قائلاً للقول« كن » لكان القول قولاً ، وهذا يوجب أحد أمرين :
إمّا أن يؤول الأمر إلى أنّ قول الله غير مخلوق.
أو يكون كلّ قول واقعاً بقول لا إلى غاية ، وذلك محال ، وإذااستحال ذلك ، صحّ وثبت أنّ لله عزّ وجلّ قولاً غير مخلوق. (١)
يلاحظ عليه :
أوّلاً : أنّ الاستدلال مبني على كون الأمر بالكون في الآية ونظائرها أمراً لفظياً مؤلّفاً من الحروف والأصوات ، وأنّه سبحانه كالسلطان الآمر ، فكما أنّه يتوسل عند أمر وزرائه وأعوانه باللفظ فهكذا سبحانه يتوسل عند خلق السماوات والأرض باللفظ والقول ، فيخاطب المعدوم المطلق بلفظة « كن ».
ولا شكّ أنّ هذا الاحتمال باطل جدّاً ، إذ لا معنى لخطاب المعدوم. وما يقال في تصحيحه بأنّ المعدوم معلوم لله تعالى ـ فهو يعلم الشيء قبل وجوده ، وأنّه سيوجد في وقت كذا ـ غير مفيد ، لأنّ العلم بالشيء لا يصحح الخطاب الجدي ، وإنّما المراد من الأمر في الآية كما فهمه جمهور المسلمين ، هو الأمر التكويني المعبر به عن تعلّق الإرادة القطعية بإيجاد الشيء ، والمقصود من الآية : إنّ تعلّق إرادته سبحانه بشيء يستعقب وجوده ، ولا يأبى عنه الشيء ، وأنّ ما قضاه من الأُمور وأراد كونه ، فإنّه يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف ، كالمأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل ، لا يتوقف ولا يمتنع ولا يكون منه الإباء. وبذلك تقف على الفرق بين الأمر التكليفي التشريعي الوارد في الكتاب والسنّة ، والأمر التكويني ، فالأوّل يخاطب به الإنسان العاقل القابل للتكليف ولا يخاطب به غيره فضلاً عن المعدوم ، وهذا بخلاف الأمر التكويني فإنّه رمز إلى تعلّق الإرادة القطعية بإيجاد المعدوم.
وهذا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام يفسر الأمر التكويني بقوله : « يقول لمن أراد كونه ، كن ، فيكون لا بصوت يقرع ، ولا بنداء
ــــــــــــــــــ
١ ـ الإبانة : ٥٢ ـ ٥٣.