ إلى آخر الكلام إما كلام الشيخ ، أو بعض الروات و قال الجزرى : فيه كان إذا رأى ناشئا في افق السمآء ، أي سحابا لم يتكامل اجتماعه و اصطحابه.
١٨ ـ ما : ابن حشيش (٥) ، عن أحمد ، عن سليمان بن أحمد الطبراني ، عن : عمرو ابن ثور (٦) ، عن محمد بن يوسف (٧) ، عن سفيان الثوري ، عن عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه ، عن عائشة قال : ما شبع آل محمد عليهالسلام ثلاثة أيام تباعا حتى لحق بالله عزوجل (٨).
____________________
(١) في المصدر : رسول الله صلىاللهعليهوآله.
(٢) عيون اخبار الرضا : ٢٧١ و ٢٧٢.
(٣) في المصدر : محمد بن ، اسكاف ، بالفاء.
(٤) أمالى ابن الشيخ : ٨٠.
(٥) في المصدر : خشيش بالخاء المعجمة ، وفي بعض المواضع منه خنيس ، وفى اخرى : محمد بن على بن خشيش بن نصر بن جعفر بن ابراهيم التميمى.
(٦) وصفه في المصدر : بالجزامى.
(٧) وصفه في المصدر : بالفريابى.
(٨) مجالس ابن الشيخ : ١٩٦.
١٩ ـ ما : ابن مخلد ، عن الخالدي (١) ، عن الحسن بن علي القطان ، عن عباد ابن موسى (٢) ، عن إبراهيم بن سليمان (٣) ، عن عبدالله بن مسلم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يجلس على الارض ، ويأكل على الارض ، و يعتقل الشاة ، ويجيب دعوة المملوك على خبز الشعير (٤).
٢٠ ـ ما : حمويه بن علي ، عن محمد بن محمد بن بكر الهزالي (٥) ، عن الفضل بن الحباب (٦) ، عن سلم ، عن أبي هلال ، عن بكر بن عبدالله أن عمر بن الخطاب دخل على النبي صلىاللهعليهوآله وهو موقوذ ـ أو قال : محموم ـ فقال له عمر : يا رسول الله ما أشد وعكك أو حماك؟
فقال : ما منعني ذلك أن قرأت الليلة ثلاثين سورة فيهن السبع الطول ، فقال عمر : يا رسول الله غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر وأنت تجتهد هذا الاجتهاد؟ فقال : يا عمر أفلا أكون عبدا شكورا؟ (٧).
بيان : قال الفيروزآبادي : الموقوذ : الشديد المرض المشرف ، ووقذه : صرعه ، و سكنه ، وغلبه ، وتركه عليلا كأوقذه ، وقال : الوعك : أدنى الحمى ووجعها ومغثها (٨) في البدن ، وألم من شدة التعب.
٢١ ـ ع : علي بن حاتم ، عن أحمد بن محمد ، عن محمد بن إسماعيل ، عن الحسين بن
____________________
(١) ابن مخلد هو محمد بن محمد بن مخلد ، والخالدي في المصدر : الخلدي.
(٢) وصفه في المصدر بالختلى.
(٣) في المصدر : أبواسماعيل ابراهيم بن سليمان المؤدب.
(٤) مجالس ابن الشيخ : ٢٥٠.
(٥) هكذا في النسخة ، وفي المصدر : الهزاني وهو الصحيح ، قال ابن الاثير في اللباب ٣ : ٢٩٠ : الهزانى بكسر الهاء وفتح الزاى المشددة وبعد الالف نون ، هذه النسبة إلى هزان وهو بطن من عتيك ، والعتيك من ربيعة ، وهو هزان بن صباح بن عتيك ، منهم أبوروق أحمد بن محمد بن بكر الهزانى حدث هو وأبوه.
(٦) كناه في المصدر أبا خليفة. ولقبه بالجحمى.
(٧) مجالس ابن الشيخ : ٢٥٧.
(٨) مغثه الحمى : أصابته وأخذته.
موسى ، عن أبيه ، عن موسى بن جعفر ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي بن الحسين ، عن أبيه ، عن علي بن أبي طالب عليهمالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله مكفرا لا يشكر معروفه ، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي ، ومن كان أعظم معروفا من رسول الله صلىاللهعليهوآله على هذا الخلق؟ وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا ، وخيار المؤمنين مكفرون لا يشكر معروفهم (١).
٢٢ ـ ع : أبي ، عن القاسم بن محمد بن علي بن إبراهيم النهاوندي ، عن صالح بن راهويه ، عن أبي جويد مولى الرضا عليهالسلام عن الرضا عليهالسلام قال : نزل جبرئيل على النبي صلىاللهعليهوآله فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، ويقول : إن الابكار من النسآء بمنزلة الثمر على الشجر ، فإذا أينع الثمر فلا دواء له إلا اجتناؤه ، وإلا أفسدته الشمس ، وغيرته الريح ، وإن الابكار إذا أدركن ما تدرك النساء فلا دواء لهن إلا البعول ، وإلا لم يؤمن عليهن الفتنة ، فصعد رسول الله صلىاللهعليهوآله المنبر فجمع الناس ثم أعلمهم ما امر الله عزوجل به ، فقالوا : ممن يا رسول الله؟ فقال : من الاكفاء ، فقالوا : ومن الاكفاء؟ فقال : المؤمنون بعضهم أكفاء بعض ، ثم لم ينزل حتى زوج ضباعة من المقداد بن الاسود ، ثم قال : أيها الناس إني زوجت ابنة عمي المقداد ليتضع النكاح (٢).
٢٣ ـ ير : محمد بن الحسين ، عن جعفر بن محمد بن يونس ، عن حماد بن عثمان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن النبي صلىاللهعليهوآله كان في مكان ومعه رجل من أصحابه وأراد قضاء حاجة ، فقام إلى الاشائين يعني النخلتين ، فقال لهم اجتمعا ، فاستتر بهما النبي صلىاللهعليهوآله فقضى حاجته ، ثم قام فجاء الرجل فلم ير شيئا (٣).
بيان : قال الجوهري : الاشاء بالفتح والمد : صغار النخل.
٢٤ ـ ص : الصدوق : عن عبدالله بن حامد ، عن أحمد بن محمد بن الحسين ، عن محمد بن يحيى أبي صالح ، عن الليث ، عن يونس ، عن ابن شهاب ، عن أبي سلمة ، أن جابر بن عبدالله
____________________
(١) علل الشرائع : ١٨٧.
(٢) علل الشرائع : ١٩٣. قوله : ليتضع أى ليخط.
(٣) بصائر الدرجات : ١٨.
قال : كنا مع رسول الله (ص) بمر الظهران (١) يرعى الغنم (٢) ، وإن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : عليكم بالاسود منه فإنه أطيبه ، قالوا : ترعى الغنم؟ قال : نعم وهل نبي إلا رعاها؟ (٣).
٢٥ ـ ص : الصدوق ، عن أبيه ، عن محمد العطار ، عن الاشعري ، عن سيف بن حاتم ، عن رجل من ولد عمار يقال له : أبولؤلؤه سماه عن آبائه قال : قال عمار رضي الله عنه : كنت أرعى غنيمة أهلي ، وكان محمد صلىاللهعليهوآله يرعى أيضا ، فقلت : يا محمد هل لك في فخ فإني تركتها روضة برق؟ قال : نعم ، فجئتها من الغد وقد سبقني محمد صلىاللهعليهوآله وهو قائم يذود غنمه عن الروضة قال : إني كنت واعدتك فكرهت أن أرعى قبلك (٤).
بيان : قال الفيروزآبادي : البرق محركة : الحمل معرب برة ، وقال : الابرق غلظ فيه حجارة ورمل وطين مختلطة ، والبرقة بالضم : غلظ ، الابرق وبرق : ديار العرب تنيف على مائة منها : برقة الاثمار ، والاوجال ، والاجداد ، وعدها إلى أن قال : والنجد ، ويثرب ، واليمامة ، هذه برق العرب.
٢٦ ـ سن : أبي ، عن النوفلي ، عن أبيه ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : خلق الله العقل فقال له : أدبر فأدبر ، ثم قال له : أقبل فأقبل ، ثم قال : ما خلقت خلقا أحب إلى منك ، فأعطى الله (٥) محمدا تسعة وتسعين جزء ، ثم قسم بين العباد جزء واحدا (٦).
٢٧ ـ صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : قال رسول الله (ص) : ضعفت عن
____________________
(١) قال ياقوت : ظهران : واد قرب مكة ، وعنده قرية يقال له : مر ، تضاف إلى هذا الوادى فيقال : مر الظهران.
(٢) نرعى الغنم خ.
(٣ و ٤) قصص الانبياء : مخطوط.
(٥) في المصدر : قال : فأعطى الله.
(٦) المحاسن : ١٩٢.
الصلاة والجماع (١) ، فنزلت علي قدر من السماء ، فأكلت منها فزاد في قوتي قوة أربعين رجلا في البطش والجماع (٢).
٢٨ ـ صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهالسلام قال : قال أمير المؤمنين عليهالسلام : كنا مع النبي صلىاللهعليهوآله في حفر الخندق إذ جاءت فاطمة ومعها كسيرة من خبز فدفعتها إلى النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : ما هذه الكسيرة؟ قالت : خبزته قرصا (٣) للحسن والحسين جئتك منه بهذه الكسيرة ، فقال النبي صلىاللهعليهوآله : يا فاطمة أما إنه أول طعام دخل جوف أبيك منذ ثلاث (٤).
ن : بالاسانيد الثلاثة عنه عليهالسلام مثله (٥).
٢٩ ـ سن : علي بن الحكم ، عن أبي المغرا ، عن ابن خارجة ، عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يأكل أكل العبد ، ويجلس جلوس العبد ، و يعلم أنه عبد (٦).
بيان : أكل العبد : الاكل على الارض كما مر ، وجلوس العبد : الجلوس على الركبتين.
٣٠ ـ سن : أبي ، عن أحمد بن النضر ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يأكل أكل العبد ، ويجلس جلسة العبد ، وكان يأكل على الحضيض ، وينام على الحضيض.
٣١ ـ سن : صفوان ، عن ابن مسكان ، عن الحسن الصيقل قال : سمعت أبا عبدالله عليهالسلام يقول : مرت امرأة بدوية (٧) برسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يأكل وهو جالس على
____________________
(١) في المصدر : ضعفت عن الصلاة والصيام والجماع.
(٢) صحيفة الرضا : ١١.
(٣) في المصدر : قالت : خبز اخبزته للحسن. وفي العيون : قرصا خبزتها.
(٤) صحيفة الرضا : ١٥.
(٥) عيون اخبار الرضا : ٢٠٥ و ٢٠٦.
(٦) المحاسن : ٤٥٦.
(٧) بذية خ ل.
الحضيض ، فقالت : يا محمد والله إنك لتأكل أكل العبد ، وتجلس جلوسه ، فقال لها رسول الله صلىاللهعليهوآله : ويحك أي عبد أعبد مني؟ قالت : فناولني لقمة من طعامك ، فناولها ، فقالت : لا والله إلا التي في فمك (١) ، فأخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله اللقمة من فمه فناولها ، فأكلتها ، قال أبوعبدالله عليهالسلام : فما أصابها داء حتى فارقت الدنيا (٢).
مكا : من كتاب النبوة ، عن أبي عبدالله عليهالسلام مثله (٣).
كا : علي ، عن أبيه ، عن صفوان مثله (٤).
٣٢ ـ يج : روي عن الصادق عليهالسلام أن رسول الله (ص) أقبل إلى الجعرانة (٥) فقسم فيها الاموال ، وجعل الناس يسألونه فيعطيهم حتى ألجؤوه إلى الشجرة ، فأخذت برده وخدشت ظهره حتى جلوه عنها وهم يسألونه ، فقال : أيها الناس ردوا علي بردي ، والله لو كان عندي عدد شجر تهامة نعما لقسمته بينكم ، ثم ما ألفيتموني جبانا ولا بخيلا ، ثم خرج من الجعرانة في ذي القعدة ، قال : فما رأيت تلك الشجرة إلا خضراء كأنما يرش عليه الماء.
٣٣ ـ وفي رواية اخرى : حتى انتزعت الشجرة ردائه ، وخدشت الشجرة ظهره (٦).
بيان : قال الجوهري : جلوا عن أوطانهم وجلوتهم أنا ، يتعدى ولا يتعدى.
٣٤ ـ قب : أما آدابه (ص) فقد جمعها بعض العلمآء والتقطها من الاخبار : كان النبي صلىاللهعليهوآله أحكم الناس وأحلمهم وأشجعهم وأعدلهم وأعطفهم ، لم تمس يده يد امرأة
____________________
(١) في المصدر : في فيك ، وفي الكافى : إلا الذي في فيك.
(٢) حتى فارقت الدنيا روحها خ ل. المحاسن : ٤٥٧.
(٣) مكارم الاخلاق : ١٥.
(٤) فروع الكافي ٢ : ١٥٧.
(٥) الجعرانة بكسر اوله ، وسكون الثانى ، وقد يكسر ويشدد الراء : هى ماء بين الطائف و مكة ، وهي إلى مكة أقرب ، قيل : هي من مكة على بريد من طريق العراق.
(٦) لم نجد الحديث في الخرائج المطبوع ، وذكرنا قبل ذلك كرارا أن نسخة خرائج المصنف كانت تتفاوت مع المطبوع.
لا تحل ، وأسخى الناس ، لا يثبت عنده دينار ولا درهم ، فان فضل ولم يجد من يعطيه و يجنه الليل لم يأو إلى منزله حتى يتبرء منه إلى من يحتاج إليه ، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من يسير ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله ، ولا يسأل شيئا إلا أعطاه ، ثم يعود إلى قوت عامه فيؤثر منه حتى ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شئ ، وكان يجلس على الارض ، وينام عليها ، ويأكل عليها ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويفتح الباب ، ويحلب الشاة ، ويعقل البعير فيحلبها ، ويطحن مع الخادم إذا أعيا ، ويضع طهوره بالليل بيده ، ولا يتقدمه مطرق ، ولا يجلس مكتئا ، ويخدم في مهنة أهله ، ويقطع اللحم ، وإذا جلس على الطعام جلس محقرا ، وكان يلطع أصابعه ، ولم يتجشأ قط ، ويجيب دعوة الحر والعبد ولو على ذراع أو كراع ، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويأكلها ، ولا يأكل الصدقة ، لا يثبت بصره في وجه أحد ، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه ، وكان يعصب (١) الحجر على بطنه من الجوع ، يأكل ما حضر ، ولا يرد ما وجد ، لا يلبس ثوبين ، يلبس بردا حبرة يمينة ، وشملة (٢) جبة صوف ، والغليظ من القطن والكتان ، وأكثر ثيابه البياض ، ويلبس العمامة (٣) ، ويلبس القميص من قبل ميامنه ، وكان له ثوب للجمعة خاصة ، وكان إذا لبس جديدا أعطى خلق ثيابه مسكينا ، وكان له عباء يفرش له حيث ما ينقل تثنى (٤) ثنيتين ، يلبس خاتم فضة في خنصره الايمن ، يحب البطيخ ، ويكره الريح الردية : ويستاك عند الوضوء ، يردف (٥) خلفه عبده أو غيره ، يركب (٦) ما أمكنه من فرس أو بلغة أو حمار ، ويركب الحمار بلا سرج وعليه العذار (٧) ، ويمشي راجلا و
____________________
(١) أى يشد.
(٢) الشملة : كساء واسع يشتمل به.
(٣) في المصدر : ويلبس العمامة تحت العمامة.
(٤) أى يطوى ويرد بعضه على بعض.
(٥) في المصدر : ويردف.
(٦) في المصدر : ويركب.
(٧) العذار بالكسر : ما سال من اللجام على خد الفرس.
حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة ، ويشيع الجنائز ، ويعود المرضى في أقصى المدينة ، يجالس الفقراء ، ويؤاكل المساكين ، ويناولهم بيده ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، و يتألف أهل الشرف بالبر لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على غيرهم إلا بما أمر الله ، ولا يجفو على أحد ، يقبل معذرة المعتذر إليه ، وكان أكثر الناس تبسما ما لم ينزل عليه قرآن أو لم تجر عظة ، وربما ضحك من غير قهقهة ، لا يرتفع على عبيده وإمائه في مأكل ولا ملبس (١) ، ما شتم أحدا بشتمة ولا لعن امرأة ولا خادما بلعنة ، ولا لاموا أحدا إلا قال : دعوه ، ولا يأتيه أحد حر أو عبد أو أمة إلا قام معه في حاجته ، لا فظ ولا غليظ ، ولا صخاب في الاسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يغفر ويصفح ، يبدأ من لقيه بالسلام ، ومن رامه (٢) بحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، ما أخذ أحد يده فيرسل يده حتى يرسلها ، وإذا القي مسلما بدأه بالمصافحة ، وكان لا يقوم ولا يجلس إلا على ذكر الله ، وكان لا يجلس إليه أحد وهو يصلي إلا خفف صلاته وأقبل عليه ، وقال : ألك حاجة؟ وكان أكثر جلوسه أن ينصب ساقيه جميعا ، يجلس (٣) حيث ينتهى به المجلس ، وكان أكثر ما يجلس مستقبل القبلة ، وكان يكرم من يدخل عليه حتى ربما بسط ثوبه ، ويؤثر الداخل بالوسادة التي تحته ، وكان في الرضا والغضب لا يقول : إلا حقا ، وكان يأكل القثاء بالرطب و الملح ، وكان أحب الفواكه الرطبة إليه البطيخ والعنب ، وأكثر طعامه الماء والتمر ، و كان يتمجع اللبن بالتمر ويسميهما الاطيبين ، وكان أحب الطعام إليه اللحم ، ويأكل الثريد باللحم ، وكان يحب القرع ، وكان يأكل لحم الصيد ولا يصيده ، وكان يأكل الخبز والسمن ، وكان يحب من الشاة الذراع والكتف ، ومن القدر الدبا ، ومن الصباغ الخل ، ومن التمر العجوة (٤) ، ومن البقول الهندبا والباذروج (٥) والبقلة اللينة (٦).
____________________
(١) في المصدر : ولا في ملبس.
(٢) أى قصده وأتاه.
(٣) في المصدر : وكان يجلس.
(٤) العجوة : التمر المحشى في وعائه.
(٥) الهندبا والهندباء : بقل معروف ، يقال له بالفارسية : كاسنى. والباذروج قال الفيروزآبادي بفتح الذال : بقلة يقوى القلب جدا ويقبض إلا ان يصادف فضلة فيسهل.
(٦) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٠٠ و ١٠١.
بيان : قوله : لا يتقدمه مطرق ، أي كان أكثر الناس إطرافا إلى الارض حياء ، يقال : أطرق ، أي سكت ولم يكلم ، وأرخى عينيه ينظر إلى الارض ، والمهنة بالفتح و الكسر : الخدمة ، ولطع الاصابع : لحسها ومصها بعد الطعام : والكراع كغراب من البقر والغنم : مستدق الساق. وقال الفيروزآبادي : المجيع : تمر يعجن بلبن ، وتمجع : أكل التمر اليابس باللبن معا ، وأكل التمر وشرب عليه اللبن.
٣٥ ـ مكا : في تواضعه وحيائه : عن أنس بن مالك قال : كان رسول الله (ص) يعود المريض ، ويتبع الجنازة ، ويجيب دعوة المملوك ، ويركب الحمار ، وكان يوم خيبر ويوم قريظة والنضير على حمار مخطوم (١) بحبل من ليف تحته اكاف من ليف.
وعن أنس بن مالك قال : لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله ، وكانوا إذا رأوه لم يقوموا إليه لما يعرفون من كراهيته (٢).
وعن ابن عباس قال : كان رسول الله (ص) يجلس على الارض ، ويأكل على الارض ويعتقل الشاة ، ويجيب دعوة المملوك.
وعن أنس بن مالك قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله مر على صبيان فسلم عليهم وهو مغذ.
عن أسمآء بنت يزيد أن النبي صلىاللهعليهوآله مر بنسوة فسلم عليهن.
وعن ابن مسعود قال : أتى النبي صلىاللهعليهوآله رجل يكلمه فأرعد ، فقال : هون عليك ، فلست بملك ، إنما أنا ابن امرأة كانت تأكل القد (٣).
عن أبي ذر قال : كان رسول الله (ص) يجلس بين ظهراني (٤) أصحابه فيجئ الغريب فلا يدري أيهم هو ، حتى يسأل ، فطلبنا إلى النبي صلىاللهعليهوآله أن يجعل مجلسا يعرفه الغريب إذا أتاه ، فبنينا له دكانا (٥) من طين ، وكان يجلس عليه ، ونجلس بجانبيه.
____________________
(١) خطمه بالخطام : جعله على أنفه ، والخطام : حبل يجعل في عنق البعير وغيره ويثنى في خطمه وأنفه.
(٢) في المصدر : كراهية لذلك.
(٣) مكارم الاخلاق : ١٤.
(٤) ظهرانى بالفتح أى وسطهم.
(٥) الدكان : شئ كالمصطبة يقعد عليه. والمصطبة : مكان ممهد قليل الارتفاع عن الارض ، يجلس عليه.
وسئلت عائشة ما كان النبي صلىاللهعليهوآله يصنع إذا خلا؟ قالت : يخيط ثوبه ، ويخصف نعله ، ويصنع ما يصنع الرجل في أهله.
وعنها : أحب العمل إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله الخياطة.
وعن أنس بن مالك قال : خدمت النبي (ص) تسع سنين فما أعلمه قال لي قط : هلا فعلت كذا وكذا؟ ولا عاب علي شيئا قط.
وعن أنس بن مالك قال : صحبت رسول الله (ص) عشر سنين ، وشممت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهته ، وكان إذا لقيه واحد (١) من أصحابه قام معه ، فلم ينصرف حتى يكون الرجل ينصرف عنه (٢) ، وإذا لقيه أحد من أصحابه فتناول يده ناولها إياه ، فلم ينزع عنه حتى يكون الرجل هو الذى ينزع عنه ، وما أخرج ركبتيه بين جليس (٣) له قط ، وما قعد إلى رسول الله صلىاللهعليهوآله رجل قط فقام حتى يقوم (٤).
وعن أنس بن مالك قال : إن النبي صلىاللهعليهوآله أدركه أعرابي فأخذ بردائه فجبذه جبذة شديدة حتى نظرت إلى صفحة عنق رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد أثرت به حاشية الردآء من شدة جبذته ، ثم قال له : يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك ، فالتفت إليه رسول الله صلىاللهعليهوآله فضحك وأمر له بعطآء.
عن أبي سعيد الخدري يقول : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله حييا (٥) لا يسأل شيئا إلا أعطاه.
وعنه قال : كان رسول الله (ص) أشد حيآء من العذراء في خدرها ، وكان إذا كره شيئا عرفناه في وجهه.
وعن ابن مسعود قال : قال رسول الله (ص) : لا يبلغني أحد منكم عن أصحابي شيئا ،
____________________
(١) في نسخة من المصدر : أحد.
(٢) في المصدر : حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف عنه.
(٣) في المصدر : بين يدى جليس.
(٤) مكارم الاخلاق : ١٥.
(٥) الحيى : ذو الحياء.
فإني احب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر (١).
في جوده : عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أجود الناس كفا ، وأكرمهم عشرة (٢) ، من خالطه فعرفه أحبه.
من كتاب النبوة عن ابن عباس ، عن النبي (ص) قال : أنا أديب الله وعلي أديبي ، أمرني ربي بالسخآء والبر ، ونهاني عن البخل والجفاء ، وما شئ أبغض إلى الله عزوجل من البخل وسوء الخلق ، وإنه ليفسد العمل كما يفسد الطين (٣) العسل.
وبرواية اخرى عن أمير المؤمنين عليهالسلام كان إذا وصف رسول الله (ص) قال : كان أجود الناس كفا ، وأجرء الناس صدرا ، وأصدق الناس لهجة ، وأوفاهم ذمة ، وألينهم عريكة : وأكرمهم عشرة ، ومن رآه بديهة هابه ، ومن خالطه فعرفه أحبه ، لم أر مثله قبله ولا بعده.
وعن ابن عمر قال : ما رأيت أحدا أجود ولا أنجد ولا أشجع ولا أوضأ (٤) من رسول الله صلىاللهعليهوآله (٥).
وعن جابر بن عبدالله قال : ما سئل رسول الله صلىاللهعليهوآله شئ (٦) قط قال : لا. وعن ابن عباس قال : كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه ، فقال : يا رسول الله ثلاث أعطنيهن ، قال : نعم ، قال : عندى أحسن العرب وأجمله ام حبيبة ازوجكها (٧) ، قال : نعم ، قال : ومعاوية تجعله كاتبا بين يديك ، قال : نعم ، قال مرني
____________________
(١) مكارم الاخلاق : ١٦.
(٢) في نسخة من المصدر : عشيرة.
(٣) في نسخة من المصدر : الخل.
(٤) أى أنظف.
(٥) مكارم الاخلاق : ١٦.
(٦) شيئا خ ل وفي نسخة من المصدر : لم يكن يسأل رسول الله صلىاللهعليهوآله وفيها فتقول : لا.
(٧) هذا لا يصح لان النبى صلىاللهعليهوآله زوج ام حبيبة سنة سبع من الهجرة وأبوسفيان أسلم عام الفتح في سنة ثمان بعد تزويجه صلىاللهعليهوآله اياها.
حتى اقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين ، قال : نعم ، قال ابن زميل : ولو لا أنه طلب ذلك من النبي صلىاللهعليهوآله ما أعطاه ، لانه لم يكن يسأل شيئا قط إلا قال : نعم.
وعن عمر أن رجلا أتى النبي صلىاللهعليهوآله فقال (١) : ما عندي شئ ، ولكن اتبع علي ، فإذا جاءنا شئ قضينا ، قال عمر : فقلت : يا رسول الله ما كلفك الله ما لا تقدر عليه ، قال : فكره النبي صلىاللهعليهوآله ، فقال (٢) الرجل : أنفق ولا تخف من ذي العرش إقلالا ، قال : فتبسم النبي صلىاللهعليهوآله وعرف السرور في وجهه (٣).
في شجاعته : عن علي عليهالسلام قال : لقد رأيتني يوم بدر ونحن نلوذ بالنبي صلىاللهعليهوآله وهو أقربنا إلى العدو ، وكان من أشد الناس يومئذ بأسا.
وعنه عليهالسلام قال : كنا إذا احمر البأس ولقي القوم القوم اتقينا برسول الله صلىاللهعليهوآله فما يكون أحد أقرب إلى العدو منه.
وعن أنس بن مالك قال : كان بالمدينة فزغ فركب النبي صلىاللهعليهوآله فرسا لابي طلحة ، فقال : ما رأينا من شئ وإن وجدناه لبحرا.
وبرواية اخرى عن أنس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله أشجع الناس ، وأحسن الناس ، وأجود الناس ، قال : فزع أهل المدينة ليلة فانطلق الناس قبل الصوت ، قال : قتلقاهم رسول الله صلىاللهعليهوآله وقد سبقهم وهو يقول : لن (٤) تراعوا ، وهو على فرس لابي طلحة وفي عنقه السيف ، قال : فجعل يقول للناس : لم تراعوا وجدناه بحرا ، أو أنه لبحر (٥).
في علامة رضاه وغضبه : عن ابن عمر قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يعرف رضاه وغضبه في وجهه ، كان إذا رضي فكأنما تلاحك الجذر (٦) وجهه ، وإذا غضب خسف لونه واسود.
____________________
(١) في المصدر : فسأله فقال.
(٢) في المصدر : فكره النبي صلىاللهعليهوآله قوله ذلك فقال.
(٣) مكارم الاخلاق : ١٧. وفيه : حتى عرف السرور في وجهه.
(٤) لم تراعوا خ ل.
(٥) مكارم الاخلاق : ١٧.
(٦) هكذا في نسخة المصنف ، والظاهر أنه مصحف الجدر. كما في المصدر وما يأتي بعد ذلك وفي تفسير اللغات.
عن كعب بن مالك قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا سره الامر استنار وجهه كأنه دارة القمر.
عن امير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : كان رسول الله (ص) إذا رأى ما يحب قال : الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
عن عبدالله بن مسعود ، يقول : شهدت من المقداد مشهدا لان أكون أنا صاحبه أحب إلي مما في الارض من شئ ، قال : كان النبي صلىاللهعليهوآله إذا غضب احمر وجهه.
عن ابن عمر قال : كان النبي (ص) يعرف رضاه وغضبه بوجهه ، كان إذا رضي فكأنما تلاحك الجدر وجهه (١) ، وإذا غضب خسف لونه واسود.
قال أبوالبدر : سمعت أبا الحكم الليثي يقول : هي المرآة توضع في الشمس فيرى ضوءها على الجدار يعني قوله : تلاحك (٢) الجدر.
في الرفق بامته : عن أنس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا فقد الرجل من إخوانه ثلاثة أيام سأل عنه ، فإن كان غائبا دعا له ، وإن كان شاهدا زاره ، وإن كان مريضا عاده.
عن جابر بن عبدالله قال : غزا رسول الله صلىاللهعليهوآله إحدى وعشرين غزوة بنفسه ، شاهدت (٣) منها تسعة عشر ، وغبت عن اثنتين ، فبينا أنا معه في بعض غزواته إذ أعيانا ضحى (٤) تحتي بالليل فبرك ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوآله في آخرنا في آخريات الناس ، فيزجي الضعيف ويردف (٥) ويدعو لهم ، فانتهى إلي وأنا أقول : يا لهف امياه (٦) ، وما زال لنا ناضح سوء ، فقال : من هذا؟ فقلت : أنا جابر بأبي أنت وامي يا رسول الله ، قال : ما
____________________
(١) في المصدر : فكأنما يلاحك الجدر ضوء وجهه.
(٢) في المصدر : يلاحك.
(٣) شهدت خ ل.
(٤) أى أعجزنا بعيرى. وبرك البعير : استناخ ، وهو أن يلصق صدره بالارض.
(٥) في نسخة من المصدر : ويردفه.
(٦) في نسخة من المصدر ، اماه.
شأنك؟ قلت : أعيا ناضحى ، فقال : أمعك عصا؟ فقلت : نعم ، فضربه ، ثم بعثه ، ثم أناخه ووطئ على ذراعه ، وقال : اركب فركبت فسايرته فجعل جملي يسبقه ، فاستغفر لي تلك الليلة خمس وعشرين مرة ، فقال لي : ما ترك عبدالله من الولد؟ يعني أباه ، قلت : سبع نسوة ، قال : أبوك عليه دين؟ قلت : نعم ، قال : فإذا قدمت المدينة فقاطعهم ، فإن أبوا فإذا حضر جذاذ (١) نخلكم فأذني ، وقال : هل تزوجت؟ قلت : نعم ، قال : بمن؟ قلت : بفلانة بنت فلان بأيم (٢) كانت بالمدينة ، قال : فهلا فتاة تلاعبها وتلاعبك؟ قلت : يا رسول الله كن عندي نسوة خرق (٣) ، يعني أخواته : فكرهت أن آتيهن بامرأة خرقآء ، فقلت : هذه أجمع لامري ، قال : أصبت ورشدت ، فقال : بكم اشتريت جملك؟ فقلت : بخمس أواق من ذهب ،
قال : قد أخذناه (٤) ، فلما قدم المدينة أتيته بالجمل فقال : يا بلال أعطه خمس اواق من ذهب يستعين به (٦) في دين عبدالله ، وزده ثلاثا واردد عليه جمله ، قال : هل قاطعت غرمآء عبدالله؟ قلت : لا يا رسول الله ، قال : أترك وفآء (٥)؟ قلت : لا ، قال : لا عليك إذا حضر جذاذ (٧) نخلكم فأذني ، فأذنته فجآء فدعا لنا فجذذنا واستوفى كل غريم كان يطلب تمرا وفآء ، وبقي لنا ما كنا نجذ وأكثر ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : ارفعوا ولا تكيلوا فرفعناه وأكلنا منه زمانا (٨).
وعن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا حدث الحديث أو سأل عن الامر كرره ثلاثا ليفهم ويفهم عنه.
____________________
(١) جذاذ النخل : صرامها أى قطع ثمرتها ، وفي المصدر : جداد بالمهملة ، والمعنى واحد.
(٢) آم الرجل من زوجته أو المرأة من زوجها : فقدها أو فقدته ، فهو وهى أيم.
(٣) جمع الخرقاء : الحمقاء.
(٤) في نسخة من المصدر : قال : يعينه ولك ظهره إلى المدينة.
(٥) في المصدر : يستعين بها ، وفيه : ورد عليه جمله.
(٦) في نسخة من المصدر : أتراك وفاء؟ أقول : تراك ككتاب.
(٧) في المصدر : فاذا حضر جداد نخلكم. وفيه بعد ذلك : فجدونا.
(٨) مكارم الاخلاق : ١٨ و ١٩.
وعن ابن عمر قال : قال رجل : يا رسول الله ، فقال : لبيك.
وروي عن زيد بن ثابت أن النبي صلىاللهعليهوآله كنا إذا جلسنا إليه إن أخذنا بحديث في ذكر الآخرة أخذ معنا ، وإن أخذنا في الدنيا أخذ معنا ، وإن أخذنا في ذكر الطعام والشراب أخذ معنا ، فكل هذا احدثكم عن رسول الله صلىاللهعليهوآله.
عن أبي الحميسآء (١) قال : بايعت النبي صلىاللهعليهوآله قبل أن يبعث فواعدنيه (٢) مكانا فنسيته يومي والغد ، فأتيته يوم الثالث ، فقال صلىاللهعليهوآله : يا فتى لقد شققت (٣) علي ، أنا هاهنا منذ ثلاثة أيام.
وعن جرير بن عبدالله أن النبي صلىاللهعليهوآله دخل بعض بيوته فامتلا البيت ، ودخل جرير فقعد خارج البيت ، فأبصره النبي صلىاللهعليهوآله فأخذ ثوبه فلفه فرمى به إليه ، وقال : اجلس على هذا ، فأخذ جرير (٤) فوضعه على وجهه فقبله.
عن سلمان الفارسي قال : دخلت على رسول الله (ص) وهو متكئ على وسادة فألقاها إلي ، ثم قال : يا سلمان ما من مسلم دخل على أخيه المسلم فيلقى له الوسادة إكراما له إلا غفر الله له (٥).
في بكائه (ص) : عن أنس بن مالك قال : رأيت إبراهيم بن رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يجود بنفسه فدمعت عيناه (٦) ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : تدمع العين ، ويحزن القلب ، ولا أقول : إلا ما يرضى ربنا وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون (٧).
عن خالد بن سلمة المخزومي قال : لما اصيب زيد بن حارثة انطلق رسول الله صلىاللهعليهوآله
____________________
(١) في نسخة من المصدر : ابن أبي حمساء.
(٢) في المصدر : فواعدته.
(٣) أى أوقعتنى في المشقة.
(٤) في المصدر : فأخذه جرير.
(٥) مكارم الاخلاق : ١٩ و ٢٠. وفي المصدر بعد ذلك زيادة أوردها في الباب الاتى.
(٦) في المصدر : عينا رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : تدمع العين.
(٧) مكارم الاخلاق : ٢٠.
إلى منزله ، فلما رأته ابنته جهشت فانتحب (١) رسول الله (ص) ، وقال له بعض أصحابه : ما هذا يا رسول الله؟ قال : هذا شوق الحبيب إلى الحبيب.
في مشيه (ص) : عن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا مشى تكفأ تكفؤا كأنما يتقلع من صبب ، لم أر قبله ولا بعده مثله.
عن جابر قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا خرج مشى أصحابه أمامه ، وتركوا ظهره للملائكة.
عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا مشى مشى مشيا يعرف أنه ليس بمشي عاجز ولا بكسلان.
عن أنس بن مالك قال : كنا إذا أتينا النبي صلىاللهعليهوآله جلسنا حلقة (٢).
وروي أن رسول الله لا يدع أحدا يمشي معه إذا كان راكبا حتى يحملهم معه ، فإن أبى قال : تقدم أمامي ، وأدركني في المكان الذي تريد ، ودعاه صلىاللهعليهوآله قوم من أهل المدينة إلى طعام صنعوه له ولاصحاب له خمسة ، فأجاب دعوتهم ، فلما كان في بعض الطريق أدركهم سادس فماشاهم ، فلما دنوا من بيت القوم قال للرجل السادس : إن القوم لم يدعوك ، فاجلس حتى نذكر لهم مكانك ونستأذنهم بك (٣).
في جمل من أحواله وأخلاقه : من كتاب النبوة عن علي عليهالسلام قال : ما صافح رسول الله صلىاللهعليهوآله أحدا قط فنزع يده من يده حتى يكون هو الذي ينزع يده ، وما فاوضه أحد قط في حاجة أو حديث فانصرف حتى يكون الرجل ينصرف (٤) ، وما نازعه الحديث حتى يكون (٥) هو الذي يسكت ، وما رأى مقدما رجله بين يدي جليس له قط ، ولا عرض له
____________________
(١) جهش : فزع باكيا. أو متهيئا للبكاء. انتحب : بكى شديدا.
(٢) خلفه خ ل ومثله في نسخة من المصدر.
(٣) مكارم الاخلاق : ٢١ و ٢٢ ، وفي نسخة منه : ونستأذنهم لك.
(٤) في المصدر : حتى يكون الرجل هو الذي ينصرف.
(٥) في المصدر : وما نازعه أحد الحديث فيسكت حتى يكون.
قط أمران إلا أخذ بأشدهما (١) ، وما انتصر نفسه من مظلمة حتى ينتهك محارم الله فيكون حينئذ غضبه لله تبارك وتعالى ، وما أكل متكئا قط حتى فارق الدنيا ، وما سئل شيئا قط فقال : لا ، وما رد سائلا حاجة (٢) إلا بها أو بميسور من القول ، وكان أخف الناس صلاة في تمام ، وكان أقصر الناس خطبة وأقله هذرا (٣) ، وكان يعرف بالريح الطيب إذا أقبل ، وكان إذا أكل مع القوم كان أول من يبدأ ، وآخر من يرفع يده ، وكان إذا أكل أكل مما يليه ، فإذا كان الرطب والتمر جالت يده ، وإذا شرب شرب ثلاثة أنفاس ، وكان يمص المآء مصا ، ولا يعبه عبا (٤) ، وكان يمينه لطعامه وشرابه وأخذه وإعطائه ، كان (٥) لا يأخذه إلا بيمينه ، ولا يعطي إلا بيمينه ، وكان شماله لما سوى ذلك من بدنه ، وكان يحب التيمن في كل اموره : في لبسه وتنعله وترجله ، وكان إذا دعا دعا ثلاثآ ، وإذا تكلم تكلم وترا ، وإذا استأذن استأذن ثلاثا ، وكان كلامه فصلا يتبينه كل من سمعه ، وإذا تكلم رأى كالنور يخرج من بين ثناياه ، وإذا رأيته قلت : أفلج الثنيتين ، وليس بأفلج ، وكان نظره اللحظ بعينه ، وكان لا يكلم أحدا بشئ يكرهه ، وكان إذا مشى ينحط من صبب (٦) ، وكان يقول : إن خياركم أحسنكم (٧) أخلاقا ، وكان لا يذم ذواقا ولا يمدحه ، ولا يتنازع أصحابه الحديث عنده ، وكان المحدث عنه يقول : لم أر بعيني مثله قبله ولا بعده صلىاللهعليهوآله.
عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله إذا رئي في الليلة الظلمآء رئي له نور كأنه شقة قمر.
____________________
(١) في نسخة من المصدر : ولا خير بين أمرين إلا أخذ بأشدهما.
(٢) في المصدر : وما رد سائلا حاجة قط.
(٣) في المصدر : وأقلهم هذرا. أقول : هذر الرجل في كلامه : خلط وتكلم بما لا ينبغى. الهذ سقط الكلام الذي لا يعبأ به. كثرة الكلام. والمراد أنه صلىاللهعليهوآله لم يكن يهذر.
(٤) مص الماء : شربه شربا رفيقا مع جذب نفس. عب الماء : شربه بلا تنفس.
(٥) في المصدر : فكان.
(٦) في المصدر : كأنما ينحط من صبب ، وهو الصحيح كما تقدم.
(٧) أحاسنكم خ ل.
عنه عليهالسلام قال : نزل جبرئيل عليهالسلام على رسول الله (ص) فقال : إن الله جل جلاله يقرئك السلام ويقول لك : هذه بطحآء مكة تكون لك رضراضه (١) ذهبا ، قال : فنظر النبي صلىاللهعليهوآله إلى السمآء ثلاثا ثم قال : لا يارب ، ولكن أشبع يوما فأحمدك ، وأجوع يوما فأسألك.
وعنه عليهالسلام قال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله يحلب عنز أهله.
وعنه عليهالسلام قال : كان رسول الله (ص) يحب الركوب على الحمار مؤكفا ، والاكل على الحضيض مع العبيد ، ومناولة السائل بيديه (٢).
وعن جابر بن عبدالله قال : في (٣) رسول الله صلىاللهعليهوآله خصال : لم يكن في طريق فيتبعه أحد إلا عرف أنه قد سلكه من طيب عرفه ، أو ريح عرقه ، ولم يكن يمر بحجر ولا مدر (٤) إلا سجد له.
وعن ثابت بن أنس (٥) بن مالك قال : إن رسول الله صلىاللهعليهوآله كان أزهر اللون ، كأن لونه اللؤلؤ ، وإذا مشى تكفأ ، وما شممت رائحة مسك ولا عنبر أطيب من رائحته ، ولا مسست ديباجة ولا حريرا ألين من كف رسول الله صلىاللهعليهوآله كان أخف الناس صلاة في في تمام.
عن جرير بن عبدالله قال : لما بعث النبي صلىاللهعليهوآله أتيته لابايعه ، فقال لي : يا جرير
____________________
(١) الرضراض. ما صغر ودق من الحصى. والموجود في المصدر : هذه بطحاء مكة إن شئت أن تكون لك ذهبا.
(٢) الحديث في المصدر هكذا : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لست أدع ركوب الحما مؤكفا ، والاكل على الحصير مع العبيد ، ومناولة السائل بيدي.
(٣) في المصدر : كان في رسول الله صلىاللهعليهوآله.
(٤) ولا شجر خ ل ، وهو الموجود في المصدر.
(٥) ثابت عن أنس خ ل ، أقول : في المصدر أيضا ثابت بن أنس بن مالك ، والظاهر أنه مصحف والصحيح ثابت عن أنس ، أى ثابت البنانى ، عن أنس بن مالك بن النضر الانصاري المدنى خادم رسول الله صلىاللهعليهوآله ، راجع تهذيب التهذيب ١ : ٣٧٦.
لاي شئ جئت؟ قال : قلت : جئت لاسلم على يديك يا رسول الله فألقى لي كسآءه ثم أقبل على أصحابه فقال : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه.
وعن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن رسول الله (ص) وعد رجلا إلى الصخرة ، فقال : أنا لك هاهنا حتى تأتي ، فاشتدت الشمس عليه ، فقال له أصحابه : يا رسول الله لو أنك تحولت إلى الظل ، قال : وعدته إلى (١) هاهنا ، وإن لم يجئ كان منه المحشر (٢).
وعن عائشة قال : قلت : يا رسول الله لو (٣) أنك إذا دخلت الخلاء فخرجت دخلت في أثرك فلم أر شيئا خرج منك ، غير أني أجد رائحة المسك ، قال : يا عايشة إنا معشر الانبيآء ينبت (٤) أجسادنا على أرواح أهل الجنة ، فما خرج منا من شئ ابتلعته الارض.
وعن ابن عباس قال : إن رسول الله (ص) دخل عليه عمر وهو على حصير قد أثر في جنبيه ، فقال : يا نبي الله لو اتخذت فراشا ، فقال : ما لي وللدنيا ، ما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب سار في يوم صائف (٥) فاستظل تحت شجرة ساعة من نهار ثم راح وتركها.
وعن ابن عباس قال : إن رسول الله (ص) توفي ودرعه مرهونة عند رجل من اليهود على ثلاثين صاعا من شعير ، أخذها رزقا لعياله.
وعن أبي رافع قال : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : إذا سميتم محمدا فلا تقبحوه ،
____________________
(١) المصدر خال عن لفظة إلى.
(٢) في المصدر : كان منه الجشر ، أقول : قال الجزري في النهاية : عنه من ترك القرآن شهرين لم يقرأه فقد جشره أى تباعد عنه ، يقال : جشر عن أهله أى غاب عنهم ، فالمعنى وإن لم يجئ كان منه التباعد والغيبة.
(٣) خلى المصدر عن لفظة (لو).
(٤) في المصدر : بنيت أجسادنا.
(٥) أى في يوم حار.
ولا تجبهوه (١) ولا تضربوه ، بورك لبيت فيه محمد ، ومجلس فيه محمد ، ورفقة فيها محمد (٢).
*(في جلوسه وأمر أصحابه في آداب الجلوس)*
وكان صلىاللهعليهوآله يؤتى بالصبي الصغير ليدعو له بالبركة أو يسميه ، فيأخذه فيضعه في حجره تكرمة لاهله ، فربما بال الصبي عليه ، فيصيح بعض من رآه حين بال (٣) ، فيقول صلىاللهعليهوآله : لا تزرموا بالصبي ، فيدعه حتى يقضي بوله ، ثم يفرغ له من دعائه أو تسميته ويبلغ سرور أهله فيه ، ولا يرون أنه يتأذى ببول صبيهم ، فإذا انصرفوا غسل ثوبه بعد. ودخل رجل المسجد وهو جالس وحده فتزحزح له (٤) ، فقال الرجل : في المكان سعة يا رسول الله ، فقال صلىاللهعليهوآله : إن حق المسلم على المسلم إذا رآه يريد الجلوس إليه أن يتزحزح له.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : من أحب أن يمثل له الرجال فليتبوء مقعده في النار (٥).
وقال صلىاللهعليهوآله : لا تقوموا كما تقوم الاعاجم بعضهم لبعض (٦)
وروي عن أبي عبدالله عليهالسلام من كتاب المحاسن قال : كان رسول الله (ص) : إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس حين يدخل.
وعنه عليهالسلام قال : كان رسول الله أكثر ما يجلس تجاه القبلة.
وروي عنه عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : إذا أتى أحدكم مجلسا فليجلس حيث ما انتهى مجلسه.
____________________
(١) أى لا تردوه عن حاجته.
(٢) مكارم الاخلاق : ٢٢ ـ ٢٥.
(٣) في نسخة من المصدر : حين يبول.
(٤) أى تباعد وتنحى له.
(٥) من النار خ ل.
(٦) في المصدر بعد ذلك : ولا بأس بأن يتخلل عن مكانه ( موضعه خ ل ).