يسمع ، وإنّما كلامه سبحانه فعل منه ، أنشأه ومثله ، لم يكن من قبل ذلك كائناً ، ولو كان قديماً لكان إلهاً ثانياً ». (١)
وثانياً : نحن نختار الشق الثاني ، ولا يلزم التسلسل ، ونلتزم بأنّ هنا قولاً سابقاً على القرآن هو غير مخلوق ، أوجد به سبحانه مجموع القرآن وأحدثه ، حتّى كلمه « كن » الواردة في تلك الآية ونظائرها ، فتكون النتيجة حدوث القرآن وجميع الكتب السماوية وجميع كلمه وكلامه إلاّ قولاً واحداً سابقاً على الجميع ، فينقطع التسلسل بالالتزام بعدم مخلوقية لفظ واحد ، فتدبر.
وثالثاً : كيف يمكن أن تكون كلمة « كن » الواردة في الآية وأمثالها قديمة ، مع أنّها إخبار عن المستقبل فتكون حادثة. يقول سبحانه مخبراً عن المستقبل : ( إنّما قولنا لشيء إذا أردناه أن نقول له كن فيكون ) ولأجل ذلك التجأ المتأخرون من الأشاعرة إلى أنّ لفظ « كن » حادث ، والقديم هو المعنى الأزلي النفساني. (٢)
الثاني : قوله سبحانه : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذي خَلَقَ السَّمواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّام ثُمَّ اسْتَوى عَلى العَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَيَطْلُبُهُ حَثيثاً والشَّمْسَ وَالْقَمَرَوَالنُّجُومَ مُسَخَّرات بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبارَكَ الله رَبُّ الْعالَمينَ). (٣)
قال الأشعري : « فالخلق » جميع ما خلق داخل فيه ، ولما قال« الأمر » ذكر أمراً غير جميع الخلق. فدلّ ما وصفناه على أنّ الله غير مخلوق. وأمّا أمر الله فهو كلامه.
وباختصار : انّه سبحانه أبان الأمر من الخلق ، وأمر الله كلامه ، وهذا
ــــــــــــــــــ
١ ـ نهج البلاغة : الخطبة ١٨٦.
٢ ـ دلائل الصدق حاكياً عن ابن روزبهان الأشعري : ١/١٥٣.
٣ ـ الأعراف : ٥٤.