يوجب أن يكون كلام الله غير مخلوق. (١)
يلاحظ عليه : أنّ الاستدلال مبني على أنّ « الأمر » في الآية بمعنى كلام الله ، وهو غير ثابت ، بل القرينة تدلّ على أنّ المراد منه غير ذلك ، كيف وقد قال سبحانه في نفس الآية : والنُّجُوم مُسَخَّرات بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الخَلْق وَالأَمْر والمراد من اللفظين واحد ، والأوّل قرينة على الثاني. وهدف الآية هو أنّ الخلق بمعنى الإيجاد وتدبير الموجد كلاهما من الله سبحانه ، وليس شأنه سبحانه خلق العالم والأشياء ثمّ الانصراف عنها وتفويض تدبيره إلى غيره ، حتّى يكون الخلق منه ، والتدبير على وجه الاستقلال من غيره ، بل الكلّ من جانبه سبحانه.
وباختصار : المراد من الخلق هو إيجاد ذوات الأشياء ، والمراد من الأمر ، النظام السائد عليها : فكأنّ الخلق يتعلّق بذواتها ، والأمر بالأوضاع الحاصلة فيها والنظام الجاري بينها. وتدلّ على ذلك بعض الآيات التي يذكر فيها « تدبير الأمر » بعد الخلق.
يقول سبحانه : (إِنَّ رَبّكُمُ الله الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ في سِتَّةِ أَيّام ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ ما مِنْ شَفيع إِلاّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِه). (٢)
وقال تعالى : (اللّهُ الَّذي رَفَعَ السَّمواتِ بِغَيْرِ عَمَد تَرَونها ثُمَّ اسْتَوى عَلى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْري لأَجَل مُسَمّى يُدَبِّرُ الأَمْرَ يُفَصِّلُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ). (٣)
فليس المراد من الأمر ما يقابل النهي ، بل المراد الشؤون الراجعة إلى التكوين ، فيكون المقصود إنّ الإيجاد أوّلاً ، والتصرف والتدبير ثانياً ، منه سبحانه ، فهو الخالق المالك لا شريك له في الخلق والإيجاد ، ولا في الإرادة والتدبير.
ـــــــــــــــــ
١ ـ الإبانة : ٥١ ـ ٥٢.
٢ ـ يونس : ٣.
٣ ـ الرعد : ٢.