ومن جهة النّظر أنّ النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لم يؤمن به في أوّل الإسلام سوى علي عليهالسلام من الرجال ، وخديجة من النساء (١). وهم الأقلّون عددا. فلو كانت القلّة دلالة للباطل لكانوا على الباطل ، وكانت قريش لكثرتها (٢) على الحق ، ومعلوم خلاف ذلك. وقال الله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) [البقرة : ٢١٣] ؛ فدل ذلك (٣) على ما قلناه ، فثبت أن التقليد لا يجوز.
فصل [ما يجب على المكلف التفكر فيه] : فإن قيل : قد دللتم على إبطال التقليد وعلى وجوب التفكر ففيم يتفكر المكلّف؟. قلنا : يتفكر في العالم وما فيه من عجائب التركيب وبدائع الترتيب ، فيحصل له العلم بالمرتّب والمركّب ، وقد قال تعالى : (أَفَلَمْ
__________________
(١) أجمع أهل السير والتواريخ أن عليّا أسلم بعد خديجة بيوم واحد ، وهي يوم الإثنين ، وعليّ يوم الثلاثاء. ينظر المستدرك ٣ / ١٣٣ وصححه الذهبي. وسيرة ابن هشام ١ / ٢٤٥. وطبقات ابن سعد ٣ / ٢١. والإصابة ٢ / ٥٠١. والترمذي ٥ / ٥٩٨ رقم ٣٧٩٨.
ومجمع الزوائد ٩ / ١٠٣. وأسد الغابة ٤ / ٨٩. والاستيعاب ٣ / ٢٠٠. والطبري ٢ / ٣٠٩ وما بعدها. وابن الأثير ٢ / ٣٧. والمنتظم ٥ / ٦٧. وتاريخ الخلفاء للذهبي ص ٦٢٤. أما كتب الزيدية والإمامية والمعتزلة فبالإجماع أن الإمام علي أول من أسلم بعد خديجة ؛ لكن خصوم علي لم يرقهم ذلك فالتفّوا على هذه المزيّة ، وقالوا : عليّ أول من أسلم من الصبيان ، وزيد بن حارثة من العبيد ، وأبو بكر من الرجال ، وهكذا قسمت فضيلة السبق.
غير أن هذا الالتواء لا يقوى على معارضة المتواتر ، وهو أنه أول المسلمين على الإطلاق ما عدا خديجة ، وما ذا لو فضل الله عليّا فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ، أم يحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله ، وأنا لا أستغرب هذا فلو كان بإمكان بني أمية أن ينكروا أن عليّا من المسلمين مطلقا لما ترددوا ؛ ولكن أنّى لهم ذلك ، فالأكف لا تحجب الشمس. والصديق لا يمانع من تقديم علي ولا ضير عليه في ذلك.
(٢) في (ب) ، (ج) : لكثرتهم.
(٣) أي كون الناس كانوا أمة كافرة مجمعة على الكفر.