بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

قال أو أسكت قال فإنه قال لك حين قلت له فما يمنعك أن تستخلفه قال الصحيفة التي كتبناها بيننا والعهد في الكعبة في حجة الوداع فسكت ابن عمر وقال أسألك بحق رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لما أمسكت عني الخبر.

٨ ـ ومنه : عن عبد الرحمن بن غنم الأزدي وساق قصة وفاة معاذ بن جبل وأبي بكر إلى أن قال دعا بالويل والثبور وقال هذا محمد وعلي صلوات الله عليهما يبشراني بالنار بيده الصحيفة التي تعاهدنا عليها في الكعبة وهو يقول لقد وفيت بها فظاهرت على ولي الله [ أنت ] وأصحابك فأبشر بالنار في أسفل السافلين قال سليم فقلت لمحمد بن أبي بكر فمن ترى حدث أمير المؤمنين عن هؤلاء الخمسة بما قالوا قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إنه يراه في منامه كل ليلة وحديثه إياه في المنام مثل حديثه إياه في اليقظة فإن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي في نوم ولا يقظة ولا بأحد من أوصيائي إلى يوم القيامة قال سليم فقلت لمحمد بن أبي بكر من حدثك بهذا قال علي عليه‌السلام فقلت سمعت أنا أيضا كما سمعت أنت قلت لمحمد فلعل ملكا من الملائكة حدثه قال أو ذاك وساقه إلى أن قال سليم فلما قتل محمد بن أبي بكر بمصر وعزينا أمير المؤمنين عليه‌السلام حدثته بما حدثني به محمد وخبرته بما خبرني به عبد الرحمن بن غنم قال صدق محمد رحمه‌الله أما إنه شهيد يرزق الحديث.

٩ ـ مجالس ابن الشيخ : عن أبيه عن المفيد عن الصدوق عن أبيه عن محمد بن القاسم عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن أبيه عمن سمع حنان بن سدير الصيرفي قال سمعت أبي يقول رأيت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فيما يرى النائم وبين يديه طبق مغطى بمنديل فدنوت منه وسلمت عليه ، فرد السلام ثم كشف المنديل عن الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فدنوت منه فقلت يا رسول الله ناولني رطبة فناولني واحدة فأكلتها ثم قلت يا رسول الله ناولني أخرى فناولنيها فأكلتها فجعلت كلما أكلت واحدة سألته أخرى حتى أعطاني ثمانية رطبات فأكلتها ثم طلبت منه أخرى فقال لي حسبك قال فانتبهت من منامي فلما كان من

٢٤١

الغد دخلت على جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام وبين يديه طبق مغطى بمنديل كأنه الذي رأيته في المنام بين يدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فسلمت عليه فرد علي السلام ثم كشف الطبق فإذا فيه رطب فجعل يأكل منه فعجبت لذلك وقلت جعلت فداك ناولني رطبة فناولني فأكلتها ثم طلبت أخرى حتى أكلت ثماني رطبات ثم طلبت منه أخرى فقال لي لو زادك جدي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لزدناك فأخبرته فتبسم تبسم عارف بما كان.

١٠ ـ ومنه : بإسناده عن سلمان في أجوبة أمير المؤمنين عليه‌السلام عن مسائل الجاثليق وساق إلى أن طلب الجاثليق منه عليه‌السلام المعجز فقال أمير المؤمنين خرجت أيها النصراني من مستقرك مضمرا خلاف ما أظهرت الآن من الطلب والاسترشاد فأريت في منامك مقامي وحدثت فيه كلامي وحذرت فيه من خلافي وأمرت فيه باتباعي قال صدقت والله الذي بعث المسيح ما اطلع على ما أخبرتني به غير الله تعالى ثم أسلم وأسلم الذين كانوا معه.

أقول : قد مر في أبواب معجزات الأئمة عليهم‌السلام أخبار كثيرة في ذلك تركناها مخافة الإطناب والتكرار وستأتي رؤيا أم داود في باب عمل الاستفتاح.

١١ ـ التوحيد للصدوق : بإسناده عن وهب بن وهب القرشي عن أبي عبد الله عن آبائه عليهم‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام رأيت الخضر عليه‌السلام (١) قبل بدر بليلة فقلت له علمني شيئا أنصر به على الأعداء فقال (٢) يا هو يا من لا هو إلا هو فلما أصبحت قصصتها على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال يا علي علمت الاسم الأعظم وكان على لساني يوم بدر (٣) الخبر.

١٢ ـ مجالس ابن الشيخ : عن أبيه عن ابن حشيش عن محمد بن عبد الله عن علي بن محمد بن مخلد عن أحمد بن ميثم عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن

__________________

(١) في المصدر : فى المنام.

(٢) فيه : قل يا هو ...

(٣) التوحيد : ٤٩.

٢٤٢

أبي بكر بن عياش قال : إني رأيت في منامي حين وجه موسى بن عيسى إلى قبر الحسين عليه‌السلام من كربه وكرب جميع أرض الحائر وزرع الزرع فيها كأني خرجت إلى قومي بني غاضرة فلما صرت بقنطرة الكوفة اعترضتني خنازير عشرة تريدني فأغاثني الله برجل كنت أعرفه من بني أسد فدفعها عني فمضيت لوجهي فلما صرت إلى شاهي ضللت الطريق فرأيت هناك عجوزا فقالت لي أين تريد أيها الشيخ قلت أريد الغاضرية قالت لي تنظر هذا الوادي فإنك إذا أتيت إلى آخره اتضح لك الطريق فمضيت وفعلت ذلك فلما صرت إلى نينوى إذا أنا بشيخ كبير جالس هناك فقلت من أين أنت أيها الشيخ فقال لي أنا من أهل هذه القرية فقلت كم تعد من السنين قال ما أحفظ ما مر من سني وعمري ولكن أبعد ذكري أني رأيت الحسين بن علي عليه‌السلام ومن كان معه من أهله ومن تبعه يمنعون الماء الذي تراه ولا تمنع الكلاب ولا الوحوش شربه فاستفظعت ذلك وقلت له ويحك أنت رأيت هذا قال إي والذي سمك السماء لقد رأيت هذا أيها الشيخ وعاينته وإنك وأصحابك الذين تعينون على ما قد رأينا مما أقرح عيون المسلمين إن كان في الدنيا مسلم فقلت ويحك وما هو قال حيث لم تنكروا ما أجرى سلطانكم إليه قلت وما جرى قال أيكرب قبر ابن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ويحرث أرضه قلت وأين القبر قال ها هو ذا أنت واقف في أرضه وأما القبر فقد عمي عن أن يعرف موضعه.

قال ابن عياش : وما كنت رأيت القبر قبل ذلك الوقت قط ولا أتيته في طول عمري فقلت من لي بمعرفته فمضى معي الشيخ حتى وقف بي على حير له باب وآذن وإذا جماعة كثيرة على الباب فقلت للآذن أريد الدخول على ابن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لا تقدر على الوصول في هذا الوقت قلت ولم قال هذا وقت زيارة إبراهيم خليل الله ومحمد رسول الله ومعهما جبرئيل وميكائيل في رعيل من الملائكة كثير.

قال ابن عياش : فانتبهت وقد دخلني روع شديد وحزن وكآبة ومضت بي الأيام حتى كدت أن أنسى المنام ثم اضطررت إلى الخروج إلى بني غاضرة لدين

٢٤٣

كان لي على رجل منهم فخرجت وأنا لا أذكر الحديث حتى صرت بقنطرة الكوفة ولقيني عشرة من اللصوص فحين رأيتهم ذكرت الحديث ورعبت من خشيتي لهم فقالوا لي ألق ما معك وانج بنفسك وكان معي نفيقة فقلت ويحكم أنا أبو بكر بن عياش وإنما خرجت في طلب دين لي والله لا تقطعوني عن طلب ديني وتصرفاتي في نفقتي فإني شديد الإضافة فنادى رجل منهم مولاي ورب الكعبة لا تعرض له ثم قال لبعض فتيانهم كن معه حتى تصير به إلى الطريق الأيمن.

قال أبوبكر : فجعلت أتذكر ما رأيته في المنام وأتعجب من تأويل الخنازير حتى صرت إلى نينوى فرأيت والله الذي لا إله إلا هو الشيخ الذي كنت رأيته في منامي بصورته وهيئته رأيته في اليقظة كما رأيته في المنام سواء فحين رأيته ذكرت الأمر والرؤيا فقلت لا إله إلا الله ما كان هذا إلا وحيا (١) ثم سألته كمسألتي إياه في المنام فأجابني بما كان أجابني ثم قال لي امض بنا فمضيت فوقفت معه على الموضع وهو مكروب فلم يفتني شيء من منامي إلا الآذن والحير فإني لم أر حيرا ولم أر آذنا ثم قال أبو بكر إن أبا حصين حدثني أن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال من رآني في المنام فإياي رأى فإن الشيطان لا يتشبه بي تمام الخبر.

بيان : تقول كرب الأرض إذا قلبتها للحرث والرعيل القطعة من الخيل والإضافة الضيافة.

أقول : وقد مضت أخبار كثيرة من هذا الباب في أبواب معجزات الأئمة ومعجزات ضرائحهم المقدسة.

__________________

(١) في أكثر النسخ « وصيا » والظاهر أنه تصحيف.

٢٤٤

٤٦

(باب)

(قوى النفس ومشاعرها من الحواس الظاهرة والباطنة وسائر القوى البدنية)

الآيات :

البقرة : « خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ » (١).

النحل : « وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » (٢).

المؤمنون : « وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ » (٣)

الروم : « وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْعالِمِينَ » (٤).

تفسير : « خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ » قال النيسابوري القلب تارة يراد به اللحم الصنوبري المودع في التجويف الأيسر من الصدر وهو محل الروح الحيواني الذي هو منشأ الحس والحركة وينبعث منه إلى سائر الأعضاء بتوسط الأوردة والشرايين ويراد به تارة اللطيفة الربانية التي بها يكون الإنسان إنسانا وبها يستعد لامتثال الأوامر والنواهي والقيام بموجب (٥) التكليف « إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ » (٦) وهي من عالم الأمر الذي لا يتوقف وجوده على مادة ومدة بعد إرادة موجده

__________________

(١) البقرة : ٧.

(٢) النحل : ٧٨.

(٣) المؤمنون : ٧٨.

(٤) الروم : ٢٢.

(٥) بمواجب ( خ ).

(٦) ق : ٣٧.

٢٤٥

« إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ » (١) كما أن البدن بل اللحم الصنوبري من عالم الخلق وهو نقيض ذلك « أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ » (٢) وقد يعبر عنها بالنفس الناطقة « وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها » (٣) وبالروح « قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي » (٤) « وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي » (٥) ثم قال بعد تفسير السمع والبصر والحق عندي أن نسبة البصر إلى العين نسبة البصيرة إلى القلب ولكل من القلب والعين نور أما نور العين فمنطبع فيها لأنه من عالم الخلق فهو نور جزئي ومدركه في ذلك النور ولكل منهما بل لكل فرد منهما حد ينتهي إليه بحسب شدته وضعفه ويتدرج في الضعف بحسب تباعد المرئي حتى لا يدركه أو يدركه أصغر مما هو عليه انتهى.

أقول : وقد مضى تفسير الختم وتأويله في كتاب العدل.

« لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً » قال الزمخشري هو في موضع الحال أي غير عالمين شيئا من حق المنعم الذي خلقكم في البطون وسواكم ثم أخرجكم من الضيق إلى السعة « وَجَعَلَ لَكُمُ » معناه وركب فيكم هذه الأشياء آلات لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه واجتلاب العلم والعمل به من شكر المنعم وعبادته والقيام بحقوقه والترقي إلى ما يسعدكم.

وقال النيسابوري اعلم أن جمهور الحكماء زعموا أن الإنسان في مبدإ فطرته خال عن المعارف والعلوم إلا أنه تعالى خلق السمع والبصر والفؤاد وسائر القوى المدركة حتى ارتسم في خياله بسبب كثرة ورود المحسوسات عليه حقائق تلك الماهيات وحضرت صورها في ذهنه ثم إن مجرد حضور تلك الحقائق إن كان كافيا في جزم الذهن بثبوت بعضها لبعض أو انتفاء بعضها عن بعض فتلك الأحكام علوم بديهية وإن لم يكن

__________________

(١) يس : ٨٢ والآية كانت في المتن بجميع نسخه هكذا : إنما أمرنا لشيء إذا اردناه ان نقول له كن فيكون.

(٢) الأعراف : ٥٤.

(٣) الشمس : ٧ ـ ٨.

(٤) الإسراء : ٨٥.

(٥) ص ٧٢ ، الجر : ٢٩.

٢٤٦

كذلك بل كانت متوقفة على علوم سابقة عليها ولا محالة تنتهي إلى البديهيات قطعا للدور أو التسلسل فهي علوم كسبية فظهر أن السبب الأول لحدوث هذه المعارف في النفوس الإنسانية هو أنه تعالى أعطى الحواس والقوى الداركة للصور الجزئية وعندي أن النفس قبل البدن موجودة عالمة بعلوم جمة هي التي ينبغي أن تسمى بالبديهيات وإنما لا يظهر آثارها عليها حتى إذا قوي وترقى ظهرت آثارها شيئا فشيئا وقد برهنا على هذه المعاني في كتبنا الحكمية فالمراد بقوله « لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً » أنه لا يظهر أثر العلم عليهم ثم إنه بتوسط الحواس الظاهرة والباطنة يكتسب سائر العلوم ومعنى « لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ » أن تصرفوا كل آلة في ما خلق لأجله وليس الواو للترتيب حتى يلزم من عطف جعل على أخرج أن يكون جعل السمع والبصر والأفئدة متأخرا عن الإخراج من البطن.

« وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ » قال الرازي لما أشار إلى دلائل الأنفس والآفاق ذكر ما هو من صفات الأنفس بالاختلاف الذي بين ألوان الإنسان فإن واحدا منهم مع كثرة عددهم وصغر حجمهم خدودهم وقدودهم لا تشتبه بغيرهم والثاني اختلاف كلامهم فإن عربيين هما أخوان إذا تكلما بلغة واحدة يعرف أحدهما من الآخر حتى أن من يكون محجوبا عنهما لا يبصرهما يقول هنا صوت فلان وفيه حكمة بالغة وذلك لأن الإنسان يحتاج إلى التمييز بين الأشخاص ليعرف صاحب الحق من غيره والعدو من الصديق ليحترز قبل وصول العدو إليه وليقبل على الصديق (١) قبل أن يفوته الإقبال عليه وذلك قد يكون بالبصر فخلق اختلاف الصور وقد يكون بالسمع فخلق اختلاف الأصوات وأما اللمس والشم والذوق فلا يفيد فائدة في معرفة العدو والصديق فلا يقع بها التمييز (٢) ومن الناس من قال إن المراد اختلاف اللغات كالعربية والفارسية والرومية وغيرها والأول أصح انتهى.

وعلى الثاني المراد أنه علم كل صنف لغته أو ألهمه وضعها وأقدره عليها.

__________________

(١) في أكثر النسخ « ليحترز قبل ... » وهو خطأ من النساخ ظاهر.

(٢) في أكثر النسخ « التميز ».

٢٤٧

الأخبار :

١ ـ مجالس الصدوق : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن إبراهيم بن هاشم عن إسماعيل بن مرار عن يونس بن عبد الرحمن عن يونس بن يعقوب قال : كان عند أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام جماعة من أصحابه فيهم حمران بن أعين ومؤمن الطاق وهشام بن سالم والطيار وجماعة من أصحابه فيهم هشام بن الحكم وهو شاب فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا هشام قال لبيك يا ابن رسول الله قال ألا تحدثني كيف صنعت بعمرو بن عبيد وكيف سألته قال هشام جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أجلك وأستحييك ولا يعمل لساني بين يديك فقال أبو عبد الله عليه‌السلام إذا أمرتكم بشيء فافعلوا (١) قال هشام بلغني ما كان فيه عمرو بن عبيد وجلوسه في مسجد البصرة وعظم ذلك علي فخرجت إليه ودخلت البصرة في يوم الجمعة فأتيت مسجد البصرة فإذا أنا بحلقة كبيرة وإذا أنا بعمرو بن عبيد عليه شملة سوداء متزر بها من صوف وشملة مرتد بها (٢) فاستفرجت الناس فأفرجوا لي ثم قعدت في آخر القوم على ركبتي ثم قلت أيها العالم أنا رجل غريب تأذن لي فأسألك عن مسألة قال فقال نعم قال قلت له ألك عين قال يا بني أي شيء هذا من السؤال فقلت هكذا مسألتي فقال يا بني سل وإن كانت مسألتك حمقاء قلت أجبني فيها قال فقال لي سل قلت ألك عين قال نعم قلت فما ترى بها قال الألوان والأشخاص قال قلت (٣) فلك أنف قال نعم قلت فما تصنع به قال أتشمم بها الرائحة قال قلت ألك فم قال نعم قال قلت وما (٤) تصنع به قال أعرف به طعم الأشياء قال قلت ألك لسان قال نعم قلت وما تصنع به قال أتكلم به قال قلت ألك أذن قال نعم قلت وما تصنع بها قال أسمع بها الأصوات قال قلت :

__________________

(١) في المصدر : فافعلوه.

(٢) زاد فيه : والناس يسألونه.

(٣) فقلت : ألك.

(٤) فما ( خ ).

٢٤٨

ألك يد قال نعم قلت وما تصنع بها قال أبطش بها قال قلت ألك قلب قال نعم قلت وما تصنع به قال أميز كل ما ورد على هذه الجوارح قال قلت أفليس في هذه الجوارح غنى عن القلب قال لا قلت وكيف ذلك وهي صحيحة سليمة قال يا بني إن الجوارح إذا شكت في شيء شمته أو رأته أو ذاقته أو سمعته أو لمسته ردته إلى القلب فييقن اليقين ويبطل الشك قال فقلت إنما أقام الله القلب لشك الجوارح قال نعم قال قلت فلا بد من القلب وإلا لم تستقم الجوارح قال نعم قال فقلت يا أبا مروان إن الله تعالى ذكره لم يترك جوارحك حتى جعل لها إماما يصحح لها الصحيح وييقن ما شك فيه ويترك هذا الخلق كلهم في حيرتهم وشكهم واختلافهم لا يقيم لهم إماما يردون إليه شكهم وحيرتهم ويقيم لك إماما لجوارحك ترد إليه حيرتك وشكك قال فسكت ولم يقل شيئا قال ثم التفت إلي فقال أنت هشام فقلت لا فقال لي أجالسته فقلت لا قال فمن أين أنت قلت من أهل الكوفة قال فأنت إذا هو قال ثم ضمني إليه وأقعدني في مجلسه وما نطق حتى قمت فضحك أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام ثم قال يا هشام من علمك هذا قال قلت يا ابن رسول الله جرى على لساني قال يا هشام هذا والله مكتوب في « صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى » (١).

٢ ـ العلل : عن محمد بن موسى البرقي عن علي بن محمد ماجيلويه عن أحمد بن أبي عبد الله عن أبيه عن محمد بن سنان عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : سمعته يقول لرجل اعلم يا فلان إن منزلة القلب (٢) من الجسد بمنزلة الإمام من الناس الواجب الطاعة عليهم ألا ترى أن جميع جوارح الجسد شرط للقلب وتراجمة له مؤدية عنه الأذنان والعينان والأنف (٣) واليدان والرجلان والفرج فإن القلب إذا هم بالنظر فتح الرجل عينيه وإذا هم بالاستماع حرك أذنيه وفتح

__________________

(١) الأمالي : ٣٥١ ـ ٣٥٢.

(٢) في بعض النسخ « والجسد » والصواب ما أثبتناه موافقا لنسخ اخرى وللمصدر.

(٣) زاد في المصدر : « والفم ».

٢٤٩

مسامعه فسمع وإذا هم القلب بالشم استنشق بأنفه فأدى تلك الرائحة إلى القلب وإذا هم بالنطق تكلم باللسان وإذا هم بالحركة سعت الرجلان وإذا هم بالشهوة تحرك الذكر فهذه كلها مؤدية عن القلب بالتحريك وكذا ينبغي للإمام أن يطاع للأمر منه (١).

بيان : قال في القاموس الشرطة بالضم واحد الشرط كصرد وهم أول كتيبة تشهد الحرب وتتهيأ للموت وطائفة من أعوان الولاة.

٣ ـ التوحيد والخصال : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن القاسم بن محمد الأصبهاني عن سليمان بن داود المنقري عن سفيان بن عيينة عن الزهري عن علي بن الحسين عليه‌السلام في حديث طويل يقول فيه ألا إن للعبد أربع أعين عينان يبصر بهما أمر دينه ودنياه وعينان يبصر بهما أمر آخرته فإذا أراد الله بعبد خيرا فتح له العينين اللتين في قلبه فأبصر بهما الغيب وأمر آخرته وإذا أراد به غير ذلك ترك القلب بما فيه (٢).

أقول : أوردت الأخبار في أحوال القلب وصلاحه وفساده وكذا أحوال النفس ودرجاتها في الصلاح والفساد في أبواب مكارم الأخلاق من كتاب الكفر والإيمان.

٤ ـ المناقب لابن شهرآشوب ، مما أجاب الرضا عليه‌السلام بحضرة المأمون لضباع بن نصر الهندي وعمران الصابي عن مسائلهما قال عمران العين نور مركبة أم الروح تبصر الأشياء من منظرها قال عليه‌السلام العين شحمة وهو البياض والسواد والنظر للروح دليله أنك تنظر فيه فترى صورتك في وسطه والإنسان لا يرى صورته إلا في ماء أو مرآة وما أشبه ذلك قال ضباع فإذا عميت العين كيف صارت الروح قائمة والنظر ذاهب قال كالشمس طالعة يغشاها الظلام قالا (٣) أين تذهب الروح قال أين يذهب الضوء الطالع من الكوة في البيت إذا سدت الكوة قال أوضح لي

__________________

(١) علل الشرائع : ج ١ ، ص ١٠٣.

(٢) الخصال : ١١٢.

(٣) في المصدر : قال.

٢٥٠

ذلك قال الروح مسكنها في الدماغ وشعاعها منبث في الجسد بمنزلة الشمس دارتها في السماء وشعاعها منبسط على الأرض فإذا غابت الدارة فلا شمس وإذا قطعت الرأس فلا روح (١).

بيان : نور مركبة أي مدرك ركب في هذا العضو وهو يدرك المبصرات أم المدرك الروح وهذا منظره واختار عليه‌السلام الثاني ويدل على أن المدرك النفس وهذه آلاتها كما مر أنه المشهور ويحتمل أن يكون المراد به الروح الحيواني بأن يكون المراد أن المدرك هو الروح الذي في العين لا نفس الضوء (٢) فلا ينفي المذهب الآخر كما يومئ إليه قوله الروح مسكنها في الدماغ وهو يدل على أن محل الروح ومنشأه الدماغ كما قيل وكان النزاع لفظي والمراد هنا الروح النفساني النازل من الدماغ بتوسط الأعصاب إلى جميع البدن ومنشأ الجميع القلب.

قال بعض المحققين : خلق الله سبحانه بلطيف صنعه جرما حارا لطيفا نورانيا شفافا يسمى بالروح البخاري وجعله مركبا للنفس وقواها وكرسيا لملائكتها حيا بحياتها باقيا بتعلقها به فانيا برحلتها عنه لا كسائر الأجرام التي تزول عنها الحياة وهي باقية وبه حياة البدن من الواهب بواسطة النفس فكل موضع يفيض عليه من سلطان نوره يحيا وإلا فيموت واعتبر بالسدد فلو لا أن قوة الحس والحركة قائمة بهذا الجسم اللطيف لما كانت السدد يمنعها وقد يخدر العضو بالسدة بحيث لا يتألم بجرح وضرب وربما ينقطع فتبطل الحياة منه ولو لا أنه شديد اللطافة لما نفذ في شباك العصب ومن أخذ بعض عروقه يحس بجري جسم لطيف حار فيه وتراجعه عنه وهذا هو الروح ومنبعه القلب الصنوبري ومنه يتوزع على الأعضاء العالية والسافلة من البدن فما يصعد إلى معدن الدماغ على أيدي خوادم الشرايين معتدلا بتبريده فائضا إلى الأعضاء المدركة المتحركة منبثا في جميع البدن يسمى روحا نفسانيا وما يسفل منه إلى الكبد بأيدي سفراء الأوردة الذي هو مبدأ

__________________

(١) المناقب : ج ٤ ، ص ٣٥٣.

(٢) العضو خ.

٢٥١

القوى النباتية منبثا في أعراق البدن يسمى روحا طبيعيا انتهى.

قوله دليله أنك تنظر فيه كأن الغرض التنبيه على أن هذا العضو بنفسه ليس شاعرا لشيء لأنه مثل سائر الأجسام الصقيلة التي يرى فيها الوجه كالماء والمرآة فكما أنها ليست مدركة لما ينطبع فيها فكذا العين وغيرها من المشاعر أو دفع (١) لتوهم كون الانطباع دليلا على كونها شاعرة فيكون سندا للمنع.

قوله دارتها أي جرمها المستدير في القاموس الدار المحل يجمع البناء والعرصة كالدارة وبالهاء ما أحاط بالشيء كالدائرة ومن الرمل ما استدار منه وهالة القمر وفي المصباح الدارة دارة القمر وغيره سميت بذلك لاستدارتها انتهى والرأس مذكر وتأنيث الفعل كأنه لاشتماله على الأعضاء الكثيرة إن لم يكن من تصحيف النساخ.

٥ ـ التوحيد : عن محمد بن موسى بن المتوكل عن علي بن إبراهيم عن محمد بن أبي إسحاق عن عدة من أصحابنا أن عبد الله الديصاني أتى هشام بن الحكم فقال له ألك رب فقال بلى قال قادر قال بلى (٢) قادر قاهر قال يقدر أن يدخل الدنيا كلها في البيضة لا تكبر (٣) البيضة ولا تصغر الدنيا فقال هشام النظرة فقال له قد أنظرتك حولا ثم خرج عنه فركب هشام إلى أبي عبد الله عليه‌السلام فاستأذن عليه فأذن له فقال يا ابن رسول الله أتاني عبد الله الديصاني بمسألة ليس المعول فيها إلا على الله وعليك فقال أبو عبد الله عليه‌السلام عما ذا سألك فقال قال لي كيت وكيت فقال أبو عبد الله عليه‌السلام يا هشام كم حواسك قال خمس فقال أيها أصغر فقال الناظر قال وكم قدر الناظر قال مثل العدسة أو أقل منها فقال يا هشام فانظر أمامك وفوقك وأخبرني بما ترى فقال أرى سماء وأرضا ودورا وقصورا وترابا وجبالا وأنهارا فقال له أبو عبد الله عليه‌السلام إن الذي قدر أن يدخل

__________________

(١) رفع خ.

(٢) في المصدر : نعم.

(٣) في المصدر « لا يكبر في البيضة » والصواب ما في المتن.

٢٥٢

الذي تراه العدسة (١) أو أقل منها قادر أن يدخل الدنيا كلها البيضة ولا تصغر الدنيا ولا تكبر البيضة فانكب هشام عليه وقبل يديه ورأسه ورجليه وقال حسبي يا ابن رسول الله فانصرف إلى منزله وغدا عليه الديصاني فقال له يا هشام إني جئتك مسلما ولم أجئك متقاضيا للجواب فقال له هشام إن كنت جئت متقاضيا فهاك الجواب (٢) الخبر.

تبيين : أقول في حل هذا الخبر وجوه أوردتها في كتاب التوحيد وعلى التقادير يدل على أن الإبصار بالانطباع وعلى بعض الوجوه المتقدمة يحتمل أن يكون إقناعيا مبنيا على المقدمة المشهورة بين الجمهور أن الرؤية بدخول صور المرئيات في العضو البصري فلا ينافي كون الإبصار حقيقة بخروج الشعاع.

٦ ـ الإختصاص : قال العالم عليه‌السلام : خلق الله عالمين متصلين فعالم علوي وعالم سفلي وركب العالمين جميعا في ابن آدم وخلقه كريا (٣) [ كرويا ] مدورا فخلق الله رأس ابن آدم كقبة الفلك وشعره كعدد النجوم وعينيه كالشمس والقمر ومنخريه كالشمال والجنوب وأذنيه كالمشرق والمغرب وجعل لمحه كالبرق وكلامه كالرعد ومشيه كسير الكواكب وقعوده كشرفها وغفوه كهبوطها وموته كاحتراقها وخلق في ظهره أربعا وعشرين فقرة كعدد ساعات الليل والنهار وخلق له ثلاثين معى كعدد الهلال ثلاثين يوما وخلق له اثني عشر وصلا (٤) كعدد السنة اثني عشر شهرا وخلق له ثلاثمائة وستين عرقا كعدد السنة ثلاثمائة وستين يوما وخلق له سبعمائة عصبة واثني عشر عضوا وهو مقدار ما يقيم الجنين في بطن أمه وعجنه من مياه أربعة فخلق المالح في عينيه فهما لا يذوبان في الحر ولا يجمدان في البرد وخلق المر في أذنيه لكي لا تقربهما الهوام وخلق المني في ظهره لكيلا يعتريه الفساد وخلق

__________________

(١) فيه : العدس.

(٢) التوحيد : ٧٥.

(٣) في المصدر : كرويا.

(٤) من هنا الى « واثنى عشر » غير موجود في المصدر.

٢٥٣

العذب في لسانه (١) ليجد طعم الطعام والشراب وخلقه بنفس وجسد وروح فروحه التي لا تفارقه إلا بفراق الدنيا ونفسه التي تريه (٢) الأحلام والمنامات وجسمه هو الذي يبلى ويرجع إلى التراب (٣).

بيان : وغفوه أي نومه وفي بعض النسخ فقره وكأنه تصحيف وهو مقدار ما يقيم أي الاثنا عشر فإن أكثر الحمل اثنا عشر شهرا على الأشهر وكأن الروح هو الحيواني والنفس هي الناطقة.

٧ ـ تحف العقول : سأل يحيى بن أكثم عن قول علي عليه‌السلام إن الخنثى يورث من المبال وقال فمن ينظر إذا بال إليه مع أنه عسى أن تكون امرأة وقد نظر إليها الرجال أو عسى أن يكون رجلا وقد نظرت إليه النساء وهذا ما لا يحل فأجاب أبو الحسن الثالث عليه‌السلام : إن قول علي عليه‌السلام حق وينظر قوم عدول يأخذ كل واحد منهم مرآة وتقوم الخنثى خلفهم عريانة فينظرون في المرايا فيرون الشبح فيحكمون عليه (٤).

بيان : ظاهره أن الرؤية بالانطباع لا بخروج الشعاع لقوله عليه‌السلام فيرون الشبح ولأنه إذا كان بخروج الشعاع فلا ينفع النظر في المرآة لأن المرئي حينئذ هو الفرج أيضا ويمكن الجواب بوجهين :

الأول : أن مبنى الأحكام الشرعية الحقائق العرفية واللغوية لا الدقائق الحكمية ومن رأى امرأة في الماء لا يقال لغة ولا عرفا أنه رآها وإنما يقال رأى صورتها وشبحها والنصوص الدالة على تحريم النظر إلى العورة إنما تدل على تحريم الرؤية المتعارفة وشمولها لهذا النوع من الرؤية غير معلوم فيمكن أن يكون كلامه عليه‌السلام مبنيا على ذلك لا على كون الرؤية بالانطباع ويكون قوله فيرون الشبح

__________________

(١) في المصدر : فشهد آدم أن لا إله إلا الله فخلقه بنفس ـ الخ ـ.

(٢) فيه : يرى بها الاحلام.

(٣) الاختصاص : ١٤٢ ـ ١٤٣.

(٤) تحف العقول : السؤال في ص ٤٧٧ ، والجواب في ص ٤٨٠.

٢٥٤

مبنيا على ما يحكم به أهل العرف وذكره لبيان أن مثل تلك الرؤية لا تسمى رؤية حقيقية (١) لا عرفا ولا لغة.

والثاني : أنه يحتمل أن يكون الحكم مبنيا على الضرورة ويجوز في حال الضرورة ما لا يجوز في غيرها فيجوز النظر إلى العورة كنظر الطبيب والقابلة وأمثالهما ولما كان هذا النوع من الرؤية أخف شناعة وأقل مفسدة اختاره عليه‌السلام لدفع الضرورة هناك بها فلا يدل على الجواز عند فقد الضرورة وعلى الانطباع والأول أظهر ومع ذلك لا يمكن دفع كون ظاهر الخبر الانطباع وسنتكلم في أصل الحكم في موضعه إن شاء الله تعالى.

٨ ـ توحيد المفضل : قال الصادق عليه‌السلام فكر يا مفضل في الأفعال التي جعلت في الإنسان من الطعم والنوم والجماع وما دبر فيها فإنه جعل لكل واحد منها في الطباع نفسه محرك يقتضيه ويستحث به فالجوع يقتضي الطعم الذي به حياة البدن وقوامه والكرى (٢) يقتضي النوم الذي فيه راحة البدن وإجمام قواه والشبق يقتضي الجماع الذي فيه دوام النسل وبقاؤه ولو كان الإنسان إنما يصير إلى أكل الطعام لمعرفته بحاجة بدنه إليه ولم يجد من طباعه شيئا يضطره إلى ذلك كان خليقا أن يتوانى عنه أحيانا بالتثقل والكسل حتى ينحل بدنه فيهلك كما يحتاج الواحد إلى الدواء لشيء مما يصلح به بدنه فيدافع به حتى يؤديه ذلك إلى المرض والموت وكذلك لو كان إنما يصير إلى النوم بالتفكر في حاجته إلى راحة البدن وإجمام قواه كان عسى أن يتثاقل عن ذلك فيدفعه حتى ينهك بدنه ولو كان إنما يتحرك للجماع بالرغبة في الولد كان غير بعيد أن يفتر عنه حتى يقل النسل أو ينقطع فإن من الناس من لا يرغب في الولد ولا يحفل (٣) به فانظر كيف جعل لكل واحد من هذه الأفعال التي بها قوام الإنسان وصلاحه محرك من نفس الطبع يحركه كذلك ويحدوه عليه.

__________________

(١) حقيقة ( خ ).

(٢) الكرى ـ بفتحتين ـ : النعاس.

(٣) أي لا يبالى ولا يهتم به. وفي نسخة « لا يحتمل به » وفي أخرى « ولا بمجفل به ».

٢٥٥

واعلم أن في الإنسان قوى أربعا قوة جاذبة تقبل الغذاء وتورده على المعدة وقوة ممسكة تحبس الطعام حتى تفعل فيه الطبيعة فعلها وقوة هاضمة وهي التي تطبخه وتستخرج صفوه وتبثه في البدن وقوة دافعة تدفعه وتحدر الثفل الفاضل بعد أخذ الهاضمة حاجتها ففكر في تقدير هذه القوى الأربع التي في البدن وأفعالها وتقديرها للحاجة إليها والإرب فيها وما في ذلك من التدبير والحكمة ولو لا الجاذبة كيف يتحرك الإنسان لطلب الغذاء التي بها قوام البدن ولو لا الماسكة كيف كان يلبث الطعام في الجوف حتى تهضمه المعدة ولو لا الهاضمة كيف كان ينطبخ منه حتى يخلص منه الصفو الذي يغذو البدن ويسد خلله ولو لا الدافعة كيف كان الثفل الذي تخلفه الهاضمة يندفع ويخرج أولا فأولا أفلا ترى كيف وكل الله سبحانه بلطيف صنعه وحسن تقديره هذه القوى بالبدن والقيام بما فيه صلاحه؟

وسأمثل في ذلك مثالا إن البدن بمنزلة دار الملك وله فيها حشم وصبية (١) وقوام موكلون بالدار فواحد لإفضاء (٢) حوائج الحشم وإيرادها عليهم وآخر لقبض ما يرد وخزنه إلى أن يعالج ويهيأ وآخر لعلاج ذلك وتهيئته وتفريقه وآخر لتنظيف ما في الدار من الأقذار وإخراجه منها فالملك هو الخلاق الحكيم ملك العالمين والدار هي البدن والحشم هي الأعضاء والقوام هي هذه القوى الأربع :

ولعلك ترى ذكرنا هذه القوى الأربع وأفعالها بعد الذي وصفت فضلا وتزدادا وليس ما ذكرته من هذه القوى على الجهة التي ذكرت في كتب الأطباء ولا قولنا فيه كقولهم لأنهم ذكروها على ما يحتاج إليه في صناعة الطب وتصحيح الأبدان وذكرناها على ما يحتاج في صلاح الدين وشفاء النفوس من الغي كالذي أوضحته بالوصف الثاني والمثل المضروب من التدبير والحكمة فيها.

تأمل يا مفضل هذه القوى التي في النفس وموقعها من الإنسان أعني الفكر والوهم والعقل والحفظ وغير ذلك أفرأيت لو نقص الإنسان من هذه الخلال الحفظ وحده

__________________

(١) الصبية ـ بالتثليث : جمع الصبى.

(٢) في بعض النسخ « لا قضاء » وهو تصحيف.

٢٥٦

كيف كانت تكون حاله وكم من خلل كان يدخل عليه في أموره ومعاشه وتجاربه إذا لم يحفظ ما له وعليه وما أخذه وما أعطى وما رأى وما سمع وما قال وما قيل له ولم يذكر من أحسن إليه ممن أساءه وما نفعه مما ضره ثم كان لا يهتدي لطريق لو سلكه ما لا يحصى ولا يحفظ علما ولو درسه عمره ولا يعتقد دينا ولا ينتفع بتجربة ولا يستطيع أن يعتبر شيئا على ما مضى بل كان حقيقا أن ينسلخ من الإنسانية أصلا

فانظر إلى النعمة على الإنسان في هذه الخلال أو كيف موقع الواحدة منها دون الجميع وأعظم من النعمة على الإنسان في الحفظ النعمة في النسيان فإنه لو لا النسيان لما سلا أحد عن مصيبة ولا انقضت له حسرة ولا مات له حقد ولا استمتع بشيء من متاع الدنيا مع تذكر الآفات ولا رجاء غفلة من سلطان ولا فترة من حاسد أفلا ترى كيف جعل في الإنسان الحفظ والنسيان وهما مختلفان متضادان جعل له في كل منهما ضرب من المصلحة وما عسى أن يقول الذين قسموا الأشياء بين خالقين متضادين في هذه الأشياء المتضادة المتباينة وقد تراها تجمع على ما فيه الصلاح والمنفعة؟

انظر يا مفضل إلى ما خص به الإنسان دون جميع الحيوان من هذا الخلق الجليل قدره العظيم غناؤه أعني الحياء فلولاه لم يقر ضيف ولم يوف بالعدات ولم تقض الحوائج ولم يتحر الجميل ولم يتنكب القبيح في شيء من الأشياء حتى إن كثيرا من الأمور المفترضة أيضا إنما يفعل للحياء فإن من الناس [ من ] لو لا الحياء لم يرع حق والديه ولم يصل ذا رحم ولم يؤد أمانة ولم يعف عن فاحشة أفلا ترى كيف وفي الإنسان جميع الخلال التي فيها صلاحه وتمام أمره

تأمل يا مفضل ما أنعم الله تقدست أسماؤه به على الإنسان من هذا النطق الذي يعبر به عما في ضميره وما يخطر بقلبه وينتجه فكره وبه يفهم من غيره ما في نفسه ولو لا ذلك كان بمنزلة البهائم المهملة التي لا تخبر عن نفسها بشيء ولا تفهم عن مخبر شيئا وكذلك الكتابة التي بها تقيد أخبار الماضين للباقين وأخبار الباقين للآتين وبها تخلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها وبها يحفظ الإنسان ذكر ما يجري بينه وبين غيره من المعاملات والحساب ولولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة

٢٥٧

عن بعض وأخبار الغائبين عن أوطانهم ودرست العلوم وضاعت الآداب وعظم ما يدخل على الناس من الخلل في أمورهم ومعاملاتهم وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم وما روي لهم مما لا يسعهم جهله ولعلك تظن أنها مما يخلص إليه بالحيلة والفطنة وليست مما أعطيه الإنسان من خلقه وطباعه وكذلك الكلام إنما هو شيء يصطلح عليه الناس فيجري بينهم ولهذا صار يختلف في الأمم المختلفة بألسن مختلفة وكذلك الكتابة ككتابة العربي والسرياني والعبراني والرومي وغيرها من سائر الكتابة التي هي متفرقة في الأمم إنما اصطلحوا عليها كما اصطلحوا على الكلام فيقال لمن ادعى ذلك إن الإنسان وإن كان له في الأمرين جميعا فعل أو حيلة فإن الشيء الذي يبلغ به ذلك الفعل والحيلة عطية وهبة من الله عز وجل له في خلقه فإنه لو لم يكن له لسان مهيأ للكلام وذهن يهتدي به للأمور لم يكن ليتكلم أبدا ولو لم يكن له كف مهيأة وأصابع للكتابة لم يكن ليكتب أبدا واعتبر ذلك من البهائم التي لا كلام لها ولا كتابة فأصل ذلك فطرة البارئ جل وعز وما تفضل به على خلقه فمن شكر أثيب ومن كفر فإن الله غني عن العالمين.

فكر يا مفضل في ما أعطي الإنسان علمه وما منع فإنه أعطي علم جميع ما فيه صلاح دينه ودنياه فمما فيه صلاح دينه معرفة الخالق تبارك وتعالى بالدلائل والشواهد القائمة في الخلق ومعرفة الواجب عليه من العدل على الناس كافة وبر الوالدين وأداء الأمانة ومواساة أهل الخلة وأشباه ذلك مما قد توجب معرفته والإقرار والاعتراف به في الطبع والفطرة من كل أمة موافقة أو مخالفة وكذلك أعطي علم ما فيه صلاح دنياه كالزراعة والغراس واستخراج الأرضين واقتناء الأغنام والأنعام واستنباط المياه ومعرفة العقاقير التي يستشفى بها من ضروب الأسقام والمعادن التي يستخرج منها أنواع الجواهر وركوب السفن والغوص في البحر وضروب الحيل في صيد الوحش والطير والحيتان والتصرف في الصناعات ووجوه المتاجر والمكاسب وغير ذلك مما يطول شرحه ويكثر تعداده مما فيه صلاح أمره في هذه الدار فأعطي علم ما يصلح به دينه ودنياه ومنع ما سوى ذلك مما ليس فيه

٢٥٨

شأنه ولا طاقته أن يعلم كعلم الغيب وما هو كائن وبعض ما قد كان أيضا كعلم ما فوق السماء وما تحت الأرض وما في لجج البحار وأقطار العالم وما في قلوب الناس وما في الأرحام وأشباه هذا مما حجب على الناس علمه وقد ادعت طائفة من الناس هذه الأمور فأبطل دعواهم ما يبين من خطئهم في ما يقضون عليه ويحكمون به في ما ادعوا علمه فانظر كيف أعطي الإنسان علم جميع ما يحتاج إليه لدينه ودنياه وحجب عنه ما سوى ذلك ليعرف قدره ونقصه وكلا الأمرين فيها صلاحه.

تأمل الآن يا مفضل ما ستر عن الإنسان علمه من مدة حياته فإنه لو عرف مقدار عمره وكان قصير العمر لم يتهنأ بالعيش مع ترقب الموت وتوقعه لوقت قد عرفه بل كان يكون بمنزلة من قد فني ماله أو قارب الفناء فقد استشعر الفقر والوجل من فناء ماله وخوف الفقر على أن الذي يدخل على الإنسان من فناء العمر أعظم مما يدخل عليه من فناء المال لأن من يقل ماله يأمل أن يستخلف منه فيسكن إلى ذلك ومن أيقن بفناء العمر استحكم عليه اليأس وإن كان طويل العمر ثم عرف ذلك وثق بالبقاء وانهمك في اللذات والمعاصي وعمل على أنه يبلغ من ذلك شهوته ثم يتوب في آخر عمره وهذا مذهب لا يرضاه الله من عباده ولا يقبله ألا ترى لو أن عبدا لك عمل على أنه يسخطك سنة ويرضيك يوما أو شهرا لم تقبل ذلك منه ولم يحل عندك محل العبد الصالح دون أن يضمر طاعتك ونصحك في كل الأمور في كل الأوقات على تصرف الحالات.

فإن قلت : أوليس قد يقيم الإنسان على المعصية حينا ثم يتوب فتقبل توبته قلنا إن ذلك شيء يكون من الإنسان لغلبة الشهوات له لو [ و ] تركه مخالفتها من غير أن يقدرها في نفسه ويبني عليه أمره فيصفح الله عنه ويتفضل عليه بالمغفرة فأما من قدر أمره على أن يعصي ما بدا له ثم يتوب آخر ذلك فإنما يحاول خديعة من لا يخادع بأن يتسلف التلذذ في العاجل ويعد ويمني نفسه التوبة في الآجل ولأنه لا يفي بما يعد من ذلك فإن النزوع من الترفه والتلذذ ومعاناة التوبة ولا سيما عند الكبر وضعف البدن أمر صعب ولا يؤمن على الإنسان مع مدافعته بالتوبة أن

٢٥٩

يرهقه الموت فيخرج من الدنيا غير تائب كما قد يكون على الواحد دين إلى أجل وقد يقدر على قضائه فلا يزال يدافع بذلك حتى يحل الأجل وقد نفد المال فيبقى الدين قائما عليه فكان خير الإنسان أن يستر عنه مبلغ عمره فيكون طول عمره يترقب الموت فيترك المعاصي ويؤثر العمل الصالح.

فإن قلت : وها هو الآن قد ستر عنه مقدار حياته وصار يترقب الموت في كل ساعة يقارف الفواحش وينتهك المحارم قلنا إن وجه التدبير في هذا الباب هو الذي جرى عليه الأمر فيه فإن كان الإنسان مع ذلك لا يرعوي ولا ينصرف عن المساوي فإنما ذلك من مرحه ومن قساوة قلبه لا من خطإ في التدبير كما أن الطبيب قد يصف للمريض ما ينتفع به فإن كان المريض مخالفا لقول الطبيب لا يعمل بما يأمره ولا ينتهي عما ينهاه عنه لم (١) ينتفع بصفته ولم يكن الإساءة في ذلك الطبيب بل للمريض حيث لم يقبل منه ولئن كان الإنسان مع ترقبه للموت كل ساعة لا يمتنع عن المعاصي فإنه لو وثق بطول البقاء كان أحرى بأن يخرج إلى الكبائر القطعية (٢) فترقب الموت على كل حال خير له من الثقة بالبقاء ثم إن ترقب الموت وإن كان صنف من الناس يلهون عنه ولا يتعظون به فقد يتعظ به صنف آخر منهم وينزعون عن المعاصي ويؤثرون العمل الصالح ويجودون بالأموال والعقائل النفسية في الصدقة على الفقراء والمساكين فلم يكن من العدل أن يحرم هؤلاء الانتفاع بهذه الخصلة لتضييع أولئك حظهم منها.

تذنيب

ولنذكر بعض ما ذكره الحكماء في تحقيق القوى البدنية الإنسانية لتوقف فهم الآيات والأخبار عليها في الجملة واشتمالها على الحكم الربانية.

قالوا : الحيوان جسم مركب مختص من بين المركبات بالنفس الحيوانية لكون مزاجه أقرب إلى الاعتدال جدا من النباتات والمعادن فبعد أن يستوفي درجة

__________________

(١) في بعض النسخ : ولم ينتفع بصفته فلم يكن.

(٢) الفظيعة ( خ ).

٢٦٠