وهذا بخلاف ما في « اللمع » فإنّه أضاف فيه إلى خالقيّة الرب ، كاسبيّة العبد وقال : « إن الله هو الخالق ، والعبد هو الكاسب » وبذلك عالج مشكلة الجبر وخرج من مغبته ، وصحّح مسؤولية العبد لأجل الكسب.
هذه مميزات كتاب « الإبانة » وخصوصياته ، وماجاء فيه من الأُصول ، وجميعها يؤيد أنّه قد أُلّف لغاية نصرة مذهب أحمد بن حنبل ، والذي كان يمثل نظرية أهل الحديث والمحدّثين جميعاً.
وأمّا « اللمع » فقد طرح فيه مسائل ، أهملها في « الإبانة » نشير إلى بعضها :
١ ـ مسألة التعديل والتجويز
إنّ لتلك المسألة دوراً عظيماً في تمييز المنهج الأشعري عن المعتزلي ، ولبّ المسألة يرجع إلى إثبات التحسين والتقبيح العقليين وإنكارهما ، فالمعتزلة على الأوّل والأشعري وأشياعه على الثاني ، و ـ لأجل ذلك ـ أنكروا توصيفه سبحانه بالعدل بالمفهوم المحدد عند العقل ، بل قالوا إنّ كلّ ما يفعله فهو عدل سواء أكان عند العقل عدلاً أم جوراً ، وقد ركّز على ذلك الأشعري في « اللمع » حتى قال : يصحّ لله سبحانه أن يؤلم الأطفال في الآخرة. وهو عادل إن فعله. وكذلك كلّ ما يفعله حتى تعذيب المؤمنين وإدخال الكافرين الجنان ، وإنّما نقول لا يفعل ذلك ، لأنّه أخبرنا أنّه يعاقب الكافرين. وهو لا يجوز عليه الكذب في خبره. (١)
ولكنّه لم يُعلَم إلى الآن أنّ الشيخ من أين علم أنّه لا يجوز عليه تعالى الكذب؟ فإن علم ذلك من إخباره سبحانه بأنّه لا يكذب ، فننقل الكلام إلى إخباره هذا ، فمن أين نعلم أنّه سبحانه لا يكذب في إخباره هذا ( إنّه لا يكذب ) فإنّه كما يحتمل الكذب في سائر إخباره ، يحتمل حتى في نفس هذا الإخبار ؛ وإن علم من حكم العقل بأنّ الكذب قبيح ، والقبيح لا يجوز
ــــــــــــــــــ
١ ـ اللمع : ١١٦.