بحار الأنوار

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي

بحار الأنوار

المؤلف:

الشيخ محمّد باقر بن محمّد تقي المجلسي


الموضوع : الحديث وعلومه
الناشر: مؤسسة الوفاء
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٣٧
  الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠ الجزء ٢١ الجزء ٢٢ الجزء ٢٣ الجزء ٢٤ الجزء ٢٥ الجزء ٢٦ الجزء ٢٧ الجزء ٢٨ الجزء ٢٩ الجزء ٣٠ الجزء ٣١ الجزء ٣٥ الجزء ٣٦ الجزء ٣٧ الجزء ٣٨ الجزء ٣٩ الجزء ٤٠ الجزء ٤١ الجزء ٤٢ الجزء ٤٣ الجزء ٤٤ الجزء ٤٥ الجزء ٤٦ الجزء ٤٧ الجزء ٤٨ الجزء ٤٩ الجزء ٥٠ الجزء ٥١ الجزء ٥٢ الجزء ٥٣ الجزء ٥٤ الجزء ٥٥ الجزء ٥٦ الجزء ٥٧ الجزء ٥٨ الجزء ٥٩ الجزء ٦٠ الجزء ٦١   الجزء ٦٢ الجزء ٦٣ الجزء ٦٤ الجزء ٦٥ الجزء ٦٦ الجزء ٦٧ الجزء ٦٨ الجزء ٦٩ الجزء ٧٠ الجزء ٧١ الجزء ٧٢ الجزء ٧٣ الجزء ٧٤ الجزء ٧٥ الجزء ٧٦ الجزء ٧٧ الجزء ٧٨ الجزء ٧٩ الجزء ٨٠ الجزء ٨١ الجزء ٨٢ الجزء ٨٣ الجزء ٨٤ الجزء ٨٥ الجزء ٨٦ الجزء ٨٧ الجزء ٨٨ الجزء ٨٩ الجزء ٩٠ الجزء ٩١ الجزء ٩٢ الجزء ٩٣ الجزء ٩٤   الجزء ٩٥ الجزء ٩٦   الجزء ٩٧ الجزء ٩٨ الجزء ٩٩ الجزء ١٠٠ الجزء ١٠١ الجزء ١٠٢ الجزء ١٠٣ الجزء ١٠٤

فأما القوى التي تشارك بها النبات والحيوان الأعجم فأصولها ثلاثة اثنتان لأجل الشخص وهما الغاذية والنامية وواحدة لأجل النوع وهي المولدة وهذه القوى الثلاثة تسمى نباتية لا لاختصاص النبات بها بل لانحصار قواه فيها وتسمى طبيعية أيضا.

فأما الغاذية فهي التي تحيل الغذاء إلى مشاكلة المغتذي ويتم فعلها بأفعال جزئية ثلاثة أحدها تحصيل جوهر البدل وهي الدم والخلط الذي هو بالقوة القريبة من الفعل وبالإلزاق وهو أن يلصق ذلك الحاصل بالعضو ويجعله جزءا منه وبالتشبيه بالعضو المغتذي حتى في قوامه ولونه وقد تخل بكل واحد من هذه الأفعال الثلاثة أما الأول فكما في علة تسمى أطروقيا وهي عدم الغذاء وأما الثاني فكما في الاستسقاء اللحمي وأما الثالث فكما في البرص والبهق فإن البدل والإلصاق موجودان فيهما والتشبيه غير موجود فهذه الأفعال الثلاثة لا بد وأن تكون بقوى ثلاث لكن القوة الغاذية هي مجموعها أو قوة أخرى هي تستخدم كل واحدة منها والقوة التي يصدر منها التشبيه يسمونها مغيرة ثانية وهي واحدة بالجنس في الإنسان وغيره من المركبات التي لها أجزاء وأعضاء مختلفة بالحقيقة بمنزلة الأعضاء وتختلف بالنوع إذ في كل عضو منها قوة تغير الغذاء إلى تشبيه مخالف لتشبيه قوة أخرى.

وأما النامية فهي التي تداخل الغذاء بين أجزاء المغتذي فيزيد في الأقطار الثلاثة بنسبة طبيعية بأن يزيد في الأعضاء الأصلية أعني ما يتولد عن المني كالعظم والعصب والرباط وغيرها وبذلك يظهر الفرق بين النمو والسمن فإن السمن إنما هو زيادة في الأعضاء المتولدة من الدم كاللحم والشحم والسمين لا في الأعضاء الأصلية وبقولنا بنسبة طبيعية يخرج الورم فإنه ليس على نسبة طبيعية بل خارج عن المجرى الطبيعي.

وأما المولدة فالمراد بها قوتان فوحدتهما اعتبارية كما في الغاذية إحداهما ما يجعل فضلة الهضم الرابع منيا وهذه القوة فعلها في الأنثيين لأن ذلك الدم

٢٨١

يصير منيا فيها وثانيهما ما يهيئ كل جزء من المني من الذكر والأنثى في الرحم بعضو مخصوص بأن يجعل بعضه مستعدا للعظمية وبعضه مستعدا للعصبية وبعضه للرباطية إلى غير ذلك وهذه القوة تسمى المغيرة الأولى وفعلها إنما يكون حال كون المني في الرحم ليصادف ذلك فعل القوة المصورة لأنها تعد مواد الأعضاء والمصورة تلبسها صورها الخاصة بها.

وإنما احتيج إلى هذه القوى أما إلى الغاذية فلأن بقاء البدن بدون الغذاء محال لأن البدن إنما يمكن تكونه من جسم رطب ليكون قابلا للتشكيل والتمديد ولا بد من حرارة عاقدة منضجة محللة للفضول يلزمها لا محالة أن تحلل الرطوبة ويعينها على ذلك الهواء الخارجي والحركات البدنية والنفسانية فلو لا أن الغذاء يخلف بدل ما يتحلل منه لم يمكن بقاؤه مدة تمام التكون فضلا عما بعد ذلك وليس يوجد في الخارج جسم إذا مس جسد الإنسان استحال بطبيعته فلا بد إذن من أن يكون للنفس قوة من شأنها أن تحيل الوارد إلى مشابهة جوهر أعضاء البدن ليخلف بذلك بدل ما يتحلل منه وهي القوة الغاذية.

وأما إلى المولدة فلما ثبت من أن الموت ضروري وحدوث الإنسان بالتولد مما يندر وجوده فوجب أن يكون للنفس قوة تفصل من المادة التي تحصلها الغاذية ما بعده مادة لشخص آخر ولما كانت المادة المنفصلة أقل من المقدار الواجب لشخص كامل جعلت النفس ذات قوة تضيف من المادة التي تحصلها الغاذية شيئا فشيئا إلى المادة المفصولة فيزيد بها مقدارها في الأقطار على تناسب طبيعي يليق بأشخاص ذلك النوع إلى أن يتم الشخص.

وتخدم الغاذية قوى أربع هي الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة أما الاحتياج إلى الجاذبة فظاهر لأن الغذاء لا يمكن أن يصل بنفسه إلى جميع الأعضاء لأنه لا يخلو إما أن يكون ثقيلا فلا يصل إلى الأعضاء العالية وإما أن يكون خفيفا فلا يصل إلى الأعضاء السافلة ووجودها في بعض الأعضاء معلوم بالحس فإن المنتكس إذا اشتدت حاجته إلى الغذاء يجده ينجذب من فمه إلى المعدة من غير

٢٨٢

إرادته بل مع إرادة إمساكه في فمه وأيضا إن الحلو يخرج بالقيء بعد غيره وإن تناوله أولا وما ذلك إلا بجذب المعدة اللذيذ إلى قعرها وأيضا الرحم إذا كانت خالية عن الفضول بعيدة العهد من الجماع يحس الإنسان وقت الجماع أن إحليله ينجذب إلى الداخل.

وأما إلى الماسكة فلأن الغذاء لا بد فيه من الاستحالة حتى يصير شبيها بجوهر المغتذي والاستحالة حركة وكل حركة في زمان فلا بد من زمان في مثله يستحيل الغذاء إلى جوهر المغتذي ولأن الخلط جسم رطب سيال استحال أن يقف بنفسه زمانا فلا بد من قاسر يقسره على الوقوف وذلك القاسر هو الماسكة ووجودها في بعض الأعضاء معلوم بالحس فإن أرباب التشريح قالوا إذا شرحنا الحيوان حال ما تناول الغذاء وجدنا معدته محتوية على الغذاء بحيث لا يمكن أن يسيل من ذلك الغذاء شيء وأيضا قالوا إذا شققنا بطن الحامل من تحت السرة وجدنا رحمها منضمة انضماما شديدا بحيث لا يسع أن يدخل فيها طرف الميل وأيضا فإن المني إذا استقر في الرحم لا ينزل عنها مع ثقله.

وأما إلى الهاضمة فلأن إحالة القوة المغيرة إنما يكون لما هو متقارب الاستعداد للصورة العضوية وإنما يكون ذلك بعد فعل القوة التي تجعله متقارب الاستعداد وتلك هي القوة الهاضمة.

ومراتب الهضم أربع أولها في المعدة فإن الغذاء يصير فيها كيلوسا أي جوهرا شبيها بماء الكشك الثخين إما بمخالطة المشروب وذلك في أكثر الحيوانات وإما بلا مخالطة المشروب كما في جوارح الصيد وابتداء ذلك الهضم في الفم ولهذا كانت الحنطة الممضوغة تفعل في إنضاج الدماميل ما لا تفعله المطبوخة ولا المدقوقة المخلوطة باللعاب وثانيها في الكبد فإن الكيلوس إذا تم انهضامه في المعدة انجذبت لطائفه بالعروق المسماة بالماساريقا إلى الكبد وتداخلت في العروق المتصغرة المتضائلة المنتشرة في جميع أجزاء الكبد بحيث يلاقي الكبد بكليته الكيلوس فينهضم هناك انهضاما ثانيا وتنخلع صورته النوعية الغذائية ويستحيل إلى الأخلاط ويسمى

٢٨٣

كيموسا وابتداء هذا الهضم في الماساريقا وثالثها في العروق وابتداؤه من حين صعود الخلط في العرق العظيم الطالع من حدبة الكبد ورابعها في الأعضاء وابتداؤه من حين ما ترشح الدم من فوهات العروق.

وأما إلى الدافعة فلأنه ليس غذاء يصير بتمامه جزءا من المغتذي بل يفضل منه ما يضيق المكان ويمنع ما يرد من الغذاء عن الوصول إلى الأعضاء ويوجب ثقل البدن بل يفسد ويفسد فلا بد من قوة تدفع تلك الفضلات ووجودها ظاهر عند الحس في حال التبرز والقيء وإراقة البول.

وقد تتضاعف هذه القوى لبعض الأعضاء كما للمعدة فإن فيها الجاذبة والماسكة والهاضمة والدافعة بالنسبة إلى غذاء جميع البدن وفيها أيضا هذه القوى بالنسبة إلى ما تغتذي (١) به خاصة.

ثم اعلم أن الحكماء عدوا من القوى المولدة القوة المصورة وأنكرها جماعة منهم المحقق الطوسي قدس‌سره والفخر الرازي والغزالي وغيرهم قال في المقاصد المولدة هي قوة شأنها تحصيل البزر (٢) وتفصيله إلى أجزاء مختلفة وهيئات مناسبة وذلك بأن يفرز جزءا من الغذاء بعد الهضم التام ليصير مبدأ لشخص آخر من نوع المغتذي أو جنسه ثم يفصل ما فيه من الكيفيات المزاجية فيمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو ثم يفيده بعد الاستحالات الصور والقوى والأعراض الحاصلة للنوع الذي انفصل عنه البزر أو لجنسه كما في البغل والمحققون على أن هذه الأفعال مستندة إلى قوى ثلاث بينوا حالها على ما عرفت في الإنسان وكثير من الحيوانات :

الأولى التي تجذب الدم إلى الأنثيين وتتصرف فيه إلى أن يصير منيا وهي لا تفارق الأنثيين وتخص باسم المحصلة.

__________________

(١) في أكثر النسخ « تقتضى » وهو تصحيف.

(٢) البرز ـ بالباء المكسورة والزاى المعجمة الساكنة ثم الراء المهملة : ما يبذر من الحبوب.

٢٨٤

والثانية : التي تتصرف في المني فتفصل كيفياتها المزاجية وتمزجها تمزيجات بحسب عضو عضو فتعين للعصب مثلا مزاجا خاصا وللشريان مزاجا خاصا وللعظم مزاجا خاصا وبالجملة تعد مواد الأعضاء وتخص هذه باسم المفصلة والمغيرة الأولى تمييزا عن المغيرة التي هي من جملة الغاذية.

والثالثة : التي تفيد تمييز الأجزاء وتشكيلها على مقاديرها وأوضاع بعضها عن بعض وكيفياتها وبالجملة تلبس كل عضو صورته الخاصة به يستكمل وجود الأعضاء وهذه تخص باسم المصورة وفعلها إنما يكون في الرحم انتهى.

وقال المحقق الطوسي قدس‌سره والمصورة عندي باطلة لاستحالة صدور هذه الأفعال المحكمة المركبة عن قوة بسيطة ليس لها شعور أصلا انتهى.

والغزالي بالغ في ذلك حتى أبطل القوى مطلقا وادعى أن الأفعال المنسوبة إلى القوى صادرة عن ملائكة موكلة بهذه الأفعال تفعلها بالشعور والاختيار كما هو ظاهر النصوص الواردة في هذا الباب.

وقال الشارح القوشجي بعد إيراد الكلام المتقدم يرد عليه أنا لا نسلم أن المصورة قوة واحدة بسيطة لم لا يجوز أن تكون وحدتها بالجنس كما أن المغيرة واحدة بالجنس مختلفة بالنوع ولو سلم فلم لا يجوز أن يكون صدور هذه الأفعال عنها بحسب استعداد المادة فإن المني إنما يحصل من فضلة الهضم الرابع في الأعضاء ففضلة هضم كل عضو إنما تستعد لصورة ذلك العضو.

لكن الإنصاف أن تلك الأفعال المتقنة المحكمة على النظام المشاهد من الصور العجيبة والأشكال الغريبة والنقوش المؤتلفة والألوان المختلفة وما روعي فيها من حكم ومصالح لقد تحيرت فيها الأوهام وعجزت عن إدراكها العقول والأفهام قد بلغ المدون منها كما علم في علم التشريح ومنافع خلقة الناس خمسة آلاف مع أن ما لم يعلم منها أكثر مما قد علم كما لا يخفى على ذي حدس كامل كما لا يكاد يذعن العقل بصدورها عن القوة التي سموها مصورة وإن فرضنا كونها مركبة والمواد

٢٨٥

مختلفة بل يحكم بأن أمثال تلك الأمور لا يمكن أن تصدر إلا عن حكيم عليم خبير قدير.

ثم أطال الكلام في الاعتراض على دلائلهم في إثبات تلك القوى وتعددها تركناها مخافة الإطناب والإسهاب.

٤٧

(باب)

(ما به قوام بدن الإنسان وأجزائه وتشريح أعضائه ومنافعها وما يترتب عليها من أحوال النفس)

١ ـ العلل : عن محمد بن شاذان (١) بن عثمان بن أحمد البراوذي عن محمد بن محمد بن الحرث بن سفيان (٢) السمرقندي عن صالح بن سعيد الترمذي عن عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب بن منبه أنه وجد في التوراة صفة خلق آدم عليه‌السلام حين خلقه الله عز وجل وابتدعه قال الله تبارك وتعالى إني خلقت آدم وركبت جسده من أربعة أشياء ثم جعلتها وراثة في ولده تنمي في أجسادهم وينمون عليها إلى يوم القيامة وركبت جسده حين خلقته من رطب ويابس وسخن وبارد وذلك أني خلقته من تراب وماء ثم جعلت فيه نفسا وروحا فيبوسة كل جسد من قبل التراب ورطوبته من قبل الماء وحرارته من قبل النفس وبرودته من قبل الروح ثم خلقت في الجسد بعد هذا الخلق الأول أربعة أنواع وهن ملاك الجسد وقوامه بإذني لا يقوم الجسد إلا بهن ولا تقوم منهن واحدة إلا بالأخرى منها المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم ثم أسكن بعض هذا الخلق في بعض فجعل مسكن اليبوسة في المرة

__________________

(١) في المصدر « محمد بن شاذان بن أحمد بن عثمان المرواذى » ولم نجد له ذكرا في كتب الرجال من العامة والخاصة.

(٢) في المصدر وبعض نسخ الكتاب سفين.

٢٨٦

السوداء ومسكن الرطوبة في المرة الصفراء ومسكن الحرارة في الدم ومسكن البرودة في البلغم فأيما جسد اعتدلت به (١) هذه الأنواع الأربع التي جعلتها ملاكه وقوامه وكانت كل واحدة منهن أربعا لا تزيد ولا تنقص كملت صحته واعتدل بنيانه فإن زاد منهن واحدة عليهن فقهرتهن ومالت بهن [ و ] دخل على البدن السقم من ناحيتها بقدر ما زادت وإذا كانت ناقصة نقل (٢) [ تقل ] عنهن حتى تضعف من طاقتهن وتعجز عن مقارنتهن (٣) وجعل عقله في دماغه وشرهه (٤) في كليته وغضبه في كبده وصرامته (٥) في قلبه ورغبته في رئته وضحكه في طحاله وفرحه وحزنه وكربه في وجهه وجعل فيه ثلاثمائة وستين مفصلا.

قال وهب : فالطبيب العالم بالداء والدواء يعلم من حيث يأتي السقم من قبل زيادة تكون في إحدى هذه الفطر (٦) الأربع أو نقصان منها ويعلم الدواء الذي به يعالجهن فيزيد في الناقصة منهن أو ينقص من الزائدة حتى يستقيم الجسد على فطرته ويعتدل الشيء بأقرانه.

ثم تصير هذه الأخلاق التي ركب عليها الجسد فطرا عليه تبنى أخلاق بني آدم وبها توصف فمن التراب العزم ومن الماء اللين ومن الحرارة الحدة ومن البرودة الأناة فإن مالت به اليبوسة كان عزمه القسوة وإن مالت به الرطوبة كانت لينه مهانة وإن مالت به الحرارة كانت حدته طيشا وسفها وإن مالت به البرودة كانت أناته ريبا وبلدا فإن اعتدلت أخلاقه وكن سواء واستقامت فطرته كان حازما في أمره لينا في عزمه حادا في لينه متأنيا في حدته لا يغلبه خلق من أخلاقه ولا يميل به من أيها شاء استكثر

__________________

(١) فيه ( خ ).

(٢) في المصدر : تقل.

(٣) مقاومتهن ( خ ).

(٤) في بعض النسخ « وشره » وفي بعضها « وسوءه في طينته ».

(٥) شرهه ( خ ).

(٦) في أكثر النسخ « الفطرة ».

٢٨٧

ومن أيها شاء أقل ومن أيها شاء عدل ويعلم كل خلق منها إذا علا عليه بأي شيء يمزجه ويقومه فأخلاقه كلها معتدلة كما يجب أن يكون.

فمن التراب قسوته وبخله وحصره وفظاظته وبرمه وشحه وبأسه وقنوطه وعزمه وإصراره ومن الماء كرمه ومعروفه (١) وتوسعه وسهولته وتوسله (٢) وقربه وقبوله ورجاؤه واستبشاره فإذا خاف ذو العقل أن يغلب عليه أخلاق التراب ويميل به ألزم كل خلق منها خلقا من أخلاق الماء يمزجه به بلينه يلزم القسوة اللين والحصر التوسع والبخل العطاء والفظاظة الكرم والبرم الترسل (٣) والشح السماح واليأس الرجاء والقنوط الاستبشار والعزم القبول والإصرار القرب.

ثم من النفس حدته وخفته وشهوته ولهوه ولعبه وضحكه وسفهه وخداعه وعنفه وخوفه ومن الروح حلمه ووقاره وعفافه وحياؤه وبهاؤه وفهمه وكرمه وصدقه ورفقه وكبره وإذا خاف ذو العقل أن تغلب عليه أخلاق النفس وتميل به ألزم كل خلق منها خلقا من أخلاق الروح يقومه به يلزم الحدة الحلم والخفة الوقار والشهوة العفاف واللعب الحياء والضحك الفهم والسفه الكرم والخداع الصدق والعنف الرفق والخوف الصبر.

ثم بالنفس سمع ابن آدم وأبصر وأكل وشرب وقام وقعد وضحك وبكى وفرح وحزن وبالروح عرف الحق من الباطل والرشد من الغي والصواب من الخطاء وبه علم وتعلم وحكم وعقل واستحيا وتكرم وتفقه وتفهم وتحذر وتقدم ثم يقرن إلى أخلاقه عشرة خصال أخرى الإيمان والحلم والعقل والعلم والعمل واللين والورع والصدق والصبر والرفق ففي هذه الأخلاق العشر جميع الدين كله ولكل خلق منها عدو فعدو الإيمان الكفر وعدو الحلم الحمق وعدو العقل الغي وعدو العلم الجهل وعدو العمل الكسل وعدو اللين العجلة وعدو الورع الفجور

__________________

(١) معرفته « خ ».

(٢) ترسله « ظ ».

(٣) التوسل « ظ ».

٢٨٨

وعدو الصدق الكذب وعدو الصبر الجزع وعدو الرفق العنف فإذا وهن الإيمان تسلط عليه الكفر وتعبده وحال بينه وبين كل شيء يرجو منفعته وإذا صلب الإيمان وهن له الكفر وتعبد واستكان واعترف الإيمان وإذا ضعف الحلم علا الحمق وحاطه وذبذبه وألبسه الهوان بعد الكرامة وإذا استقام الحلم فضح الحمق وتبين عورته وأبدى سوأته وكشف ستره وأكثر مذمته فإذا استقام اللين تكرم من الخفة والعجلة واطردت الحدة وظهر الوقار والعفاف وعرفت السكينة وإذا ضعف الورع تسلط عليه الفجور وظهر الإثم وتبين العدوان وكثر الظلم ونزل الحمق وعمل بالباطل وإذا ضعف الصدق كثر الكذب وفشت الفرية وجاء الإفك بكل وجه البهتان (١) وإذا حصل الصدق اختسأ الكذب وذل وصمت للإفك (٢) وأميتت (٣) الفرية وأهين البهتان ودنا البر واقترب الخير وطردت الشرة وإذا وهن الصبر وهن الدين وكثر الحزن ورهق الجزع وأميتت الحسنة وذهب الأجر وإذا صلب الصبر خلص الدين وذهب الحزن وأخر الجزع وأحييت الحسنة وعظم الأجر وتبين الحزم وذهب الوهن وإذا ترك الرفق ظهر الغش وجاءت الفظاظة واشتدت الغلظة وكثر (٤) الغشم وترك العدل وفشا المنكر وترك المعروف وظهر السفه ورفض الحلم (٥) وذهب العقل وترك العلم وفتر العمل ومات اللين وضعف الصبر وغلب الورع ووهن الصدق وبطل تعبد أهل الإيمان.

فمن أخلاق العقل عشرة أخلاق صالحة الحلم والعلم والرشد والعفاف والصيانة والحياء والرزانة والمداومة على الخير وكراهة الشر وطاعة الناصح فهذه عشرة أخلاق صالحة ثم يتشعب (٦) كل خلق منها عشر خصال فالحلم يتشعب منه حسن العواقب والمحمدة في الناس وتشرف المنزلة والسلب عن السفلة وركوب

__________________

(١) في المصدر : والبهتان.

(٢) في المصدر « الافك » وهو الظاهر.

(٣) واميت ( خ ).

(٤) في جميع النسخ « وكسر » وهو تصحيف.

(٥) في المصدر « الحكم » والظاهر أنه تصحيف.

(٦) في المصدر « من كل » وهو الصواب.

٢٨٩

الجميل وصحبة الأبرار والارتداع (١) عن الضيعة (٢) والارتفاع عن الخساسة وشهرة (٣) اللين والقرب من معالي الدرجات ويتشعب من العلم الشرف وإن كان دنيا والعز وإن كان مهينا والغنى وإن كان فقيرا والقوة وإن كان ضعيفا والنيل وإن كان حقيرا والقرب وإن كان قصيا والجود وإن كان بخيلا والحياء وإن كان صلفا والمهابة وإن كان وضيعا والسلامة وإن كان سفيها ويتشعب من الرشد السداد والهدى والبر والتقوى والعبادة والقصد والاقتصاد والقناعة والكرم والصدق ويتشعب من العفاف الكفاية (٤) والاستكانة والمصادقة والمراقبة والصبر والنصر واليقين والرضا والراحة والتسليم ويتشعب من الصيانة الكف والورع وحسن الثناء والتزكية والمروءة والكرم والغبطة والسرور والمنالة والتفكر ويتشعب من الحياء اللين والرأفة والرحمة والمداومة والبشاشة والمطاوعة وذل النفس والنهى والورع وحسن الخلق ويتشعب من المداومة على الخير الصلاح والاقتدار والعز والإخبات والإنابة والسؤدد والأمن والرضا في الناس وحسن العاقبة ويتشعب من كراهة الشر حسن الأمانة وترك الخيانة واجتناب السوء وتحصين الفرج وصدق اللسان والتواضع والتضرع لمن هو فوقه والإنصاف لمن هو دونه وحسن الجوار ومجانبة إخوان السوء ويتشعب من الرزانة التوقر والسكون والتأني والعلم والتمكين والحظوة والمحبة والفلح (٥) والزكاية والإنابة ويتشعب من طاعة الناصح زيادة العقل وكمال اللب ومحمدة الناس والامتعاض من اللوم والبعد من البطش واستصلاح الحال ومراقبة ما هو نازل والاستعداد للعدو والاستقامة على المنهاج والمداومة على الرشاد فهذه مائة خصلة من أخلاق العاقل (٦).

بيان : الصرامة بالصاد المهملة الشجاعة والحدة والعزم وفي بعض النسخ

__________________

(١) في بعض النسخ « والارتداد ».

(٢) في المصدر « الضعة ».

(٣) وشهوة ( خ ).

(٤) الكفاف ( خ ).

(٥) في المصدر ، الفلج.

(٦) علل الشرائع : ج ١ ، ص ١٠٤ ـ ١٠٨.

٢٩٠

بالمعجمة من ضرم كفرح اشتد جوعه أو من ضرم عليه احتد غضبا في وجهه أي تظهر فيه وفي القاموس التبلد التجلد بلد ككرم وفرح فهو بليد وأبلد وقال الحصر كالنصر والضرب التضييق وبالتحريك ضيق الصدر والبخل والعي في المنطق وقال الفظ الغليظ الجانب السيئ الخلق القاسي الخشن الكلام فظ بين الفظاظة والفظاظ بالكسر.

قوله يلزم القسوة اللين إلخ أي يختار الوسط بينهما ويكسر سورة (١) كل منهما بالآخر وهي العدالة المطلوبة في الأخلاق أو يستعمل كلا منها في موقعه كما قال تعالى في وصف أمير المؤمنين عليه‌السلام وأضرابه « أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ » وهو التخلق بأخلاق رب العالمين كما قال سبحانه « نَبِّئْ عِبادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنَّ عَذابِي هُوَ الْعَذابُ الْأَلِيمُ ».

والبرم التوسل أي التقرب إلى الناس أو إلى الله بالصبر على أخلاق الناس ولعله كان بالراء وهو الاستئناس فإنه أنسب والعزم بالقبول أي إذا عزم في أمر فنصحه صادق يقبل منه والإصرار القرب أي من الله بالتوبة أو الأعم قوله وكبره أي على أعداء الدين والظاهر صبره كما يظهر من قوله والخوف الصبر ويحتمل أن يكون التصحيف في ما سيأتي ويكون المراد بالكبر الشجاعة لمقابلة الخوف.

ثم الظاهر أن المراد بالنفس في هذا الحديث الروح الحيواني وبالروح الناطقة ونسبة البرد إليها لأنه يلزم تعلقها تحرك النفس الذي يحصل البرد بسببه وتقدم أي إلى الخير والسعادة والكمال وفي القاموس الذبذبة تردد الشيء المعلق في الهواء وحماية الجوار والأهل وإيذاء الخلق والتحريك وقال تكرم عنه تنزه وقال الطرد الإبعاد وقال خسأ الكلب طرده وصمت للإفك أي عنه وشرة الشباب بالكسر نشاطه والرزانة الوقار والارتداع الانزجار ولا يبعد أن يكون مكان الضيعة الضعة كما مر في كتاب العقل وفي القاموس الصلف بالتحريك التكلم بما يكرهه صاحبك

__________________

(١) في بعض النسخ « سورة في كل .. ».

٢٩١

والتمدح بما ليس عندك أو مجاوزة حد الظرف والادعاء فوق ذلك تكبرا انتهى والمنالة لعل المراد بها الدرجة التي تنال بها أشرف المقاصد من القرب والفوز والسعادة من النيل الإصابة والإخبات الخشوع والخضوع للرب تعالى والحظوة بالضم والكسر المكانة والمنزلة والفلح بالمهملة محركة والفلاح الفوز والنجاة والبقاء في الخير وبالمعجمة بالفتح الظفر والفوز والاسم بالضم والزكاية النمو والطهارة وفي بعض النسخ الركانة بالراء المهملة والنون وهي العلو والرفعة والوقار ولعله أصوب وفي القاموس معض من الأمر كفرح غضب وشق عليه فهو ماعض ومعض وأمعضه ومعضه تمعيضا فامتعض.

أقول : إنما لم نعط شرح هذا الخبر حقه لأنه من الأخبار العامية المنسوبة إلى أهل الكتاب وقد مر قريب منه في كتاب العقل وشرحناه هناك بما ينفع في هذا المقام.

٢ ـ الخصال : عن محمد بن موسى بن المتوكل عن محمد بن يحيى العطار عن محمد بن أحمد الأشعري عن الحسن بن الحسين اللؤلؤي عن علي بن الحسن الطاطري عن سعيد بن محمد عن درست عن أبي الأصبغ عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : بني الجسد على أربعة أشياء الروح والعقل والدم والنفس فإذا خرج الروح تبعه العقل فإذا (١) رأى الروح شيئا حفظه عليه العقل وبقي الدم والنفس (٢).

بيان : كأن المراد بالروح النفس الناطقة وبالعقل الحالات والصفات الحالة فيها ولا بد لها منها في العلوم والإدراكات فإذا فارق الروح البدن تبعتها تلك الأحوال لأنها في البرزخ لا تفارقها العلوم والمعارف بل تترقى فيها كما يظهر من الأخبار وبالنفس الروح الحيوانية فهي مع الدم الحامل لها تبقيان في البدن وتضمحلان وقوله فإذا رأى الروح أي بعد مفارقة (٣) البدن والرؤية بمعنى العلم أو بعين الجسد المثالي.

__________________

(١) في المصدر : وإذا.

(٢) الخصال : ١٠٦.

(٣) بل الظاهر أن المراد ما تراه الروح في حال الرؤيا ، والمراد ببقاء النفس بقاؤها في البدن حال النوم.

٢٩٢

٣ ـ الخصال : عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب عن محمد بن سنان عن المفضل عن أبي عبد الله عليه‌السلام قال : قوام الإنسان وبقاؤه بأربعة بالنار والنور والريح والماء فبالنار يأكل ويشرب وبالنور يبصر ويعقل وبالريح يسمع ويشم وبالماء يجد لذة الطعام والشراب فلو لا النار في معدته لما هضمت الطعام والشراب ولو لا النور في بصره لما أبصر ولا عقل ولو لا الريح لما التهبت نار المعدة ولو لا الماء لم يجد لذة الطعام والشراب قال وسألته عن النيران فقال النيران أربعة نار تأكل وتشرب ونار تأكل ولا تشرب ونار تشرب ولا تأكل ونار لا تأكل ولا تشرب فالنار التي تأكل وتشرب فنار ابن آدم وجميع الحيوان والتي تأكل ولا تشرب فنار الوقود والتي تشرب ولا تأكل فنار الشجرة والتي لا تأكل ولا تشرب فنار القداحة والحباحب (١).

بيان : فبالنار يأكل ويشرب أي بالحرارة الغريزية التي تتولد من النار ويسمونها نار الله والمراد بالنور إما نور البصر أو الأعم منه ومن سائر القوى والمشاعر فإن النور ما يصير سببا لظهور الأشياء كما عرفت مرارا وبالريح يسمع ويشم لأن الهواء حامل للصوت والكيفيات المشمومة وبالماء يجد لذة الطعام والشراب أي الماء الذي في الفم فإنه الموصل للكيفيات المذوقة إلى الذائقة كما مر فلو لا النار في معدته أي الحرارة المفرطة فنار ابن آدم أي الحرارة الغريزية فإنها الداعية إلى الأكل والشرب وتحيل المأكول والمشروب فنار الوقود أي النيران التي توقدها الناس فإنها تأكل الحطب وكل ما تقع فيه أي تحيلها وتكسرها ولا تشرب لأن الماء غالبا يطفئها والتي تشرب ولا تأكل فنار الشجرة أي النار التي تورى من الشجر الأخضر كما مر في تفسير قوله تعالى « الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ ناراً » فإنها تشرب الماء الذي (٢) يسقي الشجر ولا تأكل أي لا يحيل شيئا ترد (٣) عليه بحرارتها

__________________

(١) الخصال ، ١٠٦.

(٢) في جميع نسخ الكتاب ، التي.

(٣) يرد عليها ( ظ ).

٢٩٣

وقد مر الكلام فيها وفي القاموس قدح بالزند رام الإيراء به كاقتدح والمقدح والقداح والمقداح حديدته والقداح والقداحة حجره وقال الجوهري الحباحب اسم رجل بخيل كان لا يوقد إلا نارا ضعيفة مخافة الضيفان فضربوا بها المثل حتى قالوا نار الحباحب لما تقدحه الخيل بحوافرها انتهى ولعل المعنى أنها لما كانت تخرج من بين الحديد والحجر ولا ينفذ الماء فيهما ولا يحيلان شيئا فكأنهما لا تأكل ولا تشرب وقد مر الكلام فيه من باب النار.

٧ ـ العيون : عن هاني بن محمد بن محمود العبدي عن أبيه بإسناده رفعه أن موسى بن جعفر عليه‌السلام دخل على الرشيد فقال له الرشيد يا ابن رسول الله أخبرني عن الطبائع الأربع فقال موسى عليه‌السلام : أما الريح فإنه ملك يدارى وأما الدم فإنه عبد عارم (١) وربما قتل العبد مولاه وأما البلغم فإنه خصم جدل إن سددته من جانب انفتح من آخر وأما المرة فإنها أرض إذا اهتزت رجفت بما فوقها فقال له هارون يا ابن رسول الله تنفق على الناس من كنوز الله ورسوله (٢).

بيان : يحتمل أن يكون المراد بالريح المرة الصفراء لحدتها ولطافتها وسرعة تأثيرها فينبغي أن يدارى لئلا تغلب وتهلك أو المراد بها الروح الحيوانية وبالمرة الصفراء والسوداء معا فإنه تطلق عليهما المرة فيكون اصطلاحا آخر في الطبائع وتقسيما آخر لها والعارم سيئ الخلق الشديد يقال عرم الصبي علينا أي أشر ومرح أو بطر أو فسد (٣) ولعل المعنى أنه خادم للبدن نافع له لكن ربما كانت غلبته سببا للهلاك فينبغي أن يصلح ويكون الإنسان على حذر منه فإنه خصم جدل كناية عن بطء علاجه وعدم اندفاعه بسهولة إذا اهتزت أي غلبت وتحركت رجفت بما فوقها كما في حمى النائبة من الغب والربع وغيرهما فإنها تزلزل البدن وتحركها ورأيت مثل هذا الكلام في كتب الأطباء والحكماء الأقدمين.

__________________

(١) في المصدر « غارم » بالمعجمة ، والظاهر أنه تصحيف.

(٢) العيون ، ج ١ ، ص ٨١.

(٣) أفسد ( خ ).

٢٩٤

٥ ـ العيون والعلل : عن أبيه عن سعد بن عبد الله عن أحمد بن أبي عبد الله البرقي عن غير واحد عن أبي طاهر بن أبي حمزة عن أبي الحسن الرضا عليه‌السلام قال : الطبائع أربع فمنهن البلغم وهو خصم جدل ومنهن الدم وهو عبد وربما قتل العبد سيده ومنهن الريح وهو (١) ملك يدارى ومنهن المرة وهيهات وهيهات هي الأرض إذا ارتجت ارتجت بما عليها (٢).

٦ ـ العلل : عن علي بن أحمد عن محمد بن أبي عبد الله الكوفي عن موسى بن عمران النخعي عن عمه الحسين بن يزيد عن إسماعيل بن أبي زياد السكوني قال قال أبو عبد الله عليه‌السلام إنما صار الإنسان يأكل ويشرب بالنار ويبصر ويعمل (٣) بالنور ويسمع ويشم بالريح ويجد لذة (٤) الطعام والشراب بالماء ويتحرك بالروح ولو لا أن النار في معدته ما هضمت أو قال حطمت الطعام والشراب في جوفه ولو لا الريح ما التهبت نار المعدة ولا خرج الثفل من بطنه ولو لا الروح ما تحرك ولا جاء ولا ذهب ولو لا برد الماء لاحترقه (٥) نار المعدة ولو لا النور ما أبصر ولا عقل فالطين صورته والعظم في جسده بمنزلة الشجر في الأرض والدم في جسده بمنزلة الماء في الأرض ولا قوام للأرض إلا بالماء ولا قوام لجسد الإنسان إلا بالدم والمخ دسم الدم وزبده فهكذا (٦) الإنسان خلق من شأن الدنيا وشأن الآخرة فإذا جمع الله بينهما صارت حياته في الأرض لأنه نزل من شأن السماء إلى الدنيا فإذا فرق الله بينهما صارت تلك الفرقة الموت ترد شأن الأخرى (٧) إلى السماء فالحياة في الأرض والموت في السماء

__________________

(١) في المصدر : هى.

(٢) العلل : ج ١ ، ص ١٠٠.

(٣) يعقل ( ظ ).

(٤) في المصدر : طعم.

(٥) في المصدر : « لا حرقته » وهو الصواب.

(٦) فكذا ( خ ).

(٧) في بعض النسخ « الآخرة ».

٢٩٥

وذلك أنه يفرق بين الأرواح والجسد فردت الروح والنور إلى القدرة (١) الأولى وترك الجسد لأنه من شأن الدنيا وإنما فسد الجسد في الدنيا لأن الريح تنشف الماء فييبس فيبقى الطين فيصير رفاتا ويبلى ويرجع كل إلى جوهره الأول وتحركت الروح بالنفس حركتها من الريح فما كان من نفس المؤمن فهو نور مؤيد بالعقل وما كان من نفس الكافر فهو نار مؤيد بالنكراء فهذه صورة نار وهذه صورة نور والموت رحمة من الله عز وجل لعباده المؤمنين ونقمة (٢) على الكافرين ولله عقوبتان إحداهما من أمر الروح والأخرى تسليط بعض الناس على بعض فما كان من قبل الروح فهو السقم والفقر وما كان من تسليط فهو النقمة وذلك قوله تعالى « وَكَذلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضاً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ » (٣) من الذنوب فما كان من ذنب الروح من ذلك سقم وفقر وما كان من تسليط فهو النقمة وكل ذلك للمؤمن عقوبة له في الدنيا وعذاب له فيها وأما الكافر فنقمة عليه في الدنيا وسوء العذاب في الآخرة ولا يكون ذلك إلا بذنب والذنب من الشهوة وهي من المؤمن خطأ ونسيان وأن يكون مستكرها وما لا يطيق وما كان في الكافر فعمد وجحود واعتداء وحسد وذلك قول الله عز وجل « كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » (٤)

بيان : أو قال الترديد من الراوي والحطم الكسر ولو لا الريح أي التي تدخل المعدة مع الطعام والشراب أو المتولدة في المعدة أو الالتهاب من الأولى وخروج الثفل من الثانية كما ذكر الأطباء أن الرياح المتولدة فيها تعين على إحدار الثفل فالطين صورته أي مادته التي تقبل صورته وقال الفيروزآبادي وتستعمل الصورة بمعنى النوع والصفة خلق من شأن الدنيا أي البدن وشأن الآخرة أي الروح فإذا جمع الله بينهما أي بين النشأتين صارت حياته في الأرض أي تعلقت روحه السماوية

__________________

(١) القدس ( خ ).

(٢) نقمته ( خ ).

(٣) سورة الأنعام ، الآية ١٢٩.

(٤) العلل : ج ١ ، ص ١٠١ ١٠٢ ، والآية في سورة البقرة : ١٠٩.

٢٩٦

بالجسد الأرضي فتدخل فيه على الجسمية أو تظهر آثارها في الأرض بتوسط البدن على التجرد ترد شأن الآخرة أي الروح إلى السماء فالحياة في الأرض أي بسبب كون الروح أو تعلقها في الأرض والموت في السماء أي بسبب عروج الروح إلى السماء أو الروح في حال الحياة في الأرض وبعد الموت في السماء فردت الروح والنور إلى القدرة الأولى أي إلى عالم الأرواح التي هي أولى مخلوقاته تعالى وفي بعض النسخ إلى القدس الأولى أي إلى عوالم القدس الأولى ويرجع كل أي من العناصر إلى جوهره الأول قبل الامتزاج أو كل من الروح والبدن إلى الجوهر الأول وتحركت الروح بالنفس كأن المراد بالروح هنا الحيوانية وبالنفس الناطقة أي عند الموت تتحرك الروح إلى السماء بسبب حركة النفس أو قطع تعلقها كحركة الروح في حال الحياة في البدن من الريح التي هي النفس أو المراد حركتها في حال الحياة أي الروح الحيوانية إنما تتحرك وتجري في مجاري البدن بسبب النفس حركتها التي بسبب الريح والتنفس (١) ويمكن أن يقرأ بالنفس بالتحريك أي حركة الروح الحيوانية تابعة للنفس كما أن النفس وتحركه تابع للريح فيرتكب تأويل في تأنيث الضمير كالأنفاس ونحوه وعلى هذا يحتمل وجها آخر بأن يكون المراد خروج الحيوانية بالنفس وخروجه كحركة الروح بالريح إلى السماء بعد خروجها والروح في قوله فردت الروح يمكن أيضا حملها على الحيوانية فالمراد بالنور الناطقة ويدل عليه قوله فهو نور مؤيد بالعقل وإذا حملناها على الناطقة فالمراد بالنور كمالاتها وعلمها وإدراكاتها والأول في أكثر أجزاء الخبر أظهر والنكراء بالفتح الحيل والخداع والفطنة في الباطل قال في القاموس النكر والنكارة والنكراء والنكر بالضم الدهاء والفتنة والمنكر وقد مر في الحديث أنها شبهة (٢) بالعقل وليست به.

قوله إحداهما من الروح أي ما يصيب روحه من الآلام الجسمانية والروحانية

__________________

(١) النفس ( خ ).

(٢) شبيهة ( ظ ).

٢٩٧

بلا توسط أحد والأخرى ما يصيبه بسبب تسلط الغير عليه فهو النقمة أي ينتقم الله منه بغيره وعقوبة المؤمن منحصرة فيهما وأما الكافر فيجتمع عليه عقاب الدنيا وعذاب الآخرة ويحتمل أن تكون أن مخففة وكان المعنى إنما يفعله باستكراه الشهوة وعدم طاقته لمقاومتها لعسر تركها عليه لا بسبب اختياره وخروجه عن التكليف وأما الكافر فيفعلها عمدا واعتداء واستهانة بأمر الله ونهيه كما ورد في خبر آخر فإذا وقع الاستخفاف فهو الكفر.

« حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » الآية في سورة البقرة هكذا « وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً » قال البيضاوي علة ود « مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » يجوز أن يتعلق بود أي تمنوا ذلك من عند أنفسهم وتشهيهم لا من قبل التدين والميل مع الحق أو بحسدا أي حسدا بالغا منبعثا من أصل نفوسهم (١) انتهى وظاهر الخبر أن الاستشهاد بقوله « مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ » أي باختيارهم لا باستكراه واضطرار وخطإ ونسيان فيدل على أن المؤمن لا يرتكب المعصية إلا على أحد هذه الوجوه فالمراد بالمؤمن الكامل وهو الذي لا يخاف عليه العذاب في الآخرة وعلى ما أولنا يشمل غيره أيضا ولا يخفى ما في الخبر من التشويش وكأنه من الرواة وهو مع ذلك مشتمل على رموز خفية وأسرار غيبية وحكم ربانية وحقائق إيمانية « لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ »

٧ ـ العلل : عن محمد بن الحسن بن الوليد عن محمد بن الحسن الصفار عن أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن عمرو بن أبي المقدام عن جابر عن أبي (٢) عبد الله عليه‌السلام قال قال أمير المؤمنين عليه‌السلام إن الله تبارك وتعالى لما أحب أن يخلق خلقا بيده وذلك بعد ما مضى من الجن والنسناس في الأرض سبعة آلاف سنة قال ولما كان من شأن الله أن يخلق آدم للذي أراد من التدبير والتقدير لما هو مكونه في السماوات والأرض وعلمه لما أراد من ذلك كله كشط عن أطباق السماوات ثم قال للملائكة انظروا إلى أهل

__________________

(١) أنوار التنزيل : ج ١ ص ١٠٦.

(٢) في المصدر : عن أبي جعفر عليه‌السلام.

٢٩٨

الأرض من خلقي من الجن والنسناس فلما رأوا ما يعملون فيها من المعاصي وسفك الدماء والفساد في الأرض بغير الحق عظم ذلك عليهم وغضبوا لله وأسفوا على أهل الأرض ولم يملكوا غضبهم أن قالوا يا رب أنت العزيز القادر الجبار (١) القاهر العظيم الشأن وهذا خلقك الضعيف الذليل في أرضك يتقلب (٢) في قبضتك ويعيشون برزقك ويستمتعون بعافيتك وهم يعصونك بمثل هذه الذنوب العظام لا تأسف ولا تغضب ولا تنتقم لنفسك لما تسمع منهم وترى وقد عظم ذلك علينا وأكبرناه فيك فلما سمع الله عز وجل من الملائكة قال « إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً » لي عليهم فيكون حجة لي عليهم في أرضي على خلقي فقالت الملائكة سبحانك « أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ » قالوا (٣) فاجعله منا فإنا لا نفسد في الأرض ولا نسفك الدماء قال الله جل جلاله يا ملائكتي « إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ » إني أريد أن أخلق خلقا بيدي أجعل ذريته أنبياء مرسلين وعبادا صالحين وأئمة مهتدين أجعلهم خلفائي على خلقي في أرضي ينهونهم عن معاصي (٤) وينذرونهم عذابي ويهدونهم إلى طاعتي ويسلكون بهم طريق سبيلي وأجعلهم حجة لي « عُذْراً أَوْ نُذْراً » وأبين (٥) النسناس من أرضي فأطهرها منهم وأنقل مردة الجن العصاة عن بريتي وخلقي وخيرتي وأسكنهم في الهواء وفي أقطار الأرض لا يجاورون نسل خلقي وأجعل بين الجن وبين خلقي حجابا ولا يرى نسل خلقي الجن ولا يؤانسونهم ولا يخالطونهم فمن (٦) عصاني من نسل خلقي الذين اصطفيتهم لنفسي أسكنتهم مساكن العصاة وأوردتهم مواردهم ولا أبالي.

__________________

(١) المختار ( خ ).

(٢) في المصدر : يتقلبون.

(٣) في المصدر : وقالوا.

(٤) فيه : المعاصى.

(٥) سيأتي في البيان عن بعض النسخ « ابير » وعن بعضها « ابيد ».

(٦) زاد في المصدر : ولا يجالسونهم.

٢٩٩

فقالت الملائكة يا ربنا افعل ما شئت « لا عِلْمَ لَنا إِلاَّ ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ » (١) « الْحَكِيمُ » فقال الله جل جلاله للملائكة « إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ » وكان ذلك من أمر الله عز وجل تقدم (٢) إلى الملائكة في آدم من قبل أن يخلقه احتجاجا منه عليهم.

قال : فاغترف تبارك وتعالى غرفة من الماء العذب الفرات فصلصلها فجمدت ثم قال لها منك أخلق النبيين والمرسلين وعبادي الصالحين والأئمة المهتدين الدعاة إلى الجنة وأتباعهم إلى يوم القيامة ولا أبالي ولا أسأل عما أفعل « وَهُمْ يُسْئَلُونَ » يعني بذلك خلقه أنه سيسألهم ثم اغترف غرفة من الماء المالح الأجاج فصلصلها فجمدت ثم قال لها منك أخلق الجبارين والفراعنة والعتاة (٣) إخوان الشياطين والدعاة إلى النار يوم (٤) القيامة وأتباعهم ولا أبالي ولا أسأل عما أفعل « وَهُمْ يُسْئَلُونَ » قال وشرط في ذلك البداء ولم يشترط في أصحاب اليمين البداء ثم خلط الماءين فصلصلهما ثم ألقاهما قدام عرشه وهما ثلة من طين ثم أمر الملائكة الأربعة الشمال والدبور والصبا والجنوب أن جولوا على هذه السلالة (٥) الطين وأبرءوها وأنشئوها (٦) ثم جزءوها وفصلوها وأجروا فيها (٧) الطبائع الأربعة الريح والمرة والدم والبلغم قال فجالت الملائكة عليها وهي الشمال والصبا والجنوب والدبور فأجروا فيها الطبائع الأربعة قال والريح في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الشمال قال والبلغم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الصبا قال والمرة في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الدبور قال والدم في الطبائع الأربعة في البدن من ناحية الجنوب قال فاستقلت النسمة وكمل البدن قال : فلزمه

__________________

(١) العلى ( خ ).

(٢) تقدمة ( خ ).

(٣) في المصدر : واخوان.

(٤) فيه : الى يوم القيامة.

(٥) فيه : الثلة.

(٦) فيه : وانسموها.

(٧) فيه : وأجروا إليها.

٣٠٠