الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٥
فيقول : يا محمد ، يا أحمد ، ولكن يقول (١) : يا نبي الله ، يا رسول الله ، يا خيرة الله ، إلى غير ذلك من صفاته الجليلة.
السادس والعشرون : كان يستشفى به.
السابع والعشرون : كان يتبرك ببوله ودمه.
الثامن والعشرون : من زنى بحضرته أو استهان به كفر.
التاسع والعشرون : يجب على المصلي إذا دعاه يجيبه (٢) ولا تبطل صلاته ، و للشافعية وجه : إنه لا يجب وتبطل به الصلاة.
الثلاثون : كان أولاد بناته ينسبون إليه ، وأولاد بنات غيره لا ينسبون إليه ، لقوله صلىاللهعليهوآله : « كل سبب ونسب ينقطع يوم القيامة إلا سببي ونسبي » وقيل : معناه أنه لا ينتفع يومئذ بسائر الانساب ، وينتفع بالنسبة إليه صلىاللهعليهوآله.
مسألة : قال صلىاللهعليهوآله : « سموا باسمي ، ولا تكنوا بكنيتي » واختفلوا ، فقال الشافعي : إنه ليس لاحد أن يكني بأبي القاسم سواء كان اسمه محمدا أو لم يكن ، ومنهم من حمله على كراهة الجمع بين الاسم والكنية ، وجوزوا الافراد وهو الوجه ، لان الناس لم يزالوا بكنيته صلىاللهعليهوآله يكنون (٣) في جميع الاعصار من غير إنكار. انتهى (٤).
ويؤيد ما اختاره رحمهالله ما رواه الكليني والشيخ عن علي بن إبراهيم ، عن أبيه ، عن النوفلي ، عن السكوني ، عن أبي عبدالله عليهالسلام أن النبي صلىاللهعليهوآله نهى عن أربع كنى : عن أبي عيسى ، وعن أبي الحكم ، وعن أبي مالك ، وعن أبي القاسم إذا كان الاسم محمدا (٥).
أقول : هذا جملة ما ذكره أصحابنا وأكثر مخالفينا من خصائصه صلىاللهعليهوآله ، ولم نتعرض للكلام عليها وإن كان لبعضها مجال للقول فيه لقلة الجدوى ، ولانا أوردنا من الاخبار في هذا الباب وغيره ما يظهر به جلية الحال لمن أراد الاطلاع عليه ، والله الموفق للسداد.
____________________
(١) أي المنادى. (٢) في المصدر : أن يجيبه.
(٢) في المصدر : يكنون بكنيته. (٤) التذكرة : مقدمات النكاح.
(٥) فروع الكافي ٢ : ٨٧.
(باب ١٢)
*(نادر في اللطائف في فضل نبينا صلىاللهعليهوآله في الفضائل)*
*(والمعجزات على الانبياء عليهمالسلام)*
١ ـ قب : إن كان لآدم عليهالسلام سجود الملائكة مرة فلمحمد صلوات الله والملائكة والناس أجمعين كل ساعة إلى يوم القيامة ، وإن كان آدم قبلة الملائكة فجعله الله إمام الانبياء ليلة المعراج فصار إمام آدم عليهالسلام ، وإن خلق آدم عليهالسلام من طين فإنه خلق من النور ، قوله : « كنت نبيا وآدم بين الماء والطين » وإن كان آدم أول الخلق فقد صار محمد قبله قوله : « إن الله خلقني من نور وخلق ذلك النور قبل آدم بألفي ألف سنة ».
وإن كان آدم عليهالسلام أبوالبشر فمحمد صلىاللهعليهوآله سيد النذر ، قوله صلىاللهعليهوآله : آدم و من دونه تحت لوائي يوم القيامة «.
وإن كان آدم عليهالسلام أول الانبياء فنبوة محمد أقدم منه ، قوله : « كنت نبيا وآدم عليهالسلام منخول (١) في طينته ».
وإن عجزت الملائكة عن آدم عليهالسلام فاعطي القرآن الذي عجز عنه الاولون و الآخرون ، وإن قيل لآدم عليهالسلام : « فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه (٢) » فقال له : « ليغفر لك الله (٣) ».
وإن دخل آدم في الجنة فقد عرج به إلى قاب قوسين أو أدنى.
إدريس : قوله : « ورفعناه مكانا عليا (٤) » أي السماء ، وللنبي : « ورفعنا لك ذكرك (٥) » وناجى إدريس عليهالسلام ربه ، ونادى الله محمدا : « فأوحى إلى عبده ما أوحى (٦) » وأطعم إدريس عليهالسلام بعد وفاته ، وقد أطعمه الله في حال حياته ، قوله صلىاللهعليهوآله: « إني لست كأحدكم
____________________
(١) من نخل الدقيق : غربله وأزال نخالته.
(٢) البقرة : ٣٧. (٣) الفتح : ٢.
(٤) مريم : ٥٧. (٥) الشرح : ٤.
(٦) النجم : ١٠.
إني أبيت عند ربي ويطعمني ويسقيني.
نوح عليهالسلام : جرت له السفينة على الماء وهي تجري للكافر والمؤمن ، ولمحمد صلىاللهعليهوآله جرى الحجر على الماء ، وذلك أنه كان على شفير غدير ووراء الغدير تل عظيم ، فقال عكرمة ابن أبي جهل : يا محمد إن كنت نبيا فادع من صخور ذلك التل حتى يخوض الماء فيعبر ، فدعا بالصخرة فجعلت تأتي على وجه الماء حتى مثلت بين يديه ، فأمرها بالرجوع فرجعت كما جاءت.
واجيبت دعوته على قومه : « لاتذر على الارض (١) » فهطلت له السماء بالعقوبة ، واجيبت لمحمد بالرحمة حيث قال : « حوالينا ولا علينا » فنوح عليهالسلام رسول العقوبة ، و محمد صلىاللهعليهوآله رسول الرحمة : « وما أرسلناك إلا رحمة (٢) » دعا نوح لنفسه ولنفر يسير : « رب اغفر لي ولوالدي (٣) » ومحمد دعا لامته من ولد منهم ومن لم يولد : « واعف عنا (٤) » وقال له : « وجعلنا ذريته هم الباقين (٥) » وقال لمحمد : « ذرية بعضها من بعض (٦) » كانت سفينة نوح عليهالسلام سبب النجاة في الدنيا ، وذرية محمد (ص) سبب النجاة في العقبى (٧) قوله : « مثل أهل بيتي كسفينة نوح » الخبر.
وقال نوح عليهالسلام : « إن ابني من أهلي (٨) » فقيل له : « إنه ليس من أهلك (٩) » ومحمد لما علنت من قومه المعاندة شهر عليهم سيف النقمة ، ولم ينظر إليهم بعين المقة. قال حسان :
وإن كان نوح نجى سالما |
|
على الفلك بالقوم لما نجى |
فإن النبي نجى سالما |
|
إلى الغار في الليل لما دجى |
____________________
(١) نوح : ٢٦. (٢) الانبياء : ١٠٧.
(٣) نوح : ٢٨. (٤) البقرة : ٢٨٦.
(٥) الصافات : ٧٧. (٦) آل عمران : ٣٤.
(٧) بل في الدنيا والاخرة ، لانهم هدوا الناس إلى مصالحهم مصالح الدنيا والاخرة ، فيهم نجوا من مهالك الدنيا وعذاب الاخرة ، وفازوا بسعادتهما.
(٨) هود : ٤٥. (٩) هود : ٤٦.
هود عليهالسلام انتصر من أعدائه بالريح ، قوله : « وفي عاد إذ أرسلنا عليهم (١) » ومحمد نصره الله يوم الاحزاب والخندق بالريح والملائكة : قوله : « بجنود لم تروها (٢) » فزاد الله محمدا على هود بثلاثة آلاف ملك ، وفضله على هود بأن ريح عاد ريح سخط ، وريح محمد (ص) ريح رحمة قوله : « يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ جاءتكم (٣) » الآية ، وصبر هود في ذات الله وأعذر قومه إذ كذب ، والنبي صلىاللهعليهوآله صبر في ذات الله وأعذر قومه إذ كذب وشرد ، وحصب بالحصى (٤) وعلاه أبوجهل بسلى (٥) شاة ، فأوحى الله إلى جاجائيل ملك الجبال : أن شق الجبال وانته إلى أمر محمد صلىاللهعليهوآله ، فأتاه فقال له : قد امرت لك بالطاعة ، فإن أمرت أطبقت عليهم الجبال فأهلكتهم بها ، قال : إنما بعثت رحمة اهد قومي فإنهم لا يعلمون.
صالح عليهالسلام خرجت لصالح ناقة عشراء (٦) من بين صخرة صماء ، واخرج لنبينا صلىاللهعليهوآله رجل من وسط الجبل يدعو له ويقول : « اللهم ارفع له ذكرا ، اللهم أوجب له أجرا ، اللهم احطط عنه وزرا » وعقر ناقته ، وعقر أولاد محمد أبوالقاسم البارع صلىاللهعليهوآله.
لناقة صالح نادت اناس |
|
وقد جسروا على قتل الحسين |
وكان لصاح ينذر قومه فقيل له : يا صالح ائتنا بعذاب الله ، ومحمد نبي الرحمة ، قوله : « وما أرسلناك إلا رحمة (٧) » والناقة لم تناطقه ولم تشهد له بالنبوة وقد تكلم مع النبي صلى الله عليه نوق كثيرة.
لوط ، قال حسان بن ثابت :
____________________
(١) الذاريات : ٤١.
(٢) التوبة : ٤٠. أقول : هذه آية الغار ، وأما نصرته في يوم الاحزاب والخندق ففي آية : « وجنود لم تروها » وهي في الاحزاب : ٩ ، ونصره في يوم حنين فقال : « وأنزل جنودا لم تروها » التوبة : ٢٦.
(٣) الاحزاب : ٩.
(٤) أي رمى بالحصى.
(٥) السلى : جلدة فيها الولد ، وإذا انقطع في البطن هلكت الام والولد.
(٦) العشراء من النوق : التي مضى لحملها عشرة أشهر أو ثمانية ، أو هي كالنفساء من النساء.
(٧) الانبياء : ١٠٧.
وإن كان لوط دعا ربه |
|
على القوم فاستوصلوا بالبلا |
فإن النبي ببدر دعا |
|
على المشركين بسيف الفنا |
فناداه جبريل من فوقه |
|
بلبيك لبيك سل ما تشاء |
إبراهيم عليهالسلام نظر من الملك إلى الملك : « وكذلك نري إبراهيم (١) » والحبيب نظر من الملك إلى الملك : « ألم ترى إلى ربك كيف مد الظل (٢) ».
الخليل عليهالسلام طالب قال : « إني ذاهب إلى ربي (٣) » والحبيب مطلوب : « أسرى بعبده ليلا (٤) » قال الخليل عليهالسلام : « والذي أطمع أن يغفر لي (٥) » وقيل للحبيب : « ليغفر لك الله (٦) » وقال الخليل : « ولا تخزني (٧) » وللحبيب : « يوم لا يخزي الله (٨) » و قال الخليل عليهالسلام وسط النار : حسبى الله ، وقيل للحبيب : « يا أيها النبي حسبك الله (٩) » قال الخليل عليهالسلام : « واجعل لى لسان صدق (١٠) » وقيل للحبيب صلىاللهعليهوآله : « ورفعنا لك ذكرك (١١) » قال الخليل عليهالسلام : « وأرنا مناسكنا (١٢) وقيل للحبيب صلىاللهعليهوآله » : « لنريه (١٣) » الخليل عليهالسلام (١٤) « واجعلني من ورثة جنة النعيم (١٥) » وللحبيب صلىاللهعليهوآله « وللآخرة خير لك (١٦) » الخليل عليهالسلام : « والذي هو يطعمني (١٧) » وللحبيب صلىاللهعليهوآله « أطعمهم من جوع (١٨) » لاجلك.
الخليل عليهالسلام بخل على أعدائه بالرزق « وارزق أهله من الثمرات (١٩) » والحبيب صلىاللهعليهوآله سخا بها على الاعداء حتى عوتب : « ولا تبسطها كل البسط (٢٠) » الخليل عليهالسلام أقسم بالله : « وتالله لاكيدن أصناكم (٢١) » وأقسم الله بالحبيب : « لعمرك
____________________
(١) الانعام : ٧٥. (٢) الفرقان : ٤٥. (٣) الصفات : ٩٩.
(٤) الاسراء : ١. (٥) الشعراء : ٨٢.
(٦) الفتح : ٢. (٧) الشعراء : ٨٧.
(٨) التحريم : ٨. (٩) الانفال : ٦٤.
(١٠) الشعراء : ٨٤. (١١) الشرح : ٤.
(١٢) البقرة : ١٢٨. (١٣) الاسراء : ١.
(١٤) في المصدر : قال الخليل. (١٥) الشعراء : ٨٥.
(١٦) الضحى : ٤. (١٧) الشعراء : ٧٩.
(١٨) قريش : ٤. (١٩) البقرة : ١٢٦.
(٢٠) الاسراء : ٢٩. (٢١) الانبياء : ٥٧.
إنهم (١) » واتخذ مقام الخليل قبلة : « واتخذوا من مقام إبراهيم (٢) » وجعل أحوال الحبيب وأفعاله وأقواله قبلة : « لقد كان لكم في رسول الله اسوة (٣) » الخليل عليهالسلام كسر أصنام قوم بالخفية غضبا لله ، والحبيب كسر عن الكعبة ثلاثمائة وستين صنما ، وأذل من عبدها بالسيف ، اصطفى الخليل عليهالسلام بعد الابتلاء : « ولقد اصطفيناه (٤) » واصطفى الحبيب صلىاللهعليهوآله قبل الابتلاء : « الله يصطفي (٥) » الخليل عليهالسلام بذل ماله لاجل الجليل ، وخلق الجليل العالم لاجل الحبيب صلىاللهعليهوآله ، مقام الخليل عليهالسلام مقام الخدمة : « واتخذوا من مقام إبراهيم (٦) » ومقام الحبيب صلىاللهعليهوآله مقام الشفاعة : « عسى أن يبعثك (٧) » والشفيع أفضل من الخادم ، الخليل عليهالسلام طلب ابتداء الوصلة قال : « هذا ربي (٨) » والحبيب صلىاللهعليهوآله طلب بقاء الوصلة : « وامرت أن أكون من المسلمين (٩) » وللبقاء فضل على الابتداء ، صير الله حر النار على الخليل عليهالسلام بردا وسلاما ، وصير السم في جوفه سلاما حين سمته الخيبرية ، ثم سخر له نار جهنم التي كانت نار الدنيا كلها جزء منها ، كان الخليل عليهالسلام مناديا بالحج والقربان : « وأذن في الناس بالحج (١٠) » والحبيب مناديا بالاسلام و الايمان : « مناديا ينادي للايمان أن آمنوا بربكم (١١) » قال للخليل عليهالسلام : « أو لم تؤمن (١٢) « وقال للحبيب صلىاللهعليهوآله : « آمن الرسول (١٣) » قال الخليل : « فإنهم عدو لي (١٤) » وقيل للحبيب عليهالسلام : « لولاك لما خلقت الافلاك » وقيل (١٥) للخليل عليهالسلام. « وفديناه بذبح (١٦) » والحبيب (ص) فدي أبوه عبدالله بمائة ناقة ، وبارك في أولاد الخليل عليهالسلام حتى عفوا ، فامر داود عليهالسلام في أيامه بإحصائهم فعجزوا عن ذلك ، فأوحى
____________________
(١) الحجر : ٧٢. (٢) البقرة : ١٢٥.
(٣) الاحزاب : ٢١. (٤) البقرة : ١٣٠.
(٥) الحج : ٧٥. (٦) البقرة : ١٢٥.
(٧) الاسراء : ٧٩. (٨) الانعام : ٧٦.
(٩) النمل : ٩١. (١٠) الحج : ٢٧.
(١١) آل عمران : ١٩٣. (١٢) البقرة : ٢٦٠.
(١٣) البقرة : ٢٨٥. (١٤) الشعراء : ٧٧.
(١٥) في المصدر : وقال للخليل عليهالسلام. (١٦) الصافات : ١٠٧.
الله تعالى إليه لما أطاعني بذبح ولده كثرت ذريته ، والحبيب صلىاللهعليهوآله لما ابتلي أيضا بذبح ابنه الحسين عليهالسلام كثرت أولاده ، وصل الخليل إلى الجليل بالواسطة : « وكذلك نري إبراهيم (١) « ووصل الحبيب صلىاللهعليهوآله بلا واسطة : « ثم دنا فتدلى (٢) » أراد الخليل عليهالسلام رضا الملك في رفع الكعبة : « وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت (٣) » وأراد الله القبلة في رضا الحبيب : « فلنولينك قبلة ترضاها (٤) » كان الابتلاء للخليل أولا ، والاجتباء آخرا : « واذ ابتلي إبراهيم ربه بكلمات (٥) » والحبيب صلىاللهعليهوآله ابتداءه بشارة : « ليظهره على الدين (٦) » سأل الخليل : « واجنبني وبني أن نعبد الاصنام (٧) » وقال للحبيب صلىاللهعليهوآله : « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس (٨) » الخليل من يخالك ، و الحبيب من تخاله (٩) ، فلا جرم « ولسوف يعطيك ربك فترضى (١٠) » الخليل : المريد ، والحبيب : المراد ، الخليل : عطشان ، والحبيب : ريان.
قال صاحب العين : مخرج الحاء أقصى من مخرج الخاء بدرجة ، فإن الخاء من الحلق ، والحاء من الفؤاد ، فإذا ذكرت الخليل لم تملا فاك ، لانه من الحلق ، وإذا ذكرت الحبيب ملات فاك وقلبك ، لانه من الفؤاد ، قالوا : أظهر الله الخليل ، ولم يظهر الحبيب ، الجواب أنه أظهر المحبة لمتبعيه ، فكيف المتبوع : قوله : « إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله (١١) ».
يعقوب : كان له اثنا عشر ابنا ، ومحمد كان له اثنا عشر وصيا ، وجعل الاسباط من سلالة صلبه. ومريم بنت عمران من بناته ، والهداة في ذريته (١٢).
قوله : « ووهبنا له إسحق ويعقوب وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب (١٣) » و
____________________
(١) الانعام : ٧٥. (٢) النجم : ٨.
(٣) البقرة : ١٢٧. (٤) البقرة : ١٤٤.
(٥) البقرة : ١٢٤. (٦) التوبة : ٣٣. والفتح : ٢٨. الصف : ٩.
(٧) ابراهيم : ٣٥. (٨) الاحزاب : ٣٣.
(٩) خاله : صادقه وآخاه. (١٠) الضحى : ٥.
(١١) آل عمران : ٣١. (١٢) في المصدر : والهداية في ذريته.
(١٣) العنكبوت : ٢٧.
محمد أرفع ذكرا من ذلك ، جعلت فاطمة عليهاالسلام سيدة نساء العالمين من بناته ، والحسن و الحسين عليهماالسلام من ذريته ، وآتاه الكتاب المحفوظ لا يبدل ولا يغير (١) ، وصبر يعقوب عليهالسلام على فراق ولده حتى كاد يحرض ، وصبر محمد (ص) على وفاة إبراهيم وعلى ما علم من فحوى ما يجري على ذريته.
يوسف عليهالسلام إن كان له جمال فلمحمد صلىاللهعليهوآله ملاحة وكمال ، قوله صلىاللهعليهوآله : كان يوسف عليهالسلام أحسن ولكنني أملح.
وإن كان يوسف في الليل نورانيا فمحمد في الدنيا والعقبى نوراني ، ففي الدنيا يهدي الله لنوره ، وفي العقبى : « انظرونا نقتبس (٢) ».
يوسف عليهالسلام دعا لمالك بن ذعر ليكثر ماله وولده ، قال النبي صلىاللهعليهوآله : « ستدرك (٣) ولدا لي يسمى الباقر ، فإذا لقيته فاقرأه مني السلام ، وقال لانس : اللهم أطل عمره ، وأكثر ماله وولده » فبقي إلى أيام عمر بن عبدالعزيز ، وله عشرون من الذكور ، وثمانون من الاناث ، وكانت شجراته كل حول ذوات ثمرتين.
صبر يوسف عليهالسلام في الجب والحبس والفرقة والمعصية ، ومحمد قاسى من كثرة الغربة والفرقة ، وحبس في الشعب ثلاث سنين ، وفي الغار ثلاث ليال ، وكان ليوسف عليهالسلام رؤياه ، ولمحمد : « لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام (٤) ».
موسى عليهالسلام أعطاه الله اثنتى عشرة عينا ، قوله : « فانفجرت منه اثنتا عشرة (٥) عيناً » ومحمد أمر البراء بن عازب بغرس سهمه يوم الميضاة (٦) بالحديبية في قليب جافة فتفجرت اثنتا عشرة عينا حتى كفت ثمانية آلاف رجل ، وكان لموسى عليهالسلام انفجار الماء من الحجر ، ولمحمد عليهالسلام انفجار الماء من بين أصابعه ، وهذا أعجب ، وأنزل الله لموسى
____________________
(١) أي لا ينسخ ، ولا يصل إليه يدى التصحيف والتحريف.
(٢) الحديد : ١٣.
(٣) المخاطب جابر بن عبدالله الانصاري الصحابي.
(٤) الفتح : ٢٧.
(٥) البقرة : ٦٠.
(٦) الميضأة والميضاءة : الموضع يتوضأ فيه. المطهرة يتوضأ منها.
عمودا من السماء يضئ لهم ليلتهم ، ويرتفع نهارهم ، ورسول الله أعطى بعض أصحابه عصا تضئ أمامه وبين يديه ، وأعطى قتادة بن النعمان عرجونا (١) ، فكان العرجون يضئ أمامه عشرا.
قوله : « ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات (٢) » قال ابن عباس والضحاك : اليد ، والعصا ، والحجر ، والبحر ، والطوفان ، والجراد ، والقمل ، والضفادع ، والدم ، يروى أن النبي (ص) استتر للوضوء في بعض أسفاره إلى الشام فأحاط به اليهود بالسيوف ، فأثار الله من تحت رجله جرادا فاحتوشتهم (٣) ، وجعلت تأكلهم حتى أتت على جملتهم ، وكانوا مأتي نفر ، وقال عليهالسلام : « إن بين الركن والصفا قبور سبعين نبيا ما ماتوا إلا بضر الجوع والقمل » وتبعه قوم يوما خاليا فنظر أحدهم إلى ثياب نفسه وفيها قمل ، ثم جعل بدنه يحكه ، فأنف من أصحابه ، وانسل (٤) ، وأبصر آخر وآخر مثل ذلك حتى وجد كلهم من نفسه ، ثم زاد ذلك عليهم حتى استولى ذلك عليهم فماتوا كلهم من خمسة أيام إلى شهرين ، وهم جماعة بقتله فخرجوا نحو المدينة من مكة فسلط الله على مزاودهم ورواياهم وسطائحهم الجرذان فخرقتها ونقبتها وسال مياهها ، فلما عطشوا شعروا فرجعوا القهقرى إلى الحياض التي كانوا تزودوا منها تلك المياة ، وإذا الجرذان قد سبقتهم إليها فنقبت اصولها وسال في الحرة (٥) مياهها ، فتماوتوا ، ولم ينفلت منهم إلا واحد لا يزال يقول : يا رب محمد وآل محمد ، قد تبت من أذاه ، ففرج عني بجاه محمد وآل محمد ، فوردت عليه قافلة فسقوه وحملوه وأمتعة القوم (٦) ، فآمن بالنبي (ص) ، فجعل رسول الله (ص) له تلك الجمال والاموال ، واحتجم النبي صلىاللهعليهوآله مرة فدفع الدم الخارج منه إلى أبي سعيد الخدري ، وقال : غيبه ، فذهب فشربه ، فقال : ماذا صنعت به؟ قال : شربته ، قال : أو لم
____________________
(١) العرجون : أصل العذق الذي يعوج ويبقى على النخل يابسا بعد أن تقطع عنه المشاريخ.
(٢) الاسراء : ١٠١.
(٣) أي أحدقت بهم وجعلتهم في وسطها.
(٤) انسل أي انطلق مستخفيا.
(٥) الحرة : الارض ذات حجارة نخرة سود كانها احرقت بالنار.
(٦) أي وحملوا أمتعة القوم.
أقل لك : غيبه؟ فقال : قد غيبته في وعاء حريز ، فقال : إياك وأن تعود لمثل هذا ، ثم اعلم أن الله قد حرم على النار لحمك ودمك لما اختلط بدمي ولحمي ، واستهزأ به أربعون نفرا من المنافقين ، فقال صلىاللهعليهوآله : أما إن الله يعذبهم بالدم ، فلحقهم الرعاف الدائم ، و سيلان الدماء من أضراسهم ، فكان طعامهم وشرابهم يختلط بدمائهم ، فبقوا كذلك أربعين صباحا ، ثم هلكوا.
قوله : « اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء (١) » واعطي أفضل منه ، وهو أن نورا كان عن يمينه حيث ما جلس ، وكان يراه الناس كلهم ، وقد بقي ذلك النور إلى قيام الساعة ، وكان يحب أن يأتيه الحسنان ، فيناديهما : هلما إلي ، فيقبلان نحوه من البعد قد بلغهما صوته ، فيقول بسبابته هكذا ، يخرجهما من الباب ، فتضئ لهما أحسن من ضوء القمر والشمس ، فيأتيان ، ثم تعود الاصبع كما كانت ، وتفعل في إنصرافهما مثل ذلك قوله : « وأن ألق عصاك (٢) » وله ما روي أن الزبير بن العوام انكسر سيفه في بعض الغزوات فأخذ النبي (ص) خشبة فمسحها من جانبيه ، فصارت سيفا أجود ما يكون وأضربها (٣) ، فكان يقاتل به ، وإن الله تعالى قلب جذوع سقوف يهود نازعوه أفاعي ، وهي أكثر من مائة جذع ، وقصدت نحوهم ، والتقمت متاع بيتهم ، فمات منهم أربعة ، وخبل جماعة (٤) وأسلم آخرون ، وقالوا : اللهم بجاه محمد الذي اصطفيته ، وعلي الذي ارتضيته ، وأوليائهما الذين من سلم لهم أمرهم اجتبيته ، فأنشر الله الاربعة. قوله : « فاضرب بعصاك البحر (٥) » قال أمير المؤمنين عليهالسلام : خرجنا معه يعني النبي صلىاللهعليهوآله إلى خيبر ، فإذا نحن بواد يشخب فقدرناه فإذا هو أربع عشرة قامة ، فقالوا : يا رسول الله العدو من ورائنا ، والوادي أمامنا ، كما قال أصحاب موسى عليهالسلام : « إنا لمدركون (٦) » فنزل رسول الله صلىاللهعليهوآله ثم قال : « اللهم إنك جعلت لكل مرسل دلالة
____________________
(١) القصص : ٣٢.
(٢) القصص : ٣١.
(٣) استظهر المصنف في الهامش أن الصحيح : وأعطاها.
(٤) أصابهم جنون.
(٥) الصحيح كما في المصحف الشريف : ( أن اضرب ) راجع سورة الشعراء : ٦٣.
(٦) الشعراء : ٦١.
فأرني قدرتك » وركب فعبرت الخيل لاتندى حوافرها ، والابل لاتندى أخفافها ، فرجعنا فكان فتحها ، وفي رواية أنس إنه مطرت السماء ثلاثة أيام ولياليها بوادي الخزان (١) ، فقالوا : يا رسول الله هول عظيم ، فقال : أيها الناس اتبعوني ، وكنت آخر الناس ، ولقد رأيت الماء ما بل أخفاف الابل.
قوله : « ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين (٢) » وروي أن النبي صلىاللهعليهوآله قال : « اللهم العن رعلا وذكوان (٣) ، اللهم اشدد وطأتك على مضر ، اللهم اجعل سنيهم كسني يوسف » ففي الخبر أن الرجل كان منهم يلحق صاحبه فلا يمكنه الدنو ، فإذا دنا منه لا يبصره من شدة دخان الجوع ، وكان يجلب (٤) إليهم من كل ناحية ، فإذا اشتروه وقبضوه لم يصلوا به إلى بيوتهم حتى يتسوس (٥) وينتن ، فأكلوا الكلاب الميتة والجيف والجلود ، ونبشوا القبور ، وأحرقوا عظام الموتى فأكلوها ، وأكلت المرأة طفلها ، وكان الدخان متراكما بين السماء والارض ، وذلك قوله : « فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين * يغشى الناس هذا عذاب أليم (٦) » فقال أبوسفيان ورؤساء قريش : يا محمد أتأمرنا بصلة الرحم؟ فأدرك قومك فقد هلكوا ، فدعا لهم ، وذلك قوله : « ربرنا اكشف عنا العذاب إنا موقنون (٧) » فقال الله تعالى : « إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون (٨) » فعاد إليهم الخصب والدعة ، وهو
____________________
(١) استظهر في المصدر : أن الصحيح : الخزاز ، أقول : ولعله كذلك راجع معجم البلدان ٢ : ٣٦٤.
(٢) الاعراف : ١٣٠.
(٣) بنو رعل : بطن من بهتة من العدنانية ، وهم بنو رعل بن مالك ابن عوف بن امرئ القيس بن بهتة ، وبنو ذكوان أيضا بطن من بهتة من سليم من العدنانية ، وهم بنو ذكوان بن ثعلبة بن بهتة ، قال القلقشندي بعد ترجمتهما بذلك : وهم الذين مكث النبي صلىاللهعليهوآله شهر ايقنت في الصلاة ويدعو عليهم.
(٤) أي يساق ويجئ بالطعام إليهم.
(٥) سوس الطعام : وقع فيه السوسو. والسوس : دود يقع في الصوف والخشب والثياب و البر ونحوها.
(٦) الدخان : ١٠ و ١١.
(٧) هكذا في الكتاب ، والصحيح كما في المصدر والمصحف الشريف : « انا مؤمنون » راجع سورة الدخان : ١٢.
(٨) الدخان : ١٥.
قوله : « فليعبدوا رب هذا البيت (١) » الآية ، انتقم الله لموسى عليهالسلام من فرعون ، وانتقم لمحمد (ص) من الفراعنة : « سيهزم الجمع ويولون الدبر (٢) » كان لموسى عليهالسلام عصا ، ولمحمد (ص) ذو الفقار ، خلف موسى عليهالسلام هارون عليهالسلام في قومه ، وخلف محمد (ص) عليا عليهالسلام في قومه : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى » وكان لموسى عليهالسلام اثنا عشر نقيبا ، ولمحمد (ص) اثنا عشر إماما ، كان لموسى عليهالسلام انفلاق البحر في الارض : « فانفلق فكان كل فرق (٣) » ولمحمد (ص) انشقاق القمر في السمآء وذلك أعجب : « اقتربت الساعة و انشق القمر (٤) » العصا بلغت البحر فانفلق : « فاضرب بعصاك البحر (٥) » وأشار بالاصبع إلى القمر فانشق ، وقال موسى عليهالسلام : « رب اشرح لي صدري (٦) » وقال الله له : « ألم نشرح لك صدرك (٧) » وقال لموسى وهارون عليهماالسلام : « فقولا له قولا لينا (٨) » وقال لمحمد (ص) واغلظ عليهم (٩) * ولا تطع كل حلاف (١٠) « وأعطى الله موسى عليهالسلام المن والسلوى ، وأحل الغنائم لمحمد صلىاللهعليهوآله ولامته ، ولم يحل لاحد قبله ، وقال في حق موسى : « وظللنا عليهم الغمام (١١) » يعني في التيه ، والنبي صلىاللهعليهوآله كان يسير الغمام فوقه ، وكلم الله موسى تكليما على طور سينآء ، وناجى الله محمدا عند سدرة المنتهى ، وكان واسطة بين الحق ، وبين موسى عليهالسلام ، ولم يكن بين محمد (ص) وربه أحد : « فأوحى إلى عبده (١٢) » وليس من مشى برجليه كمن اسري بسره (١٣) ، وليس من ناداه كمن ناجاه ، ومن بعد نودي ، ومن قرب نوجي ، ولم يكلم موسى عليهالسلام إلا بعد أربعين ليلة ، ومحمد (ص) كان نائما في بيت ام هاني فعرج به ، ومعراج موسى عليهالسلام بعد الموعود ، ومعراج محمد (ص) بلا وعد ، واختار موسى قومه سبعين رجلا ، واختير محمد وهو فريد ، ولم يحتمل موسى (ع)
____________________
(١) قريش : ٣. (٢) القمر : ٤٥.
(٣) الشعراء : ٦٣. (٤) القمر : ١.
(٥) الشعراء : ٦٣. وفي المصحف الشريف : ( أن اضر ب ) ولعله منقول بالمعنى.
(٦) طه : ٢٥. (٧) الشرح : ١.
(٨) طه : ٤٤. (٩) التوبة : ٧٣.
(١٠) القلم : ١٠. (١١) الاعراف : ١٦٠.
(١٢) النجم : ١٠. (١٣) أي بشخصه وحقيقته.
ما رآه : « فخر موسى صعقا (١) » واحتمل محمد ذلك : « لقد رأى من آيات ربه (٢) » معراج موسى عليهالسلام نهارا ، ومعراج محمد (ص) ليلا ، ومعراج موسى عليهالسلام على الارض ، ومعراج محمد (ص) فوق السماوات السبع ، أخبر بما جرى بينه وبين موسى عليهالسلام ، وكتم ما جرى بينه وبين محمد : « فأوحى إلى عبده ما أوحى (٣) » قوله : « ولما جاء موسى لميقاتنا (٤) » كأنه جاء من عند فرعون « لقد جاءكم رسول (٥) » كأنه جآء من عند الله وقال لموسى : « وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا (٦) » وأخرج النبي من مسجده ما خلا العترة ، وفي هذا تبيان قوله : « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ».
حسان :
لئن كلم الله موسى على |
|
شريف من الطور يوم الندا |
فإن النبي أبا قاسم |
|
حبي بالرسالة فوق السماء |
وقد صار بالقرب من ربه |
|
على قاب قوسين لما دنا |
وإن فجر الماء موسى لكم (٧) |
|
عيونا من الصخر ضرب العصا |
فمن كف أحمد قد فجرت |
|
عيون من المآء يوم الظما |
وإن كان هارون من بعده |
|
حبي بالوزارة يوم الملا |
فإن الوزارة قد نالها |
|
علي بلا شك يوم الندا |
كعب بن مالك الانصاري :
فإن يك موسى كلم الله جهرة |
|
على جبل الطور المنيف (٨) المعظم |
فقد كلم الله النبي محمدا |
|
على الموضع الاعلى الرفيع المسوم |
داود عليهالسلام كان له سلسلة الحكومة ليميز الحق من الباطل ، ولمحمد صلىاللهعليهوآله القرآن :
____________________
(١) الاعراف : ١٤٢ ، وفيه : وخر. (٢) النجم : ١٨.
(٣) النجم : ١٠. (٤) الاعراف : ١٤٣.
(٥) التوبة : ١٢٨. (٦) يونس : ٨٧.
(٧) في المصدر : لهم. وهو الصحيح. (٨) جبل منيف : مرتفع مشرف.
« ما فرطنا في الكتاب من شئ (١) » وليست السلسلة كالكتاب ، والسلسلة قد فنيت والقرآن بقي إلى آخر الدهر ، وكان له النغمة ، ولمحمد صلىاللهعليهوآله الحلاوة : « وإذا سمعوا ما انزل إلى الرسول (٢) » وكان له ثلاثون ألف حرس ، وكان حارس محمد هو الله تعالى : « والله يعصمك من الناس (٣) » وسبحت له الوحوش والطيور والجبال ، فالله تعالى وملائكته يشهدون لمحمد : « وكفى بالله شهيدا * محمد رسول الله (٤) » وقال له : « وألنا له الحديد (٥) » وألان قلب محمد بالرحمة والشفاعة : « فبما رحمة من الله لنت لهم (٦) » وألان لهم (٧) الصم الصخور الصلاب وجعلها غارا ، وكان يحلب الشاة المجهودة ، ويمسح عرضها فيحلب منها كيف شاء ، وسخر له الجبال وكان يسبحن ، وأخذ النبي أحجارا فأمسكها فسبحن في كفه ، وله الطير محشورة كل له أواب ، ولمحمد البراق ، وقال له : « وشددنا ملكه (٨) » وشدد ملك محمد حتى نسخ بشريعته سائر الشرائع ، وقال لداود : « ولا تتبع الهوى (٩) » وقال لمحمد صلىاللهعليهوآله : « ما ضل صاحبكم (١٠) ».
حسان :
وإن كان داود قد أوبت (١١) |
|
جبال لديه وطير الهوا |
ففي كف أحمد قد سبحت |
|
بتقديس ربي صغار الحصى |
سليمان سخرت له الريح : « غدوها شهر ورواحها شهر (١٢) » يقال : إنه غدا من العراق ، وقال (١٣) بمرو ، وأمسى ببلخ ، وأكرم محمدا بالبراق خطوته مد البصر ، و قال : « علمنا منطق الطير (١٤) » وروي أن الحمرة فجعت بأحد ولدها ، فجاءت إلى
____________________
(١) الانعام : ٣٨. (٢) المائدة : ٨٣.
(٣) المائدة : ٦٧. (٤) الفتح : ٢٨ و ٢٩.
(٥) سبأ : ١٠. (٦) آل عمران : ١٥٩.
(٧) الظاهر كما في هامش النسخة أن الصحيح : وألان له.
(٨) ص : ٢٠. (٩) ص : ٢٦.
(١٠) النجم : ٢. (١١) أي قد رجعت معه بالتسبيح.
(١٢) سبأ : ١٢. (١٣) قال : نام في القافلة أي منتصف النهار.
(١٤) النمل : ١٦.
النبي صلىاللهعليهوآله وقد جعلت ترف على رأس رسول الله (ص) ، فقال : أيكم فجع (١) هذه؟ فقال رجل من القوم : أنا أخذت بيضها ، فقال النبي (ص) : ارددها ، ومنه كلام البعير و العجل والضبي والشاة والذئب والذب ، وسخرت له (٢) » الجن والشياطين ، وقال للنبي صلىاللهعليهوآله : « قل اوحي إلي أنه استمع نفر من الجن (٣) » ، وقوله : « وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن (٤) » وهو التسعة من أشراف الجن بنصيبين واليمن من بني عمرو بن عامر ، منهم شصاه ، ومصاه ، والهملكان ، والمرزبان ، والمازمان ، ونضاه ، وهاضب ، وعمرو ، وبايعوه على العبادات ، واعتذروا بأنهم قالوا على الله : شططا ، وسليمان عليهالسلام كان يصفدهم لعصيانهم ، ونبينا أتوه طائعين راغبين ، وسأل سليمان ملكا دنيا : « رب هب لي ملكا (٥) » وعرض مفاتيح خزائن الدنيا على محمد صلىاللهعليهوآله فردها ، فشتان بين من يسأل وبين من يعطى فلا يقبل ، فأعطاه الله الكوثر والشفاعة والمقام المحمود « ولسوف يعطيك ربك فترضى (٦) » وقال لسليمان : « امنن أو أمسك بغير حساب (٧) » وقال لنبينا : « ما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا (٨) ».
حسان بن ثابت :
وإن كانت الجن قد ساسها |
|
سليمان والريح تجري رخا |
فشهر غدو به دائبا |
|
وشهر رواح به إن يشا |
فإن النبي سرى ليلة |
|
من المسجدين إلى المرتقى |
حواست جمع كن |
|
حواست جمع كن |
كعب بن مالك :
وإن تك نمل البر بالوهم كلمت |
|
سليمان ذا الملك الذي ليس بالعمى |
فهذا نبي الله أحمد سبحت |
|
صغار الحصى في كفه بالترنم |
يحيى عليهالسلام قال الله تعالى له : « وآتيناه الحكم صبيا (٩) » وكان في عصر لا جاهلية
____________________
(١) فجعه : أوجعه باعدامه ما يتعلق به من أهل أو مال.
(٢) أي لسليمان عليهالسلام.
(٣) الجن : ١.
(٤) الاحقاف : ٢٩.
(٥) ص : ٣٥ وهو منقول معناه والاية هكذا : « قال رب اغفر لي وهب لى ملكا ».
(٦) الضحى : ٥. (٧) ص : ٣٩. وفيه : فامنن.
(٨) الحشر : ٧ وفيه : وما اتاكم. (٩) مريم : ١٢.
فيه ، ومحمد (ص) اوتي الحكم والفهم صبيا بين عبدة الاوثان وحزب الشيطان ، وكان يحيى عليهالسلام أعبد أهل زمانه وأزهدهم ، ومحمد أزهد الخلائق ، وأعبدهم ، حتى قيل : « طه ما أنزلنا (١) ».
حسان بن ثابت :
وإن كان يحيى بكت عينه |
|
صغيرا وطهره في الصبي |
فإن النبي بكى قائما |
|
حزينا على الرجل خوف الرجا |
فناداه أن طه (٢) أبا قاسم |
|
ولا تشق بالوحي لما أتى |
عيسى عليهالسلام « وابرئ الاكمه والابرص (٣) » ونبينا (ص) أتاه معاذ بن عفرا (٤) فقال : يا رسول الله إني قد تزوجت ، وقالوا للزوجة : إن بجنبي بياضا ، فكرهت أن تزف إلي ، فقال : اكشف لي عن جنبك ، فكشف له عن جنبه ، فمسحه بعود فذهب ما به من البرص ، ولقد أتاه من جهينة أجذم يتقطع من الجذام ، فشكا إليه ، فأخذ قدحا من مآء فتفل فيه ، ثم قال : امسح به جسدك ففعل فبرأ ، وأبرأ صاحب السلعة (٥) ، وأتته امرأة فقالت : يا رسول الله إن ابني قد أشرف على حياض الموت ، كلما أتيته بطعام وقع عليه التثاؤب (٦) ، فقام وقمنا معه ، فلما أتيناه قال له : جانب يا عدو الله ولي الله ، فأنا رسول الله ، فجانبه الشيطان ، فقام صحيحا ، وأتاه رجل وبه ادرة (٧) عظيمة ، فقال : هذه الادرة تمنعني من التطهير والوضوء ، فدعا بماء فبرك فيه ودعاه وتفل فيه ، ثم أمره أن يفيض عليه (٨) ، ففعل الرجل ، وأغفى إغفائة وانتبه فإذا هي قد تقلصت ، وجائت امرأة ومعها
____________________
(١) طه : ١. (٢) في المصدر : فناداه طه.
(٣) آل عمران : ٤٩.
(٤) هكذا في النسخة ، والصحيح : عفراء بالمد ، والرجل هو معاذ بن الحارث بن رفاعة الانصاري النجاري.
(٥) السلعة : خراج في البدن أو زيادة فيه كالغدة بين الجلد واللحم.
(٦) تثاءب : أصابه كسل وفترة كفترة النعاس.
(٧) في النهاية : الادرة بالضم : نفخة في الخصية.
(٨) أى يفرغه عليه.
عكة (١) سمن واقط ومعها ابنة لها فقالت : يا رسول الله ولدت هذه كمها (٢) ، فأخذ رسول الله (ص) عودا فمسح به عينيها فأبصرتا. ومنه حديث قتادة بن ربعي ومحمد بن مسلمة و عبدالله بن أنيس.
قوله : « واحيي الموتى بإذن الله (٣) » قال الكلبي : كان عيسى عليهالسلام يحيي الاموات بياحي يا قيوم ، وقيل إنه أحيى أربعة أنفس ، وهم عاذر ، وابن العجوز ، وابنة العاشر ، وسام بن نوح ، قال الرضا عليهالسلام : لقد اجتمعت قريش إلى رسول الله (ص) فسألوه أن يحيي لهم موتاهم ، فوجه معهم علي بن أبي طالب عليهالسلام فقال : اذهب إلى الجبانة (٤) فناد باسم هؤلاء الرهط الذين يسألون عنهم بأعلى صوتك : يا فلان ، ويا فلان ، ويا فلان ، يقول لكم رسول الله : قوموا بإذن الله ، فقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم ، فأقبلت قريش تسألهم عن امورهم ، ثم أخبروهم أن محمدا قد بعث نبيا ، فقالوا : وددنا أنا أدركناه فنؤمن به ، و أحيى صلىاللهعليهوآله النفر الذين قتلوا يوم بدر فخاطبهم وكلمهم وعيرهم بكفرهم. قوله : « وانبئكم بما تأكلون وما تدخرون (٥) » ومحمد صلىاللهعليهوآله كان ينبئ بأشياء كثيرة ، منها : قصة حاطب بن أبي بلتعة ، وإنفاذ كتابه إلى مكة ، ومنها قصة عباس و سبب إسلامه.
ابن جريح في قوله : « ويعلمه الكتاب والحكمة (٦) » إن الله تعالى أعطى عيسى عليهالسلام تسعة أشياء من الحظ ، ولسائر الناس جزءا وروي عن النبي صلىاللهعليهوآله اوتيت القرآن ومثليه.
انشد :
وإن كان من مات يحيى لكم |
|
يناديه عيسى برب العلى. |
____________________
(١) العكة : زقيق للسمن أصفر من القربة.
(٢) هكذا في النسخة ، والصحيح : كمهاء بالمد ، كما في المصدر.
(٣) آل عمران : ٤٩.
(٤) الجبانة : المقبرة. الصحراء.
(٥) آل عمران : ٤٩.
(٦) آل عمران : ٤٨.
فإن الذراع لقد سمها |
|
يهود لاحمد يوم القرى (١) |
فنادته أنى لمسمومة |
|
فلا تقربني وقيت الاذي (٢) |
بيان : الحمرة بضم الحاء وتشديد الميم المفتوحة : ضرب من الطير كالعصفور.
٢ ـ قب : قد مدح الله اثنى عشر من الانبياء باثنى عشر نوعا من الطاعة : مدح إسحاق عليهالسلام ويعقوب (ع) بالطاعة : « ووهبنا له إسحاق ويعقوب (٣) » ولعيسى بالزهادة ، قيل له : لو اتخذت منزلا أو اشتريت دابة ، فقال ما قال ، ولسليمان بالسخا ، وكان يطعم كل يوم سبعمائة جريب من الحوارى (٤) ، وهو يأكل الخشكار ، (٥) ولابراهيم عليهالسلام بالرحمة : « إن إبراهيم لحليم أواه منيب (٦) » ، وفيه قصة المجوس الذين أسلموا من ضيافته ، ولنوح (ع) بالصلابة : « رب لا تذر على الارض (٧) » وأيضا من موسى وهارون (ع) : « ربنا إنك آتيت فرعون (٩) » فبالغ نبينا صلىاللهعليهوآله في هذه الخصال حتى نهاه عن ذلك : الاستغفار : « استغفر لهم أو لا تستغفر لهم (١٠) » المجاهدة : « ولا تعجل بالقرآن (١١) » العبادة : « طه ما أنزلنا (٨) » الزهد : « لم تحرم ما أحل الله لك (١٢) » وفيه حديث مارية ، وعرض عليه مفاتيح الدنيا فأبى ، السخا : « ولا تجعل يدك مغلولة (١٣) » الرحمة : « واغلظ عليهم (١٤) » وقال : « فلعلك باخع نفسك (١٥) » الصلابة : « لست عليهم بمصيطر (١٦) * يا أيها النبي جاهد
____________________
(١) أي يوم الضيافة.
(٢) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٤٨ ـ ١٥٧.
(٣) الانعام : ٨٤.
(٤) الحواري بضم الحاء وتشديد الواو : الدقيق الابيض.
(٥) تقدم في باب قصص سليمان عليهالسلام نحوه عن كتاب الدعوات ، قال المصنف هناك : الخشكار لم اجده في أكثر كتب اللغة ، فكانه معرب مولده ، وفي كتب الطب وبعض كتب اللغة أنه الخبز المأخوذ من الدقيق غير المنخول ، وقيل : إنه الخبز اليابس ، والاول هو المراد هنا انتهى أقول : في بعض نسخ المصدر : الخشار بالضم : وهو فضالة المائدة. وما لا لب له من الشعير.
(٦) هود : ٧٥. (٧) نوح : ٢٦.
(٨) يونس : ٨٨. (٩) التوبة : ٨٠.
(١٠) طه : ١١٤. (١١) طه : ١.
(١٢) التحريم : ١. (١٣) الاسراء : ٢٩.
(١٤) التوبة : ٧٣. (١٥) الكهف : ٦.
(١٥) الغاشية : ٢٢.
الكفار (١) » وفيه قصة ابن مكتوم. الانذار : « نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم (٢) » عيب آلهتهم : « ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله (٣) ».
وإنه تعالى أقسم لاجله بخمسة عشر قسما : بهدايته : « والنجم إذا هوى (٤) » برسالته : « يس والقرآن الحكيم (٥) » بولي عهده : « والعاديات ضبحا (٦) » بمعراجه : « لتركبن طبقا عن طبق (٧) » بشريعته : « والعصر إن الانسان لفي خسر (٨) » بكتابه : « ق ـ والقرآن المجيد (٩) » بخلقه : « لقد خلقنا الانسان في أحسن تقويم (١٠) » بخلقه : « ن والقلم (١١) » بزيادة نوافله : « طه ما أنزلنا (١٢) » بطهارته : « فلا اقسم بما تبصرون (١٣) » ببلده : « لا اقسم بهذا البلد (١٤) » بمحبته : « والضحى والليل (١٥) » بتهديد موذيه : « كلا لئن لم ينته (١٦) » بعقوبة أعدائه : « كلا إنهم عن ربهم يومئذ (١٧) » بعمره : « لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون (١٨) » ومن شدة فرط المحب (١٩) أن يحلف بعمر حبيبه ، وكل ما سأل الانبياء من الله تعالى أعطاه الله بلا سؤال : آدم عليهالسلام : « وإن لم تغفر لنا (٢٠) » وله : « ليغفر لك الله (٢١) » نوح عليهالسلام : « لا تدر على الارض (٢٢) » وله : « إنا كفيناك المستهزئين (٢٣) » إبراهيم عليهالسلام : « ولا تخزني يوم يبعثون (٢٤) » وله « يوم لا يخزي الله النبي (٢٥) » شعيب عليهالسلام : « ربنا افتح بيننا (٢٦) » وله : « إنا فتحنا لك (٢٧) » لوط عليهالسلام : « رب انصرني على
____________________
(١) التوبة : ٧٣. (٢) الحجر : ٤٩. (٣) الانعام : ١٠٨.
(٤) النجم : ١. (٥) يس : ١.
(٦) العاديات : ١. (٧) الانشقاق : ١٩.
(٨) العصر : ١. (٩) ق : ١.
(١٠) التين : ٤. (١١) القلم : ١.
(١٢) طه : ١. (١٣) الحاقة : ٣٨.
(١٤) البلد : ١. (١٥) الضحى : ١.
(١٦) العلق : ١٥. (١٧) المطففين : ١٥.
(١٨) الحجر : ٧٢. (١٩) في المصدر : فرط المحبة.
(٢٠) الاعراف : ٢٢. (٢١) الفتح : ٢.
(٢٢) نوح : ٢٦. (٢٣) الحجر : ٩٥.
(٢٤) الشعراء : ٨٧. (٢٥) التحريم : ٨.
(٢٦) الاعراف : ٨٩. (٢٧) الفتح : ١.
القوم (١) » وله : « وينصرك الله (٢) » موسى عليهالسلام : « قال رب اشرح لي صدري (٣) » وله : « ألم نشرح لك (٤) » موسى عليهالسلام : « اخلفني في قومي (٥) » وله : إنما وليكم الله (٦) ».
المقام أربعة : مقام الشوق لشعيب عليهالسلام حيث بكى من خوف الله ، ومقام السلام لابراهيم عليهالسلام : إذ جاء ربه بقلب سليم (٧) » ومقام المناجات لموسى عليهالسلام : « وقربناه نجيا (٨) » ومقام المحبة للنبي صلىاللهعليهوآله : « فكان قاب قوسين (٩) » وسمى الله تعالى نوحا شكورا : « إنه كان عبدا شكورا (١٠) » وإبراهيم عليهالسلام حليما : « إن إبراهيم لحليم (١١) » وموسى عليهالسلام كليما : « وكلم الله موسى تكليما (١٢) » وجمع له كما جمع لنفسه فقال : « إن الله بالناس لرؤوف رحيم (١٣) » وله : بالمؤمنين رؤوف رحيم (١٤) » قيل : هما واحد ، وقيل : الرؤوف : شدة الرحمة ، رؤوف بالمطيعين ، رحيم بالمذنبين ، رؤوف بأقربائه رحيم بأصحابه ، رؤوف بعترته ، رحيم بامته ، رؤوف بمن رآه ، رحيم بمن لم يره (١٥).
____________________
(١) العنكبوت : ٣٠. (٢) الفتح : ٣.
(٣) طه : ٢٥. (٤) الشرح : ١.
(٥) الاعراف : ١٤٢. (٦) المائدة : ٥٥.
(٧) الصافات : ٨٤. (٨) مريم : ٥٢.
(٩) النجم : ٩. (١٠) الاسراء : ٣.
(١١) هود : ٧٥. (١٢) النساء : ١٦٤.
(١٣) البقرة : ١٤٣. (١٤) التوبة : ١٢٨.
(١٥) مناقب آل أبي طالب ١ : ١٥٨ ـ ١٦٠.