فداك ، أخبرني عمّا اختلف فيه الناس من الرؤية ، فقال بعضهم : لا يُرى. فقال : يا أبا العباس من وصف الله بخلاف ما وصف به نفسه ، فقد أعظم الفرية على الله ، قال الله : لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأَبصار وهو اللَّطيف الخبير. (١)
وهناك حديث آخر عن الإمام الطاهر علي بن موسى الرضا صلىاللهعليهوآلهوسلم : قال أبو قرة للإمام الرضا عليهالسلام : إنّا رُوينا أنّ الله عزّ وجلَّ قسم الرؤية والكلام بين اثنين ، فقسم لموسى عليهالسلام الكلام ، ولمحمّد صلىاللهعليهوآلهوسلم الرؤية؟ فقال أبو الحسن عليهالسلام : فمن المبلّغ عن الله عزّوجلّ إلى الثقلين : الجن والإنس : لا تُدْرِكُهُ الأَبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبصار ، ووَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً ، وليْسَ كَمِثْلِهِ شَيءأليس محمداً صلىاللهعليهوآلهوسلم ؟ قال : بلى. قال : فكيف يجيء رجل إلى الخلق جميعاً فيخبرهم أنّه جاء من عند الله ، وأنّه يدعوهم إلى الله بأمر الله ويقول : لا تُدْرِكُهُ الأَبصار وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبصار ، وَلا يُحيطُونَ بِهِ عِلْما ، وليْسَ كَمِثْلِهِ شَيءثمّ يقول : أنا رأيته بعيني ، وأحطت به علماً ، وهو على صورة البشر ، أما تستحيون؟ ما قدرت الزنادقة أن ترميه بهذا : أن يكون يأتي عن الله بشيء ، ثمّ يأتي بخلافه من وجه آخر. (٢)
كلام الرازي حول الآية
وإنّ تعجب فعجب قول الرازي : « إنّ أصحابنا ( الأشاعرة ) احتجوا بهذه الآية على أنّه يجوز رؤيته ، والمؤمنون يرونه في الآخرة » فإنّ الآية لو لم تدل على مقالة المنكِر ، لا تدل على مقالة المثبت ، ولما كان موقف الرازي في المقام موقف المفسر الذي اتخذ لنفسه عقيدة وفكرة ، حاول أن يثبت دلالة الآية على ما يرتئيه بوجوه عليلة ، وإليك تلك الوجوه :
ــــــــــــــــــ
١ ـ تفسير العياشي : ١/٣٧٣ الحديث ٧٩.
٢ ـ التوحيد للصدوق : ١١٠ ـ ١١١ ، الحديث ٩ ، وقد استدلّ الإمام عليهالسلام بعدة آيات على امتناع رؤيته ، وسيوافيك بيان دلالتها.