يكونوا عامدين فغافلين، بين قضيتين منفصلتين، قضية الشكوىٰ الخاصة، وقضية خطبة الغدير العامة على الملأ من المسلمين.
لمَّا قدم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم المدينة المنوَّرة، من حجِّ الوداع، أقام أيَّاماً وعقد لأُسامة بن زيد، علىٰ جُلَّة من المهاجرين والأنصار ـ منهم أبو بكر وعمر ـ وأمره أن يقصد حيث قُتل أبوه، وقال له : « أوطئ الخيل أواخر الشام من أوائل الروم »، فتكلَّم المنافقون في إمارته، وقالوا : أمَّر غلاماً علىٰ جلَّة المهاجرين والأنصار! فاشتكىٰ إلىٰ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ذلك، فغضب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وقال : « إن تطعنوا في إمارته، فقد طعنتم في إمارة أبيه من قبل، وإنَّه لخليق للإمارة، وكان أبوه خليقاً لها » (١).
واشتدَّ برسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وجعه، فتأخَّر مسير أُسامة لمرض رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم، وثقل رسول الله، ولم يشغله شدّة مرضه عن إنفاذ أمر الله، فقال : « أنفذوا جيش أُسامة »! قالها مراراً، وإنَّما فعل عليهالسلام ذلك لئلا يبقىٰ في المدينة عند وفاته من يختلف في الإمامة، ويطمع في الإمارة، فيستوسق الأمر لأهله (٢).
وروى بعضهم أنه صلىاللهعليهوآلهوسلم لما أحس منهم التباطؤ، كان يكرر قوله :
_______________________
١) الكامل في التاريخ ٢ : ١٨٢، الطبقات الكبرىٰ ٢ : ١٤٦، تاريخ اليعقوبي ٢ : ١١٣. وكان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم قد أمّر زيد بن حارثة، أبا أسامة، في غزوة مؤتة، وفيها استشهد رضوان الله عليه.
٢) إعلام الورىٰ ١ : ٢٦٣.