بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٠
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

يضيق الرمح في الزج ، فمن ضيق منازلهم عليهم ومن ريحها ومن شدة سوادها و ، زفيرها وشهيقها وتغيظها ونتنها اسودت وجوههم وعظمت ديدانهم ، فينبت لها أظفار السنور والعقبان تأكل لحمه وتقرض عظامه وتشرب دمه ، ليس لهن مأكل ولا مشرب غيره ، ثم يدفع في صدره دفعة فيهوي على رأسه سبعين ألف عام حتى يواقع الحطمة ، فإذا واقعها دقت عليه وعلى شيطان وجاذبه الشيطان بالسلسلة (١) فكلما رفع رأسه ونظر إلى قبح وجهه كلح في وجهه ، قال : فيقول : ياليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ، ويحك بما أغويتني ، احمل عني من عذاب الله من شئ ، فيقول : ياشقي كيف أحمل عنك من عذاب الله من شئ وأنا وأنت اليوم في العذاب مشتركون؟ ثم يضرب على رأسه ضربة فيهوي سبعين ألف عام حتى ينتهي إلى عين يقال لها آنية ، يقول الله تعالى : « تسقى من عين آنية » وهو عين ينتهي حرها وطبخها ، واوقد عليها مذخلق الله جهنم كل أودية النار تنام وتلك العين لا تنام من حرها ، ويقول الملائكة : يا معشر الاشقياء ادنوا فاشربوا منها ، فإذا أعرضوا عنها ضربتهم الملائكة بالمقامع ، وقيل لهم : « ذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد ».

قال : ثم يؤتون بكأس من حديد فيه شربة من عين آنية ، فإذا ادني منهم تقلصت شفاههم ، وانتثر لحوم وجوههم ، فإذا شربوا منها وصار في أجوافهم يصهر به مافي بطونهم والجلود ، ثم يضرب على رأسه ضربة فيهوي سبعين ألف عام حتى يواقع السعير فإذا واقعها سعرت في وجوههم ، فعند ذلك غشيت أبصارهم من نفحها ، ثم يضرب على راسه ضربة فيهوي سبعين ألف عام حتى ينتهي إلى شجرة الزقوم شجرة تخرج في أصل الجحيم ، طلعها كأنه رؤوس الشياطين ، عليها سبعون ألف غصن من نار ، في كل غصن سبعون ألف ثمرة من نار ، كل ثمرة (٢) كأنها رأس الشيطان قبحا ونتنا ، تنشب صخرة مملسة سوخاء كأنها مرآة ذلقة ، مابين أصل الصخرة إلى الصخرة ( الشجرة خ ل ) سبعون ألف عام ، أغصانها يشرب من نار ، وثمارهانار ، وفرعهانار ، فيقال له : ياشقي اصعد ، فكلما صعد زلق ، وكلما زلق صعد ، فلا يزال كذلك سبعين ألف عام في العذاب ، وإذا

____________________

(١) في نسخة : جاز به الشيطان السلسلة.

(٢) تمرة خ ل في الموضعين وكذا فيما يأتى بعد.

٣٢١

أكل منها ثمرة يجدها أمر من الصبر ، وأنتن من الجيف ، وأشد من الحديد ، فإذا واقعت بطنه غلت في بطنه كغلي الحميم ، فيذكرون ما كانوا يأكلون في دار الدنيا من طيب الطعام فبيناهم كذلك إذ تجذبهم الملائكة فيهوون دهرا في ظلم متراكبة ، فإذا استقر وافي النار سمع لهم صوت كصيح السمك على المقلى ، (١) أو كقضيب القصب ، ثم يرمي بنفسه من الشجرة في أودية مذابة من صفر من نار وأشد حرا من النار ، تغلي بهم الاودية ، ترمي بهم في سواحلها ، ولها سواحل كسواحل بحركم هذا ، فأبعدهم منها باع ، والثاني ذراع ، والثالى فتر (٢) فيحمل عليهم هوام النار الحيات والعقارب كأمثال البغال الدلم ، لكل عقرب ستون فقارا ، في كل فقار قلة من سم ، وحيات سود زرق أمثال البخاتي ، فيتعلق بالرجل سبعون ألف حية ، وسبعون ألف عقرب ، ثم كب في النار سبعين ألف عام لا تحرقه قد اكتفى بسهمته ( بسمهاظ ) ثم تعلق على كل غصن من الزقوم سبعون ألف رجل ماينحني ولا ينكسر ، فيدخل النار من أدبارهم ، فتطلع على الافئدة ، تقلص الشفاه ، وتطير الجنان ، وتنضج الجلود ، وتذوب الشحوم ، ويغضب الحي القيوم فيقول :

يامالك قل لهم : ذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ، يامالك سعر سعر فقد اشتد غضبي على من شتمني على عرشي ، واستخف بحقي ، وأنا الملك الجبار ، فينادي مالك : يا أهل الضلال والاستكبار والنعمة في دار الدنيا كيف تجدون مس سقر؟ قال : فيقولون : قد أنضجت قلوبنا ، وأكلت لحومنا ، وحطمت عظامنا ، فليس لنا مستغيث ، ولا لنا معين ، قال : فيقول مالك : وعزة ربي لا أزيدكم إلا عذابا ، فيقولون : إن عذبنا ربنا لم يظلمنا شيئا ، قال : فيقول مالك : فاعترفوا بذنبهم فسحقا لاصحاب السعير ، يعني بعدا لاصحاب السعير ، ثم يغضب الجبار فيقول : يامالك سعر سعر ، فيغضب مالك فيبعث عليهم سحابة سوداء يظل أهل النار كلهم ، ثم يناديهم فيسمعها أولهم وآخرهم وأفضلهم وأناداهم ، فيقول : ماذا تريدون أن امطركم؟ فيقولون : الماء البارد

____________________

(١) وعاء يقلى فيه الطعام.

(٢) الباع : قدر مداليدين. والفتر تقدم معناه.

٣٢٢

واعطشاه! واطول هواناه! فيمطرهم حجارة وكلاليبا وخطاطيفا (١) وغسلينا وديدانا من نارفينضج وجوههم وجباههم ، ويغضا (٢) أبصارهم ، ويحطم عظامهم ، فعند ذلك ينادون : واثبوراه! فإذا بقيت العظام عواري من اللحوم اشتد غضب الله فيقول : يامالك اسجرها عليهم كالحطب في النار ، ثم يضرب أمواجها أرواحهم سعبين خريفا في النار ثم يطبق عليهم أبوابها من الباب إلى الباب مسيرة خمسمائة عام ، وغلظ الباب مسيرة خمسمائة عام ، ثم يجعل كل رجل منهم في ثلاث توابيت من حديد من نار بعضها في بعض فلا يسمع لهم كلام أبدا إلا أن لهم فيها شهيق كشهيق البغال ، وزفير مثل نهيق الحمير ، وعواء (٣) كعواء الكلاب ، صم بكم عمي فليس لهم فيها كلام إلا أنين ، فيطبق عليهم أبوابها ، ويسد ( يمدد خ ل) عليهم عمدها ، فلا يدخل عليهم روح أبدا ، ولا يخرج منهم الغم أبدا ، فهي عليهم مؤصدة ـ يعني مطبقة ـ ليس لهم من الملائكة شافعون ، ولا من أهل الجنة صديق حميم ، وينساهم الرب ويمحو ذكرهم من قلوب العباد ، فلا يذكرون أبدا.

بيان : الفضح والشدخ : الكسر. والخياس لعله جمع الخيس بالكسر وهوالشجر الملتف ، أو هو تصحيف الجبال. قوله عليه‌السلام : فلا يخطآنه أي لا تقع ضربتهما على غيره ، وفي بعض النسخ : « فلا يخبطانه » من قولهم : خبطت الرجل : إذا أنعمت عليه من غير معرفة بينكما. وقال في القاموس : كسف حاله : ساءت وفلان نكس طرفه. (٤) ورجل كاسف البال : سئ الحال. قوله عليه‌السلام : فيرحل قفاه يقال : رحلت البعير : إذا شددت على ظهره الرحل ، والظاهر : « فيركل » والركل : الضرب بالرجل. وعجزة الشئ : مؤخره. قوله عليه‌السلام : مما أعقبتا أي أور ثتا من العقوبة بسبب التقصير في طاعة الله ، أومن قولهم : عقبت الرجل : إذا بغيته بشر. والعضوض : البئر البعيدة القعر. والسوخاء : الارض التي تسيخ فيها الرجل أي ترسب ، ولعله إن صحت النسخة هنا كناية عن زلق الاقدام إلى إسفل. والفتر بالكسر : مابين طرف الابهام والمشيرة. والدلم بالضم جمع الادلم

____________________

(١) الكلاليب جمع الكلاب : حديدة معطوفة يعلق بها اللحم ، يقال لها بالفارسية : قلاب. الخطاطيف جمع الخطاف : حديدة يختطف بها.

(٢) أى يظلم ابصارهم. وفى نسخة : يعمى أبصارهم.

(٣) كذا في الجمل الثلاثة.

(٤) هكذا في الكتاب ، ولعل الصحيح : فلان نكس رأسه أى طاطاه من ذل.

٣٢٣

وهوالشديد السواد. والخطاف كل حديدة حجناء وجمعه خطاطيف. وكان في النسخة تصحيفات تركناها كما وجدناها.

١٠٠ ـ أقول : قال سيد الساجدين صلوات الله عليه في الصحيفة الكاملة فيما كان يدعون عليه‌السلام بعد صلاة الليل : اللهم إني أعوذبك من نار تغلظلت بها على من عصاك ، وتوعدت بها من صدف عن رضاك ، (١) ومن نار نورها ظلمة ، وهينها أليم ، وبعيدها قريب ، ومن نار يأكل بعضها بعض ، ويصول بعضها على بعض ، (٢) ومن نار تذر العظام رميما ، وتسقي أهلها حميما ، ومن نار لا تبقي على من تضرع إليها ، ولا ترحم من استعطفها ، ولا تقدر على التخفيف عمن خشع لها واستسلم إليها ، تلقي سكانها بأحر مالديها من أليم النكال ، وشديد الوبال ، وأعوذبك من عقاربها الفاغرة أفواهها ، (٣) وحياتها الصالقة بأنيابها ، (٤) وشرابها الذي يقطع أمعاء وأفئدة سكانها وينزع قلوبهم ، وأستهديك لما باعد منها وأخر عنها ، الدعاء.

١٠١ ـ نهج : من عهد له عليه‌السلام إلى محمد بن أبي بكر : واحذروا نارا قعرها بعيد ، و حرها شديد ، وعذابها جديد ، دار ليس فيها رحمة ، ولا تسمع فيها دعوة ، ولا تفرج فيها كربة.

١٠٢ ـ عد : اعتقادنا في النار أنها دارالهوان ، ودارالانتقام من أهل الكفر و العصيان ، ولا يخلد فيها إلا أهل الكفر والشرك ، فأما المذنبون من أهل التوحيد فإنهم يخرجون منها بالرحمة التي تدركهم والشفاعة التي تنالهم.

وروي أنه لا يصيب أحدا من أهل التوحيد ألم في النار إذا دخلوها ، وإنما يصيتهم الآلام عندالخروج منها ، فتكون تلك الآلام جزاء بما كسبت أيديهم وما الله بظلام للعبيد. وأهل النارهم المساكين حقا لا يقضى عليهم فيموتوا ، ولا يخفف عنهم من عذابها ، لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا ، وإن استطعموا اطعموا

____________________

(١) صدف عنه : أعرض وصد.

(٢) صال عليه : وثب.

(٣) فغرفاه : فتحه.

(٤) صلق نابه : حكه بالاخر فحدث بينمها صوت.

٣٢٤

من الزقوم ، وإن استغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا ، ينادون من مكان بعيد : ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون ، فيمسك الجواب عنهم أحيانا ثم قيل لهم : اخسؤوا فيها ولا تكلمون ، ونادوا : يا مالك ليقض علينا ربك ، قال : إنكم ماكثون.

وروي أنه يأمر الله عزوجل برجال إلى النار فيقول لمالك : قل للنار لا تحرقي لهم أقداما فقد كانوا يمشون إلى المساجد ، ولا تحرقي لهم أيديا فقد كانوا يرفعونها إلي بالدعاء ولا تحرقي لهم ألسنة فقد كانوا يكثرون تلاوة القرآن ، ولا تحرقي لهم وجوها فقد كانوا يسبغون الوضوء ، فيقول مالك : يا أشقياء فما كان حالكم؟ فيقولون : كنا نعمل لغيرالله ، فقيل لنا : خذوا ثوابكم ممن عملتم له. « ص ٩٠ ـ ٩١ »

بيان : أقول : قال الشيخ المفيد رفع الله درجته : وأما النار فهي دار من جهل الله سبحانه ، وقد يدخلها بعض من عرفه بمعصية الله تعالى ، غير أنه لا يخلد فيها بل يخرج منها إلى النعيم ، المقيم ، وليس يخلد فيها إلا الكافرون. وقال تعالى : « فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلها إلا الاشقى الذي كذب وتولى » (١) يريد بالصلي هنا الخلود فيها. وقال تعالى : « إن الذين كفروا بآياتنا سوف نصليهم نارا » (٢) وقال : « إن الذين كفروا لو أن لهم مافي الارض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما ماتقبل منهم » (٣) الآيتان ، وكل آية تتضمن ذكر الخلود في النار فإنما هي في الكفار دون أهل المعرفة بالله تعالى بدلائل العقول ، والكتاب المسطور ، والخبر الظاهر المشهور ، والاجماع السابق لاهل البدع من أصحاب الوعيد ، (٤) ثم قال رحمه‌الله : وليس يجوز أن يعرف الله تعالى من هو كافر به ، ولا يجهله من هو به مؤمن ، وكل كافر على اصولنا فهو جاهل بالله ، ومن خالف اصول الايمان من المصلين إلى قبلة الاسلام فهو عندنا جاهل بالله ، وإن أظهر القول بتوحيده ، كما أن الكافر برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله جاهل بالله

____________________

(١) الليل : ١٤ ـ ١٦.

(٢) النساء : ٥٦.

(٣) المائدة : ٣٦.

(٤) في شرح العقائد المطبوع : والاجماع ، والرأى السابق لاهل البدع من أصحاب الوعيد.

٣٢٥

وإن كان فيهم من يعترف بتوحيد الله تعالى ويتظاهر بمايوهم المستضعفين أنه معرفة بالله تعالى ، وقد قال الله تعالى : « ومن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا » (١) فأخرج بذلك المؤمن عن أحكام الكافرين ، وقال تعالى : « فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجربينهم » (٢) الآية ، فنفى عمن كفر بنبي الله الايمان ، ولم يثبت له مع الشك فيه المعرفة بالله على حال ، وقال تعالى : « وقاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر » إلى قوله : « وهم صاغرون » (٣) فنفى الايمان عن اليهود والنصارى وحكم عليهم بالكفر والضلال.

أقول : سيأتي بعض مايتعلق بالجنة والنار في احتجاج الرضا عليه‌السلام على سليمان المروزي ، وقد مضى بعضها في باب صفة المحشر ، وباب جنة الدنيا ونارها تتميم : أقول : بعد اتضاح الحق لديك فيما ورد في الآيات المتظافرة والاخبار المتواترة من أحوال الجنة والنار وخصوصياتهما فلنشر إلى بعض ماقاله في ذلك الفرقة المخالفة للدين من الحكماء والمتفلسفين لتعرف معاندتهم للحق المبين ، ومعارضتهم لشرائع المرسلين.

قال شارح المقاصد في تقرير مذهب الحكماء في الجنة والنار والثواب والعقاب : أما القائلون بعالم فيقولون بالجنة والنار وسائر ماورد به الشرع من التفاصيل ، ولكن في عالم المثل ، لا من جنس المحسوسات المحضة على ماتقول به الاسلاميون وأما الاكثرون فيجعلون ذلك من قبيل اللذات والآلام العقلية ، وذلك أن النفوس البشرية سواء جعلت أزلية كما هورأي أفلاطون ، أولا كما هو رأي أرسطو فهي أبدية عندهم لا تفنى بخراب البدن ، بل تبقى ملتذة بكمالاتها ، مبتهجة بإدراكانها ، وذلك سعادتها وثوابها وجنانها على اختلاف المراتب وبتفاوت الاحوال ، أو متألمة بفقد الكمالات وفساد الاعتقادات ، وذلك شقاوتها وعقابها ونيرانها على مالها من اختلاف التفاصيل ، وإنما لم يتنبه لذلك في هذا العالم لا ستغراقها في تدبير

____________________

(١) الجن : ١٣.

(٢) النساء : ٦٥.

(٣) التوبة : ٢٩.

٣٢٦

البدن وانغماسها في كدورات عالم الطبيعة ، وبالجملة لما بها من العلائق والعوائق الزائلة بمفارقة البدن فما ورد في لسان الشرع من تقاصيل الثواب والعقاب وما يتعلق بذلك من السمعيات فهي مجازات وعبارات عن تقاصيل أحوالها في السعادة والشقاوة واختلاف أحوالها في اللذات والآلام والتدرج ممالها من دركات الشفاوة إلى درجات السعادة ، فإن الشقاوة السرمدية إنما هي بالجهل المركب الراسخ والشرارة المضادة للملكة الفاضلة لا الجهل البسيط ، والاخلاق الخالية عن غايتي الفضل والشرارة فإن شقاوتها منقطعة ، بل ربما لا يقتضي الشقاوة أصلا.

وتفصيل ذلك أن فوات كمالات النفس يكون إما لامر عدمي كنقصان غريزة العقل ، أو وجودي كوجود الامور المضادة للكمالات ، وهي إما راسخة أو غير راسخة ، وكل واحد من الاقسام الثلاثة إما أن يكون بحسب القوة النطرية أو العملية ، يصير ستة ، فالذي بحسب نقصان الغريزة في القوتين معا فهو غير مجبول بعد الموت ولا عذاب بسببه أصلا ، والذي بسبب مضاد راسخ في القوة النظرية كالجهل المركب الذي صار صورة للنفس غير مفارقة عنه فهو غير مجبول أيضا لكن عذابه دائم ، وأما الثلاثة الباقية أعني النظرية الغير الراسخة كاعتقادات العوام والمقلدة والعملية الراسخة وغيرالراسخة كالاخلاق والملكات الرديئة المستحكمة وغير المستحكمة فيزول بعد الموت لعدم رسوخها ، أولكونها هيآت مستفادة من الافعال والامزجة فتزول بزوالها ، لكنها تختلف في شدة الرداءة وضعفها ، وفي سرعة الزوال وبطئه ، فيختلف العذاب بها في الكم والكيف بحسب الا ختلافين ، وهذا إذا عرفت النفس أن لها كمالا فانيا ، إمالاكتسابها ما يضاد الكامل ، أو لا شتغالها بما يصرفها عن اكتساب الكمال ، أولتكاسلها في اقتناء الكمال ، وعدم اشتغالها بشئ من العلوم ، وأما النفوس السليمة الخالية عن الكمال وعما يضاده وعن الشوق إلى الكمال ففي سعة من رحمة الله ، خارجة من البدن إلى سعادة تليق بها ، غير متألمة بما يتأذى به الاشقياء إلا أنه ذهب بعض الفلا سفة إلا أنها لا تجوز أن تكون معطلة عن الادراك ، فلابد أن تتعلق بأجسام اخرلما أنها لا تدرك إلا بآلات جمسانية ، وحينئذ إما أن تصير مبادئ صور لها و

٣٢٧

يكون نفوسا لها وهذا هو القول بالتناسخ ، وإما أن لا تصير وهذا هوالذي مال إليه ابن سينا والفارابي من أنها تتعلق بأجرام سماوية لا على أن يكون نفوسا لها مدبرة لامورها ، بل على أن يستعملها لامكان التخيل ، ثم تتخيل ، الصور التي كانت معتقدة عندها وفي وهمها فيشاهد الخيرات الاخروية على حسب ما يخيلها ، قالوا : ويجوز أن يكون هذا الجرم متولدا من الهواء والادخنة من غير أن يقارن مزاجا يقتضي فيضان نفس إنسانية.

ثم إن الحكماء وإن لم يثبتوا المعاد الجسماني والثواب والعقاب المحسوسين فلم ينكروها غاية الانكار بل جعلوها من الممكنات لا على وجه إعادة المعدوم ، وجوزوا حمل الآيات الواردة فيها على ظواهرها ، وصر حوا بأن ليس مخالفا للاصول الحكمية والقواعد الفلسفية ، ولا مستبعد الوقوع في الحكمة الالهية ، لان للتبشير والانذار نفعا ظاهرا في أمر نظام المعاش وصلاح المعاد ، ثم الايفاء بذلك التبشير والانذار بثواب المطيع وعقاب العاصي تأكيد لذلك وموجب لازدياد النفع فيكون خيرا بالقياس إلى الاكثرين ، وإن كان ضرا في حق المعذب ، فيكون من جملة الخير الكثير الذي يلزمه شر قليل ، بمنزلة قطع العضو لصلاح البدن انتهى.

ونحوا من ذلك ذكر الشيخ ابن سينا في رسالة المبدء والمعاد ولم يذكر هذا التجويز ، وإنما جوزه في الشفاء خوفا من الديانين في زمانه ، ولا يخفى على من راجع كلامهم وتتبع اصولهم أن جلها لا يطابق ماورد في شرائع الانبياء ، وإنما يمضغون ببعض اصول الشرائع وضروريات الملل على ألسنتهم في كل زمان حذرا من القتل والتكفير من مؤمني أهل زمانهم ، فهم يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم كافرون ولعمري من قال : بأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، وكل حادث مسبوق بمادة ، وماثبت قدمه امتنع عدمه ، وبأن العقول والافلاك وهيولى العناصر قديمة ، وأن الانواع المتوالدة كلها قديمة وأنه لا يجوز إعادة المعدوم ، وأن الافلاك متطابقة ، ولا تكون العنصريات فوق الافلاك ، وأمثال ذلك كيف يؤمن بما أتت به الشرائع ونطقت به الآيات وتواترت به الروايات من اختيار الواجب وأنه يفعل مايشاء ويحكم ما

٣٢٨

يريد ، وحدوث العالم ، وحدوث آدم ، والحشر الجسماني ، وكون الجنة في السماء مشتملة على الحور والقصور والابنية والمساكن والاشجار والانهار ، وأن السماوات تنشق وتطوى ، والكواكب تنتثر وتتساقط بل تفنى ، وأن الملائكة أجسام ملئت منهم السماوات ينزلون ويعرجون ، وأن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قد عرج إلى السماء وكذا عيسى وإدريس عليهما‌السلام ، وكذا كثير من معجزات الانبياء والاوصياء (ع) من شق القمر وإحياء الاموات ورد الشمس وطلوعها من مغربها وكسوف الشمس في غير زمانه وخسوف القمر في غير أوانه ، وأمثال ذلك؟ ومن أنصف ورجع إلى كلامهم علم أنهم لا يعاملون أصحاب الشرائع إلا كمعاملة المستهزئ بهم ، أومن جعل الانبياء عليهم‌السلام كأرباب الحيل و المعميات الذين لا يأتون بشئ يفهمه الناس ، بل يلبسون عليهم في مدة بعثتهم ، أعاذنا الله وسائر المؤمنين عن تسويلاتهم وشبههم ، وسنكتب إن شاء الله في ذلك كتابا مفردا والله الموفق.

(باب ٢٥)

*(الاعراف وأهلها ، ومايجرى بين أهل الجنة وأهل النار)*

الايات ، الاعراف « ٧ » والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها اولئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * ونزعنا مافي صدورهم من غل تجري من تحتهم الانهار وقالوا الحمدالله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة اورثتموها بما كنتم تعملون * ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا وما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون * وبينهما حجاب وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى

٣٢٩

أصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون * ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أومما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين * الذين اتخذوا دينهم لهوا والعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون ٤٢ ـ ٥١.

تفسير : قال الطبرسي رحمه‌الله في قوله تعالى : « ونزعنا ما في صدورهم من غل » أي وأخرجنا ما في قلوبهم من حقد وحسدو عداوة في الجنة حتى لا يحسد بعضهم بعضا ، وإن رآه أرفع درجة منه « وقالوا الحمدالله الذي هدانا لهذا » أي هدانا للعمل الذي استوجبنا به هذا الثواب بأن دلنا عليه وعرضناله بتكليفه إيانا ، وقيل : هدانا لثبوت الايمان في قلوبنا ، وقيل : لنزع الغل من صدورنا ، وقيل : هدانا لمجاوزة الصراط ودخول الجنة « وماكنا لنهتدي » لمايصيرنا إلى هذا النعيم المقيم والثواب العظيم « لولا أن هدانا الله » هذا اعتراف من أهل الجنة بنعمة الله سبحانه إليهم ، ومنه عليهم في دخول الجنة على سبيل الشكر والتلذذ بذلك : لانه لا تكليف هناك « ونودوا » أي ويناديهم مناد من جهة الله تعالى ، ويجوز أن يكون ذلك خطابا منه سبحانه لهم « أن تلكم الجنة اورثتموها » أي اعطيتموها إرثا وصارت إليكم كما يصير الميراث لاهله ، أو جعلها الله سبحانه بدلا لكم عما كان أعده للكفار لو آمنوا « بماكنتم تعملون » أي توحدون الله وتقومون بفرائضه « ونادى » أي وسينادي « أصحاب الجنة أصحاب النار أن قدو جدنا ما وعدنا ربنا » من الثواب في كتبه وعلى ألسنة رسله « حقا فهل وجدتم ماوعد ربكم من العقاب حقا » فهذا سؤال توبيخ وشماتة يزيد به سرور أهل الجنة وحسرة أهل النار « قالوا نعم فأذن مؤذن » أي نادى منا بينهم أسمع الفريقين « أن لعنة الله على الظالمين » أي غضب الله وأليم عقابه على الكافرين « الذين يصدون عن سبيل الله » أي الطريق الذي دل الله سبحانه على أنه يؤدي إلى الجنة ويبغونها عوجا قال ابن عباس : معناه : يصلون لغيرالله ، ويعظمون مالم يعظمه الله ، وقيل : يطلبون لها العوج بالشبه التي يلبسون بها.

٣٣٠

وروى أبوالقاسم الحسكاني بإسناده عن محمد بن الحنفية ، عن علي عليه‌السلام أنه قال : أناذلك المؤذن.

وبإسناده عن أبي صالح ، عن ابن عباس إن لعلي في كتاب الله أسماء لا تعرفها الناس ، قوله : فأذن مؤذن بينهم فهوالمؤذن بينهم يقول : ألا لعنة الله على الظالمين الذين كذبوا بولايتي واستخفوا بحقي.

« وبينهما حجاب » أي بين الفريقين : أهل الجنة وأهل النار ستر ، وهوالاعراف والاعراف : سوربين الجنة والنار ، عن ابن عباس ومجاهد والسدي ، وفي التنزيل : « فضرب بينهم بسور » الآية ، وقيل : الاعراف : شرف ذلك السور ، وقيل الاعراف الصراط « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » اختلف في المراد بالرجال هنا على أقوال : فقيل : إنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم فحالت حسناتهم بينهم وبين النار ، وحالت سيئاتهم بينهم وبين الجنة فجعلوا هنالك حتى يقضي الله فيهم ماشاء ، ثم يدخلهم الجنة ، عن ابن عباس وابن مسعود ، وذكر أن بكربن عبدالله المزني قال للحسن : بلغني أنهم قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم ، فضرب الحسن يده على فخذه ثم قال : هؤلاء قوم جعلهم الله على تعريف أهل الجنة والنار يميزون بعضهم من بعض ، والله لا أدري لعل بعضهم معنا في هذا البيت ، وقيل : إن الاعراف موضع عال على الصراط عليه حمزة والعباس وعلي وجعفر يعروفون محبيهم ببياض الوجوه ، ومبغضيهم بسواد الوجوه عن الضحاك عن ابن عباس ، رواه الثعلبي بالاسناد في تفسيره.

وقيل : إنهم الملائكة في صورة الرجال يعرفون أهل الجنة والنار ، ويكونون خزنة الجنة والنار جميعا ، أو يكونون حفظة الاعمال الشاهدين بها في الآخرة ، عن أبي محلز ، (١) وقيل : إنهم فضلاء المؤمنين ، عن الحسن ومجاهد ، وقيل : إنهم الشهداء وهم عدول الآخرة ، عن الجبائي.

وقال أبوجعفر الباقر (ع) : هم آل محمد (ع) لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.

وقال أبوعبدالله جعفر بن محمد عليهما‌السلام : الاعراف كثبان بين الجنة والنار ، فيوقف

____________________

(١) هكذا في الكتاب ، والصحيح : أبومجلز بالجيم ، والرجل هو لا حق بن حميد التابعى البصرى.

٣٣١

عليها كل نبي وكل خلفية نبي مع المذنبين من أهل زمانه ، كما يقف صاحب الجيش مع الضعفاء من جنده ، وقد سبق المحسنون إلى الجنة ، فيقول ذلك الخليفة للمذنبين الواقفين معه : انظروا إلى إخوانكم المحسنين قد سبقوا إلى الجنة ، فيسلم المذنبون عليهم ، وذلك قوله : « ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم ».

ثم أخبر سبحانه أنهم لم يدخلوها وهم يطمعون ، يعني هؤلاء المذنبين لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون أن يدخلهم الله إيا هابشفاعة النبي والامام ، وينظرهؤلاء المذنبون إلى أهل النار ويقولون : « ربنا لاتجعلنا مع القوم الظالمين » ثم ينادي أصحاب الاعراف وهم الانبياء والخلفاء أهل النار مقرعين لهم : « ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون » به « أهؤلاء الذين أقسمتم » يعني أهؤلاء المستضعفين الذين كنتم تحقرونهم وتستطيلون بدنياكم عليهم ، ثم يقولون لهؤلاء المستضعفين عن أمر من الله لهم بذلك : « ادخلوا الجنة لاخوف عليكم ولا أنتم تحزونون ».

ويؤيده مارواه أبوالقاسم الحسكاني بإسناده إلى الاصبغ بن نباتة قال : كنت جالسا عند علي عليه‌السلام فأتاه ابن الكواء فسأله عن هذه الآية ، فقال : ويحك يابن الكواء نحن نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار ، فمن نصرنا عرفناه بسيماه فأدخلناه الجنة ، ومن أبغضنا عرفناه بسيماه فأدخلناه النار ،

وقوله : « يعرفون كلا بسيماهم » يعني هؤلاء الرجال الذين هم على الاعراف يعرفون جمبع الخلق بسيماهم ، يعرفون أهل الجنة بسيماء المطيعين ، وأهل النار بسيماء العصاة « ونادوا أصحاب الجنة » يعني هؤلاء الذين على الاعراف ينادون أصحاب الجنة « أن سلام عليكم » وهذاتسليم تهنئة وسرور بما وهب الله لهم « يدخلوها » أي لم يدخلوا الجنة بعد « وهم يطمعون » أن يدخلوها ، قيل : إن الطمع ههنا طمع يقين مثل قول إبراهيم : « والذي أطمع أن يغفرلي خطيئتي يوم الدين ». (١)

« وإذا صرفت أبصارهم » أي أبصار أهل الاعراف « تلقاء أصحاب النار » أي إلى

____________________

(١) الشعراء : ٨٢.

٣٣٢

جهتهم فنظروا إليهم ، وإنما قال كذلك لان نظرهم نظر عدواة فلا ينظرون إليهم إلا إذا صرفت وجوههم إليهم « قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين » أي لا تجمعنا وإياهم في النار. وروي أن في قراءة ابن مسعود وسالم : « وإذا قلبت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا عائذابك أن تجعلنا مع القوم الظالمين » وري ذلك عن أبي عبدالله عليه‌السلام.

« ونادى أصحاب الاعراف رجالا من أصحاب النار يعرفونهم بسيماهم » أي بصفاتهم يدعونهم بأساميهم وكناهم ، ويسمون رؤساء المشركين ، عن ابن عباس ، وقيل : بعلاماتهم التي جعلها الله تعالى لهم من سواد الوجوه وتشويه الخلق وزرقة العين ، وقيل : بصورهم التي كانوا يعرفونهم بها في الدنيا « قالوا ما أغنى عنكم جمعكم » الاموال و العدد في الدنيا « وماكنتم تستكبرون » أي واستكباركم من عبادة الله تعالى وعن قبول الحق وقد كنا نصحناكم فاشتغلتم بجمع الاموال وتكبرتم فلم تقبلوا منا ، فأين ذلك المال؟ وأين ذلك التكبر؟ وقيل : معناه : مانفعكم جماعتكم التي استندتم إليها وتجبر كم عن الانقياد لانبياءالله في الدنيا « أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة » أي حلفتم أنهم لا يصيبهم الله برحمة وخير ولا يدخلون الجنة كذبتم ، ثم يقولون لهؤلاء « ادخلوا الجنة لاخوف عليكم ولا أنتم تحزنون » أي لا خائفين ولا محزونين ، على أكمل سرور وأتم كرامة ، والمراد بهذا تقريع الذين أزروا على ضعفاء المؤمنين (١) حتى خلفوا أنهم لا خيرلهم عندالله.

وقد اضطربت أقوال المفسرين في القائل لهذا القول ، فقال الاكثرون : إنه كلام أصحاب الاعراف ، وقيل : هو كلام الله تعالى ، وقيل : كلام الملائكة ، والصحيح ما ذكرناه لانه المروي عن الصادق عليه‌السلام.

« ونادى أصحاب النار » وهم المخلدون فيها « أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء » أي صبوا علينا من الماء نسكن به العطش ، أو ندفع به حرالنار « أو مما رزقكم الله » أي أعطاكم الله من الطعام « قالوا » يعني أهل الجنة جوابا لهم : « إن الله حرمهما على الكافرين ».

____________________

(١) أرزى عليه عمله : عاتبه أو عابه عليه.

٣٣٣

ويسأل فيقال : كيف يتنادى أهل الجنة وأهل النار وأهل الجنة في السماء على ماجاءت به الرواية وأهل النار في الارض وبينهما أبعد الغايات من البعد؟ واجيب عن ذلك بأنه يجوز أن يزيل الله تعالى عنهم مايمنع من السماع ، ويجوز أن يقوي الله أصواتهم فيسمع بعضهم كلام بعض.

« الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا » أي أعدوا دينهم الذي أمرهم الله تعالى به اللهو واللعب دون التدين به ، وقيل : اتخذوا دينهم الذي كان يلزمهم التدين به و التجنب من محظوراته لعبا ولهوا ، فحرموا ماشاؤوا واستحلوا ماشاؤوا بشهواتهم.

« وغرتهم الحياط الدنيا » أي اغتروا بها وبطول البقاء فيها ، فكأن الدنيا غرتهم « فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا » أي نتركهم في العذاب كما تركوا التأهب والعمل للقاء هذا اليوم ، وقيل : أي نعاملهم معاملة المنسي في النار ، فلا نجيب لهم دعوة ، ولا نرحم لهم عبرة كما تركوا الاستدلال حتى نسوا العلم وتعرضوا للنسيان « ماكانوا بآياتنا يجحدون » « ما » في الموضعين يمعنى المصدر وتقديره : كنسيانهم لقاء يومهم هذا وكونهم جاحدين لآياتنا ، واختلف في هذه الآية فقيل : إن الجميع كلام الله تعالى على غير وجه الحكاية عن أهل الجنة وتم كلام أهل الجنة عند قوله : « حرمهما على الكافرين » وقيل : إنه من كلام أهل الجنة إلى قوله : « الحياة الدنيا » ثم استأنف سبحانه الكلام بقوله : « فاليوم ننساهم » انتهى كلامه رحمه‌الله.

أقول : الذي يظهرلي من الآيات والاخبار هو أن الله تعالى بعد خرق السماوات وطيهاينزل الجنة والعرش قريبا من الارض فيكون سقف الجنة العرش ، ولا يبعد أن يكون هذا هوالمراد بقوله تعالى : « وازلفت الجنة للمتقين » وتتحول البحارنيرانا فيوضع الصراط من الارض إلى الجنة. والاعراف : درجات ومنازل بين الجنة والنار ، وبهذا يندفع كثير من الاوهام ، والاستبعادات التي تخطر في أذهان أقوام في كثير مما ورد في أحوال الجنة والنار ، والصراط ومرور الخلق عليه ، ودخولهم الجنة بعده ، وإحضار العرش يوم القيامة وأمثالها ، وبه يقل أيضا الاستبعاد الذي مر في كلام السائل وإن كان يحتاج إلى أحد الوجهين اللذين ذكرهما أو مثلهما ، ليرفع الا ستبعاد رأسا والله يعلم.

٣٣٤

١ ـ فس : سئل العالم عليه‌السلام عن مؤمني الجن يدخلون الجنة؟ فقال : لا ، ولكن لله حظائر بين الجنة والنار يكون فيها مؤمنو الجن وفساق الشيعة. « ص ٦٢٤ »

٢ ـ فس : أبي ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن بريد ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : الاعراف كثبان بين الجنة والنار ، والرجال : الائمة صلوات الله عليهم يقفون على الاعراف مع شيعتهم ، وقد سبق المؤمنون (١) إلى الجنة بلا حساب ، فيقول الائمة ليشعتهم من أصحاب الذنوب : انظروا إلى إخوانكم في الجنة قد سبقوا إليها بلا حساب (٢) وهو قول الله تبارك وتعالى : « سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون » ثم يقال لهم : انظروا إلى أعدائكم في النار ، وهو قوله : « وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الاعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم » في النار « قالوا ما أغنى عنكم جمعكم في الدنيا وما كنتم تستكبرون » ثم يقول لمن في النار من أعدائهم هؤلاء شيعتي وإخواني الذين كنتم أنتم تحلفون في الدنيا أن لاينالهم الله برحمة ، ثم يقول الائمة لشيعتهم : « ادخلوا الجنة لا خوف عليكم والا أنتم تحزونون » ثم « نادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ». « ص ٢١٦ ـ ٢١٧ »

٣ ـ ير : أحمد بن محمد ، عن ابن محبوب ، عن أبي أيوب ، عن بريد العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن قول الله : « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » قال : انزلت في هذه الامة ، والرجال هم الائمة من آل محمد ، قلت : فما الاعراف؟ قال : صراط بين الجنة والنار ، فمن شفع له الائمة منا من المؤمنين المذنبين نجا ، ومن لم يشفعوا له هوى. « ص ١٤٥ »

٤ ـ ير : بعض أصحابنا ، عن محمد بن الحسين ، عن صفوان ، عن ابن مسكان ، عن أي بصير ، عن أبي جعفر ، عليه‌السلام في قول الله عزوجل وعلى الاعراف رجال

____________________

(١) في التفسير المطبوع : وقد سيق المؤمنون.

(٢) قد سيقوا إليها بلا حساب.

٣٣٥

يعرفون كلا بسيماهم قال : الائمة منا أهل البيت في باب من ياقوت أحمر على سورالجنة يعرف كل إمام منا مايليه ، قال : من القرن الذي هو فيه إلى القرن الذي كان. « ص ١٤٦ »

٥ ـ ير : محمد بن الحسين ، عن موسى بن سعدان ، عن عبدالله بن القاسم ، عن بعض أصحابه ، عن سعد الاسكاف قال : قلت : لابي جعفر عليه‌السلام قوله عزوجل : « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » فقال : ياسعد إنها أعراف لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، وأعراف لا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه ، وأعراف لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتهم ، فلا سواء ما اعتصمت به المعتصمة ، ومن ذهب مذهب الناس ، ذهب الناس إلى عين كدرة يفرغ بعضها في بعض ، ومن أتى آل محمد أتى عينا صافية تجري بعلم الله ليس لها نفاد ولا انقطاع ، ذلك بأن الله لو شاء لاراهم شخصه حتى يأتوه من بابه ، لكن جعل الله محمد وآل محمد الابواب التي يؤتي منها ، وذلك قوله : « وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهور ها ولكن البر من اتقى وأتوا البيوت من أبوابها ». « ص ١٤٦ »

بيان : الضمير في قوله : إلا من عرفهم راجع إلى أهل الاعراف. قوله عليه‌السلام : فلا سواء ما اعتصمت به المعتصمة أي من اعتصم به ، أو المراد به الدين الذي اختاروه ، فيقدر مضاف في قوله : من ذهب.

قوله عليه‌السلام : لاراهم شخصه أي آثاره من الآيات والمعجزات والكلام والوحي بدون توسط الانبياء والائمة صلوات الله عليهم. حتى يأتوه من بابه أي بغير توسط ، ويحتمل أن يكون الرؤية بمعنى العلم لا الابصار.

٦ ـ شى : عن محمد بن الفضيل ، عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام في قوله : « فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين » قال : المؤذن أميرالمؤمنين عليه‌السلام.

٧ ـ شى : عن مسعدة بن صدقة ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده ، عن علي عليهم‌السلام قال : أنا يعسوب المؤمنين ، وأنا أول السابقين ، وخليفة رسول رب العالمين ، وأنا قسيم الجنة والنار ، وأنا صاحب الاعراف.

٨ ـ شى : عن هلقام ، (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : سألته عن قول الله : « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » مايعنى بقوله : « وعلى الاعراف رجال »؟ قال :

____________________

(١) الهلقام بكسر الهاء وسكون اللام ذكره الشيخ في رجاله في أصحاب الامام الباقر عليه‌السلام.

٣٣٦

ألستم تعرفون عليكم عرفاء وعلى قبائلكم ليعرف من فيها من صالح أو طالح؟ قلت : بلى ، قال فنحن اولئك الرجال الذين يعرفون كلا بسيماهم.

٩ ـ شى : عن زادان ، عن سلمان قال : سمعت رسول الله (ص) يقول لعلي أكثر من عشر مرات : يا علي إنك والاوصياء من بعدك أعراف بين الجنة والنار ، لا يدخل الجنة إلا من عرفكم وعرفتموه ، ويلا يدخل النار إلا من أنكركم وأنكر تموه.

١٠ ـ شى : عن سعد بن طريف ، عن أبي جعفر (ع) في هذه الآية : « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » قال : ياسعد هم آل محمد (ع) لا يدخل الجنة إلا من عرفهم وعرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرهم وأنكروه.

١١ ـ شى : عن الطيار ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام قال : قلت له : أي شئ أصحاب الاعراف؟ قال : استوت الحسنات والسيئات ، فإن أدخلهم الله الجنة فبرحمته ، وإن عذبهم لم يظلمهم.

بيان : مارواه علي بن إبراهيم عن بريد ورواه الطبرسي جامع بين تلك الاخبار ، فإن الائمة هم رؤساء أهل الاعراف والمذنبون من المؤمنين أيضا هم من أهلها كما عرفت.

١٢ ـ شى : عن كرام قال : سمعت أبا عبدالله عليه‌السلام يقول : إذا كان يوم القيامة أقبل سبع قباب من نور يواقيت خضر وبيض ، في كل قبة إمام دهره ، قد حف به أهل دهره برها وفاجرها حتى يقفون بباب الجنة ، فيطلع أولها صاحب قبة إطلاعة فيتميز أهل ولايته وعدوه ، ثم يقبل على عدوه فيقول : أنتم الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمته ، ادخلوا الجنة لاخوف عليكم اليوم ، يقوله لاصحابه ، فيسود وجوه الظالم فيميز أصحابه إلى الجنة ، وهم يقولون : « ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين » فإذا نظر أهل القبة الثانية إلى قلة من يدخل الجنة وكثرة من يدخل النار خافوا أن لا يدخلوها وذلك قوله : « لم يدخلوها وهم يطمعون ».

١٣ ـ م : عن الصادق عليه‌السلام قال : فأما في يوم القيامة فإنا وأهلنا نجزي عن شيعتنا كل جزاء ، ليكونن على الاعراف بين الجنة والنار محمد وعلي وفاطمة والحسن

٣٣٧

والحسين عليهم‌السلام والطيبون من آلهم ، فنرى بعض شيعتنا في تلك العرصات ممن كان منهم مقصرا في بعض شدائدها ، فنبعث عليهم خيار شيعتنا كسلمان والمقداد وأبي ذر وعمار ونظرائهم في العصر الذي يليهم وفي كل عصر (١) إلى يوم القيامة فينقضون عليهم كالبزاة والصقورة ويتناولونهم كما تتناول البزاة والصقورة صيدها فيزفونهم إلى الجنة زفا ، الخبر.

١٤ ـ فر : عبيد بن كثير بإسناده عن الاصبغ ، عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام قال : « على الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » فقال : نحن الاعراف نعرف أنصارنا بأسمائهم ، ونحن الاعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا ، ونحن الاعراف نوقف يوم القيامة بين الجنة والنار فلا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه ، الحديث. « ص ٤٦ »

١٥ ـ فر : عن عبيدبن كثير بإسناده عن حبة العرني (٢) عن علي عليه‌السلام إلى أن قال : نحن الاعراف من عرفنا دخل الجنة ، ومن أنكرنا دخل النار. « ص ٤٦ »

١٦ ـ شي : عن الثمالي قال : سئل أبوجعفر عليه‌السلام عن قول الله : « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » فقال أبوجعفر عليه‌السلام : نحن الاعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبب معرفتنا ، ونحن الاعراف الذين لا يدخل الجنة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه ، وذلك أن الله لوشاء أن يعرف الناس نفسه لعرفهم ولكنه جعلنا سببه وسبيله وبابه الذي يؤتى منه.

١٧ ـ شى : عن إبراهيم بن عبدالحميد ، عن أحدهما : قال : إن أهل النار

____________________

(١) في نسخة : ثم في كل عصر.

(٢) بالحاء المفتوحة والباء المشددة المفتوحة هوحبة بن جوين أبوقدامة العرنى ، وفي القاموس جوير بالراء ، ذكرابن الاثير في اسدالغابة « ج ١ ص ٣٦٧ » ان ابن عقدة ذكره في الصحابة وأورده الشيخ في رجاله في أصحاب أميرالمؤمنين والحسن عليهما‌السلام ، وقال ابن حجر في التقريب « ص ٩٢ » صدوق ، له أغلاط ، وكان غاليا في التشيع ، من الثانية ، وأخطا من زعم أن له صحبة ، مات سنة ست ، وقيل : تسع وسبعين.

٣٣٨

يموتون عطاشا ويدخلون قبورهم عطاشا ، ويدخلون جهنم عطاشا ، فيرفع لهم قراباتهم من الجنة فيقولون : « أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله ».

١٨ ـ شى : عن الزهري ، عن أبي عبدالله عليه‌السلام يقول : يوم التناد يوم ينادي أهل النار أهل الجنة : أن أفيضوا علينا من الماء.

١٩ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الوشاء ، عن أحمد بن عمر الحلال قال : سألت أبا الحسن عليه‌السلام عن قوله تعالى : « فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين » قال : المؤذن أميرالمؤمنين عليه‌السلام. « ج ١ ص ٤٢٦ »

٢٠ ـ مع : الطالقاني ، عن الجلودي ، عن المغيرة بن محمد ، عن رجاء بن سلمة ، عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : خطب أميرالمؤمنين (ع) وساق الخطبة إلى أن قال : ونحن أصحاب الاعراف أنا وعمي وأخي وابن عمي ، والله فالق الحب والنوى لا يلج النارلنا محب ، ولا يدخل الجنة لنا مبغض ، يقول الله عزوجل « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم » الخطبة. « ص ٢٢ »

٢١ ـ فس : قال الصادق عليه‌السلام : كل امة يحاسبها إمام زمانها ، ويعرف الائمة أولياءهم وأعداءهم بسيماهم ، وهو قوله : « وعلى الاعراف رجال » وهم الائمة « يعرفون كلا بسيماهم » فيعطون أولياءهم كتابهم بيمينهم فيمرون إلى الجنة بلا حساب ، و يؤتون أعداءهم كتابهم بشمالهم فيمرون إلى النار بلا حساب فإذا نظر أولياؤهم في كتابهم يقولون لاخوانهم : « هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية » أي مرضية ، فوضع الفاعل مكان المفعول. « ص ٦٩٤ »

٢٢ ـ كا : الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن محمدبن جمهور ، عن عبدالله بن عبدالرحمن ، عن الهيثم واقد ، عن مقرن قال : سمعت أباعبدالله عليه‌السلام يقول : جاء ابن الكواء إلى أميرالمؤمنين صلوات الله عليه فقال : يا أميرالمؤمنين « وعلى الاعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم »؟ فقال نحن الاعراف نعرف أنصارنا بسيماهم ، ونحن الاعراف الذين لا يعرف الله إلا بسبيل معرفتنا ، ونحن الاعراف يعرفنا الله وعزوجل

٣٣٩

يوم القيامة على الصراط ، ولا يدخل الجنة إلا من عرفناه ، وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكر نا وأنكرناه. « ج ١ ص ١٨٤ »

فر : بإسناده عن الاصبغ عنه عليه‌السلام مثله.

أقول : سيأتي الاخبار الكثيرة في أنهم أهل الاعراف في أبواب فضائلهم عليهم‌السلام.

٢٣ ـ عد : اعتقادنا في الاعراف أنه سور بين الجنة والنار ، عليه رجال يعرفون كلا بسيماهم ، والرجال هم النبي وأوصياءه عليهم‌السلام ، يا يدخل الجنة إلا من عرفهم و عرفوه ، ولا يدخل النار إلا من أنكروه ، وعند الاعراف المرجان لامرالله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم. « ص ٨٧ »

أقول : وقال الشيخ المفيد رحمه‌الله في شرح هذا الكلام : قدقيل إن الاعراف جبل بين الجنة والنار ، وقيل أيضا : إنه سور بين الجنة والنار ، وجملة الامر في ذلك أنه مكان ليس من الجنة ولا من النار ، وقد جاء الخبر بما ذكرناه وأنه إذا كان يوم القيامة كان به رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وأميرالمؤمنين والائمة من ذريته صلوات الله عليهم ، وهم الذين عنى الله بقوله : « وعلى الاعراف رجال » الآية ، وذلك أن الله تعالى يعلمهم أصحاب الجنة وأصحاب النار بسيماء يجعلها عليهم وهي العلامات ، وقد بين ذلك في قوله تعالى : « يعرفون كلا بسيماهم » (١) « يعرف المجرمون بسيماهم (٢) » وقال تعالى : « إن في ذلك الآيات للمتوسمين * وإنها لبسبيل مقيم (٣) » فأخبرأن في خلقه طائفة يتوسمون الخلق فيعرفونهم بسيماهم.

وروي عن أميرالمؤمنين عليه‌السلام أنه قال في بعض كلامه : أنا صاحب العصا والميسم. يعني علمه بمن يعلم حاله بالتوسم.

وروي عن أبي جعفر الباقر عليه‌السلام أنه سئل عن قوله تعالى : « إن في ذلك لآيات للمتوسمين » قال : فينا نزلت أهل البيت ، يعني في الائمة عليهم‌السلام.

وقد جاءالحديث بأن الله تعالى يسكن الاعراف طائفة من الخلق لم يستحقوا بأعمالهم الحسنة الثواب من غير عقاب ، ولا استحقوا الخلود في النار ، وهم المرجون

____________________

(١) الاعراف : ٤٤.

(٢) الرحمن : ٤١.

(٣) الحجر : ٧٥ ـ ٧٦.

٣٤٠