من البحث بنتيجة تتباعد عنها بكثير ، ويقضي بأنّ « الإبانة » أُلِّفت لنصرة عقيدة أهل الحديث وكسر صولة المعتزلة دون « اللمع » ، لأنّه في الثاني أعمق تفكيراً ، وأشد عناية بالأدلّة العقلية ، ولا يظهر منه أية عناية بابن حنبل ومنهجه العقائدي ، بل يظهر له جلياً أنّ الشيخ في الكتاب الأخير بصدد طرح أُصول يعتقد بها هو ، سواء أكانت موافقة لعقائد الحنابلة أم لا ، وسواء أكان لهم فيها نفي أم لا ، وسواء أوصلت إليها فكرتهم أم لا.
وهذه النتيجة تنعكس على ذهنية القارئ عن طريق طرح الأُصول الموجودة في الكتابين وإليك بيانها إجمالاً :
١ ـ إنّ الشيخ في « الإبانة » : بعد ما طرح في الباب الأوّل عقيدة أهل الزيغ ـ وهم حسب عقيدته عبارة عن المعتزلة والقدرية والجهمية والمرجئة والحرورية والرافضة ـ طرح في الباب الثاني قول أهل الحقّ والسنّة بادئاً كلامه بقوله :
قولنا الذي نقول به ، وديانتنا التي ندين بها : التمسّك بكتاب ربّنا عزّ وجلّ ، وبسنّة نبيّنا صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وما روي عن الصحابة والتابعين وأئمة الحديث ، ونحن بذلك معتصمون ، وبما كان يقول به أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل ـ نضّر الله وجهه ، ورفع درجته ، وأجزل مثوبت هـ قائلون ، ولمن خالف قوله مجانبون. لأنّه الإمام الفاضل ، والرئيس الكامل الذي أبان الله به الحق ، ودفع به الضلال ، وأفصح به المنهاج ، فقمع به بدع المبتدعين ، وزيغ الزائغين ، وشكّ الشاكّين ، فرحمة الله عليه من إمام مقدّم ، وجليل معظّم ، وكبير مفخّم ، وعلى جميع أئمّة المسلمين.
ترى أنّه يجعل عقيدة إمام الحنابلة عدلاً لما روي عن الصحابة والتابعين ، ويعرفه كإمام متمسّك بالحق ومعتصم به ، على وجه يبلغ به مقام العصمة في القول والرأي ، ولكنّه في « اللمع » لا يتحدث عنه أبداً ، ولا يذكر عنه شيئاً ، بل يتفرد بطرح المسائل على ما يتبّناه هو ، وإقامة الدلائل العقلية عليها.
٢ ـ إنّ الأشعري لا يتحدّث في كتاب « الإبانة » عن تنزيه الحقّ جلّ