مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٨

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ارتفاع الموانع ، فإن كان الثاني قلنا : أيّ مانع أقوى ممّا عرفت غير مرّة ، يعني عدم جواز الإمامة والائتمام إلّا بإذن إمام العصر.

قال : وإن كان الأوّل لزم السعي بالنداء وإن كان المنادي لفاسق ما دمنا جاهلين بحاله من غير ظهور إيمان أو عدالة ، وحرم التوقّف عن السعي إلى استعلام ظاهر حاله فضلاً عن الباطن ، ولم يقل بذلك أحد منّا ، فغاية مدلول الآية وجوب السعي إليها إذا علم باجتماع الشرائط لصحّتها وارتفاع الموانع عن صحّتها. وبالجملة : وجوب السعي إلى صلاة انعقدت صحيحة ، وهل الكلام إلّا في هذا الانعقاد؟ قال : وأمّا الأخبار فكلّ ما تضمّن منها وجوب شهود الجمعة فهو كالآية من الجانبين ، انتهى (١).

قلت : يأتي تمام الكلام في الآية والأخبار إن شاء الله تعالى.

وأمّا ما قيل : من أنّ الأصل الجواز والأصل عدم الاشتراط إلّا بما يشترط به الظهر ، خرج ما أجمع على اشتراطه فيها زيادةً على ما في الظهر ويبقى غيره على العدم ، وأنّ الأصل جواز الإمامة فيها لكلّ من يستجمع صفات إمام الجماعة وجواز الائتمام بمن كان كذلك.

ففيه : أنه كيف يكون الأصل جواز إسقاط ركعتين من الظهر إلّا أن يؤوّل إلى أحد الأصلين الّذي تقدّم بيان الحال فيهما من الاستصحاب وأصل عدم وجوب الأربع؟ وقد عرفت أنّ الأصل في العبادة والإمامة عدم الجواز لضعف دليله ، وهو قوله عزوجل : (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلّا لِيَعْبُدُونِ) (٢) (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى * عَبْداً إِذا صَلّى) (٣) وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : صلّوا كما رأيتموني اصلّي (٤).

__________________

(١) كشف اللثام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٢٣٠.

(٢) الذاريات : ٥٦.

(٣) العلق : ٩ و ١٠.

(٤) صحيح البخاري : ١ / ١٥٤ ، سنن الدار قطني : ح ١٠ ج ١ ص ٣٤٦ ، الخلاف : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٣١٤ مسألة ٦٢.

٢٢١

.................................................................................................

______________________________________________________

سلّمنا أنّ الأصل في العبادة الجواز لكن ليس الأصل إجزاء عبادة عن اخرى وجواز سقوط الركعتين من الأربع وإبدالهما بخطبتين إلّا أن يؤوّل إلى الاستصحاب المتقدّم ، وقد أجمعوا على صفة زائدة لإمامها عند ظهور الإمام وهي إذنه له خاصّة فيها ، ولذا لم يصلّها أحد منهم عليهم‌السلام ولا من أصحابهم منذ قبضت أيديهم عليهم‌السلام ، والأصل بقاء هذا الشرط على اشتراطه في الغَيبة إلى أن يظهر الخلاف.

ولمّا استمرّ امتناع الأئمّة صلوات الله عليهم وأصحابهم منها واشتهر بين العامّة والخاصّة اشتراط فعلها بإذن الإمام فيه بخصوصه عند ظهوره بل أجمع عليه قولاً وفعلاً ولم يظهر لنا الفرق بين الظهور والغَيبة ولا ظهر تعيّن الجمعة في الغيبة بل حكي الإجماع متواتراً على العدم لزم العدول عن تلك الاصول ، وسقط ما قيل : من أنّ الأصل الجواز في كلّ صلاة ، وإنّما خرج من ذلك زمن الظهور بالإجماع وبقي زمن الغَيبة على الأصل وسقط احتمال بقاء تلك الاصول زمن الظهور وأنّ الامتناع إنّما كان للتقية.

فلم يبق لهم من الأدلّة إلّا الخبر الّذي قال في «حاشية المدارك» أنه يدلّ على الوجوب التخييري دلالة ظاهرة ، قال : وهو ما رواه الشيخ في مصباحه (١) والصدوق في أماليه (٢) في الصحيح عن ابن أبي عمير عن هشام عن الصادق عليه‌السلام أنه «قال : إنّي احبّ الرجل أن لا يخرج من الدنيا حتّى يتمتّع ولو مرّة أو يصلّي الجمعة في جماعة». وفي «الأمالي» : «ولو مرّة» أيضاً. وفيه : أوّلاً أنه إنّما أفاد استحباب صلاة الجمعة جماعةً ، وأمّا عمومه لكلّ جماعة أو إطلاقه فلا ، مع أنّ صلاة الجمعة تعمّ الرباعية. وثانياً أنه يحتمل حضور جماعات العامّة كما أشار إليه المفيد (٣) في خبري زرارة وعبد الملك ، إلّا أن يقال : إنّ فهم المفيد معارض بفهم

__________________

(١) مصباح المتهجّد : صلاة الجمعة ص ٣٢٤.

(٢) لم نعثر على هذا الخبر في أمالي الصدوق حسبما تفحّصنا فيه.

(٣) المقنعة : في صلاة الجمعة ص ١٦٤.

٢٢٢

.................................................................................................

______________________________________________________

معظم الفقهاء. وقد ادّعى الاستاذ دام ظلّه في «حاشية المدارك (١)» أنّهم ادّعوا الإجماع على كونها مستحبّة تخييراً. قال : ويظهر على الملاحظ ما ذكرناه.

قلت : قد لحظنا كلامهم فلم نجد لهذا الإجماع عيناً ولا أثراً. نعم قد ادّعى الإجماع جماعة (٢) على القول الثالث ، وقد تشعر إشعاراً ضعيفاً لا يعتدّ به عبارة «المقاصد العلية (٣)» في ادّعاء هذا الإجماع الّذي ادّعاه الاستاذ وقد سمعتها بتمامها. وأظهر منها عبارة «غاية المراد» على تأمّل فيها وقد سمعتها أيضاً. نعم نقل السيّد علي صائغ والشيخ نجيب الدين أنّ بعضهم استدلّ بالإجماع على ذلك.

والحاصل : أنه إن ثبت هذا الإجماع فهو الحجّة وإلّا فلا نرى غيره ينهض حجّة. هذا حال هذا القول مع كثرة الذاهبين إليه.

وأمّا القول بجوازها للفقيه فقد استدلّوا عليه بأنّه منصوب من الإمام عليه‌السلام بقوله «انظروا إلى رجل .. الحديث» ودلالته على نفاذ قضاء الفقيه وجواز إفتائه واضحة ، أمّا على إمامة الجمعة أو عموم نيابته حتّى تدخل فيه فلا كما ترى ، وبأنّ الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك فهذا أولى ، وقد منعت المساواة فضلاً عن الأولوية ، لأنّ الإذن في القضاء والإفتاء أمر خارج عن الصلاة ، لأنه يعتبر في مفهوم الموافقة أن يكون القوي من جنس الضعيف المنصوص ، والمتنازع ليس كذلك ، فتدبّر.

وفي «كشف اللثام (٤) ورياض المسائل (٥)» أنّ الفرق واضح للزوم تعطيل الأحكام وتحيّر الناس في امور معاشهم ومعادهم واستمرار الفساد بينهم إن لم يقضوا أو يفتوا ولا كذلك الجمعة إذا تركت ، وأيضاً إن لم يقضوا أو يفتوا لم يحكموا

__________________

(١ و ٢) حاشية المدارك : في صلاة الجمعة ص ١٢٧ س ٢٠ (مخطوط في المكتبة الرضوية برقم ١٤٧٩٩) وقد تقدّم نقل هذا الإجماع عن جماعة في ص ٢٠٨.

(٣) المقاصد العلية : في صلاة الجمعة ص ٣٥٩.

(٤) كشف اللثام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٢٢٣.

(٥) رياض المسائل : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٧٤ ٧٥.

٢٢٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بما أنزل الله تعالى وكتموا العلم وتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وحرمة الجميع ضرورية ، وإن صلّوا الجمعة قاموا مقام الإمام وأخذوا منصبه من غير إذنه ، وإن سلّمنا الإذن في بعض الأخبار فهو مظنون ، وجواز الأخذ به هنا ممنوع ، لأنه أخذ لمنصب الإمام والائتمام بمن أخذه ، فما لم يحصل القطع بالإذن كما حصل في سائر الجماعات لم يجز شي‌ء منهما كسائر مناصبه عليه‌السلام ، ولأنه لا ضرورة تدعو إليه كما تدعو الضرورة إلى اتّباع الظنّ في أكثر المسائل ، للاتفاق على وجوب الظهر إذا لم يحصل الإذن لأحد في إمامة الجمعة ، فما لم نقطع به نصلّي الظهر تحرّزاً عن غصب منصب الإمام ، انتهى ما في كشف اللثام.

ولا يخفى أنّ النيابة مغايرة للإذن وهما شرطان في وجوبها. قال في «الذكرى» : وشروط الجمعة سبعة : الإمام العادل أو نائبه إجماعاً .. إلى آخره ، ثمّ قال : ويشترط في النائب امور تسعة : البلوغ إلى قوله التاسع : إذن الإمام له كما كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأذن لأئمّة الجمعات وأمير المؤمنين عليه‌السلام بعده وعليه إطباق الإمامية (١). وحيث يقولون يتحقّق الشرط مع الفقيه في الجملة ، فمرادهم تحقّق الشرط الأول أعني نيابته في زمن الغَيبة كسائر الامراء والولاة حين الحضور لا إذنه عليه‌السلام له في إمامة الجمعة ، لأنه قد اعتذر عنه في «الذكرى» في هذا الزمان بوجهٍ آخر ، قال : لأنّ الإذن حاصل من الأئمّة الماضين عليهم‌السلام فهو كالإذن من إمام الوقت ، ثمّ نقل عن جماعة منعه بقوله : وبعضهم نفى الشرعية رأساً (٢). والمراد إذن الباقر عليه‌السلام لعبد الملك (٣) والصادق عليه‌السلام لزرارة (٤) وغيره في إقامتها. وعلى هذا ، فما وقع لبعضهم كما في «الروضة (٥)» حيث قال : والمصنّف أوجبها مع الفقيه لتحقّق

__________________

(١) ذكرى الشيعة : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ١٠٠ ١٠٤.

(٢) ذكرى الشيعة : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ١٠٤ و ١٠٥.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٢ ج ٥ ص ١٢.

(٤) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ١ ج ٥ ص ١٢.

(٥) الروضة البهية : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٦٦٣.

٢٢٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الشرط وهو إذن الإمام لا يخلو من التباس.

ويرد على ما اعتذر به في «الذكرى» ما ذكره في «كشف اللثام» من أنّ الإذن في كلّ زمان لا بدّ من صدوره عن إمام ذلك الزمان ، فلا يجدي زمن الغيبة إلّا إذن الغائب ولم يوجد قطعاً أو نصّ إمام من الأئمة عليهم‌السلام على عموم جواز فعلها في كلّ زمان وهو أيضاً مفقود. وما يقال من أنّ حكمه كحكم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الواحد حكمهم على الجماعة إلّا إذا دلّ على الخصوص دليل فهو صواب في غير حقوقهم ، فإذا أحلّ أحدهم حقّه من الخمس مثلاً لرجل لم يعمّ غيره ، ولشيعته لم يعمّ شيعة غيره من الأئمّة ، فكذا الإذن في الإمامة خصوصاً إمام الجمعة الّتي لا خلاف لأحد من المسلمين في أنه إذا حضر إمام الأصل لم يجز لغيره الإمامة فيها إلّا بإذنه ، ولو لم يعمّ وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يحرم كتمان العلم وترك الحكم بما أنزل الله لم يجز للفقهاء الحكم ولا الافتاء زمن الغَيبة إلّا بإذن الغائب عليه وعلى آبائه أتمّ الصلاة والتسليم ، ولم يكف لهم إذن من قبله وجعله قاضياً ، انتهى (١).

وقد يستدلّ عليه بخبر «العلل» كما أشرنا إليه فيما سلف (٢) ويأتي نقله (٣).

وقد يرد على هذا القول أيضاً كثير ممّا ورد على المشهور مضافاً إلى ما ستسمع.

فقد ظهر وسيزداد ظهوراً أنّ القول بالمنع مطلقاً قويّ جدّاً ، ومن العجيب ما وقع في «الروضة» من نسبة الوهم إلى القائلين بالمنع في موضعين ، قال : وكثيراً ما يحصل الالتباس في كلامهم بسبب اشتباه الوجوب التخييري بالعيني حيث يشترطون الإمام أو نائبه في الوجوب إجماعاً ، ثمّ يذكرون حال الغَيبة ويختلفون في حكمها ، فيوهم أنّ الإجماع المذكور يقتضي عدم جوازها حينئذٍ بدون الفقيه ،

__________________

(١) كشف اللثام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٢٢٥.

(٢) تقدمت الإشارة اليه في ص ٢١١.

(٣) سيأتي نقله في ص ٢٣٠.

٢٢٥

.................................................................................................

______________________________________________________

والحال أنّها في حال الغَيبة لا تجب عندهم عيناً ، وذلك شرط الوجوب العيني خاصّة. ومن هنا * ذهب جماعة من الأصحاب إلى عدم جوازها حال الغَيبة لفقد الشرط المذكور. ويضعّف بمنع عدم حصول الشرط أوّلاً لإمكانه بحضور الفقيه ، ومنع اشتراطه ثانياً لعدم الدليل عليه من جهة النصّ فيما علمناه ، وما يظهر من جعل مستنده الإجماع فإنّما هو على تقدير الحضور ، وأمّا حال الغَيبة فهو محلّ النزاع فلا يجعل دليلاً فيه ، مع إطلاق القرآن الكريم بالحثّ العظيم المؤكّد بوجوهٍ كثيرة ، مضافاً إلى النصوص المتضافرة على وجوبها بدون الشرط المذكور ، بل في بعضها ما يدلّ على عدمه. نعم يعتبر اجتماع باقي الشرائط ومنه الصلاة على الأئمّة عليهم‌السلام ولو إجمالاً ولا ينافيه ذكر غيرهم إلى أن قال : وتعبير المصنّف وغيره بإمكان الاجتماع يريد به الاجتماع على إمامٍ عادل ، لأنّ ذلك لم يتفق في زمن الظهور غالباً. وهو السرّ في عدم اجتزائهم بها عن الظهر ، مع ما نقل من تمام محافظتهم عليها ، ومن ذلك سرى الوهم ، انتهى كلامه (١). ونقلناه بتمامه للتنبيه على مواضع للنظر فيه مع الإشارة إلى ما توهّمه من الوهمين.

فنقول : لا يخفى أنّ الاجماع إنّما تحقّق في أصل الشرط ، وهم مع اتفاقهم عليه اختلفوا في كيفيّته ، فقال جماعة من كبرائهم : إنّه شرط الانعقاد كالخطبة والجماعة والعدد ، والآخرون : إنّه شرط الوجوب العيني كما سمعت (٢) ذلك كلّه في صدر البحث ، ولمّا كان انتفاء الشرط يقتضي انتفاء المشروط ذهب الأوّلون إلى عدم صحّتها حال الغيبة ، لانتفاء شرطها ، والآخرون إلى استحبابها أي الوجوب التخييري. وهذا هو الوجه في اختلافهم في جوازها وعدمه ، لا ما قاله من حصول الالتباس ، والحال أنه في «الروضة (٣)» في أوّل كلامه اعترف بأنّ الإمام أو نائبه

__________________

(*) أي من دعوى الإجماع المذكور (بخطّه قدس‌سره).

__________________

(١) الروضة البهية : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٦٦٤.

(٢) تقدّم في ص ١٩٦ ٢١٣.

(٣) الروضة البهية : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٦٦٣ و ٦٦٤.

٢٢٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الخاصّ وهو المنصوب للجمعة أو لما هو أعمّ منها يشترط في انعقادها ، لأنه قال : لا تنعقد عند الحضور إلّا به أو بنائبه الخاصّ أو العامّ ، وبدونه تسقط ، وهو موضع وفاق ، ومقتضاه سقوطها ولو تخييراً حينئذٍ بغيره ولو فقيهاً ، وأنه موضع وفاق.

وما قاله هنا من أنه شرط الوجوب العيني عندهم بالإجماع إمّا أن يريد به حال الظهور خاصّةً أو مطلقاً بحيث يشمله كما هو الظاهر أو الغَيبة خاصّة ، فعلى الأوّلين ينافي قوله هنا ما قاله سابقاً ، لأنّ مقتضى ما هنا الانعقاد بغير الإمام أو نائبه تخييراً ولو لم يكن فقيهاً ، وعلى الثالث يلزم فرض حضور الإمام أو المنصوب للجمعة أو الأعمّ منها حال غَيبته وهو فاسد ، ومنه يعلم الالتباس وصحّة ما قلناه من اختلافهم في كيفيّة الشرط وكونه منشأ القولين.

وأمّا قوله «ويضعّف بمنع عدم حصول الشرط أوّلاً لإمكانه بحضور الفقيه ، ومنع اشتراطه ثانياً لعدم الدليل» ففيه : أنّ عموم نيابة الفقيه ممنوعة خصوصاً في موضع النزاع كالجهاد ، وما احتجّ به من قول الصادق عليه‌السلام : «انظروا .. الحديث (١)» لا يدلّ إلّا على نفاذ قضائه كما سمعت (٢) وكما عرفت منع الأولويّة. وأمّا منعه الاشتراط لعدم الدليل فلا وجه له لوروده في عدّة أخبار كما يأتي نشرها قريباً ، مع أنّ الإجماع كان في الحجّية ، ولعلّ هذا إنّما نشأ من الاشتباه بين الشرطين أي النيابة (الإمامة خ ل) والإذن كما أشرنا إليه سابقاً ، إذ سند الإذن إنّما هو الإجماع خاصّة.

ومن الأخبار الدالّة على الاشتراط الخبر النبوي (٣) المشهور المنجبر بالعمل وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أربع للولاة : الفي‌ء والحدود والصدقات والجمعة». وفي آخر (٤) «أنّ الجمعة والحكومة لإمام المسلمين». وروى في «التهذيب (٥)» بسنده عن

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صفات القاضي ح ١ ج ١٨ ص ٩٩.

(٢) تقدّم في ص ٢٢٣.

(٣) نصب الراية : ج ٣ ص ٣٢٦.

(٤) الأشعثيات (ضمن قرب الاسناد) : باب مَن يجب عليه الجمعة ص ٤٣.

(٥) تهذيب الأحكام : باب ٢٤ في العمل في ليلة الجمعة ويومها ح ٢١ ج ٣ ص ٢٣٩.

٢٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

أمير المؤمنين عليه‌السلام أنه قال : «لا جمعة إلّا في مصر يقام فيه الحدّ». وقال سيّد الساجدين وزين العابدين عليه‌السلام : اللهمّ إنّ هذا المقام لخلفائك وأصفيائك ومواضع امنائك في الدرجة الرفيعة الّتي اختصصتهم بها قد ابتزّوها وأنت المقدّر لذلك إلى قوله عليه‌السلام : حتّى عاد صفوتك وخلفاؤك مغلوبين مقهورين مبتزّين يرون حكمك مبدّلاً (١). وقد ذكر في «مصابيح الظلام (٢)» وجوهاً كثيرةً واضحةً في دلالة هذه الفقرات الشريفة على الاشتراط.

وفي الموثّق (٣) عن الصلاة يوم الجمعة ، فقال : أمّا مع الإمام فركعتان وأمّا لمن صلّى وحده فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة وهو ظاهر أو صريح في أنّ المراد بإمام الجمعة إمام الأصل لا إمام الجماعة ، وإلّا فصلاة الأربع ركعات جماعة يستلزمه ، فلا معنى لقوله عليه‌السلام : أمّا مع الإمام فركعتان ، مضافاً إلى أنّ المتبادر من لفظ «الإمام» حيث يطلق ولم يضف إلى الجماعة إنّما هو المعصوم عليه‌السلام وإذا اضيف إلى الجماعة تعيّن كونه إمام جماعة من جهة القرينة ، وهذه القرينة منتفية في إمام الجمعة بلا شبهة ، إذ لم يظهر إلى الآن اتّحاده مع إمام الجماعة في الأحكام والأحوال ، فلم يثبت خلاف ما يتبادر من الإمام المطلق ، ولا ريب في أنّ المطلق إذا كان ظاهراً في معنى ويتبادر ذلك المعنى منه فعند إضافته يكون كذلك إلّا أن يثبت خلافه كما في إمام الجماعة.

وقد سلف لنا في أوّل البحث نقل عشرة أخبار (٤) تدلّ على ذلك ، ومن هنا يصحّ الاستدلال على الاشتراط بالمعتبرة الدالّة على اعتبار الإمام في الجمعة بقول مطلق وفيها الصحيح والموثّق وغيرهما كما اتّفق للمصنّف في «المنتهى (٥)» وغيره (٦).

__________________

(١) الصحيفة السجّاديّة : ١٨٩ دعاء (٤٨) في يوم الجمعة وعيد الأضحى.

(٢) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٧١ س ٢٣ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٣) وسائل الشيعة : ب ٦ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٨ ج ٥ ص ١٦.

(٤) تقدّمت الإشارة اليها في ص ١٩٤ ١٩٥.

(٥) منتهى المطلب : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٣١٧ س ١٠.

(٦) كتذكرة الفقهاء : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٢٧.

٢٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

فإن قلت : إمام الجمعة غير منحصر في الإمام عليه‌السلام إجماعاً.

قلت : هو منحصر فيه ومقصور عليه عند الفقهاء بأن يفعلها بنفسه أو بنائبه كما هو الشأن في جميع مناصبه ووظائفه ، لأنه من المعلوم أنه ما يتولّى الحكومة بنفسه الشريفة في جميع البلدان.

وما عساه يقال في الجواب عن الموثّق بأنّه لا ينافي عدم الاشتراط ، لأنه يشترط في إمام الجمعة كونه يحسن الخطبتين ويتمكّن منهما لعدم الخوف والتقية بخلاف إمام الجماعة ، فضعيف جدّاً ، لأنّ لفظ «الإمام» المطلق حقيقة إمّا في المتبادر منه عند الإطلاق أو فيما يعمّه وإمام الجماعة ، ولا سبيل في الرواية إلى الثاني لما عرفته ، فتعيّن الأوّل. وإنّما يرد ما ذكر لو كان للإمام معنىً آخر خاصّ وهو إمام الجماعة مع قيد أنه يحسن الخطبة ويتمكّن من الجمعة من غير خوف وتقية ، وهذا المعنى لا أثر له في الاستعمالات والاطلاقات بالكلّية بل لم يحتمله أحد.

نعم روي هذا الموثّق (١) بنحوٍ آخر بزيادةٍ بين قوله «أربع ركعات» وقوله «وإن صلّوا جماعة» وهي هذه : يعني إذا كان إمام يخطب فإن لم يكن إمام يخطب فهي أربع ركعات وإن صلّوا جماعة. فيكشف عن أنّ المراد بالإمام المطلق مَن فسّر به فيه وهو أعمّ من إمام الأصل ، لكن يحتمل كون التفسير من الراوي.

ومع ذلك فالظاهر أنّ المراد بمن يخطب خصوص الإمام أو نائبه الخاصّ ، لحصول أقلّ الخطبة الّذي هو قول : الحمد لله والصلاة على محمّدٍ وآله ، ويا أيّها الناس اتقوا ربّكم من كلّ إمام جماعة ، ومن البعيد جدّاً بل قال الاستاذ (٢) إنّ من المحال عادةً وجوده مع عدم تمكّنه منه ولو بالتلقين ، وليست القدرة على إنشاء الخطبة شرطاً عندهم. قال في «مصابيح الظلام» : لو قالوا باشتراطها فسدت

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الجمعة ح ٣ ج ٥ ص ١٣.

(٢) وهما البهبهاني في مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٧٣ س ١٦ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني) ، والسيّد الطباطبائي في رياض المسائل : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٣٤.

٢٢٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أدلّتهم ، لأنّ القيد والشرط في الآية والأخبار موجود حينئذٍ ، فالنزاع يصير في تعيينه هل هو الإذن الخاصّ أو القدرة المذكورة والترجيح لجانب الإذن لوفور المرجّحات ، انتهى (١). ثمّ إنّ إطلاق النصّ يحمل على الغالب ، وعليه فلا معنى لاشتراطه وأنه مع عدمه يصلّى أربعاً ولو جماعة ، فتأمّل.

فإن قيل : يمكن أن يكون إمام جماعتهم ما كان يعرف كفاية أقلّ الخطبة.

قلنا : كان على الإمام عليه‌السلام أن يقول قل له يكفي هذا ويصلّي الجمعة. وأوهن من ذلك احتمال أن يكون ذلك الإمام لم يسمع كفاية أقلّ الخطبة.

وفي الصحيح أو القريب منه المروي في «العلل (٢)» : «إنّما صارت صلاة الجمعة إذا كان مع الإمام ركعتين ، وإذا كان بغير إمام ركعتين وركعتين ، لأنّ الناس يتخطّون إلى الجمعة من بُعدٍ فأحبّ الله عزوجل أن يخفّف عنهم لمواضع التعب الّذي صاروا إليه ، ولأنّ الإمام يحبسهم للخطبة وهم ينتظرون للصلاة ، ومَن انتظر للصلاة فهو في الصلاة في حكم التمام ، ولأنّ الصلاة مع الإمام أتمّ وأكمل لعلمه وفقهه وفضله وعدله ، ولأنّ الجمعة عيد وصلاة العيد ركعتان» وفيه وجوه من الدلالة :

منها : ظهوره في لزوم اتصاف إمام الجمعة بأوصاف لا تشترط في إمام الجماعة ما عدا العدالة ، ومنها جعل الجمعة كالعيد ويشترط فيه الإمام إجماعاً كما سيأتي إن شاء الله تعالى فكذا الجمعة.

ومنها : دلالته على وجوب تخطّي الناس إليها من بُعد ، وليس ذلك إلّا لكونها منصب شخص معيّن يجب تخطّيهم إليه لأدائها ، ولا معنى لذلك ولا وجه له لو كان إمامها مطلق إمام الجماعة كما هو ظاهر.

ومن هنا يصحّ الاستدلال على الاشتراط بالصحاح الدالّة على وجوب شهود

__________________

(١) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٧٣ س ٢٢ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٢) علل الشرائع : ٢٦٤ ضمن ح ٩.

٢٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

الجمعة على جميع المكلّفين إلّا مَن كان على رأس فرسخين ، لظهورها في أنّ للجمعة موضعاً معيّناً يجب الحضور إليه من كلّ جهة إلى حدّ الفرسخين ، ولا ريب أنه ليس لها موضع مقرّر إلّا أن يكون هناك شخص معيّن منصوب لها لا تتأتّى من غيره وإن كان عدلاً محصّلاً للعدد قادراً على الخطبة.

ومنها : إطلاق الإمام فيه المنصرف كما عرفت إلى المعصوم عليه‌السلام ، بل في موضع آخر (١) من هذا الخبر ما كاد يكون صريحاً فيه أو هو صريح فيه حيث قال : «إنّما جعلت الخطبة يوم الجمعة لأنّ الجمعة مشهد عام فأراد أن يكون للأمير سبب إلى موعظتهم إلى أن قال : وتوقيفهم على مصلحة دينهم ودنياهم ويخبرهم بما ورد عليهم من الآفات».

وفي القوي (٢) «تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين ولا تجب على أقلّ منهم : الإمام وقاضيه والمدّعي حقّاً والمدّعى عليه والشاهدان والّذي يضرب الحدود بين يديه» وهو نصّ في الاشتراط ، وعدم القول بتعيين السبعة بأعيانهم بالإجماع غير قادح لدلالته بمعونته على أنّ المقصود منه بيان أصل وضع الجمعة ، مع أنّ ظاهر الصدوق العمل به في «الفقيه (٣)». وفسّر في «الهداية» السبعة بهم إلّا أنه جعل الحدّاد مؤذّناً (٤). واستدلّ به الشيخ (٥) وغيره (٦) على أنّها إنّما تنعقد بالإمام ونائبه ، إلى غير ذلك ممّا يأتي إن شاء الله تعالى ممّا يزيد ذلك وضوحاً ، على أنّ في الإجماعات مقنعاً وبلاغاً.

__________________

(١) علل الشرائع : ٢٦٥.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٥ ج ٥ ص ١٣.

(٣) من لا يحضره الفقيه : باب وجوب الجمعة وفضلها .. ح ١٢٢٤ ج ١ ص ٤١٣.

(٤) الهداية : باب فضل الجماعة ص ١٤٦.

(٥) الخلاف : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٥٩٩.

(٦) بحار الأنوار : في وجوب صلاة الجمعة وفضلها ح ٧٢ ج ٨٩ ص ٢٦٠.

٢٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

ولنعد إلى عبارة «الروضة (١)» فنقول : وأمّا قوله : ففي بعضها ما يدلّ على عدمه يعني عدم الشرط وهو الإمام أو مَن نصبه ، وأراد بهذا البعض صحيحة عمر بن يزيد (٢) على ما فسّره به في «الحاشية (٣)» الّذي يقول فيه : «إذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلّوا في جماعة وليلبس البرد والعمامة ويتوكّأ على قوس أو عصا وليقعد قعدة بين الخطبتين .. الحديث» وهو أقوى ما يستدلّ به. فالجواب عنه أنّ هذا الصحيح وما شاكله من الأخبار وإن لم يكن فيها دلالة على إمام الجمعة لكن ليس فيها نفيه أيضاً ، مع أنه لا بدّ لها من إمام لاشتراط الجماعة فيها اتفاقاً ، فإمّا أن يجب تقييدها بالإجماع والأخبار السالفة جمعاً لعدم ورود إمامة الفقيه والعدل فيها أو لا نقيّده ، فعلى الأوّل يلزم عدم جواز فعلها في زمن الغَيبة ، وعلى الثاني يلزم الوجوب العيني كما كان في زمن الحضور ، لأنّ مفهوم الأخبار لا يختلف باختلاف الأزمنة. ولذلك قال في «الذكرى» : والمنع متجه وإلّا لزم الوجوب العيني وأصحاب القول الأوّل لا يقولون به (٤).

وأجاب عنه في «كشف اللثام» بأنه لا يمكن الاجتراء به وبنحوه على التصرّف في منصب الإمام خصوصاً مع الإجماع الفعلي والقولي على الامتناع من هذا التصرّف إلّا بإذنه الخاصّ ، انتهى (٥). وهذه معارضة وشفاء النفس في الحلّ وهو ما ذكرناه ، ويأتي تمام الكلام من الجانبين في هذا الخبر ونحوه عند نشر الأخبار.

وأمّا قوله في «الروضة» : ومنه الصلاة على الأئمّة صلوات الله عليهم ولو إجمالاً ولا ينافيه ذكر غيرهم من أئمّة الجور (٦) ، فقد أراد به إمكان الخطبة الّذي

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٢٥ ٢٢٦.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٦ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٥ ج ٥ ص ١٥.

(٣) الروضة البهية (رحلي) : في صلاة الجمعة ج ١ ص ١٢٨ (في الحاشية).

(٤) ذكرى الشيعة : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ١٠٦.

(٥) كشف اللثام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٢٢٣.

(٦) الروضة البهية : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٦٦٥.

٢٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

هو شرط في انعقادها. وقد ردّه بعضهم (١) بأنّ الظاهر توقّف الخطبة على انقطاع تسلّط خلفاء الجور وإمكان إعلانها ورفع الخوف مطلقاً ، قال : وذلك إنّما يكون مع سلطنتهم وتسلّط نوّابهم عليهم‌السلام ، ولعلّ هذا هو مراد من عدّ الخطبة في شرائط الجواز واجتماع الناس عليها كذلك لا إذا لم يتمكّنوا من ذلك كما كان اليوم في بلاد التقية حتّى يحتاج في الخطبة إلى إخفاء أسمائهم وألغازها وذكر أئمّة الجور فيها ، وحينئذٍ تنتفي فائدتها حتّى يُفهم من بعض الأخبار أنّ في صورة عدم الخوف بوجه كالأمن لعدم حضورهم لم يأذنوا بالجمعة في زمن التقية وأمروا بالظهر جماعةً بدلها ، ومع الخوف لم يجوّزوا الظهر جماعةً أيضاً ، قال عبد الله بن بكير. سألت الصادق عليه‌السلام عن قومٍ في قرية ليس لهم مَن يجمع بهم أيصلّون الظهر يوم الجمعة في جماعة؟ قال : نعم إذا لم يخافوا (٢) انتهى كلامه.

وأمّا قوله في «الروضة» في الإشارة إلى الوهم الثاني وتعبير المصنّف وغيره بإمكان الاجتماع يريد به الاجتماع على إمام عدل ، لأنّ ذلك لم يتفق في زمن ظهور الأئمة عليهم‌السلام إلى قوله : ومن هنا سرى الوهم (٣) ففيه : أنه قد مرَّ أنه ليس مرادهم بذلك الاجتماع على إمام عدل ، لأنه لم يكن نادراً في أعصارهم ، ومَن تصفّح الأخبار والآثار ولا سيّما في كتب الرجال قطع بأنّ عدد الفقهاء والعدول في أعصارهم أكثر من أن يحصى ، وأنّ كلّ واحد في أعلى مراتب العدالة ، فإذا كان الاجتماع على عدل كافياً لم يندر ذلك ولم يترك هؤلاء مثل هذه الفريضة المؤكّدة كمال التأكيد مع كمال محافظتهم على المسنونات ، وخصوصاً مع جواز إيقاع الخطبة سرّاً وتقيّةً كما قاله في «الروضة» فيما تقدّم (٤) ، والحال أنهم كانوا يجتمعون

__________________

(١) الروضة البهية : في صلاة الجمعة حاشية ديلماج على قول المصنّف ، ج ١ ص ١٢٩ (رحلي).

(٢) وسائل الشيعة : ب ١٢ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ١ ج ٥ ص ٢٦.

(٣) الروضة البهية : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٦٦٦.

(٤) لم يقدّم من الروضة شي‌ء يدلّ على ما ذكره الشارح في ردّه ، نعم يمكن أن يراد من «ما تقدّم» ما تقدّم من قوله : وردّه بعضهم ، الذي ذكر في حاشية الروضة ، وعليه فالعبارة كانت كذلك : كما قاله في حاشية الروضة فاسقط لفظ الحاشية لأنها جاءت في الروضة ، فتأمل.

٢٣٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في سائر الصلوات حتّى يوم الجمعة ويصلّون الظهر جماعةً ولا يقيمونها كما قال الصادق عليه‌السلام في صحيح محمّد (١). نعم يصلّون أربعاً إذا لم يكن مَن يخطب مع أنّ صلاة الظهر جماعة لا بدّ لها من إمام عدل ، مع أنه ذكر الوفاق سابقاً على سقوط الجمعة وعدم انعقادها حال حضور الإمام إلّا به أو بنائبه الخاصّ أو العامّ ، وأنهم لم يكتفوا في انعقادها في تلك الحالة بالعدل وصدور الخطبة عنه من دون الإذن والنصب لها ، وهو ينافي ما قاله هنا ، فبأدنى تأمّل يعلم توقّفها على تمكّنهم عليهم‌السلام من نصب الامراء والخطباء حتّى تقام معهم كما بيّنوه بقيد الإجماع ، ومن إتيانهم بالظهر جماعةً ، والحال أنه لا بدّ للجماعة من إمام عدل مع ما نقل من المحافظة عليها يظهر عدم الاكتفاء فيها بالعدل لا أنّ العدل كان شرطاً فيها ولم يوجد ، ومنه يُفهم الحال في سريان الوهم.

وأمّا القول بالوجوب العيني فهو على مصادمته للإجماعات المتواترة كما عرفت وبُعده عن مدلولات الأخبار كما ستسمع شاذّ نادر حادث أحدثه بعض متأخّري المتأخّرين ، ولقد كان حريّاً بالإعراض عنه وجديراً بعدم الاشتغال به لكنّ جماعة من متأخّري المتأخّرين اشتبه عليهم الحال وأكثروا فيه من الجدال ونسبوا أعاظم الأصحاب إلى الوهم والإغفال ، فوجب التعرّض لذلك وإيضاح ما هنالك.

قال في «كشف اللثام (٢)» : وقد طوّل متأخّروهم في ذلك غاية التطويل وملؤوا القراطيس بالأباطيل. وقال في «مصابيح الظلام» : جماعة جاهلون قاصرون أو متجاهلون متغافلون ، وهم الّذين يقولون بوجوب الجمعة في الغَيبة عيناً وينسبون فقهاءنا المتقدّمين والمتأخّرين أرباب القوى القدسية والمؤسّسين لمذهب الشيعة والمروّجين لدين الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في رأس كلّ مائة والمتكفلين لأيتام الأئمة عليهم‌السلام

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٣ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ١ ج ٥ ص ١٠.

(٢) كشف اللثام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٢٢٤.

٢٣٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وحجج الله على الأنام بعد الأئمّة عليهم‌السلام إلى الإجماع على الجهل والقصور والغفلة والغرور ، نعوذ بالله سبحانه من هذا وما هو أدون من هذا بمراتب لا تحصى ، انتهى كلامه دام ظلّه (١).

احتجّوا (٢) بأنّ الأصل والظاهر فيما ثبت وجوبه عيناً عمومه لكافّة المكلّفين في جميع الأزمان والأصقاع إلّا أن يدلّ دليل على التخصيص أو النسخ ، وقد ثبت وجوب عقد الجمعة والاجتماع إليها عيناً بالإجماع والنصوص من الكتاب والسنّة ، ولم يعذر فيها سوى غير المكلّفين والمرأة والمسافر وغيرهم ممّن ذكروه في الأخبار ، ولم يذكر فيها ولا في غيرها معذوريّة من لم يكن عنده الإمام أو مَن نصبه ، وهي لإطلاقها إذن من الشارع في فعلها وإيجاب لها على كلّ مكلف كان عنده الإمام أو منصوبه أو لم يكن ، فلا حاجة إلى إذنه لواحد أو جماعة بخصوصهم ونصبه لهم لخصوص الجمعة كسائر العبادات ، إلى أن يقوم دليل على امتيازها من سائر العبادات بافتقارها إلى هذا الإذن.

__________________

(١) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٨٩ س ٤ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

يريد بهذه التعابير الموهنة التعرض للشهيد الثاني والمحقق الفيض الكاشاني والفقيه البحراني وغيرهم رحمهم‌الله تعالى حيث انهم ادعو الاجماع على الوجوب العيني لصلاة الجمعة. ويليق بالمنصف الحر أن يأسف كل الاسف على هذه السيرة غير الميمونة السارية إلى جميع السطوح من الحوزات والكليات الدينية الصادرة من مثل هؤلاء الاعلام الذين عظمت اقوالهم في العيون وجلت محاضرهم عند الناس عن الإيراد والانتقاد ، السيرة التي اوجبت وجرت على الامة الويلات وسد طريق التحقيق والاصابة بين طلبة العلم واهل الاجتهاد واوقعتهم في التقليد المحض في حين ان اكثرهم تسربلوا بسربال الاجتهاد وليت شعري لو كان مثل الشهيد الثاني والفيض والبحراني وغيرهم من الجهلاء القاصرين او المتجاهلين المتغافلين بمجرد قولهم بالوجوب العيني للجمعة فمن العالم الملتفت إلى الاحكام والحقائق وقد تقدم منافي بعض الهوامش ان البهبهاني رحمه‌الله لم يراجع تاريخ تأليف الشهيد رحمه‌الله لرسالته في صلاة الجمعة فلأجل ذلك وقع في هذا الغرور وصدر منه هذا الهتك إلى جنابه نعوذ بالله من الزلّات المغوية والاخطاء المهلكة.

(٢) منهم الشهيد الثاني في رسالة الجمعة : ٦١ ، والشهيد الأوّل في غاية المراد : في صلاة الجمعة ج ١ ص ١٦٦.

٢٣٥

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الكتاب فالآية (١) معروفة.

وأمّا السّنة فمنها : ما رواه الصدوق (٢) عن زرارة في الصحيح عن أبي جعفر عليه‌السلام : إنّما فرض الله عزوجل من الجمعة إلى الجمعة خمساً وثلاثين صلاة ، منها صلاة واحدة فرضها الله عزوجل في جماعة ووضعها عن تسعة إلى أن قال : ومَن كان على رأس فرسخين. وما رواه الكليني (٣) عن محمّد بن مسلم في الحسن بإبراهيم عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : تجب الجمعة على مَن كان منها على فرسخين. ومثله (٤) حسن محمّد بن مسلم. وما رواه محمّد (٥) أيضاً في الموثّق عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : تجب الجمعة على مَن كان منها على فرسخين.

ومنها : قول أمير المؤمنين عليه‌السلام في خطبته (٦) : «والجمعة واجبة على كلّ مؤمن إلّا على الصبي إلى أن قال : ومن كان على رأس فرسخين». وصحيح (٧) أبي بصير ومحمّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : إنّ الله عزوجل فرض في كلّ سبعة أيّام خمساً وثلاثين صلاة ، منها صلاة واجبة على كلّ مسلم أن يشهدها إلّا خمسة .. الحديث. وصحيح (٨) زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليه‌السلام : على مَن تجب الجمعة؟ قال : تجب على سبعة نفر من المسلمين ولا جمعة لأقلّ من خمسة من المسلمين ، أحدهم الإمام ، فإذا اجتمع سبعة ولم يخافوا أمّهم بعضهم وخطبهم. وصحيح (٩) منصور عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : يجمع القوم يوم الجمعة إذا كانوا خمسة إلى أن قال : والجمعة واجبة على كلّ أحد .. الحديث. وصحيح (١٠) محمّد وأبي بصير عن

__________________

(١) الجمعة : ٩.

(٢) من لا يحضره الفقيه : في صلاة الجمعة وفضلها .. ح ١٢١٩ ج ١ ص ٤٠٩.

(٣ و ٤) الكافي : باب وجوب الجمعة وعلى كم تجب ح ٢ و ٣ ج ٣ ص ٤١٩.

(٥) وسائل الشيعة : ب ٤ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٢ ج ٥ ص ١١.

(٦) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٦ ج ٥ ص ٣.

(٧) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ١٤ ج ٥ ص ٥.

(٨ و ٩) وسائل الشيعة : ب ٢ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٤ و ٧ ج ٥ ص ٨.

(١٠) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ١٥ ج ٥ ص ٥.

٢٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

الباقر عليه‌السلام قال : مَن ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات طبع الله على قلبه. وصحيح (١) زرارة عن الباقر عليه‌السلام قال : الجمعة واجبة على مَن إذا صلّى الغداة في أهله أدرك الجمعة». وخبر (٢) عبد الملك عن أبي جعفر عليه‌السلام قال : مثلك يهلك ولم يصلّ فريضة فرضها الله تعالى. قال : قلت : كيف أصنع؟ قال : صلّوا جماعة» يعني صلاة الجمعة. وقال أبو عبد الله عليه‌السلام في خبر (٣) ابن الفضل : إذا كان قوم في قرية صلّوا الجمعة أربع ركعات ، فإن كان لهم مَن يخطب بهم جمعوا إذا كانوا خمسة نفر. ومثله صحيح (٤) محمّد عن أحدهما عليهما‌السلام من دون تفاوت. وقد سمعت صحيح (٥) عمر بن يزيد عند نقل كلام الروضة.

وقال زرارة في الصحيح (٦) : حثّنا أبو عبد الله عليه‌السلام على صلاة الجمعة حتّى ظننت أنه يريد أن نأتيه ، فقلت : نغدو عليك؟ فقال : لا إنّما عنيت عندكم. وقد سمعت فيما تقدّم موثّق سماعة (٧). وروي (٨) عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : إنّ الله تعالى قد فرض عليكم الجمعة ، فمن تركها في حياتي أو بعد موتي استخفافاً بها أو جحوداً لها فلا جمع الله شمله .. الحديث. وفي حسن زرارة الّذي رواه الصدوق في «الأمالي (٩)» وصحيحه الّذي رواه في «عقاب الأعمال (١٠)» : صلاة الجمعة فريضة والاجتماع إليها فريضة مع الإمام. وفي خبر (١١) حفص بن غياث عن بعض الموالي : إنّ الله عزوجل

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٤ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ١ ج ٥ ص ١١.

(٢) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٢ ج ٥ ص ١٢.

(٣) وسائل الشيعة : ب ٣ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٢ و ١ ج ٥ ص ١٠.

(٤) وسائل الشيعة : ب ٣ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٢ و ١ ج ٥ ص ١٠.

(٥) تقدّم في ص ٢٣٢.

(٦) وسائل الشيعة : ب ٥ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ١ ج ٥ ص ١٢.

(٧) تقدّم في ص ٢٢٨.

(٨) وسائل الشيعة : ب ١ من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح ٢٨ ج ٥ ص ٧.

(٩) أمالي الصدوق : المجلس الحادي والستون ح ١٧ ص ٣١٩.

(١٠) عقاب الأعمال : عقاب من ترك الجماعة والجمعة ح ٤ ص ٢٧٧.

(١١) وسائل الشيعة : ب ١٨ من أبواب صلاة الجمعة وأحكامها ح ١ ج ٥ ص ٣٤.

٢٣٧

.................................................................................................

______________________________________________________

فرض على جميع المؤمنين والمؤمنات ورخّص للعبد والمرأة والمسافر أن لا يأتوها. وفي «رجال الكشي (١)» عن محمّد بن مسلم عن محمّد بن علي عن جدّه : إذا اجتمع خمسة أحدهم الإمام فلهم أن يجمعوا.

هذه أخبار الباب ، وأنت خبير بأنّ الاستدلال بإطلاقاتها فرع معرفة مطلقاتها ، ومن المعلوم أنه قد وقع النزاع في أنّ ألفاظ العبادات عموماً وفي ما نحن فيه خصوصاً هل هي أسماء للصحيحة أو الأعمّ؟ ووقع النزاع في أنّ صلاة الجمعة الصحيحة ما هي؟ فالجمهور على أنّها الجامعة لجميع الشرائط ومنها الإمام ومَن نصبه ، ومن تأخّر ينكر هذا الشرط الأخير. والنزاعان مشهوران معروفان ، الأوّل في الاصول ، والثاني في المقام.

ولا نزاع في أنّ الجامعة لجميع الشرائط واجبة على جميع المكلّفين ، كما أنه لا نزاع في اشتراط الجمعة بشروط كثيرة ، وإنّما النزاع في شرط واحد على القول بأنها للأعمّ ، والعبادات توقيفية وبيانها من وظائف الشارع ، وليس في هذه الأخبار أنّ كلّ ما يطلق عليه لفظ صلاة الجمعة بأيّ إطلاق في أيّ عرف كان يكون واجباً ، فما لم تثبت ماهيّتها كيف يسوغ لهم الاستدلال بإطلاقات الأخبار أو عموماتها وإن فرضنا كون المقام فيها مقام حاجة؟ وستعرف أنه ليس كذلك جزماً ، مع أنه لا عموم في محلّ النزاع ، إذ عموم الأخبار لا نزاع فيه جزماً ، إذ النزاع في الوجوب بشرطه وشروطه أو مطلقاً ، وقد عرفت من الإجماعات المتواترة والأخبار المتضافرة ثبوت هذا الشرط المتنازع ، والقاعدة في التوقيفيات الاقتصار على القدر الثابت ، والجمعة بهذا الشرط لا شبهة في كونها صلاة جمعة أرادها الشارع ، والعبرة بمراده لا بتسمية الخصم.

وأمّا الخالية عن هذا الشرط فلا يعلم كونها داخلة في مراد الشارع جزماً ، إذ ثبوت ذلك إمّا من الإجماع أو التبادر أو الأخبار.

__________________

(١) رجال الكشّي : ح ٢٧٩ ج ١ ص ٣٩٠ نشر مؤسسة آل البيت عليهم‌السلام.

٢٣٨

.................................................................................................

______________________________________________________

أمّا الإجماع فقد عرفت وقوع النزاع في ألفاظ العبادات وفي خصوص ما نحن فيه ، فكيف تتأتّى دعوى الإجماع مع وجود هذين النزاعين؟! وأمّا التبادر فالمتبادر من الخالي عن القرينة إنّما هو الصحيح شرعاً وغيره يصحّ السلب عنه ، وإطلاق لفظ «الجمعة» على ما يفعل في زمن الغَيبة مجاز.

فإن قلت : المتبادر من هذا اللفظ في هذا الزمن إنّما هو الخالية عن هذا الشرط.

قلت : هذا لمكان القرينة وهو العلم بعدم وجوده ، فلا عبرة به ، وإنّما العبرة بما خلا عنها ، مع أنه من المعلوم أنّ الجامعة لهذا الشرط جمعة. فظهر أنّ الفهم المذكور للقرينة لا من مجرّد اللفظ ، سلّمنا لكنّ التبادر في لسان قوم دليل على ثبوت الحقيقة عندهم ، وأصحاب هذا القول لا يقولون بثبوت الحقيقة الشرعية ، على أنّ المعيار في ثبوت الحقيقة الشرعية اتفاق جميع المتشرّعة على كون اللفظ حقيقة عندهم في معنى جديد ، وقد وقع ذلك اللفظ في لسان الشارع خالياً عن القرينة ، ومن المعلوم وقوع النزاع بين المتشرّعة فيما نحن فيه ، وأنّ المحرّمين يدّعون أنّ ما خلا عن الشرط المذكور ليس بصلاة جمعة كما هو صريح المنقول (١) عن السيّد والقاضي ومولانا عبد الله التوني في «رسالته» وقد عرفت ادّعاء الأصحاب الإجماع على اشتراط هذا الشرط ، هذا كلّه بعد تسليم ثبوت التبادر عند المتشرّعة في هذا الزمن لا للقرينة ، وإلّا فقد عرفت أنه في حيّز المنع.

وأمّا الأخبار فقد عرفت أن ليس فيها أنّ لفظ صلاة الجمعة بكلّ إطلاق ، في أيّ عرف يكون ، يكون واجباً. فقد اتضح الحال وبطل الاستدلال ، ويأتيك ما يزيده إيضاحاً.

فإن قلت : يظهر من بعض الأخبار أنّ صلاة الجمعة في لسان الشارع كانت اسماً للركعتين فجميع الشرائط خارجة.

__________________

(١) نقله عنهم البهبهاني في مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ١١٠ س ٢٤ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

٢٣٩

.................................................................................................

______________________________________________________

قلت : لا فرق بين لفظ صلاة الجمعة ولفظ الركعتين ، لأنه أيضاً من ألفاظ العبادات فيجري فيه النزاعان.

ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام في الأخبار الّتي استظهروا منها عدم هذا الشرط ، وقد أشرنا فيما مضى (١) إلى حال بعضها عند نقل كلام الروضة.

ويرد على الاستدلال بهذه الأخبار أيضاً أنه لم يتعرّض فيها إلّا لذكر الشرائط المسلّمة ، وقد اكتفى في أكثرها بأنّ الجمعة واجبة على كلّ مكلّف ، ونفس وجوبها من بديهيّات الدين ولا كذلك الشرائط. وكونها أجلى من نفس الوجوب حتّى أنّهم احتاجوا إلى معرفة نفس الوجوب ولم يحتاجوا إلى معرفة الشرائط ، ظاهر الفساد ، مع أنّ كون شي‌ء شرطاً في وجوب الجمعة فرع معرفة وجوب الجمعة.

فإن أجابوا بأنّ المقام لم يكن مقام الجمعة ولذا لم يذكروا الشرائط وتأخير البيان عن غير وقت الحاجة جائز ، لأنّ الرواة في أوقات هذه الأخبار كانوا بالمدينة ، وفعل الجمعة على طريقة الشيعة وخلف الإمام منهم غير ممكن ، بل هو غير ممكن في الكوفة أيضاً على وجه الإظهار والإعلان ، ولا سيّما على الوجه الّذي ذكر في الأخبار من وجوب حضور الشيعة من جميع الأطراف إلى فرسخين.

قلنا : على هذا لا وجه للاستدلال بالأخبار أصلاً ، لأنّها حينئذٍ غير دالّة على عدم اشتراط شي‌ء أصلاً فضلاً عن الإمام والمنصوب.

ويرد أيضاً على قولهم في الاستدلال أنّ المستفاد من الأخبار الصحاح وجوب الجمعة على كلّ أحد ولم يعذر فيها سوى غير المكلّفين والمرأة والمسافر وغيرهم ممّن ذكر في تلك الصحاح ، ولم يذكر فيها ولا في غيرها معذورية من لم يكن عنده الإمام أو مَن نصبه ، فلا جرم أنه يكون داخلاً فيمن وجب (عليه ظ) في هذه الصحاح بأنّهم إن أرادوا بالوجوب المذكور في الصحاح الوجوب بشروطه فلا ريب في أنه يدخل فيه مَن لم يكن عنده الإمام ولا منصوبه ، وإن أرادوا الوجوب الخالي عن الشروط فلا شكّ في عدم دخول أحد ، بل لا ريب أنّ

__________________

(١) تقدّم في ص ٢٢٧ ٢٣١.

٢٤٠