٤ ـ ما يرى ولا يُخرى ، وهذا القسم تفرّد به سبحانه ، وأنّه تعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
وبعبارة أُخرى : إنّه سبحانه لمّا قال : وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْء وَكيل ربما يتبادر إلى بعض الأذهان أنّه إذا صار وكيلاً على كلّ شيء ، يكون جسماً قائماً بتدبير الأُمور الجسمانية ، فدفعه بأنّه سبحانه مع كونه وكيلاً لكلّ شيء لا تُدْرِكُهُ الأَبصارولمّا يتبادر من ذلك الوصف ، إلى بعض الأذهان أنّه إذا تعالى عن تعلّق الأبصار فقد خرج عن حيطة الحس ، وبطل الاتصال الوجودي الذي هو مناط الإدراك والعلم بينه وبين مخلوقاته ، دفعه بقوله : وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصار ثمّ علّل بقوله : وَهُوَ اللَّطيفُ الْخَبير ، واللّطيف وهو الرقيق النافذ في الشيء والخبير من له الخبرة الكاملة ، فإذا كان تعالى محيطاً بكلّ شيء لرقته ونفوذه في الأشياء ، كان شاهداً على كلّ شيء ، لا يفقده ظاهر كلّ شيء وباطنه ، ومع ذلك فهو عالم بظواهر الأشياء وبواطنه ، من غير أن يشغله شيء عن شيء ، أو يحتجب عنه شيء بشيء. (١)
ومن عجيب التأويل : قول الأشعري : إنّ قوله سبحانه : لا تُدْرِكُهُ الأَبْصار : تأويله الصحيح : إمّا أنّ الأبصار لا تدركه تعالى في الدنيا ولكن تدركه في الآخرة.
وإمّا أنّ أبصار الكافرين لا تدركه. (٢)
ولا يخفى أنّه تأويل لا شاهد له ، وهو يهاجم المعتزلة بنظير هذه التأويلات ، وقد ارتكبه هو في الذب عن مذهبه.
وحسبك في توضيح الآية ما ذكره الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا عليهالسلام في تفسير الآية ، روى العياشي في تفسيره عن الأشعث بن حاتم قال : قال ذو الرئاستين : قلت لأبي الحسن الرضا عليهالسلام : جعلت
ــــــــــــــــــ
١ ـ الميزان : ٧/٣٠٨ بتلخيص.
٢ ـ الإبانة : ١٧.