إنّ معرفة الله سبحانه وطاعته واجبة بإيجاب الله تعالى وشرعه لا بالعقل ، لأنّ العقل وإن أوجب الطاعة فلا يخلو إمّا أن يوجبها لغير فائدة وهو محال ، فإنّ العقل لا يوجب العبث ، وإمّا أن يوجبها لفائدة وغرض ، وذلك لا يخلو إمّا أن يرجع إلى المعبود ، وذلك محال في حقّه تعالى ، فإنّه يتقدّس عن الأغراض والفوائد ؛ وإمّا أن يرجع ذلك إلى غرض العبد ، وهو أيضاً محال ، لأنّه لا غرض له في الحال ، بل يتعب به وينصرف عن الشهوات بسببه.
وليس في الم آل إلاّالثواب والعقاب ومن أين يعلم أنّ الله تعالى يثيب على المعصية والطاعة ولا يعاقب عليهما؟ (١)
يلاحظ عليه : أنّا نختار الشق الثاني ، وهو أنّ الغرض عائد إلى العبد ، وهو أنّه يعلم من صميم ذاته بأنّ له منعماً ، وأنّ النعمات التي أحاطت به معطاة من غيره ، وعندئذ يحتمل أن يكون لمنعمه أوامر وزواجر وتكاليف وإلزامات ربما يعاقب على تركها ، فعندئذ يحكم العقل عليه بأنّه يجب التعرف على المنعم دفعاً للضرر المحتمل.
والغرض العائد للعبد في المقام ليس غرضاً دنيوياً حتى يقال : كيف يكون هناك غرض وهو يتعب بالمعرفة وينصرف عن الشهوات ، بل غرض عقلي وهو دفع العقاب المحتمل في الم آل.
وما قال من أنّه من أين علم أنّ الله تعالى يعاقب على المعصية ويثيب على الطاعة ولا يعاقب عليهما؟ فهو ناشئ عن إنكار الحسن والقبح العقليين ، أي إنكار أوضح القضايا العقلية وأبدهها ؛ يقول سبحانه دعماً لما تقضي به الفطرة الإنسانية : (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواء مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ ساءَما يَحْكُمُونَ). (٢)
ــــــــــــــــــــ
١ ـ قواعد العقائد : ٢٠٩ ، ولعلّ قوله : « يثيب على المعصية والطاعة » تصحيف « يعاقب على المعصية ويثيب على الطاعة ».
٢ ـ الجاثية : ٢١.