مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٨

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ولا خلاف كما في «مجمع البرهان (١) والذخيرة (٢)» في زوالها بارتكاب الكبيرة وبالإصرار على الصغيرة ، وعلى ذلك نصّ جمهور الأصحاب. وقد سمعت كلامهم في قدح المروءة.

ولا خلاف أيضاً في عودها بالتوبة كما في «الذخيرة» قال : وكذلك من حدّ في معصية ثمّ تاب رجعت عدالته وقبلت شهادته (٣) قلت : هذا نفى عنه الخلاف في «الخلاف (٤)» تارةً ونقل إجماع الفرقة عليه اخرى.

وقد يظهر من «الخلاف» الإجماع على أنه لا يكفي مجرّد إظهار التوبة ، بل لا بدّ من أن يظهر منه العمل الصالح. وفي «الكفاية (٥)» أنه المشهور. وفي «الذخيرة (٦)» أنه الأشهر ، قال : ويجي‌ء على قول مَن اعتبر في مفهوم العدالة الملكة أن لا يكفي التوبة في عود العدالة بل يحتاج إلى عود الملكة ورسوخها في النفس ، انتهى. وهذا هو الّذي أوضحناه فيما تقدّم. وفي «مجمع البرهان» الظاهر أنّها تعود بالتوبة والعمل الصالح ولو ذكراً أو استغفاراً بحيث يقال عليه شرعا انه عمل صالح ، وقال : لا يبعد كونه إجماعياً ، ثمّ قال : لا يبعد أن يكتفى بالتوبة إذا علم كونها توبة وندامة وعدم العود بوجه بأن يمضي زمان يمكن فيه العود ولم يكن له مانع عن الذنوب وعمّا ينقض التوبة وما فعل ، فهي مع الاستمرار عليها في الجملة والإصرار عليها مدّة هو العمل الصالح ، ثمّ قال : بل لا يبعد العود بمحض التوبة ، والعمل الصالح في قوله عزوجل : (وَأَصْلَحَ) (٧) تأكيد لعموم قبول التوبة في الآيات والأخبار مثل «التائب من الذنب لا ذنب له (٨)» والظاهر أنه مقصود الشيخ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣٢١.

(٢ و ٣) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٧ و ٢٦.

(٤) الخلاف : في شهادة القاذف ج ٦ ص ٢٦٠ مسألة ١١ وفي شهادة من اقيم عليه الحدّ ص ٣١٠ مسألة ٥٨.

(٥) كفاية الأحكام : في أحكام الجماعة ص ٣٠ س ١٣.

(٦) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٢٧ وس ٣٠.

(٧) الأنعام : ٥٤.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣٢١ ٣٢٢.

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

في «المبسوط» من قوله : تب أقبل شهادتك (١) ، انتهى.

وقد تقدّم تمام نقل الأقوال في المسألة عند الاعتراض (الإيراد خ ل) على القائلين بالملكة. والظاهر كما في «مجمع البرهان» وقوع التوبة في بعض الذنوب دون بعض ، وقد منعه المحقّق الطوسي في «التجريد (٢)».

وقد قطع الأصحاب بثبوت العدالة وزوالها بالمعاشرة الباطنية والعدلين ، وأنه في الثاني تكفي المشاهدة من دون المعاشرة ، والمشهور كما في «مجمع البرهان (٣)» ثبوتها بالاستفاضة ، وتأمّل فيه في الكتاب المذكور إلّا أن تكون متاخمة للعلم أو تفيد ظنّاً أقوى من المعاشرة ، ثمّ إنّه احتمل إمكان ثبوتها بالمعاشرة في الجملة وبالعدل الواحد ، انتهى. وهذا موافق للمشهور في عدالة الراوي دون غيره ، وتمام الكلام ونقل الأقوال فيما كتبناه على كتاب القضاء من هذا الكتاب (٤). وقد سمعت (٥) ما ذكره الاستاذ من أنه لا بدّ من المعاشرة الظاهرية في ثبوت حُسن الظاهر.

البحث الثاني : في الكبائر

والكلام فيها يقع في مقامين :

الأوّل : في أنه هل في المعاصي صغيرة أم لا؟ فالشيخ في «المبسوط (٦)» والعماد (٧) والمتأخّرون (٨) قاطبةً على أنّ المعصية نوعان : صغيرة وكبيرة ، وليس كلّ معصية كبيرة. وفي «مجمع البرهان» (٩) تارةً نسبه إلى المشهور وتارةً إلى أكثر

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٨٦ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح ٨ و ١٤ ج ١١ ص ٣٥٨ و ٣٦٠.

(٢) مجمع الفائدة والبرهان : كتاب القضاء في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣٢٢.

(٣) المصدر السابق : ص ٣٢٤ ٣٢٥.

(٤) راجع مفتاح الكرامة : كتاب القضاء ج ١٠ ص ٤٤ (الرحلي).

(٥) تقدّم في ص ٢٧٤.

(٦) المبسوط : في مَن تقبل شهادته ومَن لا تقبل ج ٨ ص ٢١٧.

(٧) الوسيلة : فصل في بيان الشهادات ص ٢٣٠.

(٨) تحرير الأحكام : في العدالة ج ٢ ص ٢٠٨ س ١٠ وما بعده ، إيضاح الفوائد : في الشهادات ج ٤ ص ٤٢٠ و ٤٢١ ، الدروس الشرعية : في ما يعتبر في الشاهد من الصفات ج ٢ ص ١٢٥.

(٩) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣١٨.

٢٨٢

.................................................................................................

______________________________________________________

العلماء وتارةً إلى العلماء. وفي «مصابيح الظلام (١)» أنه المشهور المعروف ولهم على ذلك أدلّة متضافرة من الكتاب والسنّة.

والشيخ في «العدّة (٢)» في الدليل الثاني على حجّية خبر الواحد حيث قال : كلّ خطأ وقبيح كبير ، والمفيد والقاضي والتقي والطبرسي على ما نقل (٣) عنهم والعجلي (٤) على أنّ كلّ معصية كبيرة وإن اختلفت مراتبها ، لاشتراكها في مخالفة أوامر الله جلّ شأنه ، وإطلاق الصغر والكبر إضافي إلى ما فوق أو إلى ما تحت لا في حدّ ذاته ، فالقُبلة صغيرة بالنسبة إلى الزنا ، كبيرة بالنسبة إلى النظر بشهوة. ويظهر من «مجمع البيان (٥) والعدّة (٦) والسرائر (٧)» أنّ ذلك اتفاقي حيث نسب في الثلاثة إلى أصحابنا.

وعلى هذا القول تزول العدالة بالمعصية كبيرة كانت أم صغيرة ، وذلك يؤدّي إلى أن لا نقبل شهادة أحد ، لأنه لا قطع بالتوبة كما ذكره في «المبسوط». وقد سمعته وسمعت (٨) ما أجاب به في «السرائر» من أنه قادر على التوبة من تلك الصغيرة ، فإذا تاب قبلت شهادته.

وردّ بأنّ إمكان التوبة لا يرفع الحرج ، لما مرَّ من وجوب الاختبار ليحكم بعود العدالة وكثيراً ما يحتاج ذلك إلى زمان يفوت فيه الغرض المقصود من مراعاة العدالة من شهادةٍ ونحوها.

وردّ أيضاً بأنّ التوبة متوقّفة على العزم على عدم المعاودة والعزم على ترك

__________________

(١) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٧ س ١٩ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٢) عدّة الاصول : في مذهب المصنّف في خبر الواحد ج ١ ص ٣٥٩.

(٣) نقله عنهم الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : في صفات الشهود ج ١٤ ص ١٦٦.

(٤) السرائر : في اشتراط العدالة في الشاهد ج ٢ ص ١١٨.

(٥) مجمع البيان : ج ٣ ص ٣٨ في تفسير آية ٣١ من سورة النساء.

(٦) عدّة الاصول : في مذهب المصنّف في الخبر الواحد ج ١ ص ٣٥٩ ٣٦٠.

(٧) السرائر : في اشتراط العدالة في الشاهد ج ٢ ص ١١٨.

(٨) تقدّم في ص ٢٧١.

٢٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الصغائر متعذّر أو متعسّر. وأنت خبير بأنّ هذا مشترك الإلزام ، على أنّا نمنع التعذّر فضلاً عن التعسّر (١) ، وقد نقل مولانا ملّا عبد الله في «شرح التهذيب (٢)» عن والده ملّا محمّد تقي أنه قال : إنّه منذ أربعين سنة أو ثلاثين لم يفعل إلّا راجحاً ، والترديد منّي لأنه لم يحضر الشرح المذكور الآن ، فما ظنّك بالعزم على ترك الصغيرة.

واجيب أيضاً بأنّ العدل عند هؤلاء من اجتنب الأكبر ولم يصرّ على الأصغر ، بمعنى أنه إذا عنّ له معصيتان إحداهما أكبر من الاخرى اجتنب الكبرى وأخذ بالصغرى لكن من غير إصرار (٣) ، وقد ضعّفه جماعة (٤).

وأجاب في «الذخيرة (٥)» بما حاصله : أنّ كلّ ذنب عندهم لا يقدح في العدالة ، بل ما عظم منه كالقتل والزنا ، كما أنه عند أصحاب القول الآخر كذلك ، وأمّا غير العظيم فلا يقدح إلّا مع الإكثار والإصرار وإن اشترك الكلّ في كونه كبيرة ببعض الاعتبارات ، أو أنّ القادح إنّما هو ارتكاب الذنوب بحيث يخرج عن سمت الورع والتقوى عرفاً ، وهذا يختلف بحسب الأحوال وأنواع المعاصي ، فربّ نوع يقدح فيه الواحد وربّ نوع لا يقدح فيه الآحاد وإن كثرت كالمعاصي الّتي تقع في الناس غالباً ولا ينجو منها إلّا البالغون في التقوى ، أو أنّ القادح هو التظاهر وعدم المبالاة والإكثار بحيث لا تظهر عليه آثار التقوى والورع.

قلت : وأنت خبير بأنه لا يبقى للنزاع على هذا ثمرة ويعود لفظيّاً ، على أنه حكم عليهم بغير ما يرضون.

__________________

(١) الرادّ هو العلّامة في مختلف الشيعة : في الشهادات ج ٨ ص ٤٨٤.

(٢) لم نعثر على هذا الشرح ولا وقفنا على من رآه إلّا الطهراني في الذريعة : ج ١٣ ص ١٥٧ فإنّه نقل عن الرياض أنه رآه في مشهد خراسان ولا يخلو من فوائد ، ولعلّه يكون موجوداً في خزانة المكتبة الرضوية.

(٣) ذكر هذا الجواب الفاضل المقداد في كنز العرفان : في معنى العدالة ج ٢ ص ٣٨٥.

(٤) منهم الشيخ البهائي في كتاب الأربعين : في تعريف العدالة ص ٣٨٣ ، والبحراني في الحدائق الناضرة : في صلاة الجمعة ج ١٠ ص ٥٥.

(٥) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٣ س ٤٠ وما بعده.

٢٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

هذا جواب السرائر يعطي أنّ العدالة تنقدح عندهم بكلّ ذنب ، ومن ثمّ احتاج إلى التعلّق بإمكان التوبة ، وهذا القول ضعيف ، لأنّ النزاع إن كان معنويّاً ففيه مضافاً إلى ما مرَّ : أنّ العدالة من الامور اللازمة غالباً ، سواء قلنا إنّه ملكة أم لا ، فلا وجه لدعوى دورانها على عرض المعصية أو التوبة (الّتي ظ) تجي‌ء مرّة وتذهب اخرى ، وإن كان لفظيّاً فظاهر ضعفه ، إذ لا يعود بطائل.

المقام الثاني : في بيان الكبائر على اختلاف الأقوال ، فمنهم مَن وكّل بيانها إلى التحديد ، ومنهم مَن ردّه إلى التعديد.

أمّا الأوّل قد اختلفوا على أقاويل ، والمشهور بين أصحابنا أنّها ما توعّد الله تعالى عليه بالنار بخصوصه كما في «مجمع البرهان (١)» وقال الاستاذ الشريف أدام الله تعالى حراسته في «مناسك الحج» : إنّه الصحيح عندنا غير أنه حرسه الله تعالى قال : ما أوجب الله عليه النار (٢). وفي «الكفاية (٣)» المعروف بين أصحابنا أنه كلّ ذنب توعّد الله عزوجل عليه العقاب في الكتاب العزيز. وفي «الذخيرة (٤)» أنه المشهور بين أصحابنا ، ولم أجد في كلامهم اختيار قول آخر ، انتهى. قلت : وقد عرّفت بذلك في «الدروس والروض» وغيرهما ، ثمّ قال في «الدروس (٥)» وعدّت سبعاً وهي إلى السبعين أقرب. وفي «الروض (٦) والروضة (٧)» أنّها إلى السبعمائة أقرب.

ومرادهم بالعقاب أمر آخر أعمّ ممّا يحصل من الأمر والإيجاب ، إذ لا شكّ

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣١٨.

(٢) لم نعثر على كتاب مناسك الحجّ للسيّد الشريف المراد به السيّد بحر العلوم رحمه‌الله. نعم عبارته المنقولة عنه في الشرح موجودة في كتابه مصابيح الأحكام : كتاب الحج ص ١٥٦ س ١٨ ١٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٠٠٨).

(٣) كفاية الأحكام : في أحكام الجماعة ص ٢٨ س ٢٣.

(٤) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٤ س ١٩.

(٥) الدروس الشرعية : في ما يعتبر في الشاهد من الصفات ج ٢ ص ١٢٥.

(٦ و ٧) لم نجد العبارة المنسوبة إلى الروض والروضة الا في الروضة : كتاب الشهادات ج ٣ ص ١٢٩ فراجع.

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

في أنّ الصغيرة ذنب يستحقّ عليه العقاب ، فلو كان المراد ذلك اتجه قول مَن قال إنّ كلّ ذنب كبيرة (١) ، تأمّل جيّداً.

وقيل : إنّه كلّ ذنب رتّب عليه الشارع حدّاً أو صرّح فيه بالوعيد (٢). وقيل : هي كلّ معصية تؤذن بقلّة اكتراث فاعلها بالدين (٣). وقيل : كلّ ذنب علمت حرمته بدليل قاطع (٤). وقيل : كلّما توعّد عليه توعّداً شديداً في الكتاب أو السنّة (٥).

والمعتزلة على أنّ الكبير ما زاد عقابه عن ثواب صاحبه والصغير ما نقص ، لقولهم بالإحباط والتخليد على الكبير (٦). وقال بعضهم (٧) : إن أردت الفرق بين الصغيرة والكبيرة فأعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها ، فإن نقصت عن أقلّ مفاسدها فهي من الصغائر وإلّا فمن الكبائر ، مثلاً حبس المحصنة للزنا فيها أعظم من مفسدة القذف مع أنهم لم يعدّوه من الكبائر ، وكذا دلالة الكفّار على عورات المسلمين ، ونحو ذلك ممّا يفضي إلى القتل والسبي والنهب فإنّ مفسدته أعظم من مفسدة الفرار من الزحف. ومنه يخرج الوجه في كلام ابن عباس هي إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع (٨).

وقال شيخنا أدام الله تعالى حراسته : الكبيرة ما عدّه أهل الشرع كبيراً عظيماً وإن لم يكن كذلك في نفسه كسرقة ثوب ممّن لا يجد غيره مع الحاجة ، والصغيرة ما لم يعدّوه كسرقته ممّن يجد (٩) ، انتهى. وهو قريب ممّا تقدّمه ، وقد يلزم أنّ سارق الرغيف ممّن لا يجد غيره كبيرة وسارق الدرهم من مال اليتيم المالك ألف ألف دينار صغيرة ، فليتأمّل.

__________________

(١ ـ ٧) ذكرت هذه الأقوال في الحدائق الناضرة في صلاة الجمعة ج ١٠ ص ٤٦ ، ومجمع البيان : ج ٣ ص ٣٨ ، والتفسير الكبير : ج ١٠ ص ٧٣ ٧٨ ، وتفسير الطبري : ج ٥ ص ٢٤ ٢٩.

(٨) راجع مجمع البيان : ج ٣ ص ٣٩ ، وتفسير الطبري : ج ٥ ص ٢٧.

(٩) لم نعثر على هذه العبارة في أثره القيّم كشف الغطاء وليس بأيدينا من آثاره الفقهية غيرها ، نعم ذكر في كشف الغطاء : في صلاة الجماعة في بيان العدالة ص ٢٦٦ ٢٦٧ س ٣٣ ٣٦ ، وفي كتاب الجهاد في تقسيم المعاصي ص ٣٩٢ ٣٩٣ س ٣٤ وما بعده ما يقرب به مضموناً ، فراجع وتأمّل.

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا الآخرون فقد اختلفوا أيضاً ، فبعضهم (١) على أنها سبع : الشرك ، وقتل النفس ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والزنا ، والفرار من الزحف ، والعقوق. وبعض (٢) على أنها تسع : بزيادة السحر والإلحاد في بيت الله أي الظلم فيه. وآخرون (٣) أنّها عشر : بزيادة الربا. وفريق أنّها اثنتا عشرة : بزيادة شرب الخمر والسرقة. وجماعة (٤) على أنها عشرون : السبعة الاول ، واللواط ، والسحر ، والربا ، والغيبة ، واليمين الغموس ، وشهادة الزور ، وشرب الخمر ، واستحلال الكعبة ، والسرقة ، ونكث الصفقة ، والتعرّب بعد الهجرة ، واليأس من روح الله سبحانه ، والأمن من مكر الله عزوجل. وزاد بعضهم (٥) أربع عشرة اخرى : أكل الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، وما اهلّ لغير الله به ، والسحت والقمار ، والبخس في الكيل ، والوزن ، ومعونة الظالمين ، وحبس الحقوق من غير عسر ، والإسراف ، والتبذير ، والخيانة ، والاشتغال بالملاهي ، والإصرار على الذنوب. قال : وقد يعدّ أشياء اخر كالقيادة ، والدياثة ، والغصب ، والنميمة ، وقطيعة الرحم ، وتأخير الصلاة عن وقتها ، والكذب خصوصاً على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وضرب المسلم بغير حق ، وكتمان الشهادة ، والسعاية إلى الظالم ، ومنع الزكاة المفروضة ، وتأخير الحجّ عن عام الوجوب ، والظهار ، والمحاربة بقطع الطريق (٦).

وفي «الهداية (٧)» باب الكبائر ، قال الصادق عليه‌السلام : الكبائر سبع (سبعة خ ل) :

__________________

(١ و ٢) تفسير الماوردي : ج ١ ص ٤٧٦ في تفسير آية ٣١ من سورة النساء.

(٣ ـ ٥) راجع تفسير الطبري : ج ٤ ص ٤٠ ٤٦ في تفسير آية ٣١ من سورة النساء ، والحدائق الناضرة : في صلاة الجمعة ج ١٠ ص ٤٧ ٥١.

(٦) الظاهر أنّ هذه العبارة للبعض الذي زاد في الكبائر أربع عشرة اخرى.

(٧) نسخ الهداية مختلفة ، ففي نسخة أنّها سبعة ، وفي نسخة اخرى أنها تسعة. ولعلّ الاختلاف المذكور من التصحيف أو التحريف الواقع في الأخبار كثيراً ، والذى يوافق تعدادها في الهداية هو الثاني فإنّه روى عن الصادق عليه‌السلام أنه قال : أولها الشرك بالله وثانيها قتل النفس وثالثها اليمين الغموس ورابعها أكل مال اليتيم وخامسها السحر وسادسها عقوق الوالدين

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرك ، وعدّ ما ورد في خبر أبي الصامت الآتي في كلام الاستاذ دام ظلّه.

وعن ابن مسعود أنه قال : اقرأوا من أوّل سورة النساء إلى قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ) فكلّ ما نهي عنه في هذه السورة إلى هذه الآية فهو كبيرة (١). وقد سمعت ما نقل عن ابن عباس وما في «الدروس والروض».

وقال في «المفاتيح» : اختلف الفقهاء في الكبائر اختلافاً لا يرجى زواله ، وكأنّ المصلحة في إبهامها اجتناب المعاصي كلّها مخافة الوقوع فيها (٢) ، انتهى.

ولم أجد أجود ممّا حقّقه مولانا الاستاذ الشريف أدام الله سبحانه حراسته في بيانها ونحن ننقل كلامه الشريف برمّته نفعنا الله تعالى ببركته ، قال في ما صنّفه في «مناسك الحجّ» : الصحيح عندنا في الكبائر أنّها المعاصي الّتي أوجب الله تعالى سبحانه عليها النار ، وقد ورد تفسيرها بذلك في كثير من الأخبار المروية عن الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم أجمعين نحو صحيحة عبد الله بن أبي يعفور (٣) الواردة في صفة العدل حيث قال فيها : «ويعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك .. الحديث».

قلت : الظاهر أنّ الخبر غير صحيح لا في «التهذيب» ولا في «الفقيه (٤)».

__________________

وسابعها قذف المحصنة وثامنها الفرار من الزحف وتاسعها إنكار حقّنا ، فراجع الهداية : ص ٢٩٧ مطبوع في مؤسّسة الامام الهادي عليه‌السلام.

(١) تفسير الطبري : ج ٤ ص ٣٩ ٤٠ تفسير آية ٣١ من سورة النساء. والتبيان : ج ٣ ص ١٨٣ في تفسيرها أيضاً.

(٢) مفاتيح الشرائع : في تعريف المعصية ج ٢ ص ١٧.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٤١ من أبواب الشهادات ح ١ ج ١٨ ص ٢٨٨.

(٤) قوله : «قلت الظاهر .. الخ» طرق الشيخ في التهذيب وغيره إلى عبد الله بن أبي يعفور كثيرة ، بعضها ضعيف وبعضها صحيح. فمن الأوّل ما ذكره بإسناده عن محمّد بن أحمد بن يحيى العطار عن محمّد بن موسى عن الحسن بن علي عن أبيه عن عليّ بن عقبة عن موسى ابن أكيل النميري عن عبد الله بن أبي يعفور ، وما ذكره بإسناده عن أبي القاسم جعفر بن محمّد ابن قولويه عن أبيه عن سعد بن عيد عن أحمد بن الحسن بن عليّ بن فضّال عن أبيه

٢٨٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : وصحيحة الحسن بن محبوب (١) قال : كتب معي بعض أصحابنا إلى أبي الحسن عليه‌السلام يسأله عن الكبائركم هي وما هي؟ فكتب : الكبائر * مَن اجتنب ما أوعد الله عليه النار كفّر عنه سيّئاته إن كان مؤمناً ، والسبع الموجبات : قتل النفس الحرام ، وعقوق الوالدين ، وأكل الربا ، والتعرّب بعد الهجرة ، وقذف المحصنة ، وأكل مال اليتيم ، والفرار من الزحف. وصحيحة محمّد بن مسلم (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الكبائر سبع : قتل المؤمن متعمّداً ، وقذف المحصنة ، والفرار من الزحف ، والتعرّب بعد الهجرة ، وأكل مال اليتيم ظلماً ، وأكل الربا بعد البيّنة ،

__________________

(*) لا بد في تركيب هذا الخبر من إمعان النظر فتدبر (منه قدس‌سره).

__________________

عن عليّ بن عقبة وذبيان بن حكيم الأودي عن موسى بن أكيل عنه عن أخيه عبد الكريم بن أبي يعفور عن أبي جعفر عليه‌السلام وكلا هذين الطريقين ضعيفان بذبيان وأحمد بن الحسن بناءً على اصطلاحهم في صحّة الخبر من لزوم التصريح بتوثيق الراوي من المشايخ المعروفين أو كونه عدلاً إمامياً حسب الاختلاف الواقع في ذلك بين القدماء والمتأخّرين.

ومن الثاني ما ذكره بإسناده عن سعد (الظاهر كونه ابن عبد الله الأشعري) عن أحمد بن محمّد (الظاهر كونه ابن عيسى) عن عثمان بن عيسى عن عبد الله بن مسكان عن عبد الله بن أبي يعفور (الوسائل : ج ٤ ص ٧٤١) وما ذكره بإسناده عن الحسين بن سعيد عن عثمان بن عيسى عن ابن مسكان عن ابن أبي يعفور (الوسائل : ج ٤ ص ٩٥٣) وبإسناده عن صفوان (ابن يحيى او ابن مهران) عن منصور (الظاهر كونه ابن حازم) عن ابن أبي يعفور. وما ذكره بإسناده عن فضالة (الظاهر كونه ابن أيّوب) عن العلاء (الظاهر كونه ابن رزين) عن ابن أبي يعفور (المصدر : ص ٩٩٥).

وأمّا طريق الصدوق في الفقيه فعن أحمد بن محمّد بن يحيى العطّار عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عن محمّد بن أبي عمير عن حمّاد بن عثمان عن ابن أبي يعفور. وهذا الطريق أيضاً ضعيف بأحمد بن أبي عبد الله حسب اصطلاحهم.

هذا ولكنّا ذكرنا في كتابنا «أحكام المحبوسين في الفقه الجعفري» ضعف ما اصطلحوا في ذلك مفصّلاً وبيّنا هناك صحّة الطرق الموجودة في الكتب الأربعة ، بل وما في الوسائل وكثير ممّا في المستدرك ، فراجع.

(١ و ٢) وسائل الشيعة : ب ٤٦ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح ١ و ٦ ج ١١ ص ٢٥٢ و ٢٥٤.

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

وكلّما أوجب الله عليه النار. وصحيحة أبي بصير (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : ومَن اوتي الحكمة فقد اوتي خيراً كثيراً قال : معرفة الإمام واجتناب الكبائر الّتي أوعد عليها النار. ورواية الحلبي (٢) عن أبي عبد الله عليه‌السلام في قوله تعالى : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) قال : الكبائر الّتي أوجب الله عليها النار. ورواية عبّاد بن كثير النوا (٣) قال : سألت أبا جعفر عليه‌السلام عن الكبائر؟ فقال : كلّما أوعد الله عليه النار.

والظاهر أنّ المراد بوعيد النار وإيجابها المتكرّر في الأخبار ما هو أعمّ من الصريحي والضمني ، فإنّه قد ورد في كثير من المعاصي أنه من الكبائر وليس في الكتاب تصريح بوعيد الفاعل لها بالنار ، وذلك كالعقوق واليأس والأمن وكتمان الشهادة وغيرها ، والوعيد العامّ لا يكفي في ذلك لتحقّقه في المعاصي كلّها بنحو قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ) (٤) فيلزم أن تكون كلّ معصية كبيرة والمفروض خلافه ، فالمعتبر إذاً هو الوعيد الخاصّ بالمعصية ولكنّ أعمّ من أن يكون صريحاً أو ضمناً ، والوعيد الضمني ثابت في ترك الحجّ قطعاً فإنّ تسميته كفراً في الكتاب العزيز لا يقصر عن إيجاب العقاب والوعيد بالنار ، بل هو في الحقيقة أشدّ من ذلك.

فإن قيل : قد ورد في بعض الأخبار حصر الكبائر في السبع كحسنة عبيد بن زرارة (٥) ورواية أبي بصير (٦) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول : الكبائر سبع (سبعة خ ل) منها : قتل النفس متعمّداً والشرك بالله العظيم ، وقذف المحصنة ، وأكل الربا بعد البيّنة ، والفرار من الزحف ، والتعرّب بعد الهجرة ، وعقوق الوالدين ،

__________________

(١ و ٢) وسائل الشيعة : ب ٤٥ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح ١ ج ١١ ص ٢٤٩.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٤٦ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح ٢٤ ج ١١ ص ٢٥٨.

(٤) الجنّ : ٢٣.

(٥) وسائل الشيعة : ب ٤٦ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح ٤ ج ١١ ص ٢٥٤.

(٦) المصدر السابق ح ١٦ ص ٢٥٦.

٢٩٠

.................................................................................................

______________________________________________________

وأكل مال اليتيم ظلماً. قال : والتعرّب والشرك واحد. ورواية أبي الصامت (١) عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : أكبر الكبائر سبع : الشرك بالله العظيم ، وقتل النفس الّتي حرّم الله عزوجل إلّا بالحقّ ، وأكل مال اليتيم ، وعقوق الوالدين ، وقذف المحصنات ، والفرار من الزحف ، وإنكار ما أنزل الله عزوجل. وهذه الأخبار تنافي ما تقدّم من الكبائر هي ما أوعد عليه النار من غير حصر ، فما وجه التوفيق؟

قلنا : أوّلاً : انّ هذه الأخبار مع تدافعها من حيث اشتمال كلّ منها على ما ليس في الآخر * وامتناع إرادة المجتمع من الجميع مع اعتبار العدد الخاصّ ، لأنه خلاف ما يقتضيه العقل والنقل وأنّ كثيراً من المعاصي الخارجة عن الحصر كالواجبات الاعتقادية وكالإخلال بالفرائض الضرورية أشدّ من بعض هذه السبع وكذا مثل الرشاء في الحكم والزنا واللواط وغيرها من المعاصي الشديدة فإنّها من أكبر المعاصي وليست من السبع وقد دلّ جملة من النصوص المعتبرة الواردة في تعداد الكبائر على أنّها كثيرة غير منحصرة في السبع (السبعة خ ل) والمتحصّل منها ومن النصوص الواردة في بعض المعاصي بالخصوص ما يزيد على أضعاف العدد المذكور وقد حكي عن ابن عبّاس إنّها إلى السبعمائة أقرب منها إلى السبع (٢).

وثانياً : انّ الجمع فرع التكافؤ ، وهذه الأخبار لا تعارض الأحاديث المتقدّمة ، لأنّها أكثر منها عدداً وأصحّ سنداً وأصرح دلالة ، ومع ذلك فهي أقرب إلى العقل وأوفق بظاهر الكتاب ومذهب الأصحاب وأبعد عن أقوال أهل الخلاف ورواياتهم ، فيتعيّن الأخذ بها وترك ما عداها.

وثالثاً : انّه يمكن الجمع بعدم اعتبار مفهوم العدد في هذه الأخبار وحمله

__________________

(*) إنّ في العبارة سقطاً ، لأنّ خبر المبتدأ ساقط ونحن نقلناه كما وجدناه (منه قدس‌سره).

__________________

(١) المصدر السابق ح ٢٠ ص ٢٥٧ ٢٥٨.

(٢) تفسير الطبري : ج ٤ ص ٤٤ تفسير الآية ٣١ من سورة النساء.

٢٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

على أنّ المراد بيان الكبائر من الأفعال دون التروك وبيان أكبر الكبائر ، كما يستفاد من رواية أبي الصامت ، أو يحمل الكفر فيها على الخروج عن الطاعة العظمى الّتي يستحقّ تاركها إطلاق اسم الكفر عليه مجازاً. ولو بني الأمر على هذه الظواهر لزم طرح الروايات السابقة ، لأنّها صريحة في المطلوب غير قابلة للتأويل بوجه ، والجمع مهما أمكن أولى من الطرح ، إلى أن قال :

فائدة : يستفاد من مجموع الروايات الواردة في تعداد الكبائر والنصوص الواردة في بعض المعاصي على الخصوص بعد إسقاط المكرّرات منها أنّ الكبائر أربعون : (أ) الكفر بالله عزوجل. (ب) إنكار ما أنزل الله تعالى. (ج) اليأس من روح الله. (د) الأمن من مكر الله. (ه) الكذب على الله ورسوله وعلى الأوصياء صلوات الله عليهم ، وفي رواية : مطلق الكذب. (و) المحاربة لأولياء الله. (ز) قتل النفس الّتي حرّم الله. (ح) معونة الظالمين والركون إليهم. (ط) الكبر. (ي) عقوق الوالدين. (يا) قطيعة الرحم. (يب) الفرار من الزحف. (يج) التعرّب بعد الهجرة. (يد) السحر. (يه) شهادة الزور. (يو) كتمان الشهادة. (يز) اليمين الغموس. (يح) نقض العهد. (يط) الجنف في الوصيّة. (ك) أكل مال اليتم ظلما. (كا) أكل الربا بعد البيّنة. (كب) أكل الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهلّ به لغير الله. (كج) أكل السحت. (كد) الخيانة. (كه) الغلول ، وفي رواية : مطلق السرقة. (كو) البخس في المكيال والميزان. (كز) حبس الحقوق من غير عسر. (كح) الإسراف والتبذير. (كط) الاشتغال بالملاهي. (ل) القمار. (لا) شرب الخمر. (لب) الغناء. (لج) الزنا. (لد) اللواط. (له) قذف المحصنات. (لو) ترك الصلاة. (لز) منع الزكاة. (لح) الاستخفاف بالحجّ. (لط) ترك شي‌ء ممّا فرض الله تعالى. (م) الإصرار على الذنوب.

ويشكل الحكم بكون جميع هذه المذكورات كبائر ، لانتفاء الوعيد بالنار في بعضها ، وقد علمت أنّ الكبائر ما أوعد الله عليه النار ، وربّما تحقّق الوعيد بالنار في بعض المعاصي وليس من هذه المذكورات ، ومن الذنوب ما لم يصرّح فيه بوعيد النار ولكن وقع التصريح فيه بإيجاب العذاب الاخروي والظاهر أنّ مرجعه إلى

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

الوعيد النار فيكون من الكبائر ، ومنها ما يتضمّن تشديداً يستلزم عذاب النار كالحكم بكفر فاعله فهو من الكبائر على الظاهر كما سبقت الإشارة إليه.

وجملة المعاصي الّتي وجد فيها الوعيد بالنار في الكتاب صريحاً ممّا ذكر وما لم يذكر أربع عشرة (اربعة عشر خ ل) :

الأوّل : الكفر بالله العظيم ، قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِياؤُهُمُ الطّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُماتِ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١) والآيات المتضمّنة لوعيد الكفار بالنار عموما وخصوصاً كثيرة.

الثاني : الإضلال عن سبيل الله ، لقوله تعالى : (ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ) (٢) وقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ) (٣).

الثالث : الكذب على الله تعالى والافتراء عليه ، لقوله تعالى (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ) (٤) وقوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ * مَتاعٌ فِي الدُّنْيا ثُمَّ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذابَ الشَّدِيدَ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ) (٥).

الرابع : قتل النفس الّتي حرّم الله تعالى ، قال الله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً) (٦) وقال عزّ من قائل : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً * وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ ناراً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) (٧)

__________________

(١) البقرة : ٢٥٧.

(٢) الحجّ : ٩.

(٣) البروج : ١٠.

(٤) الزمر : ٦٠.

(٥) يونس : ٦٩ و ٧٠.

(٦) النساء : ٩٣.

(٧) النساء : ٢٩ و ٣٠.

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

الخامس : الظلم ، قال الله عزوجل (إِنّا أَعْتَدْنا لِلظّالِمِينَ ناراً أَحاطَ بِهِمْ سُرادِقُها وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرابُ وَساءَتْ مُرْتَفَقاً) (١).

السادس : الركون إلى الظالمين ، قال الله تعالى : (وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النّارُ) (٢).

السابع : الكبر ، لقوله تعالى : (فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) (٣).

الثامن : ترك الصلاة ، لقوله سبحانه «ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) (٤).

التاسع : المنع من الزكاة ، لقوله سبحانه : (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ * يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ) (٥).

العاشر : التخلّف عن الجهاد ، لقوله سبحانه (فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ) (٦).

الحادي عشر : الفرار من الزحف ، لقوله عزوجل (وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلّا مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٧)

__________________

(١) الكهف : ٢٩.

(٢) هود : ١١٣.

(٣) النحل : ٢٩.

(٤) المدّثر : ٤٢ و ٤٣.

(٥) التوبة : ٣٤ و ٣٥.

(٦) التوبة : ٨١.

(٧) الأنفال : ١٦.

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الثاني عشر : أكل الربا بعد البيّنة ، لقوله عزوجل : «الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلّا كَما يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطانُ مِنَ الْمَسِّ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللهِ وَمَنْ عادَ فَأُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) (١).

الثالث عشر : أكل مال اليتيم ظلماً ، لقوله تعالى : «إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (٢).

الرابع عشر : الإسراف ، لقوله عزوجل : (وَأَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ) (٣).

وقد جاء الوعيد في الكتاب المجيد في أشياء كالشرك والنفاق والجحود والمجادلة في الله والتكذيب في آيات الله والمحادّة مع الله ومشاقّة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإنكار المعاد وحشر الأجساد ، والمرجع في ذلك كلّه إلى الكفر ، وقد سبق ذكره ، وكذا في المعصية والخطيئة والذنب والإثم وأمثالها ، وهذه امور عامّة ، وقد علمت أنّ الوعيد لا يقتضي كونها كبائر ، وقد يتعقّب الوعيد في الآيات خصالاً شتّى وأوصافاً متعدّدة لا يعلم أنه للمجموع أو للآحاد فلذلك طوينا ذكرها.

وأمّا المعاصي الّتي وقع التصريح فيها بالعذاب دون النار فهي أربع عشرة (أربعة عشر خ ل) :

الأوّل : كتمان ما أنزل الله تعالى ، لقوله عزوجل : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ ما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النّارَ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤).

الثاني : الإعراض عن ذكر الله عزوجل ، لقوله سبحانه : (وَقَدْ آتَيْناكَ مِنْ لَدُنّا ذِكْراً * مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وِزْراً * خالِدِينَ فِيهِ وَساءَ لَهُمْ

__________________

(١) البقرة : ٢٧٥.

(٢) النساء : ١٠.

(٣) غافر : ٤٣.

(٤) البقرة : ١٧٤.

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يَوْمَ الْقِيامَةِ حِمْلاً)

(١). الثالث : الإلحاد في بيت الله جلّ شأنه ، لقوله عزوجل : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢).

الرابع : المنع من مساجد الله ، لقوله تعالى جلّ شأنه : (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَساجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعى فِي خَرابِها أُولئِكَ ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلّا خائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٣).

الخامس : أذيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٤).

السادس : الاستهزاء بالمؤمنين ، لقوله عزوجل : (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٥).

السابع والثامن : نقض العهد واليمين ، لقوله تعالى : (الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَأَيْمانِهِمْ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٦).

التاسع : قطع الرحم ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدّارِ) (٧) وقال عزوجل : (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ) (٨)

__________________

(١) طه : ٩٩ ١٠١.

(٢) الحجّ : ٢٥.

(٣) البقرة : ١١٤.

(٤) الأحزاب : ٥٧.

(٥) التوبة : ٧٩.

(٦) آل عمران : ٧٧.

(٧) الرعد : ٢٥.

(٨) محمّد : ٢٢ و ٢٣.

٢٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العاشر : المحاربة وقطع السبيل ، قال الله تعالى : (إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ) (١).

الحادي عشر : الغناء ، لقوله تعالى (وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) (٢).

الثاني عشر : الزنا ، قال الله تعالى : (وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ يَلْقَ أَثاماً * يُضاعَفْ لَهُ الْعَذابُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهاناً) (٣).

الثالث عشر : إشاعة الفاحشة ، قال الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) (٤).

الرابع عشر : قذف المحصنات ، قال الله تعالى : (الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٥)

وأمّا المعاصي الّتي يستفاد من الكتاب العزيز وعيد النار عليها ضمناً ولزوماً فهي ستة :

الأوّل : الحكم بغير ما أنزل الله تعالى ، قال الله عزوجل : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٦).

الثاني : اليأس من رَوح الله عزوجل ، قال الله تعالى : (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) (٧)

__________________

(١) المائدة : ٣٣.

(٢) لقمان : ٦.

(٣) الفرقان : ٦٨ و ٦٩.

(٤) النور : ١٩.

(٥) النور : ٢٣.

(٦) المائدة : ٤٤.

(٧) يوسف : ٨٧.

٢٩٧

.................................................................................................

______________________________________________________

الثالث : ترك الحجّ ، قال الله تعالى : (وَلِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) (١).

الرابع : عقوق الوالدين ، قال الله تعالى : (وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبّاراً شَقِيًّا) (٢). مع قوله تعالى : (وَخابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ * مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَيُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ) (٣) وقوله تعالى : (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ) (٤).

الخامس : الفتنة ، لقوله تعالى (وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (٥).

السادس : السحر ، قال الله تعالى : (وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) (٦).

هذه جملة الكبائر المستنبطة من الكتاب العزيز بناءً على المختار في معنى الكبيرة ، وهي أربع (أربعة خ ل) وثلاثون ، وللنظر في بعضها مجال ، والله أعلم بحقيقة الحال (٧) ، انتهى كلامه دامت أيّامه. وليت شعري ما ذا يقول في الإصرار على الصغائر ، فإنّه كبيرة إجماعاً وليس في القرآن المجيد وعيد عليه بالنار ، ولعلّي أسأله عنه شفاهاً.

__________________

(١) آل عمران : : ٩٧.

(٢) مريم : ٣٢.

(٣) إبراهيم : : ١٥ و ١٦.

(٤) هود : ١٠٦.

(٥) البقرة : ١٩١.

(٦) البقرة : ١٠٢.

(٧) مصابيح الأحكام : في مناسك الحجّ ص ١٥٦ س ١٨ وص ١٥٩ س ٧ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٧٠٠٨).

٢٩٨

وطهارة المولد ،

______________________________________________________

[في اشتراط طهارة المولد للنائب]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (وطهارة المولد) فلا تصحّ إمامة ولد الزنا إجماعاً كما في «الانتصار (١) والخلاف (٢) والغنية (٣) والذكرى (٤)» وظاهر «المعتبر (٥) ونهاية الإحكام (٦) والغنية (٧)» أيضاً «والتذكرة (٨)» في موضعين «والذخيرة (٩) والمدارك (١٠) ومصابيح الظلام (١١)» حيث نسب في بعضها إلى علمائنا وفي بعضها نفى العلم بالخلاف ، وقد ذكر بعض هذه الإجماعات هنا وبعضها في باب الجماعة.

ومعنى طهارة مولده كما نصّ عليه كثير (١٢) منهم أن لا يعلم كونه ولد زنا ، قالوا : ولا منع فيمن تناله الألسن ولا ولد الشبهة ولا من جهل أبوه. وفي «التذكرة (١٣) ونهاية الإحكام (١٤) والمنتهى (١٥) والذكرى (١٦)» في بحث الجماعة

__________________

(١) الانتصار : كتاب الصلاة ص ١٥٨.

(٢) الخلاف : صلاة الجماعة ج ١ ص ٥٤٨ مسألة ٢٨٧.

(٣) غُنية النزوع : في صلاة الجماعة ص ٨٨.

(٤ و ١٦) ذكرى الشيعة : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ١٠٢.

(٥) المعتبر : في صلاة الجماعة ج ٢ ص ٤٣٥.

(٦) نهاية الإحكام : في شرائط إمام الجماعة ج ٢ ص ١٤٢.

(٧) غُنية النزوع : في صلاة الجماعة ص ٨٧.

(٨) تذكرة الفقهاء : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٢٥ وصلاة الجماعة ص ٢٨٣.

(٩) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٧ س ٦.

(١٠) مدارك الأحكام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٦٩.

(١١) مصابيح الظلام : ج ١ ص ٦٢ س ٢٦ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(١٢) منهم المحقّق في المعتبر : ج ٢ ص ٤٣٥ ، والشهيد الأول في الذكرى : ج ٤ ص ١٠٢ ، والسيّد في المدارك : ج ٤ ص ٦٩ ٧٠.

(١٣) تذكرة الفقهاء : في صلاة الجماعة ج ٤ ص ٢٨٤.

(١٤) نهاية الإحكام : في صلاة الجماعة ج ٢ ص ١٤٣.

(١٥) منتهى المطلب : في صلاة الجماعة ج ١ ص ٣٧٠ س ٣١.

٢٩٩

والذكورة ،

______________________________________________________

«والمدارك (١)» الحكم بالكراهية. وفي «الذكرى (٢)» نفى البأس عن ذلك. وزاد في «نهاية الإحكام (٣)» أنه لا منع في المنفي باللعان ، وكذا «كشف الالتباس (٤)». وقال في الأوّل : الأحسن الكراهة. وزاد في «مصابيح الظلام (٥)» ولد الحيض والمتولّد من اللقمة الحرام والاموي والأشعثي والكردي ، ثمّ احتمل المنع بالنسبة إلى بعضها لمكان حطّ مرتبته. وقال : الزنا من أحد الطرفين كالزنا منهما.

[في اشتراط الذكورة]

قوله قدّس الله تعالى روحه : (والذكورة) فلا تؤمّ امرأة رجلاً ولا خنثى إجماعاً كما في «المعتبر (٦)». وفي «الخلاف (٧) والتذكرة (٨) ونهاية الإحكام (٩) والغرية» الإجماع على أنه لا تصحّ إمامة المرأة والخنثى للرجل والخنثى. وفي «الذكرى (١٠)» الإجماع على أنه لا يجوز أن تؤمّ امرأة رجلاً ، وفي «المنتهى (١١)

__________________

(١) مدارك الأحكام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٧٠.

(٢) ذكرى الشيعة : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ١٠٣.

(٣) عبارة النهاية على الضدّ ممّا حكاه عنه الشارح ، فإنّه بعد أن حكم بعدم صحّة إمامة ولد الزنا ومَن جهل حاله مع كراهته قال : وكذا لا تصحّ إمامة ولد الشبهة والمنفيّ باللعان ، انتهى. واحتمال التصحيف أو التحريف في العبارة بعيدٌ عن سياق العبارة ، فراجع نهاية الإحكام : في صلاة الجماعة ج ٢ ص ١٤٣.

(٤) كشف الالتباس : ص ١٧٧ س ١١ (مخطوط في مكتبة ملك برقم ٢٧٣٣).

(٥) مصابيح الظلام : ج ١ ص ٩٣ س ١٥ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٦) المعتبر : في صلاة الجماعة ج ٢ ص ٤٣٨.

(٧) الخلاف : في صلاة الجماعة ج ١ ص ٥٤٨ مسألة ٢٨٨.

(٨) تذكرة الفقهاء : في صلاة الجماعة ج ٤ ص ٢٨٥.

(٩) نهاية الإحكام : في صلاة الجماعة ج ٢ ص ١٤٤.

(١٠) ذكرى الشيعة : في صلاة الجماعة ج ٤ ص ٣٩٣.

(١١) منتهى المطلب : في صلاة الجماعة ح ١ ص ٣٧٣ س ٣.

٣٠٠