وأمّا قوله سبحانه : وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ فالمراد هو التكاليف الشاقة التي لا تُتحمل عادة ، وإن كانت تُتحمل عقلاً.
ويمكن أن يقال : إنّ المراد من الموصول في ما لا طاقة لنا به هو العذاب النازل أو الرجس ، كالمسخ وغيره ، الذي عمّ الأُمم السابقة.
وأمّا الثاني : فالظاهر أنّ في كلامه تصحيفاً ، وكان الأولى أن يقول أبا لهب مكان أبي جهل.
نعم تصح العبارة لو ورد في الروايات بأنّ النبي أخبر أبا جهل بأنّه لا يؤمن. وعلى كلّ تقدير فالاستدلال في مورد أبي لهب أوضح بأن يقال إنّ الله كلّف أبا لهب الإيمان بالقرآن ، ومن جملة ما أنزل في القرآن أنّه لا يؤمن فقال :
سيصلى ناراً ذات لهب فكأنّه كلّفه الإيمان بأنّه لا يؤمن.
يلاحظ على الاستدلال بأنّ الآية إخبار عن عدم إيمانه ، وأنّه لا يؤمن إلى يوم هلاكه نظير قول نوح : (رَبِّ لا تَذَرْ عَلى الأَرْضِ مِنَ الْكافِرينَ دَيّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَلا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّارا). (١)
ولم يؤمر أبو لهب أن يؤمن بأنّه لا يؤمن بالله ورسوله وكتابه ، وأمّا ما نزل في حقّه فإنّما هو إخبار عن علم جازم بأنّه لا يؤمن فقط.
وإن شئت قلت : سقط التكليف عنه بعصيانه القطعي المستمر في علم الله إلى يوم وفاته بعد نزول هذه السورة الكاشف عن ذلك العصيان ، وكلّ من اتحد معه في هذا الوصف فهو كذلك.
٤ ـ رأيه في كون فعل العباد مخلوقاً لله
قد رأى الغزالي فعل العباد مخلوقاً لله سبحانه ومكسوباً لهم يقول ـ بعد التفريق بين الحركة المقدورة والرعدة الضرورية ـ : إنّها مقدورة بقدرة الله تعالى اختراعاً ، وبقدرة العبد على وجه آخر ، يعبر عنه بالاكتساب ، وليس من ضرورة تعلّق القدرة بالمقدور يكون بالاختراع فقط إذ قدرة الله تعالى في الأزل
ــــــــــــــــــ
١ ـ نوح : ٢٦ ـ ٢٧.