قد كانت متعلّقة بالعالم ، ولم يكن الاختراع حاصلاً بها ، وهي عند الاختراع متعلّقة به نوعاً آخر من التعلّق ، فبه يظهر أنّ تعلّق القدرة ليس مخصوصاً بحصول المقدور بها. (١)
إنّ الغزالي : يريد أن يثبت تعلّق قدرة العبد على الفعل ببيان أنّه ليس معنى تعلق القدرة هو الاختراع ، بل للتعلّق أقسام بشهادة أنّ قدرته سبحانه تعلّقت بالعالم أزلاً ولم يكن الاختراع حاصلاً عنده فتعلّق القدرة أعم من الاختراع ، فعند ذلك فالاختراع أثر قدرته الأخيرة ، والكسب أثر قدرة العبد.
وأنت خبير بأنّ ما ذكره لا محصل له ، وإنّما هو مجرّد لفظ خال عن معنى ، وذلك أنّه إن أُريد بالقدرة العلة التامة التي يتحقّق بعدها الفعل فتمنع تعلق قدرته سبحانه بكلّ أجزاء العالم أزلاً وأبداً في الأزل وإنّما تعلقت مشيئته على إيجاد كلّ جزء في ظرفه ومكانه ، والقدرة بهذا المعنى خارجة عن إطار البحث ، وإنّما الكلام في القدرة المستدعية للفعل ، فليس لها أثر إلاّ الإيجاد ، وعندئذ فالفعل في وجوده لو استند إليه سبحانه لا يبقى شيء لأن يستند إلى قدرة العبد حتى نقول : الله سبحانه خالق ، والعبد كاسب ، وقد عرفت أنّ الكسب من المفاهيم التي لم يظهر لأحد واقع المراد منها.
٥ ـ رأيه في استوائه سبحانه على العرش
إنّ الظاهر من كلامه في استوائه سبحانه على العرش هو التفويض ، أي تفويض معناه إلى الله سبحانه ، لكنّه عندما يشرح معنى الاستواء ومفاد الآية يفترق عن شيخه أبي الحسن ويلتحق بالمعتزلة الذين يذهبون إلى التأويل في هذه المواضع ، وإليك عبارته :
وأنّه مستو على الوجه الذي قال ، وبالمعنى الذي أراد ، استواء منزهاً عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال ، لا يحمله العرش بل العرش وحملته محمولون بلطف قدرته ، ومقهورون في قبضته ، وهو فوق
ــــــــــــــــــ
١ ـ قواعد العقائد : ١٩٦.