٣ ـ جواز التكليف بمالا يطاق
وقد بنى على إنكار الحسن والقبح العقليين أنّه يجوز على الله سبحانه أن يكلف الخلق مالا يطيقونه ، خلافاً للمعتزلة ، ولو لم يجز ذلك ، لاستحال سؤال دفعه وقد سألوا ذلك فقالوا : (رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ). (١)
ولأنّه تعالى أخبر نبيّه بأنّ أبا جهل لا يصدقه ، ثمّ أمره بأن يأمره بأن يصدقه في جميع أقواله ، وكان من جملة أقواله أنّه لا يصدقه ، فكيف في أنّه لا يصدقه. (٢)
يلاحظ عليه : أنّ في كلا الاستدلالين وهناً واضحاً :
أمّا الأوّل : فهو عجيب جداً كيف يستدل بجزء من الآية ويترك صدرها ، يقول سبحانه :
( لا يُكَلِّفُ الله نَفْساً إِلاّ وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسينا أَو أَخْطَأْنا رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ وَاعْفُ عَنّا وَاغْفِر لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَولانا فَانْصُرْنا عَلى الْقَومِ الكافِرينَ ). (٣)
فصدر الآية يبين شأنه سبحانه وأنّ حكمته مانعة عن أن يكلف نفساً شيئاً خارجاً عن وسعها ، وإنّما يكلفها ما في وسعها ، فلها ما كسبت وعليها ما اكتسبت.
إنّ التكليف عبارة عن الإرادة الجدية المتعلّقة بطلب شيء من الغير ، ولا تتمشّى تلك الإرادة إلاّ مع العلم بكون الفعل في وسع الغير ، فلو وقف على كونه خارجاً عن وسعه ، لما تعلّقت به الإرادة الجدية ، فكيف يمكن تكليف الغير بشيء خارج عن وسعه ، مآل ذلك إلى التكليف المحال؟
ـــــــــــــــــــ
١ ـ البقرة : ٢٨٦.
٢ ـ قواعد العقائد : ٢٠٣ ـ ٢٠٤.
٣ ـ البقرة : ٢٨٦.