العلماء طرقه ـ كما رأينا سابقاً ـ لكنَّه لاقىٰ من التأويل والكتمان ما لم يبلغه خبر قبله ولا بعده!
فصاحب (البداية والنهاية) علىٰ سبيل المثال ـ مع كل ما جمعه من طرق هذا الحديث ومصادره ـ يصرّ علىٰ اختزال دلالته إلىٰ ردّ شكاوىٰ نفر من الصحابة، وفدوا معه من اليمن، وكانوا علىٰ خطأ، وهو على الصواب، فيقول ابن كثير عن هذا الحديث : «فبيّن فيه فضل علي وبراءة عرضه ممّا كان تكلّم فيه بعض من كان معه بأرض اليمن، بسبب ما كان صدر منه إليهم» إلىٰ قوله : «وذكر من فضل علي وامانته وعدله وقربه إليه ما أزاح به ما كان في نفوس كثيرة من الناس منه» (١).
والالتواء والتحميل واضحان جداً في ما ذهب إليه ابن كثير وغيره هنا (٢)، فشكاوىٰ هؤلاء النفر كان النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم قد ردّها في محلّها وأمام شهودها، وبيّن فيها ما يمكن أن يبيّنه، وقد أوردها ابن كثير كلّها. فأمرها لا يستدعي جمع كلّ الحجيج الذين بلغوا مئة ألف أو يزيدون !! ولا يستدعي أيضاً التأخير كل هذا الوقت، منذ أول وفودهم مكة، وحتى انقضاء الحج وعودتهم من مكة صوب أوطانهم! إنه تحميل كبير لا يرتضيه ناقد له فقه بالأخبار والسيرة، لكنها مشكلة الركون لما استقر في أذهانهم، بفعل الواقع السياسي الذي جانب هذا الحديث الشريف ودلالاته الناصعة.
وأقل ما يقال في تأويل ابن كثير ومن ذهب مذهبه إنهم خلطوا، إن لم
_______________________
١) البداية والنهاية ٥ : ١٨٣ ـ ١٨٩.
٢) في مناقشة دعاوىٰ ابن كثير، راجع : منهج في الانتماء المذهبي : ٩٥ ـ ١٢٤.