الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي
الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٥
المتقدمين (١) ، وإن كان يغلب على الظن وقوعه ، والله يعلم وحججه عليهمالسلام.
١ ـ ن : بالاسانيد الثلاثة عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : سئل علي بن الحسين عليهالسلام لم اوتم النبي صلىاللهعليهوآله من أبويه؟ قال : لئلا يجب عليه حق لمخلوق (٢).
٢ ـ مع ، ع : حمزة العلوي ، عن أحمد الهمداني ، عن علي بن الحسين بن فضال ، عن أخيه أحمد ، عن محمد بن عبدالله بن مروان ، عن ابن أبي عمير ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : إن الله عزوجل أيتم نبيه صلىاللهعليهوآله لئلا يكون لاحد عليه طاعة (٣).
٣ ـ ع : علي بن حاتم القزويني فيما كتب إلي عن القاسم بن محمد ، عن حمدان بن الحسين بن الوليد ، عن عبدالله بن حماد ، عن عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : قلت له : لاي علة لم يبق لرسول الله صلىاللهعليهوآله ولد؟ قال : لان الله عزوجل خلق محمدا صلىاللهعليهوآله نبيا وعليا عليهالسلام وصيا ، فلو كان لرسول الله صلىاللهعليهوآله ولد من بعده كان (٤) أولى برسول الله صلىاللهعليهوآله من أمير المؤمنين عليهالسلام فكانت لا تثبت (٥) وصية أمير المؤمنين عليهالسلام (٦).
٤ ـ مع ، ع : القطان ، عن ابن زكريا القطان ، عن ابن حبيب ، عن ابن بهلول ، عن أبيه ، عن أبي الحسن العبدي ، عن سليمان بن مهران ، عن عباية بن ربعي ، عن ابن عباس قال : سئل عن قول الله : « ألم يجدك يتيما فآوى » قال : إنما سمي يتيما لانه لم يكن له نظير على وجه الارض من الاولين والآخرين ، فقال عزوجل (٧) ممتنا عليه
____________________
(١) لعل المتقدمين من علمائنا أعرضوا عن ذكره لغرابته وشذوذه ، وعدم وروده في حديث صحيح عن طريق المعصومين.
(٢) عيون أخبار الرضا : ٢١٠.
(٣) معانى الاخبار : ٢٠ ، علل الشرائع : ٥٥.
(٤) لكان خ ل.
(٥) فيه غموض ، لان الوصاية والخلافة عند الامامية تثبت بنص النبى صلىاللهعليهوآله ، عن الله ، فهى موهبة الهية ولا يشترط فيها فقدان الولد أو وجوده.
(٦) علل الشرائع : ٥٥.
(٧) في المصدر : فقال الله.
نعمه : « ألم يجدك يتيما » أي وحيدا لا نظير لك؟ « فأوى » إليك الناس ، وعرفهم فضلك حتى عرفوك « ووجدك ضالا » يقول : منسوبا عند قومك إلى الضلالة فهداهم بمعرفتك « ووجدك عائلا » يقول : فقيرا عند قومك يقولون : لا مال لك ، فأغناك الله بمال خديجة ، ثم زادك من فضله ، فجعل دعاءك مستجابا حتى لو دعوت على حجر أن يجعله الله لك ذهبا لنقل عينه إلى مرادك ، وأتاك بالطعام حيث لا طعام ، وأتاك بالمآء حيث لا ماء ، و أعانك (١) بالملائكة حيث لا مغيث فأظفرك بهم على أعدائك (٢).
٥ ـ ن : في خبر ابن الجهم (٣) ، عن الرضا عليهالسلام قال الله عزوجل لنبيه محمد صلىاللهعليهوآله :
« ألم يجدك يتيما فآوى » يقول : ألم يجدك وحيدا فآوى إليك الناس؟ « ووجدك ضالا » يعني عند قومك « فهدى » أي هداهم إلى معرفتك « ووجدك عائلا فأغنى » يقول : أغناك بأن جعل دعاءك مستجابا (٤).
٦ ـ فس : علي بن الحسين ، عن البرقي ، عن أبيه ، عن خالد بن يزيد ، عن أبي الهيثم. عن زرارة ، عن الامامين عليهماالسلام في قول الله تعالى : « ألم يجدك يتيما فآوى » أي فآوى إليك الناس « ووجدك ضالا فهدى » أي هدى إليك قوما لا يعرفونك حتى عرفوك « ووجدك عائلا فأغنى » أي وجدك تعول أقواما فأغناهم بعلمك.
قال علي بن إبراهيم : ثم قال (٥) : « ألم يجدك يتيما فآوى » قال : اليتيم الذي لا مثل له ، ولذلك سميت الدرة : اليتيمة ، لانه لا مثل لها « ووجدك عائلا فأغنى » بالوحي ، فلا تسأل عن شئ أحدا « ووجدك ضالا فهدى » قال : وجدك ضالا في قوم لا يعرفون فضل نبوتك فهداهم الله بك (٦).
____________________
(١) في المصدر : أغاثك.
(٢) معانى الاخبار : ٢٠ ، علل الشرائع : ٥٤ و ٥٥.
(٣) والخبر طويل قطعه المصنف ، ولم يذكر إسناده ، وذكره الصدوق بهذا الاسناد : تميم ابن عبدالله بن تميم القرشى رضياللهعنه قال : حدثني أبى ، عن حمدان بن سليمان النيسابورى ، عن على بن محمد بن الجهم.
(٤) عيون أخبار الرضا : ١١١.
(٥) في قوله خ ل.
(٦) تفسير القمى : ٧٢٩ والمراد بالامامين في صدر الحديث الباقر والصادق عليهماالسلام.
٧ ـ صح : عن الرضا ، عن آبائه عليهمالسلام قال : سئل محمد بن علي بن الحسين عليهالسلام اوتم النبي صلىاللهعليهوآله من أبويه؟ قال : لئلا يوجد عليه حق لمخلوق (١).
٨ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن أبي داود ، عن بكار (٢) ، عن عبدالرحمن ، عن إسماعيل ابن عبدالله (٣) ، عن علي بن عبيد الله (٤) بن العباس قال : عرض على رسول الله صلىاللهعليهوآله ما هو مفتوح على امته من بعده كفرا كفرا ، فسر بذلك ، فأنزل الله تعالى : « وللآخرة خير لك من الاولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى » قال : فأعطاه الله ألف قصر في الجنة ، ترابه المسك ، في كل قصر ما ينبغي له من الازواج والخدم (٥).
بيان : قال الجزري ، أهل الشام يسمون القرية كفرا ، ومنه الحديث عرض على رسول الله صلىاللهعليهوآله ما هو مفتوح على امته بعده كفرا كفرا ، فسر ذلك. أي قرية قرية.
٩ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن محمد بن أحمد بن الحكم ، عن محمد بن يونس ، عن حماد بن عيسى ، عن الصادق ، عن أبيه (ع) عن جابر بن عبدالله قال : دخل رسول الله (ص) على فاطمة عليهاالسلام وهي تطحن بالرحى وعليها كسآء من أجلة الابل ، فلما نظر إليا بكى وقال لها : يا فاطمة تعجلي مرارة الدنيا لنعيم الآخرة غدا ، فأنزل الله عليه : وللآخرة خير لك من الاولى * ولسوف يعطيك ربك فترضى (٦).
١٠ ـ كنز : محمد بن العباس ، عن أحمد بن محمد النوفلي ، عن أحمد بن محمد الكاتب ، عن عيسى بن مهران بإسناده إلى زيد بن علي عليهالسلام في قول الله تعالى : « ولسوف يعطيك ربك فترضى « قال : إن رضا رسول الله صلىاللهعليهوآله إدخال الله أهل بيته وشيعتهم الجنة (٧).
____________________
(١) صحيفة الرضا : ٣٨.
(٢) عن ابن بكار خ ل. اقول : وفى المصدر : عن بكار بن عبدالرحمن.
(٣) في المصدر : عبيد الله.
(٤) في المصدر : عبدالله ، وهو الصحيح.
(٥) كنز جامع الفوائد : ٣٩١ و ٣٩٢ والكنز هذا مختصر من كتاب تأويل الايات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة.
(٦) كنز جامع الفوائد : ٣٩٢.
(٧) كنز جامع الفوائد : ٣٩٢ ، وفي ذيله وكيف لا وانما خلقت الجنة لهم ، والنار لاعدائهم
(باب ٨)
*(أوصافه صلىاللهعليهوآله في خلقته وشمائله وخاتم النبوة)*
١ ـ ك ، لى : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن محمد بن عطية ، عن عبدالله بن عمرو ، عن هشام بن جعفر ، عن حماد ، عن عبدالله بن سليمان وكان قاريا للكتب قال : قرأت في الانجيل يا عيسى جد في أمري ، ولا تهزل ، واسمع وأطع يابن الطاهرة الطهر البكر البتول ، أنت من غير فحل أنا خلقتك آية للعالمين ، فإياي فاعبد ، وعلي فتوكل ، خذ الكتاب بقوة ، فسر لاهل سوريا السريانية (١) ، بلغ من بين يديك أني أنا الله الدائم الذي لا أزول ، صدقوا النبي الامي ، صاحب الجمل والمدرعة والتاج ، وهي العمامة ، والنعلين والهراوة وهي القضيب ، الانجل العينين ، الصلت الجبين ، الواضح الخدين ، الاقنى (٢) الانف ، مفلج الثنايا ، كأن عنقه إبريق فضة ، كأن الذهب يجري في تراقيه ، له شعرات من صدره إلى سرته ، ليس على بطنه ولا على صدره شعر ، أسمر اللون ، دقيق المسربة (٣) ، شثن الكف والقدم (٤) ، إذا التفت التفت جميعا ، وإذا مشى كأنما يتقلع
____________________
أقول : محمد بن العباس في صدر السند هو أبوعبدالله محمد بن العباس بن على بن مروان بن الماهيار البزاز المعروف بابن الحجام ، صاحب كتاب ما نزل من القرآن في أهل البيت ، وكان ثقة جليلا من أصحابنا ، قد ظفر السيد شرف الدين الشولستانى المترجم في المقدمة : ١٤٩ على قطعة من كتابه هذا واخرجه في كتابه تأويل الايات الظاهرة.
(١) بالسريانية خ ل.
(٢) أقنى أنفه : ارتفع وسط قصبته وضاق منخراه فهو أقنى.
(٣) في النهاية : في صفته عليهالسلام أنه كان ذا مسربة ، وفي حديث آخر : كان دقيق المسربة. المسربة بضم الراء : ما دق من شعر الصدر سائلا إلى الجوف.
(٤) في النهاية : شثن الكفين والقدمين أى أنهما يميلان إلى الغلظ والقصر ، وقيل هو الذي في أنامله غلظ بلا قصر في الرجال لانه أشد لقبضهم ، ويذم في النساء.
من الصخرة (١) ، وينحدر من صبب ، وإذا جاء مع القوم بذهم ، عرقه في وجهه كاللؤلؤ (٢) ، وريح المسك ينفح منه ، لم ير قبله مثله ولا بعده ، طيب الريح ، نكاح النسآء ، ذو النسل القليل ، إنما نسله من مباركة لها بيت في الجنة لا صخب فيه ولا نصب (٣) يكفلها في آخر الزمان كما كفل زكريا امك ، لها فرخان مستشهدان ، كلامه القرآن ودينه الاسلام ، وأنا السلام ، طوبى لمن أدرك زمانه ، وشهد أيامه وسمع كلامه ، قال عيسى : يا رب وما طوبى؟ قال : شجرة في الجنة أنا غرستها (٤) ، تظل الجنان ، أصلها من رضوان ، ماؤها من تسنيم ، برده برد الكافور ، وطعمه طعم الزنجبيل ، من يشرب من تلك العين شربة لا يظمأ بعدها أبدا ، فقال عيسى عليهالسلام : اللهم اسقني منها ، قال : حرام يا عيسى على البشر أن يشربوا منها حتى يشرب ذلك النبي صلىاللهعليهوآله ، وحرام على الامم أن يشربوا منها حتى يشرب امة ذلك النبي صلىاللهعليهوآله ، أرفعك إلي ثم اهبطك في آخر الزمان لترى من امة ذلك النبي صلىاللهعليهوآله العجائب ، ولتعينهم على اللعين الدجال ، اهبطك في وقت الصلاة لتصلي معهم إنهم امة مرحومة (٥).
بيان : لا يبعد أن يكون سوريا في تلك اللغة اسم سورى ، قال في القاموس : السورى كطوبى موضع بالعراق ، وهو من بلد السريانيين. وقال : المدرعة كمكنسة : ثوب كالدراعة ، ولا تكون إلا من صوف ، وقال : النجل بالتحريك : سعة العين فهو أنجل. قوله : صلت الجبين ، قال الجزري : أي واسعة ، وقال الفيروزآبادي : رجل مفجل الثناي منفرجها ، قوله : كأن الذهب يجري في تراقيه ، لعله كناية عن حمرة ترقوته صلىاللهعليهوآله ، أو سطوع النور منها. قوله : بذهم ، قال الجزري : فيه بذ العالمين ، أي سبقهم وغلبه
____________________
(١) أراد قوة مشيه ، كأنه يرفع رجليه من الارض رفعا قويا لا كمن يمشى اختيالا ويقارب خطاه فان ذلك من مشى النساء.
(٢) في كمال الدين : كاللؤلؤ الرطب.
(٣) الصخب : الضجة واضطراب الاصوات للخصام. والنصب : التعب. الداء.
(٤) زاد في كمال الدين : بيدى.
(٥) كما الدين : ٩٥ و ٩٦ ، الامالي : ١٦٣ و ١٦٤.
أقول : فالمعنى أنه كان يغلبهم في الحسن والبهاء ، ويمتاز بينهم ، أو يسبقهم في المشي ، و والاول أظهر ، إذ سيأتي ما يخالف الثاني ، والصخب بالتحريك : الصياح والجلبة.
٢ ـ فس : الحسين بن عبدالله السكيني ، عن أبي سعيد البجلي ، عن عبدالملك ابن هارون ، عن الصادق ، عن آبائه عليهمالسلام أن ملك الروم عرض على الحسين بن علي عليهالسلام صور الانبيآء فعرض عليه صنما يلوح (١) ، فلما نظر إليه بكى بكاء شديدا ، فقال له الملك ما يبكيك؟ فقال : هذه صفة جدي محمد صلىاللهعليهوآله : كث اللحية ، عريض الصدر ، طويل العنق ، عريض الجبهة ، أقنى الانف ، أفلج الاسنان (٢) ، حسن الوجه ، قطط الشعر ، طيب الريح ، حسن الكلام ، فصيح اللسان ، كان يأمر بالمعروف ، وينهى عن المنكر ، بلغ عمره ثلاثا وستين سنة ، ولم يخلف بعده إلا خاتم مكتوب عليه : « لا إله إلا الله محمد رسول الله » وكان يتختم في يمينه ، وخلف سيفه ذا الفقار ، وقضيبه وجبة صوف ، وكساء صوف كان يتسرول به لم يقطعه ولم يخيطه حتى لحق بالله ، فقال الملك : إنا نجد في الانجيل إنه يكون له ما يتصدق على سبطيه (٣) ، فهل كان ذلك؟ فقال له الحسن عليهالسلام : قد كان ذلك ، فقال الملك : فبقي لكم ذلك؟ فقال : لا ، قال الملك : أول فتنة هذه الامة عليها ، ثم على ملك نبيكم واختيارهم على ذرية نبيهم (٤) ، منكم القائم بالحق ، الآمر بالمعروف ، والناهي عن المنكر. الخبر (٥).
بيان : قوله عليهالسلام : قطط الشعر (٦) مناف لما سيأتي من الاخبار ، ولعل المراد
____________________
(١) واستظهر المصنف في الهامش أن الصحيح : بلوح. وفي المصدر أيضا مثل المتن بالياء ، والمعنى يلمع عنه النور.
(٢) في المصدر : ابلج الاسنان. وهو من ابلج الصبح : أضاء وأشرق.
(٣) في المطبوع وفي المصدر : ما يتصدق به على سبطيه.
(٤) في المصدر : لهذه أول فتنة هذه الامة ، غلبا أباكما وهما الاول والثانى على ملك نبيكم واختيار هذه الامة على ذرية نبيهم.
(٥) تفسير القمى : ٥٩٨ والحديث طويل قد أخرجه المصنف في كتاب الاحتجاجات : ج ١٠ : ١٣٢ ـ ١٣٦ ، والقطعة في : ١٣٤.
(٦) رجل قطط الشعر : قصير الشعر جعده.
عدم الاسترسال التام كما سيأتي ، ولا يبعد أن يكون تصحيف السبط.
٣ ـ ما : ابن الصلت ، عن ابن عقدة ، عن أحمد بن محمد بن عبدالرحمن قراءة عن محمد بن عيسى العبدي (١) قال : حدثنا مولا علي بن موسى ، عن علي بن موسى ، عن أبيه موسى ابن جعفر ، عن أبيه ، عن جده ، عن علي عليهمالسلام أنهم قالوا : يا علي صف لنا نبينا صلىاللهعليهوآله
كأننا نراه ، فإنا مشتاقون إليه ، فقال : كان نبي الله صلىاللهعليهوآله أبيض اللون ، مشربا حمرة ، أدعج العين ، سبط الشعر ، كثف (٢) اللحية ، ذا وفرة ، دقيق المسربة ، كأنما عنقه إبريق فضة ، يجري في تراقيه الذهب ، له شعر من لبته إلى سرته كقضيب خيط إلى السرة ، وليس في بطنه ولا صدره شعر غيره ، شثن الكفين والقدمين ، شثن الكعبين ، إذا مشى كأنما يتقلع من صخر ، إذا أقبل كأنما ينحدر من صبب ، إذا التفت التفت جميعا بأجمعه كله ، ليس بالقصير المتردد ، ولا بالطويل المتمعط (٣) ، وكان في الوجه تدوير (٤) ، إذا كان في الناس غمرهم ، كأنما عرقه في وجهه اللؤلؤ ، عرفه أطيب من ريح المسك ، ليس بالعاجز ولا باللئيم ، أكرم الناس عشرة (٥) ، وألينهم عريكة ، وأجودهم كفا ، من خالطه بمعرفة أحبه ، ومن رآه بديهة هابه ، عزه بين عينيه ، يقول باغته (٦) : لم أر قبله ولا بعده مثله ، صلىاللهعليهوآله تسليما (٧).
بيان : قال الجوهري : الاشراب : خلط لون بلون ، كأن أحدهما سقى الآخر ، وإذا شدد يكون للتكثير والمبالغة ، ويقال : أشرب الابيض حمرة ، أي علاه ذلك ، وقال :
____________________
(١) هكذا في النسخة ، وفي المصدر : المعبدى ، ولعلهما مصحفان ، والصحيح العبيدى فهو محمد بن عيسى بن عبيد بن يقطين العبيدى اليقطينى الاسدى.
(٢) كث خ ل. أقول : هو الموجود في المصدر. والمعنى واحد.
(٣) المنمغط خ ل. أقول : هكذا في النسخة ، والمصدر مثل المتن ، وظاهر ما يأتى في البيان أنه الممغط. فعلى أى فالمعنى واحد.
(٤) تداوير خ ل.
(٥) استظهر المصنف أن الصحيح : عشيرة. أقول : كلاهما يصحان والمصدر مثل المتن.
(٦) في المصدر : ناعته.
(٧) أمالى ابن الشيخ : ٢١٧.
الفيروزآبادي : الدعج بالتحريك والدعجة : شدة سواد العين مع سعتها ، والادعج : الاسود. وقال الجزري في صفته صلىاللهعليهوآله : في عينيه دعج ، يريد أن سواد عينيه كان شديد السواد ، وقيل : الدعج : شدة سواد العين في شدة بياضها ، وقال : السبط من الشعر : المنبسط المسترسل. وقال : الوفرة : شعر الرأس إذا وصل إلى شجمة الاذن.
قوله : المتردد ، قال الجزري أي المتناهي في القصر ، كأنه تردد بعض خلقه على بعض وتداخلت أجزاؤه ، وقال في صفته صلىاللهعليهوآله : لم يكن بالطويل الممغط ، وهو بتشديد الميم الثانية : المتناهي في الطول ، وامغط النهار : إذا امتد ، وممغطت الحبل وغيره : إذا مددته ، وأصله منمغط ، والنون للمطاوعة فقلبت ميما ، وادغمت في الميم ، ويقال : بالعين المهملة بمعناه. قوله عليهالسلام : غمرهم ، قال الجزري : أي كان فوق كل من كان معه ، و العريكة : الطبيعة ، قوله عليهالسلام : من رآه بديهة هابه ، قال الجزري : أي مفاجاة وبغتة ، يعني من لقيه قبل الاختلاط به هابه لوقاره وسكونه ، وإذا جالسه وخالطه بان حسن خلقه ، قوله : عزه بين عينيه ، تأكيد للسابق ، ويفسره اللاحق ، أي يظهر العز في وجهه أولا قبل أن يعرف ، يقول : باغته بالباء الموحدة والغين المعجمة أي من رآه بغتة ، وفي بعض النسخ غرة بالغين المعجمة والراء المهملة ، ولعله من الغر بالفتح بمعنى حد السيف ، فيرجع إلى الاول ، أو هو بالضم بمعنى الغرة وهي البياض في الجبهة ، وفي بعض النسخ ناعته بالنون والعين المهملة ، ولا يخفى توجيهه ، وسيأتي شرح سائر الفقرات في الاخبار الآتية.
٤ ـ ن : الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري ، عن عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز (١) ، عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليهمالسلام ، بمدينة الرسول صلىاللهعليهوآله ، قال : حدثني علي بن موسى بن جعفر بن محمد عليهمالسلام عن موسى بن جعفر عليهالسلام عن جعفر بن محمد عليهالسلام عن أبيه ، عن علي بن الحسين عليهالسلام قال : قال الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام سألت خالي هند بن أبي هالة (٢) عن حلية رسول الله صلىاللهعليهوآله وكان ____________________
(١) في المصدر : عبدالعزيز بن منيع. أقول : هو البغوى الحافظ المعروف
(٢) هو هند بن أبي هالة التميمى ، ربيب رسول الله صلىاللهعليهوآله ، امه خديجة ام المؤمنين رضى الله عنها. شهد بدرا وقيل : بل شهد احدا وكان وصافا لحلية رسول الله صلىاللهعليهوآله وشمائله وأوصافه.
وصافا للنبي (ص) ، فقال : كان رسول الله (ص) فخما مفخما ، يتلالؤ وجهه تلالؤ القمر ليلة البدر ، أطول من المربوع ، وأقصر من المشذب ، عظيم الهامة (١) رجل الشعر ، إن انفرقت عقيقته (٢) فرق ، وإلا فلا يجاوز شعره شحمة اذنيه ، إذا هو وفرة ، أزهر اللون ، واسع الجبين ، أزج الحواجب (٣) ، سوابغ في غير قرن ، بينهما له (٤) عرق يدره الغضب ، أقنى العرنين ، له نور يعلوه ، يحسبه من لم يتأمله أشم (٥) ، كث اللحية ، سهل الخدين ضليع الفم ، أشنب مفلج الاسنان ، دقيق المسربة ، كأن عنقه جيد دمية (٦) في صفاء الفضة ، معتدل الخلق ، بادنا متماسكا ، سواء البطن والصدر (٧) ، بعيد ما بين المنكبين ، ضخم الكراديس ، أنور المتجرد ، موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط ، عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك ، أشعر الذراعين والمنكبين ، وأعالي الصدر ، طويل الزندين ، رحب الراحة ، شثن الكفين والقدمين ، سائل الاطراف ، سبط القصب ، خمصان الاخمصين ، مسيح القدمين ، ينبو عنهما الماء ، إذا زال زال قلعا ، يخطو تكفؤا ، ويمشي هونا ، ذريع المشية (٨) ، إذا مشى كأنما ينحط في صبب ، وإذا التفت التفت جميعا ، خافض الطرف ، نظره إلى الارض أطول من نظره إلى السماء ، جل نظره الملاحظة ، يبدر (٩) من لقيه بالسلام. قال : قلت : فصف لي منطقه ، فقال : كان صلىاللهعليهوآله مواصل (١٠) الاحزان ، دائم الفكر ،
____________________
(١) الهامة : الرأس.
(٢) في المكارم ونسخة من العيوم : عقيصته.
(٣) في العيون : الحاجبين.
(٤) المصادر خالية من كلمة ( له ).
(٥) في النهاية : في صفته صلىاللهعليهوآله يحسبه من لم يتأمله أشم ، الشمم : ارتفاع قصبة الانف واستواء أعلاها وإشراف الارنبة قليلا ، ومنه قصيدة كعب ( شم العرانين أبطال لبوسهم ) شم جمع أشم ، والعرانين : الانوف ، وهو كناية عن الرفعة والعلو وشرف الانفس.
(٦) الدمية : الصورة المزينة فيها حمرة كالدم.
(٧) في مكارم الاخلاق هنا زيادة هي : عريض الصدر.
(٨) في المكارم : سريع المشية.
(٩) أى يسبق.
(١٠) متواصل خ ل ، أقول : هو الموجود في المصادر.
ليست له راحة ، ولا يتكلم في غير حاجة ، (١) يفتتح الكلام ، ويختمه بأشداقه (٢) ، يتكلم بجوامع الكلم فصلا ، لا فضول فيه ولا تقصير ، دمثا ليس بالجافي ولا بالمهين ، تعظم عنده النعمة وإن ذقت ، لا يذم منها شيئا غير أنه كان لا يذم ذواقا (٣) ولا يمدحه ولا تغضبه الدنيا وما كان لها ، فإذا تعوطي الحق لم يعرفه أحد ، ولم يقم لغضبه شئ حتى ينتصر له (٤) إذا أشار أشار بكفه كلها ، وإذا تعجب قلبها ، وإذا تحدث اتصل بها ، يضرب (٥) براحته اليمنى باطن أبهامه اليسرى ، وإذا غضب أعرض وأشاح ، وإذا فرح غض طرفه (٦) ، جل ضحكه التبسم ، يفتر عن مثل حب الغمام (٧).
قال الحسن : فكتمتها (٨) الحسين زمانا ، ثم حدثته فوجدته قد سبقني إليه ، وسأله عما سألته عنه ، ووجدته (٩) قد سأل أباه عن مدخل النبي صلىاللهعليهوآله ومخرجه ، و مجلسه وشكله ، فلم يدع منه شيئا ، قال الحسين عليهالسلام : سألت أبي عليهالسلام عن مدخل رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : كان دخوله لنفسه مأذونا له في ذلك ، فإذا آوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء : جزء لله. وجزء لاهله ، وجزء لنفسه ، ثم جزأ جزءه بينه وبين الناس فيرد ذلك بالخاصة على العامة ، ولا يدخر (١٠) عنهم منه شيئا ، وكان من سيرته في جزء
____________________
(١) في المكارم زاد : طويل السكوت. وفي المعانى هى موجودة قبل قوله : لا يتكلم.
(٢) قال في النهاية بعد ذكر الحديث : الاشداق : جوانب الفم ، وانما يكون ذلك لرحب شدقيه ، والعرب تمتدح بذلك.
(٣) في المكارم : ولا يذم ذواقا. واسقط قوله : غير أنه كان.
(٤) زاد في المكارم : ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها.
(٥) في المعانى : فضرب ، وفي العيون : وإذا تحدث قارب يده اليمنى من اليسرى فضرب بابهامه اليمنى راحة اليسرى ، وإذا غضب أعرض بوجهه. وفي المكارم : وإذا تحدث أشار بها فضرب ( فيضرب خ ل ) براحته اليمنى باطن أبهامه اليسرى.
(٦) في المكارم : من طرفه.
(٧) الغمام : السحاب ، يقال : يفتر عن مثل حب الغمام أى يكشف عن أسنان بيض كالبرد.
(٨) في العيون : فكتمت هذا الخبر.
(٩) في العيون والمعانى : فوجدته.
(١٠) زاد في المكام : أو قال : لا يدخر. الشك من ابى غسان.
الامة إيثار أهل الفضل بإذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين ، فمنهم ذو الحاجة ، ومنهم ذو الحاجتين ، ومنهم ذو الحوائج ، فيتشاغل بهم ويشغلهم فيما أصلحهم والامة من مسألته عنهم (١) ، وإخبارهم بالذي ينبغي (٢) ، ويقول : « ليبلغ الشاهد منكم الغائب ، و أبلغوني حاجة من لا يقدر على إبلاغ حاجته (٣) ، فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يقدر على إبلاغها (٤) ثبت الله قدميه يوم القيامة » لا يذكر عنده إلا ذلك ، ولا يقيد (٥) من أحد عثرة يدخلون روادا ، ولا يفترقون إلا عن ذواق ، ويخرجون أدلة. فسألته (٦) عن مخرج رسول الله صلىاللهعليهوآله كيف كان يصنع فيه؟ فقال : كان صلىاللهعليهوآله (٧) يخزن لسانه إلا عما يعنيه ، ويؤلفهم ولا ينفرهم (٨) ، ويكرم كريم كل قوم ، ويوليه عليهم ، ويحذر الناس (٩) ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد بشره ولا خلقه ، ويتفقد أصحابه ، ويسأل الناس عما في الناس (١٠) ، ويحسن الحسن ويقويه ، ويقبح القبيح ويوهنه ، معتدل الامر ، غير مختلف ، لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا (١١) ، ولا يقصر عن الحق ولا يجوزه ، الذين يلونه من الناس خيارهم أفضلهم عنده أعمهم نصيحة للمسلمين ، و
____________________
(١) في العيون : وأصلح الامة من مسألته عنهم. ومثله في المكارم الا في نسخة من مسائلته عنهم.
(٢) في العيون والمكارم : ينبغى لهم.
(٣) في المكارم : من لا يستطيع ابلاغ حاجته.
(٤) في المكارم من لا يستطيع إبلاغها.
(٥) ولا يقيل خ ل ، وفي المعانى : ولا يقبل ( يقيد خ ل ) من أحد عثرة ، وفي العيون والمكارم : ولا يقبل من أحد غيره.
(٦) في المعانى والمكام : قال فسألته.
(٧) في المصادر : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله.
(٨) في المكارم : فيما يعنيه ، ويؤلفهم ولا يفرقهم ، او قال : ينفرهم. ( شك مالك )
(٩) في المكارم : الفتن خ ل.
(١٠) في العيون : عما الناس فيه.
(١١) أن يملوا. قلت هو موجود في نسخة من المكارم. وبعده : لكل حال عند عتاد ( عباد خ ل ) والظاهر أن هذه الجملة قد سقطت عن العيون والمعانى لما يأتى بعد ذلك تفسيرها في كلام الصدوق.
أعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة وموازرة.
قال : وسألته (١) عن مجلسه ، فقال : كان صلىاللهعليهوآله لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر (٢) ، ولا يوطن الاماكن (٣) وينهى عن إيطانها ، وإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك ، ويعطي كل جلسائه نصيبه ، ولا يحسب أحد من جلسائه أن أحدا (٤) أكرم عليه منه ، من جالسه صابره (٥) حتى يكون هو المنصرف عنه ، من سأله حاجة لم يرجع إلا بها (٦) أو بميسور من القول ، قد وسع الناس منه خلقه ، وصار لهم أبا (٧) ، وصاروا عنده في الحق سواء ، مجلسه مجلس حلم وحياء وصدق وأمانة ، لا ترفع فيه الاصوات ، ولا تؤبن (٨) فيه الحرم ، ولا تنثى فلتاته ، متعادلين (٩) متواصلين فيه بالتقوى ، متواضعين يوقرون الكبير ، ويرحمون الصغير ، ويؤثرون ذا الحاجة ، ويحفظون الغريب (١٠).
فقلت : فكيف كانت سيرته في جلسائه؟ فقال : كان دائم البشر ، سهل الخلق ، لين الجانب : ليس بفظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح ، يتغافل عما لا يشتهي ،
____________________
(١) في المصادر : فسألته.
(٢) في المصادر : ذكر الله جل اسمه.
(٣) أى لا يتخذ لنفسه مجلسا يعرف به.
(٤) في العيون ، كل واحد من جلسائه نصيبه حتى لا يحسب احد. وفي المكارم : كل ( من خ ل ) جلسائه نصيبه حتى لا يحسب جليسه أن أحدا.
(٥) في العيون : من جالسه أو نادمه لحاجة صابره. ومثله في المكارم الا أن فيه : قاومه والمعنى : قام معه ، ومعنى نادمه جالسه.
(٦) في العيون والمكارم : لم يرده الا بها.
(٧) في المكارم : قد وسع الناس منه بسطه وخلقه ( بسطة وخلقا ) ، فكان ( وكان ) لهم أبا. و في العيون : فصار لهم أبا رحيما.
(٨) في المكارم : توهن خ ل.
(٩) في المكارم : متعادلون متفاضلون فيه بالتقوى متواضعون ، يوقرون فيه الكبير ، ويرحمون فيه الصغير أقول : قوله : فيه أى في مجلسه صلىاللهعليهوآله.
(١٠) في المكارم : ويحفظون ، أو قال : يحوطون ( يحيطون خ ل ) الغريب. (شك أبوغسان).
فلا يؤيس منه ولا يخيب فيه مؤمليه ، قد ترك نفسه من ثلاث : المراء ، والاكثار ، وما لا يعنيه ، وترك الناس من ثلاث : كان لا يذم أحدا ، ولا يعيره ، ولا يطلب عورته ولا عثراته (١) ، ولا يتكلم إلا فيما رجا (٢) ثوابه ، إذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير ، وإذا سكت تكلموا ولا يتنازعون عنده الحديث ، من تكلم انصتوا له حتى يفرغ (٣) ، حديثهم عنده حديث اوليهم (٤) ، يضحك مما يضحكون منه ، ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في مسألته ومنطقه حتى أن كان أصحابه ليستجلبونهم ، ويقول : إذا رأيتم طالب الحاجة يطلبها فارفدوه (٥) ، ولا يقبل الثناء إلا من مكافئ ، ولا يقطع على أحد كلامه حتى يجوز (٦) فيقطعه بنهي (٧) أو قيام.
قال : فسألته عن سكوت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، فقال : كان سكوته على أربع : على الحلم ، والحذر ، والتقدير ، والتفكير (٨) ، فأما التقدير ففي تسوية النظر والاستماع بين الناس ، وأما تفكره ففيما يبقى ويفنى ، وجمع له الحلم في الصبر ، فكان لا يغضبه شئ ولا يستفزه ، وجمع له الحذر في أربع (٩) : أخذه الحسن ليقتدى به ، وتركه القبيح لينتهى عنه ، واجتهاده الرأي في صلاح (١٠) امته ، والقيام فيما جمع (١١) لهم خير الدنيا و الآخرة (١٢).
____________________
(١) في العيون والمعانى : عثراته ولا عورته.
(٢) في العيون والمكارم : يرجو.
(٣) في العيون : وإذا تكلم عنده أحد انصتوا له حتى يفرغ من حديثه.
(٤) أولهم خ ل.
(٥) فأوفدوه خ ل. وهو الموجود أيضا في نسخة من العيون.
(٦) يجوزه خ ل.
(٧) بانتهاء خ ل ، أقول : يوجد ذلك في نسخة من المكارم ، وفيه : كلام ، بدل قيام.
(٨) في المصادر : التفكر.
(٩) في الحذر أربع خ ل.
(١٠) في العيون : في اصلاح. وفي المكارم : فيما أصلح.
(١١) بما جمع.
(١٢) عيون الاخبار : ١٧٦ ـ ١٧٨.
مع : الطالقاني ، عن القاسم بن بندار المعروف بأبي صالح الحذاء ، عن إبراهيم بن نصر بن عبدالعزيز ، عن مالك بن إسماعيل النهدي ، عن جميع بن عمير ، عن عبدالرحمن العجلي قال : حدثني رجل بمكة ، عن ابن أبي هالة التميمي ، عن الحسن بن علي قال : سألت خالي هند بن أبي هالة ، وكان وصافا عن حلية رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وحدثني الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري وساق الاسناد الذي مضى في « ن » (١) إلى قوله : عن حلية رسول الله صلىاللهعليهوآله ، ثم قال : وحدثني الحسن بن عبدالله بن سعيد ، عن عبدالله بن أحمد بن عبدان ، وجعفر بن محمد البزاز البغدادي معا ، عن سفيان بن وكيع ، عن جميع ابن عمير ، عن رجل من بني تميم من ولد أبي هالة ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي عليهالسلام قال : سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي ، وكان وصافا للنبي صلىاللهعليهوآله وأنا أشتهي أن يصف لي منه شيئا لعلي أتعلق به ، فقال : كان رسول الله (ص) فخما مفخما ، وساق الحديث إلى قوله : مثل حب الغمام ، ثم قال : إلى هاهنا رواه أبوالقاسم بن منيع ، عن إسماعيل بن محمد بن إسحاق بن جعفر بن محمد ، والباقي رواية عبدالرحمن إلى آخره ، ثم قال : قال الحسن : فكتمتها الحسين ، وساق الحديث إلى آخره كما نقلناه من « ن » ثم قال : حدثنا أبوعلي أحمد بن يحيى المؤدب قال : حدثنا محمد بن الهثيم (٢) ، قال : حدثنا عبدالله بن الصقر السكري أبوالعباس ، قال : حدثنا سفيان بن وكيع بن الجراح ، قال : حدثني جميع بن عمير العجلي إملاء من كتابه قال : حدثني رجل من بني تميم من ولد أبي هالة التميمي ، عن أبيه ، عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهالسلام قال : سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي وكان (٣) وصافا للنبي صلىاللهعليهوآله وأنا أشتهي أن يصف لي منه شيئا لعلي أتعلق به ، فقال : كان رسول الله صلىاللهعليهوآله فخما مفخما. وذكر الحديث بطوله (٤).
مكا : برواية الحسن والحسين صلوات الله عليهما من كتاب محمد بن إبراهيم بن إسحاق
____________________
(١) أى في العيون.
(٢) القاسم الانبارى.
(٣) قال : وكان خ ل.
(٤) معانى الاخبار : ٢٨ ـ ٣٠.
الطالقاني ، عن ثقاته ، عن الحسن بن علي عليهالسلام قال : سألت خالي هند بن أبي هالة التميمي إلى آخر الخبر (١).
قال الصدوق رحمهالله في « مع » (٢) : سألت أبا أحمد الحسن بن عبدالله بن سعيد العسكري عن تفسير هذا الخبر فقال : قوله : كان رسول الله فخما مفخما معناه كان عظيما معظما في الصدور والعيون ، ولم تكن (٣) خلقته في جسمه الضخامة وكثرة اللحم ، وقوله : يتلالؤ وجهه تلالا القمر ، معناه ينير ويشرق كإشراق القمر ، وقوله : أطول من المربوع وأقصر من المشذب. المشذب (٤) عند العرب : الطويل الذي ليس بكثير اللحم ، يقال جذع مشذب : إذا طرحت عنه قشوره وما يجري مجراها ، ويقال لقشور الجذع التي (٥) تقشر عنه : الشذب ، قال الشاعر في صفة فرس :
أما إذا استقبلته فكأنه |
|
في العين جذع من أوال مشذب (٦) |
وقوله : رجل الشعر ، معناه في شعره تكسر وتعقف ، ويقال : شعر رجل : إذا كان كذلك ، فإذا كان الشعر لا تكسر فيه (٧) قيل : شعر سبط ورسل ، وقوله : إن انفرقت عقيقته ، العقيقة : الشعر المجتمع في الرأس ، وعقيقة المولود : الشعر الذي يكون على رأسه من الرحم ، ويقال لشعر المولود المتجدد بعد الشعر الاول الذي حلق : عقيقة ، ويقال للذبيحة التي تذبح عن المولود : عقيقة ، وفي الحديث كل مولود مرتهن بعقيقته ، وعق النبي صلىاللهعليهوآله عن نفسه بعد ما جائته النبوة ، وعق عن الحسن والحسين عليهماالسلام كبشين.
وقوله : أزهر اللون ، معناه نير اللون ، يقال : أصفر يزهر : إذا كان نيرا ،
____________________
(١) مكارم الاخلاق : ٩ ـ ١٤.
(٢) أى في المعاني.
(٣) ولم يكن خ ل.
(٤) فالمشذب.
(٥) الذي خ ل.
(٦) في المصدر : شذب.
(٧) في المصدر : واذا كان الشعر منبسطا لا تكسير فيه.
والسراج يزهر ، معناه نير (١) ، وقوله : أزج الحواجب ، معناه طويل امتداد الحاجبين بوفور الشعر فيهما وجبينه إلى الصدغين ، قال الشاعر :
إن ابتساما بالنقي الافلج |
|
ونظرا في الحاجب المزجج |
مئنة من الفعال الاعوج
مئنة : علامة ، وفي حديث النبي صلىاللهعليهوآله : إن في طول صلاة الرجل وقصر خطبته (٢) مئنة من فقهه (٣).
وقوله : أزج الحواجب (٤) ، ولم يقل : الحاجبين : فهو على لغة من يوقع الجمع على التثنية ، ويحتج بقول الله جل ثناؤه : « وكنا لحكمهم شاهدين (٥) » يريد لحكم داود وسليمان عليهماالسلام ، وقال النبي صلىاللهعليهوآله : « الاثنان وما فوقهما جماعة « وقال بعض العلماء : يجوز أن يكون جمع (٦) ، فقال أزج الحواجب على أن كل قطعة من الحاجب اسمها حاجب ، فأوقعت الحواجب على القواطع المختلفة ، كما يقال للمرأة : حسنة الاجساد ، وقد قال الاعشى :
ومثلك بيضآء ممكورة (٧) |
|
وصاك العبير بأجسادها |
صاك معناه لصق.
وقوله : في غير قرن ، معناه أن الحاجبين إذا كان بينهما انكشاف وابيضاض يقال لهما : البلج والبلجة ، يقال : حاجبه أبلج : إذا كان كذلك ، وإذا اتصل الشعر في وسط الحاجب فهو القرن.
____________________
(١) ينير خ ل.
(٢) خطبه خ ل.
(٣) في فقهه خ ل.
(٤) في المصدر : وانما جمع الحاجب في قوله : أزج الحواجب.
(٥) الانبياء : ٧٨.
(٦) هكذا في نسخة المصنف ، والصحيح كما في غيرها وفي المصدر : جمعا.
(٧) مكر الثوب : صبغه بالمكر أى المغرة. والمغرة : الطين الاحمر يصبغ به. وقال الزمخشرى في الاساس : وامرأة ممكورة الساقين : خدلتهما. أقول : خدل الساق : كانت خدلة أى ممتلثة ضخمة.
وقوله : أقنى العرنين : القنا : أن يكون في عظم الانف إحد يداب في وسطه ، والعرنين : الانف. وقوله : كث اللحية ، معناه أن لحيته قصيرة كثيرة الشعر فيها ، وقوله : ضليع الفم ، معناه كبير الفم ، ولم تزل العرب تمدح بكبر الفم وتهجو بصغره ، قال الشاعر يهجو رجلا :
إن كان كدي وإقدامي لفي جرذ |
|
بين العواسج أجني حوله المصع |
معناه إن كان كدي وإقدامي لرجل فمه مثل فم الجرذ في الصغر ، والمصع : ثمر العوسج ، وقال بعض الشعرآء :
لحا الله أفواه الدبا من قبيلة
فعيرهم بصغر الافواه ، كما مدحوا (١) الخطبآء بسعة الاشداق ، وإلى هذا المعنى يصرف قوله أيضا : كان يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه ، لان الشدق جميل مستحسن عندهم ، يقال : خطيب أهرت (٢) الشدقين ، وهريت الشدق ، وسمي عمرو بن سعيد الاشدق ، وقال الخنسآء ترثي أخاها :
وأحيى من مخبأة حياء |
|
وأجرى من أبي ليث هزبر |
هريت الشدق ريقال (٣) إذا |
|
ما عدا لم ينه عدوته بزجر |
وقال ابن مقبل : هرت الشقاشق ظلامون للجزر.
وقوله : الاشنب من صفة الفم ، قالوا : إنه الذي لريقه عذوبة وبرد ، وقالوا أيضا : إن الشنب في الفم : تحدر (٤) ورقة وحدة في أطراف الاسنان ، ولا يكاد يكون هذا إلا مع الحداثة والشباب ، قال الشاعر :
يا بأبي أنت وفوك الاشنب |
|
كأنما ذر عليه الزرنب |
____________________
(١) في المصدر : كما مدحوا باشداقه ، لان الاشداق جميل عندهم ، كما مدحوا الخطباء بسعة الاشداق.
(٢) الاهرت والهريت : الواسع.
(٣) هكذا في نسخة المصنف وغيرها والصحيح كما في المصدر : رئبال أو ريبال. أى الاسد.
(٤) في المصدر : تحدد. ولعله أصوب.
وقوله : دقيق المسربة ، فالمسربة : الشعر المستدق الممتد من اللبة إلى السرة ، قال الحارث بن وعلة الجومي (١) :
ألآن لما ابيض مسربتي |
|
وعضضت من نابي على جذم |
وقوله : كأن عنقه جيد دمية ، فالدمية : الصورة ، وجمعها دمى. قال الشاعر :
أو دمية صور محرابها |
|
أو دمية صور محرابها |
والجيد : العنق. وقوله : بادن متماسك ، معناه تام خلق الاعضآء ليس بمسترخي اللحم ولا بكثيره. وقوله : سواء البطن والصدر ، معناه أن بطنه ضامر ، وصدره عريض ، فمن هذه الجهة تساوي بطنه صدره ، والكراديس : رؤوس العظام ، وقوله : أنور المتجرد ، معناه نير الجسد الذي تجرد من الثياب ، وقوله : طويل الزندين ، في كل ذراع زندان وهما جانبا عظم الذراع ، فرأس الزند الذي يلي الابهام يقال له : الكوع ، ورأس الزند الذي يلي الخنصر يقال له : الكرسوع ، وقوله : رحب الراحة ، معناه واسع الراحة كبيرها ، والعرب تمدح بكبر اليد ، وتهجو بصغرها ، قال الشاعر :
فناطوا من الكذاب كفا صغيرة |
|
وليس عليهم قتله بكبير |
ناطوا معناه علقوا ، وقالوا : رحب الراحة ، أي كثير العطاء ، كما قالوا : ضيق الباع في الذم.
وقوله : شثن الكفين ، معناه خشن الكفين ، والعرب تمدح الرجال بخشونة الكف ، والنسآء بنعمة الكف (٢) ، وقوله : سائل الاطراف ، أي تامها غير طويلة ولا قصيرة ، وقوله : سبط القصب ، معناه ممتد القصب ، غير متعقدة ، والقصب : العظام الجوف (٣) التي فيها مخ ، نحو الساقين والذراعين ، وقوله : خمصان الاخمصين ، معناه أن أخمص رجله شديد الارتفاع من الارض ، والاخمص : ما يرتفع (٤) عن الارض من وسط باطن الرجل وأسلفها ، وإذا كان
____________________
(١) الجرمى خ ل.
(٢) في المصدر : بنعومة الكف. ومعناه لينة الكف.
(٣) الحرف خ ل.
(٤) في المصدر : ما ارتفع.
أسفل الرجل مستويا ليس فيها أخمص فصاحبه أرح ، يقال : رجل أرح : إذا لم يكن لرجله أخمص ، وقوله : مسيح القدمين ، معناه ليس بكثير اللحم فيهما وعلى ظاهرهما ، فلذلك ينبو الماء عنهما. وقوله : زال قلعا ، معناه متثبا. يخطو تكفؤا ، معناه خطاه كأنه يتكبر (١) فيها أو يتبختر لقلة الاستعجال معها ، ولا تبختر فيها ولا خيلاء. وقوله : يمشي هونا ، معناه السكينة والوقار ، وقوله : ذريع المشية ، معناه واسع المشية من غير أن يظهر فيه استعجال وبدار ، يقال : رجل ذريع في مشيه ، وامرأة ذراع : إذا كانت واسعة اليدين بالغز وقوله : كأنما ينحط في صبب ، الصبب : الانحدار ، وقوله : دمثا ، الدمث : اللين الخلق ، فشبه بالدمث من الرمل وهو اللين ، قال قيس بن الخطيم :
يمشي كمشي الزهراء (٢) في دمث |
|
الرمل إلى السهل دونه الجرف |
والمهين : الحقير ، وقد رواه بعضهم المهين يعني لا يحتقر (٣) أصحابه ولا يذلهم ، تعظم عنده النعمة ، معناه من حسن خطابه أو معونته بما يقل من الشأن كان عنده عظيما ، وقوله : فإذا تعوطي الحق ، معناه إذا تنوول غضب لله تبارك وتعالى ، قال الاعشى :
تعاطى الضجيع إذا سامها |
|
بعيد الرقاد وعند الوسن |
معناه تناوله ، وقوله : إذا غضب أعرض وأشاح ، قالوا : في أشاح جد في الغضب وانكمش ، وقالوا : جد وجزع (٤) ، واستعد لذلك ، قال الشاعر :
وإعطائي على العلات مالي |
|
فضربي (٥) هامة البطل المشيح |
وقوله : يسوق أصحابه ، معناه يقدمهم بين يديه تواضعا وتكرمة لهم ، ومن رواه يفوق ، أراد يفضلهم دينا وحلما وكرما. وقوله يفتر عن مثل حب الغمام ، معناه يكشف شفتيه عن ثغر أبيض يشبه حب الغمام ، يقال : قد فررت الفرس : إذا كشفت عن أسنانه ، وفررت الرجل عما في قلبه : إذا كشفته عنه ، وقوله : لكل حال عنده عتاد ، والعتاد :
____________________
(١) ينكسر خ ل.
(٢) في المصدر : الزهر.
(٣) لا يحقر خ ل.
(٤) خلافه جزع خ ل.
(٥) وضربي خ ل : وهو الموجود في المصدر ، وفيه : وأعطى لى بدل إعطائى.
العدة ، يعني أنه أعد للامور أشكالها ونظائرها ، ومن رواه ولا يقيد من أحد عثرة ، بالدال أي من جنى (١) عليه جناية اغتفرها وصفح عنها تصفحا وتكرما ، إذا كان تعطيلها لا يضيع من حقوق الله شيئا ، ولا يفسد متعبدا به ولا مفترضا ، ومن رواه يقيل باللام ذهب إلى أنه صلىاللهعليهوآله لا يضيع حقوق الناس التي يجب (٢) لبعضهم على بعض. وقوله : ثم يرد ذلك بالخاصة على العامة (٣) ، معناه أنه كان يعتمد في هذه الحال على أن الخاصة يرفع إلى العامة علومه وآدابه وفوائده ، وفيه قول آخر : فيرد ذلك بالخاصة على العامة أن يجعل (٤) المجلس للعامة بعد الخاصة فتنوب البآء عن « من » و « على » عن « إلى » لقيام بعض الصفات مقام بعض ، وقوله : يدخلون روادا ، الرواد جمع رائد ، وهو الذي يتقدم القوم إلى المنزل يرتاد لهم الكلآء ، يعني أنهم ينفعون بما يسمعون من النبي صلىاللهعليهوآله من ورائهم كما ينفع الرائد من خلفه ، وقوله : ولا يفترقون إلا عن ذواق ، معناه عن علوم يذوقون من حلاوتها ما يذاق من الطعام المشتهى ، والادلة : التي تدل الناس على امور دينهم ، وقوله : ولا تؤبن فيه الحرم ، أي لا تعاب ، أبنت الرجل فأنا آبن والمأبون : المعيب ، والابنة : العيب ، قال أبوالدرداء : إن نؤبن بما ليس فينا فربما زكينا بما ليس عندنا ، ولعل ذا أن يكون بذلك ، معناه إن نعيب بما ليس فينا ، قال الاعشى :
سلاجم كالنخل ألبستها |
|
قضيب سرآء قليل الابن |
وقوله : ولا تنثى فلتاته ، معناه من غلط فيه غلطة لم يشنع (٥) ولم يتحدث بها ، يقال : نثوت الحديث أنثوه نثوا : إذا حدثت به ، وقوله : إذا تكلم أطرق جلساؤه كأن على رؤوسهم الطير ، معناه أنهم كانوا لاجلالهم نبيهم صلىاللهعليهوآله لا يتحركون ، فكانت صفتهم صفة من على رأسه طائر يريد أن يصيده ، فهو يخاف إن تحرك طيران الطائر وذهابه ، وفيه قول آخر : إنهم كانوا يسكنون ولا يتحركون حتى يصيروا بذلك عند الطائر
____________________
(١) في المصدر : قال : أى من جنى.
(٢) في المصدر : تجب.
(٣) في مكارم الاخلاق : ثم يرد ذلك على العامة والخاصة.
(٤) أى يجعل خ ل.
(٥) لم تشع خ ل.