ملك الغير فرع منه ولا ينحصر الظلم فيه.
وثانياً : أنّ حكم العقل بالقبح لا يترتب على لفظ الظلم حتى يفسر بأنّه تصرف في ملك الغير ، والعالم كلّه ملكه سبحانه ، بل العقل يستقل بقبح إيذاء الغير وتعذيبه من دون جرم ولا تعدّ من أي فاعل صدر ، سواءً أكان خالقاً أم غيره ، ولا يجوز التخصيص في الأحكام العقلية.
ثمّ إنّ الغزالي يستدل على صدور القبيح منه بقوله :
« فإن أُريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الباري سبحانه فهو محال ، إذ لا غرض له ، فلا يتصوّر منه قبيح كما لا يتصوّر منه ظلم ».
فإن أُريد بالقبيح ما لا يوافق غرض الغير فلم قلتم : إنّ ذلك عليه محال؟ وهل هذا إلاّ مجرّد تشهّ يشهد بخلافه ما قد فرضناه من مخاصمة أهل النار. (١)
يلاحظ عليه : أنّ تفسير القبيح بما لا يوافق الغرض ساقط جداً ، وهو من التفسيرات الخاطئة التي وردت في كتب المتكلّمين من الأشاعرة ، وقليل من المعتزلة ، بل المراد من القبيح ما يستقل العقل بداهة بقبحه إذا لاحظه من دون أن يلاحظ الغرض ، فقد قلنا إنّه كما يوجد في الحكمة النظرية قضايا بديهية ونظرية فهكذا يوجد في الحكمة العملية قضايا يستقل العقل بحسنها وقبحها بالبداهة ، وقضايا يتوقف فيها العقل في بدء الأمر حتى يرجع إلى القضايا الواضحة في الحكمة العملية ، فلا الحسن يدور على موافقة الغرض ولا القبح على مخالفته ، بل كلاهما يدوران على أحكام عقلية واضحة لدى العقل من دون تخصيصها بزمان دون زمان ، أو مكان دون مكان ، أو فاعل دون فاعل.
٢ ـ معرفة الله واجبة شرعاً لا عقلاً
وقد اقتفى الغزالي في هذه المسألة أثر شيخه أبي الحسن الأشعري وقال :
ــــــــــــــــــ
١ ـ قواعد العقائد : ٢٠٨ ، ويشير بقوله« من مخاصمة أهل النار » إلى المناظرة التي وقعت بين الأشعري وشيخه أبي علي الجبائي ، وقدأوعزنا إليها في صدر الكتاب.