مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٨

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي

مفتاح الكرامة في شرح قواعد العلّامة - ج ٨

المؤلف:

السيّد محمّد جواد الحسيني العاملي


المحقق: الشيخ محمّد باقر الخالصي
الموضوع : الفقه
الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي
المطبعة: مؤسسة النشر الإسلامي
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٣٢

.................................................................................................

______________________________________________________

بظاهر الإسلام وبالاكتفاء بحسن الظاهر. وممّا ذكر يعلم الحال عند من قال لا بدّ من الملكة.

ولهم عبارات اخر ، فعن الكاتب : إذا كان الشاهد حرّاً بالغاً مؤمناً بصيراً معروف النسب مرضيّاً غير مشهور بكذب في شهادته ولا بارتكاب كبيرة ولا مقام على صغيرة حسن التيقّظ عالماً بمعاني الأقوال عارفاً بأحكام الشهادة غير معروف بحيف على معامل ولا تهاون بواجب من علم أو عمل ولا معروف بمباشرة أهل الباطل والدخول في جملتهم ولا بالحرص على الدنيا ولا بساقط المروءة بريئاً من أهواء أهل البدع الّتي توجب على المؤمن البراءة من أهلها فهو من أهل العدالة المقبول شهادتهم (١).

وفي «المقنعة (٢)» العدل مَن كان معروفاً بالدين والورع عن محارم الله تعالى. وفي «كشف الرموز (٣)» عن سلّار أنه يذهب مذهب المفيد واختاره هو. قلت في «المراسم (٤) والناصريات (٥)» ما يشير إلى ذلك.

وفي «النهاية» العدل الّذي يجوز قبول شهادته للمسلمين وعليهم هو أن يكون ظاهره ظاهر الإيمان ثمّ يُعرف بالستر والصلاح والعفاف والكفّ عن البطن والفرج واليد واللسان ويُعرف باجتناب الكبائر الّتي أوعد الله تعالى عليها النار من (ومن خ ل) شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك الساتر لجميع عيوبه ، ويكون متعاهداً لجميع الصلوات الخمس مواظباً عليها حافظاً لمواقيتهنّ متوفّراً على حضور جماعة المسلمين غير متخلّف عنهم إلّا لمرض أو علّة أو عذر (٦).

__________________

(١) نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة : كتاب القضاء في الشهادات ج ٨ ص ٤٨٣.

(٢) المقنعة : كتاب القضاء والشهادات .. في أدب القاضي ص ٧٢٥.

(٣) كشف الرموز : كتاب القضاء في مسائل خمس ج ٢ ص ٤٩٧.

(٤) المراسم : في ذكر أحكام البينات ص ٢٣٢.

(٥) الناصريات : في إمامة الفاسق ص ٢٤٤.

(٦) النهاية : في باب تعديل الشهود ص ٣٢٥.

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «المبسوط» وغيره من كتب الاصول والفروع عبارات ظاهرة في اعتبار حسن الظاهر ، قال في «المبسوط (١)» : بعد أن ذكر ما احتجّ به للمشهور من تقديم الجرح على التعديل ما نصّه : غاية شهادة المزكّي أنه لم يعرف منه ما ينافي العدالة انتهى. ويأتي عند الردّ على القول بالملكة نقل هذه العبارة أو مثلها عن كتب اصولهم وفروعهم في باب الشهادات فترقّب.

وعن القاضي أنّ العدالة تثبت في الإنسان بشروط وهو البلوغ وكمال العقل والحصول على ظاهر الإيمان والستر والعفاف واجتناب القبائح ونفي التهمة والظِنّة والحسد والعداوة (٢). وعن التقيّ أنه يثبت حكمها بالبلوغ وكمال العقل والإيمان واجتناب القبائح أجمع وانتفاء الظنّة بالعداوة أو الحسد أو المنافسة أو الملكة أو الشركه (٣).

وفي «الوسيلة» المسلم الحرّ تُقبل شهادته إذا كان عدلاً في ثلاثة أشياء : الدين والمروءة والحكم ، فالعدالة في الدين الاجتناب من الكبائر ومن الإصرار على الصغائر ، وفي المروءة الاجتناب عمّا يسقط المروءة من ترك صيانة النفس وفقد المبالاة. وفي الحكم البلوغ وكمال العقل (٤).

وفي «المبسوط» أنّ العدل في الشريعة هو من كان عدلاً في دينه عدلاً في مروءته عدلاً في أحكامه ، فالعدل في الدين أن يكون مسلماً لا يُعرف منه شي‌ء من أسباب الفسق ، وفي المروءة أن يكون مجتنباً للُامور الّتي تسقط المروءة

__________________

(١) لم نعثر في المبسوط على نصّ هذه الجملة ، نعم يمكن استفادة مضمونها من عباراته المختلفة كقوله عند بيان تعارض الجرح والتعديل في الشاهد وترجيح الجرح على التعديل : فمن شهد بالعدالة شهد بالظاهر ، انتهى. وقوله في بيان أنّ المزكّي لا بدّ أن يكون من اهل الخبرة الباطنة والمعرفة المتقادمة : لأنّ كلّ واحد منهما يعرف الظاهر ، راجع المبسوط : ج ٨ ص ١٠٨ و ١١٠ وتأمّل لعلّك تجده في النسخ الخطّية من المبسوط.

(٢) نقله عنه البحراني في الحدائق الناضرة : في صلاة الجمعة ج ١٠ ص ٢٢.

(٣) نقله عنه العلّامة في مختلف الشيعة : كتاب القضاء في لواحق القضاء ج ٨ ص ٤٢٣.

(٤) الوسيلة : في بيان الشهادات ص ٢٣٠.

٢٦٢

.................................................................................................

______________________________________________________

كالأكل في الطرقات إلى أن قال : والعدل في الأحكام أن يكون بالغاً عاقلاً ، فمن كان عدلاً في جميع ذلك قُبلت شهادته ، ومَن لم يكن عدلاً لم يُقبل ، فإن ارتكب شيئاً من الكبائر وهي الشرك إلى أن قال : سقطت شهادته. وأمّا إن كان مجتنباً للكبائر مواقعاً للصغائر فإنّه يعتبر الأغلب من حاله ، فإن كان الأغلب من حاله مجانبة المعاصي وكان يواقع ذلك نادراً قُبلت شهادته ، وإن كان الأغلب مواقعته للمعاصي واجتنابه لذلك نادراً لم تُقبل شهادته ، وإنّما اعتبرنا الأغلب في الصغائر لأنّا لو قلنا إنّه لا تُقبل شهادة مَن واقع اليسير من الصغائر أدّى ذلك إلى أن لا يُقبل شهادة أحد ، لأنه لا أحد ينفكّ عن مواقعة بعض المعاصي (١).

وفي «السرائر» أنّ العدل في الشريعة هو من كان عدلاً في دينه عدلاً في مروءته عدلاً في أحكامه ، فالعدل في الدين أن لا يخلّ بواجب ولا يرتكب قبيحاً وقيل أن لا يُعرف بشي‌ء من أسباب الفسق وهذا قريب أيضاً ، وفي المروءة أن يكون مجتنباً للُامور الّتي تسقط المروءة ، والعدل في الأحكام أن يكون بالغاً عاقلاً. ثمّ قال : وقال شيخنا في مبسوطه : فأمّا إن كان مجتنباً للكبائر .. ونقله إلى آخره ثمّ قال : وهذا لم يذهب إليه رحمه‌الله تعالى إلّا في هذا الكتاب أعني المبسوط ولاذهب إليه أحد من أصحابنا ، لأنه لا صغائر عندنا في المعاصي إلّا بالإضافة إلى غيرها. وما خرّجه واستدلّ به من أنه يؤدّي ذلك إلى أن لا يُقبل شهادة أحد .. إلى آخره فغير واضح ، لأنه قادر على التوبة من تلك الصغيرة ، فإذا تاب قُبلت شهادته ، وليست التوبة ممّا يتعذّر على إنسان دون إنسان. ولا شكّ أنّ هذا القول تخريج لبعض المخالفين فاختاره شيخنا هاهنا ونصره أو أورده على جهته ولم يقل عليه شيئاً ، لأنّ هذا عادته في كثير ممّا يورده في هذا الكتاب (٢) انتهى. ويأتي نقل الأقوال فيما استدركه على شيخ طائفتنا. وفي «السرائر (٣)»

__________________

(١) المبسوط : في مَن تُقبل شهادته ومن لا تقبل ج ٨ ص ٢١٧.

(٢) السرائر : في اشتراط العدالة في الشاهد ج ٢ ص ١١٧ ١١٨.

(٣) السرائر : في أحكام صلاة الجماعة ج ١ ص ٢٨٠.

٢٦٣

.................................................................................................

______________________________________________________

في باب الجماعة العدل هو الّذي لا يخلّ بواجب ولا يرتكب قبيحاً.

وفي «الشرائع» لا ريب في زوالها يعني العدالة بمواقعة الكبائر كالقتل والزنا واللواط وغصب الأموال المعصومة ، وكذا بمواقعة الصغائر مع الإصرار أو في الأغلب ، أمّا لو كان في الندرة فقد قيل : لا يقدح لعدم الانفكاك منها إلّا فيما يقلّ ، فاشتراطه التزام للأشقّ ، وقيل : يقدح لإمكانِ التدارك بالاستغفار ، والأوّل أشبه (١). وكلامه ككلام «المختلف (٢)» يقتضي موافقة المبسوط فتأمّل. وفي «النافع» يدخل في العدالة اشتراط الأمانة والمحافظة على الواجبات (٣).

هذا كلام من تقدّم على المصنّف ، ويمكن تنزيل أكثره على الملكة. وقد فهم جماعة من متأخّري المتأخرين أنّ القدماء على قولين ، الأوّل : كما يظهر من العبارات الاول أنّ العدالة ظاهر الإسلام أي الإيمان ، والثاني : إنّها حسن الظاهر ، وهو الظاهر من الكتاب (٤) في كتاب القضاء «والإرشاد (٥)» وكذا «الدروس (٦)» في بحث الجماعة ، وهو الّذي فهمه منهما بعض الشارحين كالمولى الأردبيلي (٧)

__________________

(١) شرائع الإسلام : في صفات الشهود ج ٤ ص ١٢٦ ١٢٧.

(٢) مختلف الشيعة : كتاب القضاء في الشهادات ج ٨ ص ٤٨٤.

(٣) المختصر النافع : كتاب القضاء في النظر في الصفات ص ٢٧١.

(٤ ـ ٧) الموجود في الكتب المذكورة هو التصريح بأنّ العدالة ليست حُسن الظاهر ، بل هي الملكة الراسخة في النفس. قال المصنّف في كتاب القضاء : ولا يجوز أن يعوّل على حُسن الظاهر. وقال في الإرشاد : ولا تكفي معرفته بالإسلام ولا البناء على حُسن الظاهر. وقال في الدروس : ولا يكفي الإسلام في معرفة العدالة ، خلافاً لابن الجنيد ولا التعويل على حُسن الظاهر. فراجع القواعد : ج ٣ ص ٤٣٠ ، والإرشاد : ج ٢ ص ١٤١ ، والدروس : ج ١ ص ٢١٨. وأمّا المولى الأردبيلي الّذي ادّعى في الشرح أنه فهم من عبارة المصنّف أنّ العدالة حُسن الظاهر فهو في شرحه على الضدّ من ذلك لأنه صرّح في بحث الجماعة أنها الملكة الراسخة في النفس ، ثمّ أطال الكلام في إثباته من الآيات والروايات ، وصرّح أيضاً في بحث الشهادة ذيل عبارة المصنّف وهي «ولا البناء على حُسن الظاهر» بأن لا يكفي لقبول الشهود كون ظاهرهم حسناً من دون العدالة بالمعنى المشهور ، فراجع مجمع الفائدة والبرهان : ج ٢ ص ٣٥١ وج ١٢ ص ٧١.

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

وهو الّذي نصّ عليه الاستاذ (١) دام حراسته في اصوله ورجاله وفروعه. وظاهر جماعة كصاحب «المدارك (٢) والذخيرة (٣)» أنّهم على قول واحد وهو كفاية الإسلام وحُسن الظاهر وعدم ظهور القادح في العدالة.

وأمّا المصنّف فقد عرفت أنّ ظاهره في موضع من «المختلف (٤)» موافقة المبسوط. وقال في كتاب الفراق من الكتاب : ولو أشهد من ظاهره العدالة وقع الطلاق وإن كانا في الباطن فاسقَين (٥). ونحوه قال في «الشرائع (٦)». وفي «غاية المرام (٧)» أنّ المشهور بين الأصحاب اعتبار ظاهر العدالة في الشاهدين على الطلاق. قلت : أنت خبير بأنّ قضية ذلك أنّ العدالة ليست هي الملكة ، لأنّ من قال بالملكة قال لا بدّ من العلم بالعدالة كما سيتضح ذلك لديك وهم قد صرّحوا به أيضاً في توجيه اختيار الملكة ، على أنه قد قال في «المختلف (٨)» في بحث الجماعة في الردّ على الكاتب وفي تهذيب الاصول (٩) في الردّ على أبي حنيفة : أنه لا بدّ من العلم بالعدالة لأنّ الفسق مانع ، فلا يخرج عن العهدة إلّا بعد العلم بانتفائه. قلت : ومن هنا يعلم حال اعتبارهم العدالة بمعنى الملكة في الراوي.

__________________

(١) تعليقة البهبهاني على منهج المقال : في المقدّمات ص ٥ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٣٥١٦) ، مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٣ س ١٨ وما بعده وص ٩٧ س ١٦ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٢) مدارك الأحكام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٦٦.

(٣) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٣٧.

(٤) مختلف الشيعة : كتاب القضاء في الشهادات ج ٨ ص ٤٨٤.

(٥) قواعد الأحكام : كتاب الفراق في الإشهاد ج ٣ ص ١٣٠.

(٦) شرائع الإسلام : كتاب الطلاق في الإشهاد ج ٣ ص ٢١.

(٧) غاية المرام : كتاب الطلاق في الإشهاد ص ١٣١ س ٢٧ (مخطوط في مكتبة جامع گوهرشاد برقم ٥٨).

(٨) مختلف الشيعة : في صلاة الجماعة ج ٣ ص ٨٨.

(٩) تهذيب الاصول : في الأخبار في عدالة المخبر ص ٣١ س ١٢ وما بعدها. (مخطوط في مكتبة مدرسة نواب).

٢٦٥

.................................................................................................

______________________________________________________

وفي «المدارك (١)» الأولى المصير في تفسير العدالة إلى المعنى العرفي وقد تبع ذلك العضدي (٢) عملاً بخبر البزنطي (٣).

وفي «الكفاية (٤)» الأشهر الأقرب في معنى العدالة أن لا يكون مرتكباً للكبائر ، ثمّ قال : والأقرب جواز الاكتفاء بحُسن الظاهر وعدم التفتيش خلافاً لأكثر المتأخّرين ، ثم قال : كما في «مجمع البرهان (٥)» أنّ الأولى الرجوع إلى خبر ابن أبي يعفور (٦) فتأمّل في كلامه. وفي «الذخيرة (٧)» رجّح أنها الإسلام وحُسن الظاهر وعدم ظهور القادح. وظاهر «المفاتيح (٨) كالماحوزية والشافية» العمل بخبر ابن أبي يعفور أيضاً مع أنك ستعرف أنه قد اشترط فيه للعدالة شروطاً مخالفة للإجماع. ثمّ قال في «المفاتيح (٩)» : والحزم أن لا يصلّي خلف من لا يثق بدينه وأمانته وفيه أنك ستعرف أنّ العدالة شرط بالإجماع والحزم هو الاحتياط وهو غير الاشتراط والوثوق بالدين والأمانة غير العدالة كما نصّ عليه في «مصابيح الظلام (١٠)» وقد نسب فيه القول بحسن الظاهر إلى القدماء ما عدا الكاتب. وادّعى في «حاشيته على المعالم (١١)» الإجماع على أنّ المراد بالعدالة حُسن الظاهر لا غير في كلّ موضع اشترط فيه العدالة. وقال في «رجاله» (١٢) : الإنصاف أنه لا يثبت من قول

__________________

(١) مدارك الأحكام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٦٩.

(٢) لا يوجد لدينا كتابه.

(٣) وسائل الشيعة : ب ١٠ من أبواب مقدّمات الطلاق وشرائطه ح ٤ ج ١٠ ص ٢٨٢.

(٤) كفاية الأحكام : في صلاة الجماعة ص ٢٨ س ٢٢ وص ٢٩ س ٣١.

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣١١ و ٣١٢ ، وفي صلاة الجمعة ج ٢ ص ٣٥٢.

(٦) وسائل الشيعة : ب ٤١ من أبواب الشهادات ح ١ ج ١٨ ص ٢٨٨.

(٧) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٣٧.

(٨ و ٩) مفاتيح الشرائع : فيما يثبت به الإيمان والعدالة ج ١ ص ١٨ ١٩.

(١٠) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ١٠٠ س ٧ وص ٩٤ س ٨ ٩. (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(١١ و ١٢) لا يوجد لدينا كتابه.

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المعدّلين للرواة أكثر من حُسن الظاهر.

وفي «مجمع البرهان (١)» أنّ العدالة الّتي اشترطها من اشترطها في مستحقّ الزكاة لم يشترط فيها المروءة ، قال : وبذلك صرّح الشهيد.

ولعلماء الأخلاق في بيان معنى العدالة كلام يأتي نقله في أثناء كلام السيّد صدر الدين في ردّه على القول بالملكة. هذا ما تيسّر من نقل كلماتهم في العدالة من بعض المواضع الّتي يشترطونها فيها ، ولو أنّا حاولنا الاستيفاء لطال المدى.

فقد تحصّل أنّ الأقوال في المسألة ثلاثة : اثنان منها للمتقدّمين وواحد للمتأخّرين ، ولا حاجة بناءً إلى ما احتمله أو اعتمده متأخّروهم ممّا سمعته.

أمّا الأوّل : فقد عرفت أنها ظاهر الإسلام أي الإيمان ، وعرفت أنه منقول عن الكاتب والمفيد في كتاب «الإشراف» وأنه خيرة «الخلاف» وظاهر «النهاية والاستبصار والمسالك» وأنه مال إليه في «المبسوط». وقد استدلّوا بالإجماع المذكور في الخلاف وبالأصل وبظواهر أخبار وبالسيرة المسطورة في «الخلاف».

وقد منع الإجماع جماعة كاليوسفي (٢) وغيره (٣) ، وقد سمعت (٤) ما في شهادات «النهاية والمقنعة» وكلام الأصحاب ، على أنّ الشيخ في «الخلاف» قال بعد هذه المسألة بأربع مسائل : مسألة : إذا حضر الغرباء في بلد عند حاكم فشهد عنده اثنان ، فإن عرفا بعدالة حكم ، وإن عرفا بفسق وقف ، وإن لم يعرف عدالة ولا فسقاً بحث عنهما ، وفي نسخة اخرى : لم يجب عندنا سواء كان لهما السيماء الحسنة والمنظر الجميل أو ظاهرهما الصدق بشهادة قوله عزوجل : (مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَداءِ) (٥)

__________________

(١) مجمع الفائدة والبرهان : في صلاة الجمعة ج ٢ ص ٣٥٢.

(٢) كشف الرموز : كتاب القضاء ج ٢ ص ٤٩٧.

(٣) كالطباطبائي في رياض المسائل : كتاب القضاء ج ٢ ص ٣٩١ س ١ (رحلي) ، والبهبهاني في شرح المفاتيح : ص ٩٤ س ٦ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٤) تقدّم في ص ٢٦٠.

(٥) البقرة : ٢٨٢.

٢٦٧

.................................................................................................

______________________________________________________

قال : وهذا ما رضي به (١). وقد ادّعى الإجماع جماعة (٢) على وجوب الفحص بعد قدح المنكر. وحكايته للسيرة مردودة بما رواه مولانا الإمام أبو محمّد الحسن العسكري عليه‌السلام من سيرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (٣). وقد استوفينا الكلام في ذلك فيما كتبناه على كتاب القضاء من هذا الكتاب (٤). وقد تعرّض المولى الأردبيلي (٥) للردّ على الشهيد الثاني في جميع ما استدلّ به في المقام. وقال في «مصابيح الظلام (٦)» : إنّ الأخبار الظاهرة في عدم كفاية مجرّد الإسلام لعلّها تبلغ حدّ التواتر.

وأمّا الثاني : وهو أنّها حُسن الظاهر فقد نسب إلى مَن عدا أصحاب القول الأوّل من المتقدّمين ، وقد سمعت (٧) من اختاره من متأخّري المتأخّرين. وقال بعض الأصحاب (٨) : إنّ من عدا أصحاب القول الأوّل من المتقدّمين فكلامهم محتمل للملكة وحسن الظاهر ، وهو كما قال ، لكنّه ربّما كان بعضه ظاهراً في حُسن الظاهر.

وقد استدلّ عليه الاستاذ دام ظلّه في «مصابيح الظلام (٩)» وصاحب «الذخيرة (١٠)» بالأخبار الّتي كادت تبلغ حدّ التواتر. وقد سمعت (١١) كلام الاستاذ

__________________

(١) الخلاف : في شهادة الغرباء ج ٦ ص ٢٢١ مسألة ١٥ ، ولم نعثر على نسخة اخرى تحتوي على ما ذكره الشارح.

(٢) منهم الفاضل المقداد في التنقيح الرائع : كتاب القضاء ج ٤ ص ٢٤٣ ، البهبهاني في مصابيح الظلام : ج ١ ص ٩٦ س ٢ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٣) وسائل الشيعة : ب ٦ من أبواب كيفية الحكم وأحكام الدعوى ح ١ ج ١٨ ص ١٧٤ ١٧٥.

(٤) راجع ج ١٠ ص ٣٨ ٣٩ كتاب القضاء (النسخة الرحلية).

(٥) مجمع الفائدة والبرهان : في صلاة الجمعة ج ٢ ص ٣٥٤ ٣٥٥.

(٦) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٤ السطر الأخير (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٧) تقدّم في ص ٢٦٣.

(٨) القائل هو الشهيد الثاني في المسالك : كتاب القضاء ج ١٣ ص ٤٠٠.

(٩) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٤ ٩٥ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(١٠) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٣٧ وما بعده.

(١١) تقدّم في ص ٢٦٤.

٢٦٨

.................................................................................................

______________________________________________________

في اصوله ورجاله وفروعه أنه مذهب مَن تقدّم على المصنف إلّا الكاتب كما فهم ذلك جماعة من متأخّري المتأخّرين (١).

وأمّا الثالث : وهو القول بالملكة فمستنده أنّ العدالة اسم للمعنى الواقع وهي الاستقامة وعدم الميل لا ما ثبت شرعاً أو ظهر عرفاً ، لأنّ ذلك خارج عن معنى اللفظ جزماً ، وهي شرط ولا بدّ من ثبوتها والعلم بها ، لأنّ الشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط ، ولا يحصل العلم بها إلّا بالمعاشرة الباطنية المتكرّرة المطّلعة على الوثوق وعدم الميل ، ولا يحصل ذلك ، إلّا بوجدان الملكة والهيئة الراسخة.

وكذا الحال في لفظ «الفاسق» فإنّ الكتاب (٢) والأخبار (٣) والإجماع (٤) تدلّ على عدم قبول شهادة الفاسق وعدم جواز إمامته. والفسق اسم للخروج عن الطاعة في نفس الأمر والواقع فلا بدّ من عدمه بحسب نفس الأمر والواقع على قياس ما قلناه في العدالة ، ولا يوجد الوثوق بالعدم إلّا بالهيئة الراسخة ، كما نشاهد بالعيان أنّ كلّ الناس له ملكة في ترك بعض المعاصي كالزنا بالامّ والبنت ونجزم أنّ كثيراً من الناس له ملكة في ترك اللواط والزنا وشرب الخمر. والحاصل : أنّهم يتفاوتون على تفاوت مراتبهم ، فلا بدّ من الجزم بالعدالة وعدم الفسق بالنسبة إلى كلّ المعاصي.

ولعلّهم يقولون إنّ أصل الصحّة في فعل المسلم لا يجدي ، فإنّما هو فيما يتعلّق بحاله من أقواله وأفعاله ممّا لا يعلم إلّا من قبله ، وأمّا قبول قول المسلم المجهول الحال في التذكية والطهارة ورقّ المحاربة ونحوها فهو من دليل خارجي مع اعتضاده بما عرفت ، فليلحظ ذلك وليتأمّل فيه. ولعلّهم يقولون إنّه لا ملازمة

__________________

(١) منهم السبزواري في الذخير : في صلاة الجمعة ص ٣٠٢ ، س ٣٨ ، والرياض : في القضاء ص ٣٩١ السطر الأخير والبهبهاني في المصابيح : ص ٩٤ س ٨ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٢) الحجرات : الآية ٦ ، الطلاق : الآية ٢ ، النور : الآية ٤.

(٣) وسائل الشيعة : ب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ج ٥ ص ٣٩٢.

(٤) الناصريات : لا تجوز إمامة الفاسق ص ٢٤٤ والخلاف : كتاب الشهادات في شهادة المخالف ج ٦ ص ٣٠٠ ٣٠١.

٢٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

بين حمل فعل المسلم على الصحّة وبين العدالة كما مرَّ في أول البحث. وأقعد ما يستدلّ لهم به من الأخبار خبر ابن أبي يعفور (١) فإنّه أشدّ ما ورد في أمر العدالة.

ويرد عليهم أوّلاً : ما ذكره في «مصابيح الظلام (٢)» من أنّ حصول الملكة بالنسبة إلى كلّ المعاصي بمعنى صعوبة الصدور لا استحالته ربّما يكون نادراً بالنسبة إلى نادر من الناس إن فرض وتحقّق ، ومعلوم العدالة ممّا تعمّ به البلوى وتكثر إليه الحاجات في المعاملات والإيقاعات والعبادات ، فلو كان الأمر كما يقولون للزم الحرج واختلّ النظام ، مع أنّ القطع حاصل بأنه في زمان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة عليهم‌السلام ما كان الأمر على هذا النهج ، بل تتبّع الأخبار الكثيرة يحصل القطع بأنّ الأمر لم يكن كما ذكروه في الشاهد ولا في إمام الجماعة. ويؤيّده ما ورد في أنّ إمام الصلاة إذا أحدث أو حصل له مانع آخر أخذ بيد آخر وأقامه مقامه (٣) ، انتهى.

وقال السيّد صدر الدين (٤) : لا ريب في كون الملكة عدالة ، لأنّها قوّة تنشأ من ثلاث اعتدالات : الحكمة والعفّة والشجاعة ، وهذه الصفة المجيدة المتولّدة من هذه الصفات الحميدة لا تحصل إلّا للأوحدي الّذي لا يسمح الدهر بمثله إلّا نادراً مع شدّة الحاجة إلى العدل من سكّان البرّ والبحر وإن قلّوا. ودعوى أنّ الشارع وإن اعتبر هذه الملكة لكنّه جعل حُسن الظاهر مع عدم عثور الحاكم أو المأموم على ما ينافيها دليلاً عليها وذلك غير عزيز ، قاضية بانتفاء ثمرة النزاع ، لاتفاقهم على اشتراط حُسن الظاهر ، موجبة للعبث في هذا الاعتبار من الشارع والعياذ بالله ، أعني اعتبار ثبوت هذه الملكة أوّلاً والاكتفاء بالاستدلال على ثبوتها بحُسن الظاهر ، وأيّ فائدة في ذلك إلّا أن يقال : إنّ الشأن فيها كسائر الملكات تعرف بآثارها ، فتأمّل.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٤١ من أبواب الشهادات ح ١ ج ١٨ ص ٢٨٨

(٢) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٦ س ١٧ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٣) وسائل الشيعة : باب ٧٢ من أبواب صلاة الجماعة ج ٥ ص ٤٧٤.

(٤) شرح الوافية : القول في تعريف العدالة ص ٧٩ س ٧ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٦٥٦).

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ويرد عليهم ثانياً : أنّ الحكم بزوالها عند عروض ما ينافيها من معصيةٍ أو خلاف مروءة ورجوعها بمجرّد التوبة ينافي كونها ملكة. قال المحقّق في «الشرائع» : وفي اشتراط إصلاح العمل زيادة عن التوبة تردّد ، والأقرب الاكتفاء بالاستمرار ، لأنّ البقاء على التوبة إصلاح ولو ساعة (١). ونحوه قال المصنّف في شهادات الكتاب ، قال : ولا يشترط في إصلاح العمل أكثر من الاستمرار على رأي (٢). ونحو ذلك قال الشهيد في «دروسه (٣) وقواعده (٤)» ففي الأوّل الاستمرار على التوبة إصلاح للعمل ، وفي الثاني الأظهر أنه لا بدّ من الاستبراء ولا تقدير لتلك المدّة ، إذ المعتبر ظنّ صدقه في توبته وهو يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال المستفادة من القرائن ، على أنّ بعض الذنوب يكفي في التوبة منها تركها المجرّد من غير استبراء كمن عرض عليه القضاء مع وجوبه فامتنع ثمّ عاد.

والحاصل : أنّ المذاهب في التوبة ثلاثة :

الأوّل : الاكتفاء بتكرار ظهور التوبة ومجرّد استمرار ما على التوبة.

والثاني : اعتبار إصلاح العمل وأنه يكفي في ذلك عمل صالح ولو ذكر أو تسبيح.

الثالث : عدم الاكتفاء بمجرّد إظهار التوبة ، بل لا بدّ من الاختبار مدّة يغلب معه الظنّ بأنّه أصلح سريرته وأنه صادق في توبته. ولعلّ هذا هو الأشهر عندهم. واكتفى الشيخ في «المبسوط (٥)» في قبول الشهادة بإظهار التوبة عقيب قول الحاكم : تب أقبل شهادتك. وهو الّذي يعطيه كلام «السرائر (٦)» في الجواب عمّا أورد عليهم في قولهم «إنّ المعاصي كلّها كبائر» كما ستعرف ذلك. واعتبار إصلاح

__________________

(١) شرائع الإسلام : في صفات الشاهد ج ٤ ص ١٢٨.

(٢) قواعد الأحكام : في الشهادات ج ٣ ص ٤٩٤.

(٣) الدروس الشرعية : في ما يعتبر في الشاهد ج ٢ ص ١٢٦.

(٤) القواعد والفوائد : فائدة في التوبة ج ١ ص ٢٢٨.

(٥) المبسوط : في التوبة الحكمية ج ٨ ص ١٧٩.

(٦) السرائر : في اشتراط العدالة في الشاهد ج ٢ ص ١١٨.

٢٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل سنة أو ستّة أشهر ليس لأصحابنا وإنّما هو قول لبعض العامّة كما في «قواعد الشهيد (١)».

وكلّ ذلك ظاهر في عدم اعتبار الملكة في تعريف العدالة ، إذ لم توجد الملكة بساعة واحدة وكذا المروءة ، وفي عدم احتياج إثبات العدالة إلى المعاشرة الباطنية ، بل يدلّ على عدم اشتراط العدالة قبل الشهادة ، لأنه قد يتوب الشاهد فيأتي بها ، بل يأتي بها بعد ردّه بالفسق ، بل لا يحتاج إلى الجرح والتعديل ، وتصير معظم هذه المباحث قليلة الفائدة ومنزّلة على احتمال أنه لا يتوب ، ويدلّ على قبول مجهول الحال بعد التوبة بطريق أولى.

وما عساه يقال (٢) في الجواب من أنّ الملكة لا تزول بمخالفة مقتضاها في بعض الأحيان إلّا أنّ الشارع جعل الأثر المخالف لمقتضاها مزيلاً لحكمها بالإجماع وجعل التوبة رافعة لهذا المزيل. وبالجملة : الأمر تعبّدي ، لكن لا يكفي مجرّد قول «تبت» خصوصاً وهو حال هذا القول غير عدل ولا يكتفى بالساعة ، بل لا بدّ من الاختبار حتّى يحصل الظنّ بحصول الندم ، ثمّ هذا لا يحتاج إلى طول ممارسة كما في أصل الملكة ، بل ربما يظهر في الحال ، ففيه : أنه خلاف تصريحهم بالزوال والعود ، وإن سلّم بقاء الملكة فإنّما يسلّم حيث يكون المنافي مخالفة مروءة ونحوها ، أمّا لو كان كبيرة تشعر بعدم الاكتراث بالدين فغير مسلّم وأنه اعتماد على كفاية الظنّ في تحصيلها وردّ لقول الشيخ والمحقّق ومَن وافقهما.

هذا ويحتمل أن يكون مراد الشيخ أنّها تعود بمحض التوبة وهي الندامة والعزم على عدم الفعل لكون الذنب قبيحاً ، والعمل الصالح تأكيد كما يظهر من قوله عزوجل : (ومن تاب وأصلح (٣))فمراد الشيخ : تب توبة حقيقية وإذا تحقّق عندي

__________________

(١) القواعد والفوائد : فائدة في التوبة ج ١ ص ٢٢٨.

(٢) شرح الوافية للأعرجي : القول في تعريف العدالة ص ١٧٠ س ١٢ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢).

(٣) والآية هكذا «كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ» الانعام : ٥٤.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

ذلك أقبل شهادتك ، وليس مقصوده رفع عار الردّ ، فتأمّل.

وقد يجاب عن هذا الإيراد بأنّ الشأن فيها كالشأن في الكريم إذا بخل والشجاع إذا جبن. ويأتي تمام الكلام في ذلك عند ذكر الزوال والعود.

ويرد عليهم ثالثاً : أنه قد اشتهر بينهم تقديم الجرح على التعديل عند التعارض ، وهذا لا يتأتّى إلّا على القول بأنّ العدالة حُسن الظاهر ، وأمّا على القول بأنّها الملكة فلا يتّجه ، لأنّ المعدّل إنّما ينطق عن علم حصل له بعد طول المعاشرة والاختبار أو بعد الجهد في تتبّع الآثار ، وعند هؤلاء يبعد صدور المعصية فيبعد صدور الخطأ من المعدّل ، ويرشد إلى ذلك تعليلهم في تقديم الجرح على التعديل إنّا إذا أخذنا بقول الجارح فقد صدّقناه وصدقنا المعدّل ، لأنه لا مانع من وقوع ما يوجب الجرح والتعديل بأن يكون كلّ منهما اطّلع على ما يوجب أحدهما ، وأنت خبير بأنّ المعدّل على القول بالملكة إنّما يخبر بما علمه وبما هو عليه في نفس الأمر والواقع ، ففي تقديم الجرح حينئذٍ وتصديقهما معاً جمع بين النقيضين تأمّل فإنّه ربما دقّ.

ويرد عليهم رابعاً : ما ذكره الاستاذ دام ظلّه في «حاشية المعالم (١)» من أنّ اعتبارها في الراوي يقضي بعدم الاعتماد إلّا على قول المعصوم ، لعدم استحالة صدور فسق من صاحب الملكة ، قال : ولذا قال القائلون بها بذلك ، وعلى فرض كون العدالة الملكة لا بدّ من رفع اليد عنها للزوم انسداد باب معرفة العادل ، انتهى.

ويرد عليهم خامساً : إطباق الأصحاب إلّا السيّد (٢) وأبا علي (٣) على عدم إعادة الصلاة على مَن صلّى خلف إمام ثمّ تبيّن كفره أو فسقه. وبذلك نطقت الأخبار (٤) ، وهذا من أقوى الشواهد. وستسمع الكلام فيه مستوفى.

__________________

(١) لا يوجد لدينا.

(٢ و ٣) نقله عنهما العلّامة في مختلف الشيعة : في صلاة الجماعة ج ٣ ص ٧٠ ، والسيّد في المدارك : في صلاة الجماعة ج ٤ ص ٣٧٣.

(٤) وسائل الشيعة : ب ٣٧ من أبواب صلاة الجماعة ج ٥ ص ٤٣٥.

٢٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

وأمّا رواية ابن أبي يعفور فهي عليهم لا لهم كما قال المولى الأردبيلي (١) والسيّد صدر الدين (٢) والاستاذ (٣) دام ظلّه ، وإلى ذلك أشار صاحب «المدارك (٤)».

قال في «مصابيح الظلام» : إنّ مضمونها أنّ العادل هو الّذي يستر عيوبه حتّى يحرم على المسلمين تفتيش ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه لا أنه الّذي لا يكون له عيب ولا عثرة. نعم لا بدّ أن لا يظهر منه ذلك إذا صدر منه باطناً بحيث لو أظهره مظهر يصير فاسقاً ، مضافاً إلى حرمة التجسّس وإشاعة الفاحشة ، فيصير الساتر لعيوبه عادلاً لحُسن ظاهره بالوجدان ولحُسن باطنه بحكم الشرع ومقتضى قواعده ، ويعضد ذلك أصالة صحّة تصرّفات المسلم وحمل أفعاله على الصحّة وتكذيب السمع والبصر. نعم لا بدّ من حُسن الظاهر المتحقّق بالمعاشرة الظاهرية. وعلى ذلك ينزّل إجماع الخلاف وكلام مَن وافق من القدماء ، وقد تضمّنت هذه الرواية اعتبار صلاة الجماعة ومعروفيته بها ، بل ظاهرها أنّ الجماعة في الفرائض واجبة وأنّ المتخلّف عنها يحرق بيته وكلّ ذلك مخالف للإجماع (٥). هذا حاصل ما قاله الاستاذ دام ظلّه في معنى الخبر.

ثم إنّه تأوّل الأوّلين بأنّ المراد معرفة كون الرجل معروف العدالة بين المسلمين حتّى يصير حجّة لكلّ من احتاجه منهم والأخير بالحمل على التقية. وقد أطال صاحبا «مجمع البرهان (٦) والذخيرة (٧)» الكلام في هذا الخبر. وقال

__________________

(١) لم نر هذه الجملة في مجمع الفائدة في دلالة خبر عبد الله بن أبي يعفور وإنّما الّذى أتى فيه قوله : وأمّا الرواية فمع قصور دلالتها على مطلوبهم. انتهى. نعم جاء بهذه العبارة عند التعرّض لرواية عبد الله بن المغيرة الّتي استدلّ بها في شرح الشرائع على كون العدالة هي الملكة الراسخة ، فراجع مجمع الفائدة : ج ١٢ ص ٦٤ ٧٠.

(٢) شرح الوافية : القول في العدالة ص ٧٩ (مخطوط في مكتبة المرعشي برقم ٢٦٥٦).

(٣) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٦ س ٢٥ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٤) مدارك الأحكام : في صلاة الجمعة ج ٤ ص ٦٦.

(٥) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٦ ٩٧ س ٢٦ وما بعده.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : في صلاة الجمعة ج ٢ ص ٣٥٢ ٣٥٣.

(٧) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٦ س ٢٩.

٢٧٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستاذ دام ظلّه : ربّما كان الاحتياط في مراعاة الملكة وربّما كان في ترك المراعاة بل هو الأظهر في الأكثر (١) ، انتهى.

قلت : ومن هنا يعلم الجواب عمّا عساه يقال : إنّ احتمال أن لا تكون العدالة حُسن الظاهر يكفينا ، لأنّ الشغل اليقيني يقتضي اليقين بالفراغ ولا يحصل ذلك إلّا باعتبار الملكة ، وقد يجاب أيضا بأنّ الأخبار تكفي في بيان معناها وقد دلّت على ما ذكرناه ، فالمراد بالعادل الواقعي هو ما اقتضى الدليل إطلاق العادل عليه في نفس الأمر لا ما كان عادلاً في نفس الأمر ، والدليل قد يفيد القطع وقد يفيد الظنّ ، إذ لو كان المراد من الفاسق الّذي لا يقبل قوله الفاسق في نفس الأمر وإن لم نعلم به لزم التكليف بما لا يطاق ، فلا بدّ أن يراد ما أمكن معرفته إمّا علماً أو ظنّاً معتبراً.

والمشهور كما في «الذخيرة (٢) والكفاية (٣)» اعتبار المروءة في عدالة الإمام والشاهد. وفي «الماحوزية» نقل حكاية الإجماع على ذلك. واحتمل في «مجمع البرهان (٤)» الإجماع على اعتبارها في غير مستحقّ الزكاة والخمس ، وتأمّل في قدح المباحات الّتي تؤذن بخسّة النفس في العدالة. وفي «المفاتيح (٥)» أنّ المشهور قدح منافيات المروءة فيها.

والمشهور كما في «الذخيرة (٦)» جعلها جزءاً من مفهوم العدالة وبعضهم جعلها شرطاً في قبول الشهادة حيث لم يأخذها في تعريفها ، لكنّه عدّها في شروط قبول الشهادة ، وقد جعلها المصنّف في شهادات الكتاب (٧) شطراً وشرطاً ، وذلك لأنه أخذها في تعريف العدالة ، ثمّ قال : الخامس من شرائط قبول الشهادة المروءة ،

__________________

(١) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ٩٧ س ١٥.

(٢) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ١٤.

(٣) كفاية الأحكام : في أحكام الجماعة ص ٢٩ س ٢٧ ٢٨.

(٤) مجمع الفائدة والبرهان : في صلاة الجمعة ج ٢ ص ٣٥٢.

(٥) مفاتيح الشرائع : فيما يثبت به الإيمان والعدالة ج ١ ص ٢٠.

(٦) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ١٤.

(٧) قواعد الأحكام : في صفات الشاهد ج ٣ ص ٤٩٤ و ٤٩٥.

٢٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

ولعلّه قصد في ذلك الإشارة إلى أنه لا بدّ من اعتبارها في قبول الشهادة ، سواء اعتبرت في العدالة أم لا.

ولم تذكر في «الشرائع (١) والمختلف (٢) والإرشاد (٣) والإيضاح (٤)» في موضع منه حيث قال : كيفية تبعث على ملازمة الطاعات والانتهاء عن المحرمات ، ولا في زكاة «الدروس (٥)» ولا في كلام جماعة من القدماء كما سمعت كلامهم. وفي قضاء «مجمع البرهان (٦)» لا أعرف دليلاً على اعتبارها. ونحوه قال في «الكفاية (٧)». وفي شهادات «مجمع البرهان (٨)» لم يثبت اعتبارها شرعاً ولا لغةً ولا عرفاً. وفي «الماحوزية» ليس ببعيد عدم اعتبارها ، لأنه مخالفة للعادة لا الشرع. وما ادّعوه من تلازم التقوى والمروءة في حيّز المنع ، قال : وربّما استدلّ عليه بقول الكاظم عليه‌السلام في حديث هشام : «لا دين لمن لا مروءة له ، ولا مرؤة لمن لا عقل له (٩)» ثمّ إنّه تأمّل فيه.

قلت : الدليل على اعتبارها قول الصادق عليه‌السلام في خبر عثمان عن سماعة في علامات المؤمن : «مَن عامل الناس فلم يظلمهم وحدّثهم فلم يكذبهم ووعدهم فلم يخلفهم كان ممّن حرمت غيبته وكملت مروءته وظهر عدله ووجبت أخوّته (١٠)» فتأمّل فيه. وقول الصادق عليه‌السلام في خبر ابن أبي يعفور (١١) «أن يكون ساتراً لعيوبه»

__________________

(١) شرائع الإسلام : في صفات الشاهد ج ٤ ص ١٢٦ ١٢٧.

(٢) مختلف الشيعة : في الشهادات ج ٣ ص ٥٢.

(٣) إرشاد الأذهان : في صفات الشاهد ج ٢ ص ١٥٦.

(٤) إيضاح الفوائد : في الجماعة ج ١ ص ١٤٩.

(٥) الدروس الشرعية : كتاب الزكاة في مَن لا يستحقّها ج ١ ص ٢٤٢.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : في كيفية الحكم ج ١٢ ص ٦٦.

(٧) كفاية الأحكام : في أحكام الجماعة ص ٢٩ س ٢٨.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣١٢.

(٩) الكافي : كتاب العقل والجهل ج ١ ص ١٩ ح ١٢.

(١٠) وسائل الشيعة : ب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ح ٩ ج ٥ ص ٣٩٣.

(١١) وسائل الشيعة : ب ٤١ من أبواب الشهادات ح ١ ج ١٨ ص ٢٨٨.

٢٧٦

.................................................................................................

______________________________________________________

ومنافي المروءة عيب وهذا يدلّ على الشطرية ، ومخالفة العادة إنّما تضرّ القائل بالشطرية بل لا تضرّه كما سمعت ما في خبر ابن أبي يعفور ، وأمّا القائل بالشرطية فإنّه يقول : إنّ مخالفتها تورث الظنّة والتهمة وتشويش نفس الحاكم وعدم السكون إليه فيدخل في الظنين والمتّهم ، إذ التهمة لا يجب أن تكون بالفسق ولذا ورد ردّ شهادة السائل بكفّه وإن لم يكن فاسقاً لمكان التهمة ، كما يشير إليه قوله عليه‌السلام : «لأنه إذا اعطي رضي وإن منع سخط (١)».

واستند بعضهم (٢) في اعتبارها إلى أنّ مخالفتها إمّا لخبل أو نقصان عقل أو قلّة مبالاة أو حياء ، وعلى التقديرين لا ثقة بقوله وفعله. قلت : وهذا يوافق ما ذكرنا ، لأنّ هذه عيوب عرفاً بل لغةً وشرعاً لقولهم عليهم‌السلام «الحياء من الإيمان (٣)» ، «ولا إيمان لمن لا حياء له (٤)» وممّا ينبّه على ذلك حديث صاحب البرذون حيث قال : «لا أقبل شهادته (شهادة فلان خ ل) لأنّي رأيته يركض على برذون (٥)».

ولهم في تفسيرها تعاريف متقاربة لا حاجة بنا إلى ذكرها *.

__________________

(*) وقال في الدروس (٦) : المروءة مروءتان : مروءة في الحضر وهي تلاوة القرآن ولزوم المساجد والمشي مع الاخوان في الحوايج والنعمة ترى على الخادم فإنّها تسرّ الصديق وتكبت العدوّ ، وأمّا في السفر فكثرة الزاد وطيبه وبذله لمن كان معك وكتمانك على القوم أمرهم بعد مفارقتهم وكثرة المزاح في غير ما يسخط الله سبحانه (منه قدس‌سره).

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٣٥ من أبواب الشهادات ح ٢ ج ١٨ ص ٢٨١.

(٢) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام : في صفات الشهود ج ١٤ ص ١٦٩.

(٣) وسائل الشيعة : ب ١١٠ من أبواب أحكام العشرة ح ٢ و ٣ ج ٨ ص ٥١٦.

(٤) وسائل الشيعة : ب ١١٠ من أبواب أحكام العشرة ح ٢ و ٣ ج ٨ ص ٥١٦.

(٥) لم نعثر على هذا الحديث في كتب الحديث «منّا ولا من العامّة حسب ما تفحّصنا ، فراجع.

(٦) لم نعثر على هذا الكلام في الدروس ولا وقفنا على حاكٍ له منه في شي‌ء من الكتب الّتي بأيدينا حسب ما تفحّصنا فيها ولو كان في الدروس فلعلّه كان في نسخة منه غير ما هو الرائج الدائر من نسخه فراجع.

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

والمشهور أنه لا يعتبر في العدالة الإتيان بالمندوبات إلّا أن يؤدّي الترك إلى التهاون كما في «مصابيح الظلام (١)» لقولهم عليهم‌السلام : مَن عمل بما افترض عليه فهو من أعبد الناس (٢)» ونحو ذلك من الأخبار. ونقل (٣) عن بعضهم القول بحرمة ترك المندوبات ووجوب فعل شي‌ء منها في الجملة ، وعن بعضهم (٤) أنه لو اعتاد ترك صنف منها فكترك الجميع ، نعم لو تركها أحياناً لم يضرّ.

وظاهر «المفاتيح (٥)» الإجماع كما نصّ كثير على أنّ الصنائع المكروهة والحِرَف الدنية غير قادحة ، بل في كلام بعضهم كالشهيد في شهادات «الدروس (٦)» عدم قدحها وإن استغنى عنها.

ولم يذكر المصنّف في «نهاية الاصول» كصاحب «المحصول» اعتبار الاجتناب عن الإصرار ولعلّهما أدرجاه في الكبائر.

وأمّا الإصرار فالمشهور (٧) كما في «مجمع البرهان» أنه يحصل بالمرّة الواحدة مع العزم على العود وبتكرّر فعل الصغيرة في الغالب. وفي «التحرير (٨)» الإجماع على أنه إن داوم على الصغائر أو وقعت منه في أكثر الأحوال ردّت شهادته. وفي «الذخيرة» لا خلاف في ذلك ، قال : وأمّا العزم عليها بعد الفراغ ففي كونه قادحاً تأمّل إن لم يكن وفاقياً ، وفي صحيحة عمر بن يزيد (٩) إشعار ما بالعدم ، إذ الظاهر أنّ إسماع الكلام المغضب للأبوين معصية (١٠) ، انتهى. قلت : يأتي بيان

__________________

(١) مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ١٠١ س ٥ ٩ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٢) وسائل الشيعة : ب ٢٤ من أبواب جهاد النفس : ح ٧ ج ١١ ص ٢٠٦.

(٣) نقله في مصابيح الظلام : في صلاة الجمعة ج ١ ص ١٠١ (مخطوط في مكتبة الگلپايگاني).

(٤) كالشهيد الثاني في مسالك الأفهام : كتاب الشهادات ج ١٤ ص ١٧٢.

(٥) مفاتيح الشرائع : فيما يثبت به الإيمان والعدالة ج ١ ص ٢٠.

(٦) الدروس الشرعية : في ما يعتبر في الشاهد من الصفات ج ٢ ص ١٢٥.

(٧) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣٢٠.

(٨) تحرير الأحكام : في صفات الشاهد وشرائطه ج ٢ ص ٢٠٨ س ١٢ ١٣.

(٩) وسائل الشيعة : ب ١١ من أبواب صلاة الجماعة ح ١ ج ٥ ص ٣٩٢.

(١٠) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٨ و ١٠ ١١.

٢٧٨

.................................................................................................

______________________________________________________

قدحه. ويظهر من عبارة «التحرير (١) والإرشاد (٢) والكتاب (٣)» في الشهادات أنّ فعل الصغيرة غالباً مضرّ في العدالة وأنه ليس بكبيرة ولا إصرار حيث قيل فيها وعن الإصرار على الصغائر أو الإكثار منها ، وقد سمعت أنه في «مجمع البرهان» جعله من الإصرار وقال : إنّه المشهور. قلت : ولعلّ الأمر كما ذكر كما يأتي ، ولا فائدة في تحقيق ذلك بعد ظهور الحكم.

وقسّمه الشهيدان في «القواعد (٤) والروضة (٥)» والمقدّس الأردبيلي في «مجمع البرهان (٦)» إلى فعلي وحكمي ، فالفعلي هو الدوام على نوع واحد من الصغائر بلا توبة أو الإكثار من جنسها بلا توبة ، والحكمي هو العزم على فعل تلك الصغيرة بعد الفراغ منها ، قال في «الذخيرة (٧)» هذا ممّا ارتضاه جماعة من المتأخّرين. قلت : وهذا يؤيّد ما فهمه في «مجمع البرهان (٨)».

ونقل في تفسيره أقاويل مختلفة ، فعن بعضهم : أنّ الإصرار على نوع واحد ، وقيل : إنّه الإكثار ولو من أنواع شتّى ، وقيل : أن يتكرّر تكراراً يشعر بقلّة مبالاته بالدين ، وعن بعضهم : أنّ المراد به عدم التوبة (٩). قال في «الذخيرة (١٠)» : وهذا

__________________

(١) تحرير الأحكام : في صفات الشاهد وشرائطه ج ٢ ص ٢٠٨ س ١١.

(٢) إرشاد الأذهان : في صفات الشاهد ج ٢ ص ١٥٦.

(٣) قواعد الأحكام : في صفات الشاهد ج ٣ ص ٤٩٤.

(٤) القواعد والفوائد : فائدة في التوبة ج ١ ص ٢٢٧.

(٥) الروضة البهية : كتاب الشهادات ج ٣ ص ١٣٠.

(٦) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣٢٠.

(٧) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٦.

(٨) مجمع الفائدة والبرهان : في الشروط العامّة للشاهد ج ١٢ ص ٣٢٠.

(٩) ذكر هذه الأقوال البحراني في الحدائق : في صلاة الجمعة ج ١٠ ص ٥٤ ، والماوردي في تفسيره : ج ١ ص ٤٢٤ في سورة آل عمران الآية ١٣٥ ، والبغوي في تفسيره أيضاً : ج ١ ص ٣٥٣ نفس الآية ، وأشار إليها الشهيد الثاني في مسالك الأفهام : في صفات الشهود ج ١٤ ص ١٦٨ ، والسبزواري في الذخيرة : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥.

(١٠) ذخيرة المعاد : في صلاة الجمعة ص ٣٠٥ س ٤.

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ضعيف. قلت : قد جاء هذا في رواية جابر (١) عن أبي جعفر عليه‌السلام لكنّ السند ضعيف ، ولعلّ تضعيفه له لمخالفته ما في «الصحاح (٢) والقاموس (٣) والنهاية الأثيرية (٤)» من أنّ الإصرار الإقامة على الشي‌ء والملازمة والمداومة. ويمكن أن يقال : إنّه لمّا عصى ولم يتب فهو مخاطب بالتوبة ولمّا لم يتب في الحال فقد عصى ، فهو في كلّ آنٍ مخاطب بالتوبة ولمّا لم يتب فقد أقام واستمرّ على عدم التوبة الّتي هي معصية. وينزّل ما جاء في الخبر على إرادة العزم ، فإنّ الفاعل للشي‌ء العازم على المعاودة إليه مقيم ، بل لا معنى للإقامة على الذنب إلّا ذلك ، إذ ليس المراد الملازمة الفعلية ، فكان هذا القول أظهر الأقوال وراجعاً إلى ما ادّعى عليه الشهرة ، فتأمّل.

فإن قلت : إنّ فعل الصغيرة من دون توبة يكفّر باجتناب الكبائر وإلّا فلا مورد للآية الشريفة وهو قوله عزوجل : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٥)

قلت : تكفير ترك الكبائر في حال غفلته عن الفعل أو غفلته عن أنه لا بدّ من التوبة أو حيث يكون ترك التوبة لاتّكاله على ترك الكبائر ، ولعلّ هذا ندامة وتوبة. وأمّا حيث يفعل الصغيرة ويمضي عليه زمان تقع فيه التوبة ولا يتوب مع تفطّنه لذنبه وعزمه على معاودته فلا نسلم أنها (أنه خ ل) تكفير بترك الكبائر بل هو الإصرار كما عرفت. قال الشهيد في «قواعده» : وأمّا مَن فعل الصغيرة ولم يخطر بباله بعدها توبة ولا عزم على فعلها فالظاهر أنه غير مصرّ ولعلّه ممّا يكفّره الأعمال الصالحة (٦) ، انتهى ، وهو نصّ فيما قلناه.

__________________

(١) وسائل الشيعة : ب ٤٨ من أبواب جهاد النفس وما يناسبه ح ٤ ج ١١ ص ٢٦٨.

(٢) الصحاح : ج ٢ ص ٧١١ مادة «صرر».

(٣) الموجود في القاموس هو مضمون ما حكاه الشارح عنه لا بعين عبارته ، وذلك لأنه قال : أصرّ يعدو وأسرع وعلى الأمر عزم وجدّ ، انتهى وراجع.

القاموس المحيط : ج ٢ ص ٦٩ مادة «الصرّة».

(٤) النهاية لابن الأثير : ج ٣ ص ٢٢ مادة «صرر».

(٥) النساء : ٣١.

(٦) القواعد والفوائد : قاعدة ٦٨ ج ١ ص ٢٢٧.

٢٨٠