وفي الختام نضيف أنّه سبحانه يصف الروح بكونه من مقولة الأمر ويقول : ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) (١) فهل الأشعري يسمح لمسلم أن يعتقد بكون الروح ( بأيّ وجه فسر ) المسؤول عنه في الآية غير مخلوق؟!
الثالث : قوله سبحانه : (إِنْ هذا إِلاّ قَولُ الْبَشَرِ ) (٢) قال الأشعري : فمن زعم أنّ القرآنمخلوق فقد جعله قولاً للبشر ، وهذا ما أنكره الله على المشركين. (٣)
يلاحظ عليه : أنّ من يقول بأنّ القرآن مخلوق لا يريد إلاّ كونه مخلوقاً لله سبحانه. فالله سبحانه خلقه وأوحى به إلى النبي ، ونزّله عليه نجوماً في مدة ثلاث وعشرين سنة ، وجعله فوق قدرة البشر ، فلن يأتوا بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
نعم ، كون القرآن مخلوقاً لله سبحانه لا ينافي أن يكون ما يقرأه الإنسان مخلوقاً له ، لبداهة أنّ الحروف والأصوات التي ينطق بها الناس مخلوقة لهم ، وهذا كمعلّقة امرئ القيس وغيرها ، فأصلها مخلوق لنفس الشاعر ، لكن المقروء مثال له ، ومخلوق للقارئ.
والعجب أنّ الأشعري ومن قبله ومن بعده لم ينقّحوا موضع النزاع ، فزعموا أنّه إذا قيل « القرآن مخلوق » فإنّما يراد منه كون القرآن مصنوعاً للبشر ، مع أنّ الضرورة قاضية بخلافه ، فكيف يمكن لمسلم يعتنق القرآن ويقرأ هتاف الباري سبحانه فيه : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الكِتابَ بِالْحَقِّ) (٤)أن يتفوّه بأنّ القرآن مخلوق للبشر. بل المسلمون جميعاً يقولون في القرآن نفس ما قاله سبحانه في
ـــــــــــــــــــ
١ ـ الإسراء : ٨٥.
٢ ـ المدثر : ٢٥.
٣ ـ الإبانة : ٥٦.
٤ ـ آل عمران : ٣.